وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                

Search form

إرسال الی صدیق
الشّريف الرضِّي شاعر أهل البيت

علي غريب بهيج

قال عباس محمود العقاد : «هو أفحل شعراء عصره لفظا، وافخمهم معنى، وربما كان في لغته أفحل الشعراء الاسلاميين قاطبة» .

هكذا لخص العقاد في عبارته السابقة اهم خصائص فن الشريف الرضي ومكانته كشاعر.

فهو فعلا شاعر يمتاز بجمال الاسلوب وبحاسة لغوية دقيقة تمكنه من اختيارالألفاظ اختيارا يبلغ حد الروعة في تناسقه وتناسبه وايقاعه .  وليس هذا فحسب، انه يغوص ايضا وراء المعاني المبتكرة والأفكار العميقة. وعلى الرغم من روعة شعره ورقة غزله وجزالة أسلوبه الا أنه لم يشتهر في اشعاره.

فمعظم كتب الأدب الدراسية تتجاهل هذا الشاعر الفذ بما يتنافى مع مكانته . لكنه لم يعدم وجود معجبين بأشعاره متحمسين لها مادحين له بما هو أهله كما رأينا في عبارة العقاد.

كذلك راينا شاعرا حديثا مثل الدكتور ناجي شاعر الحب في عصرنا الحديث يعجب بأشعار الشريف الرضي منذ حداثة سنه ، حتى انه ليقال ان ناجي قد حفظ ديوان ذلك الشاعر كله ولم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. ونحن نظن ظنا ان هذا الخبر صحيح لما يتمتع به شعر الشريف الرضي من سلاسة وسهولة وجمال وشدة اسر. واكثر من هذا فقد بدا ناجي حياته الفنية كشاعر بمحاكاة الشريف الرضي وتقليده خصوصا في شعر الحب والغزل.

واذا كان الشريف الرضي الشاعر لم يشتهر في عصرنا الحديث بما هوأهل له فانه كان على عكس ذلك مشهورا محل اعجاب في عصره بين أدباء العصر ونقاده، فالثعالبي – مؤلف كتاب «يتيمة الدهر في محاسن شعراء العصر» - وهو من معاصري الشريف الرضي يقول عنه : «هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر ، على كثرة شعرائهم المغلفين ، ولو قلت انه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق».

كذلك اشتهر الشريف الرضي في عصرنا الحديث بعمل آخر غير الشعر وهو جمعه لكتاب «نهج البلاغة» الشهير والمنسوب الى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه.

الشريف الرضي شعر الحب والغزل.

وأول ما يلفت النظر في ديوان الشريف الرضي وفرة شعر الحب والغزل. ذلك اللون الذي يبلغ من الرقة والجمال ما يجعلنا نقول انه مهد لشعر التصوف الاسلامي الذي اشتهر على عصر الشريف الرضي وبعد عصره.

فنحن نعرف أن أساس الشعر الصوفي الذي يقوم عليه هو الحب والغزل ، لكنه حب يحمل معاني سماوية لا أرضية جسدية .. وشعر الشريف الرضي في الحب والغزل وما يتخلله من ذكر للأماكن المقدسة والحنين اليها هو لون يماثل تماما أشعار المتصوفين ويمهد لها مما يجعله رائدا في هذا المجال .

ويتسع بنا المجال لو حاولنا أن نقدم نماذج من هذه الأشعار ولكننا مضطرون لتقديم اليسير منها، من مثل قوله:

يا ظبية البان ترعى في خمائله ***** ليهنك اليوم ان القلب مرعاك

الماء عندك مبذول لشاربه ***** وليس يرويك الا  مدمعي الباكي

هيت لنا هن رياح الغور رائحة ***** بعد الرقاد عرفناها برياك

حكت لحاظك ما في الريم من ملح ***** يوم اللقاء وكان الفضل للحاكي

انت النعيم لقلبي والعذاب له ***** فما أمرك في قلبي وأحلاك

وقوله أيضا:

الهاك عنا ربة البرقع ***** هوالثلاثين الى الأربع

أنت اعنت الشيب في مفرقي ***** مع الليالي فصلي او دعي

يا حاجة القلب الم ترحمي ***** جناية الدمع على مدمعي

يا حبذا منك خيال سرى ***** فدله الشوق على مضجعي

وشعره في الحب والغزل يمضي على هذا النحو رقة في المعاني وجزالة في الاسلوب ومعاني سامية فيها عفة وتصوف. فشعره في هذا المجال قريب من الشعر الحديث كما أنه يقترب أشد الاقتراب من الشعر الصوفي.

وليس أدل على ذلك من بكائه للأطلال ، حيث نرى معاني صوفية سامية ، وأفكارا مبتكرة تقترب من الشعر الحديث ، وليس شعرا تقليديا على نحو ما كان يفعل غيره.

فمن ذلك قوله:

ولقد بكيت على ربوعهم ***** وطلولها بيد البلى نهب

فبكيت حتى ضج من لغب ***** نضوى ،ولج  بعذلي الركب

وتلفتت عيني ، فمذ خفيت ***** عني الطلول تلفت القلب

 شاعر التأمل والحكمة:

وليس شعر الحب والغزل هواللون الوحيد الذي اشتهر به فن الشريف الرضي ذلك أنه كما يمكننا أن نقول عنه انه شاعر الحب والغزل ، كذلك يمكننا أن نقول عنه بلا مراء انه شاعر التأمل والحكمة.

فديوانه معرض حافل للحكم والأمثال والتأملات الفلسفية في الحياة . وهي حكم وأمثال وتأملات استقاها من حياته الخاصة وتجاربه الذاتية .

وقد  يكون في ذلك تلميذا للمتنبي محاكيا له ، كما قيل عنه ، ولكنه – حتى ان صح ذلك – يصدر عن تجارب ذاتية وعبقرية خاصة. فهو دائما يحتفظ بخصائص فنه أسلوبا ومعنى تلك الخصائص التي طبعت شعره بطابع مميز فريد.

وهو يتميز عن المتنبي في أنه لا يفتعل الحكمة افتعالا ، ولا يترجم حكما أجنبية كما فعل المتنبي في تعريبه لحكم أرسطو، وإنما هو يتحدث عن تجاربه الخاصة . وقد تكون حكم المتنبي أعمق وأشمل من حكمه ، الا أن حكم الشريف الرضي أكثر صدقا وأرق أسلوبا.

وهناك خاصية أخرى تمتاز بها حكم الشريف الرضي وأمثاله وتاملاته وهي طابع الفخر الذي تتميز به .

وهو طابع راجع الى كرم محتده وعراقة أصله حيث يصل نسبه من جهة والديه الى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

ويطول بنا المقام اذا استعرضنا هذا اللون في شعر الشريف الرضي فمن شعره الذي يجري مجرى الأمثال قوله:

وما كل أيام المشيب هريرة ***** ولا كل ايام الشباب عذاب

ويجري على من مات دمعي وماله ***** بكيت ، ولكن بكيت على نفسي

وقوله:

اذا قل مالي قل صحبي وان نما ***** فلي من جميع الناس اهل ومرجب

وقوله:

من يشتري مني جميع فضلي ***** بساعة من عيش اهل الجهل

وقوله:

قد يبلغ الرجل الجبان بماله ***** ما ليس يبلغه الشجاع المعدم

وقوله:

لا تجعلن دليل المرء صورته ***** كم مخبر سمج عن منظر حسن

وقوله:

اذا لم انل من بلدة ما اريده ***** فما سرني ان البلاد رحاب

ومن تاملاته الفلسفية الذاتية قوله:

يقولون ماش الدهر من حيث ما مشى ***** فكيف بماش استقيم ويظلع

وما واثق بالدهر الا  قراقد ***** على فضل ثوب الظل والظل يسرع

وقالوا تعلل، انما العيش نومة ***** تقضي ويمضي طارق الهم اجمع

ولو كان نوما ساكنا لحمدته ***** ولكنه نوم مروع مفزع

وقوله أيضا:

قف موقف الشك لاياس ولاطمع ***** وحائط العيش لا صبر ولا جزع

وخادع القلب لا يود الغليل ***** به ان كان قلب عن الماضين ينخدع

وكاذب النفس يمتد الرجاء لها ***** ان الرجاء بصدق النفس ينقطع

ومن تاملاته التي تتسم بطابع الفخر والاعتداد بمحتده وكرم اصله قوله:

وللحلم اوقات ، وللجهل متلها ***** ولكن ايامي الى الحتم اقرب

ولا اعرف الفحشاء الا بوصفها ***** ولا الصق العوراء والقلب مغضب

لساني حصاة يقرع الجهل بالحجا ***** ادا نال مني العاضه المتوثب

وهذا الفخر يلازمه حتى في رثائه لوالدته من مثل قوله في معرض هذا الرثاء:

آباؤك الغر الذين تفجرت ***** بهم ينابيع من النعماء

من ناصر للحق او داع الى ***** سبل الهدى او كاشف الغماء

وهكذا نرى الشريف الرضي شاعرا حكيما ، كما رايناه شاعر عشق وغزل وهي حكم نراها تنبع من ذات نفسه ، ومن خصاله الحميدة التي الزم نفسه بها وأرادها لغيره ، وليس أدل على ذلك من قوله:

وفي شدة الدهر اعتبار لعاقل ***** وفي لذة الدنيا غرور لواثق

فهو مؤمن لا تزعجه شدة الدهر ولا تغره أيام النعيم . كذلك نراه زاهدا لا يرغب في متاع او جمع مال، من مثل قوله:

وما جمعي الأموال الا غنيمة ***** لمن عاش بعدي واتهام لرازقي

الشريف الرضي ونهج البلاغة:

أما عن كتاب «نهج البلاغة» والذي اشتهر به الشريف الرضي في عصرنا الحديث أكثر مما اشتهر بيننا كشاعر ، فهو كتاب جمع أبلغ ما أثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من خطب ، ورسائل ، ومواعظ ، وحكم جمعها الشريف الرضي .

وقد رتب الشريف الرضي كتابه – كما يقول في مقدمته – على ثلاثة أبواب ، أولها: الخطب والأوامر وثانيها: الكتب والرسائل، وثالثها : الحكم والمواعظ.

واذا كان هناك جدل بين بعض العلماء حول جامع هذا الكتاب (نهج البلاغة) وهل هوالشريف الرضي أم أخوه الشريف المرتضى ، الا أن الراجح بالدلائل البينة أن جامع هذا الكتاب هوالشريف الرضي لا المرتضى.

وهي دلائل ليس هنا مجال تفصيل القول فيها المهم أن هذا العمل الادبي القيم يحوي طائفة رائعة من أروع الخطب وأبلغ الحكم والمواعظ والامثال والاقوال تبلغ الذروة في البلاغة والفصاحة وهناك أيضا بعض الدارسين ممن يشك في نسبة بعض ما ورد في هذا الكتاب الى الامام علي . غير أن الغالبية العظمى تقطع بنسبته اليه ان لم يكن كله فعلى الأقل معظمه. وقد عرفنا هذا الكتاب القيم مصححا ومحققا ومشروحا بقلم الامام الاكبر الشيخ محمد عبده – كما بلغ عدد شروح «نهج البلاغة بالعربية والفارسية ما يزيد على أربعين شرحا، لكن أهم هذه الشروح وأوفاها شرح أبى الحديد» .

من هوالشريف الرضي :

هو أبوالحسن محمد بن ابي أحمد الحسين بن موسى، ويصل نسبه لابيه الامام علي بن أبي طالب كذلك أمه فاطمة بنت الحسين بن الحسن الناصر يصل نسبها أيضا الى علي كرم الله وجهه فهوعلوي طالبي النسب أبا وأما.

ولد الشريف الرضي في سنة ٣٥٩ هـ، واشتغل بالعلم ففاق في الفقه والفرائض، وبرزعلى أهل زمانه في العلم والادب، تولى نقابة الطالبيين بعد أبيه في حياته سنة ٣٨٨هـ ، وضمت اليه مع النقابة سائر الأعمال التي كان يليها أبوه ، وهي النظر في المظالم ، والحج بالناس.

وكان من سمو المقام بحيث كان يخاطب الخليفة القادر بالله العباسي كما يخاطب ندا له لا يفترق عنه ، حيث يقول له في احدى قصائده:

عطفا أمير المؤمنين فاننا ***** في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت ***** أبدا ، كلانا في المعالي معرق

الا الخلافة ميزتك فانني ***** انا عاطل منها ، وأنت مطوق

ويقال انه ابتدأ يقول الشعر بعد ان جاوز عشر سنين بقليل .

وقال بعض واصفيه من معاصريه : «كان شاعرا مغلقا ، فصيح النظم ، ضخم الألفاظ  قادرا على القريض ، متصرفا في فنونه .. متين العبارات ، سامي المعاني».

وقد اعتنى بجمع شعره في ديوان جماعة , وأجود ما جمع منه مجموع أبي حكيم الحيري ، وهو ديوان كبير يدخل في أربعة مجلدات كما ذكره صاحب اليتيمة .

وصنف كتابا في معاني القرآن العظيم ، قالوا : يتعذر وجود مثله ، وهو يدل على  سعة إطلاعه في النحو واللغة  وأصول الدين , كتاب في مجازات القرآن .

ومن أخلاقه أنه كان عفيفا متشدد. في العفة  بالغا فيها الى النهاية. لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة ، حتى انه رد صلات أبيه وكان  ذوو السلطان وكبار رجال الدولة يجلّونه على اخيه المرتضى.

وقد توفي الشريف الرضي سنة ٤٠٦ هـ، ودفن في داره بمسجد الانباريين بالكرخ وقد رثاه أخوه المرتضى بقصيدة، منها هذا البيت:

لله عمرك من قصير طاهر ***** ولرب عمر طال بالأدناس

حكى ابن خلكان عن بعض الفضلاء أنه رأى في مجموع أن بعض الادباء اجتاز بدار الشريف الرضي «بسر من رأى» وهولا يعرفها ، وقد أخنى عليها الزمان ، وذهبت بهجتها ، وأخلقت ديباجتها .. وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة وحسن الشارة فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان ، فتمثل بقول الشريف الرضي:

( ولقد بكيت على ربوعهم ***** وطلولها بيد البلى نهب)

الخ الأبيات فمر به شخص ، وهو ينشد الابيات فقال له : هل تعرف هذه الدار لمن هي؟ فقال: لا ، فقال: هذه الدار لصاحب الأبيات الشريف الرضي !

منقول من مجلة الجديد العدد /١٤١ سنة ١٩٧٧

****************************