الشريف الرضي
في رثاء الإمام الحسين عليه السلام *
رَاحِلٌ أنْتَ ، وَاللّيَالي نُزُولُ ***** وَمُضِرٌّ بِكَ البَقَاءُ الطّوِيلُ
لا شُجَاعٌ يَبْقَى فَيَعْتَنِقَ ال ***** بِيضَ ، وَلا آمِلٌ ، وَلا مَأمُولُ
غاية الناس في الزمان فناءٌ ***** وكذا غاية الغصون الذبول
إنما المرء للمنية مخبوء ***** وللطعن تستجم الخيول
مِنْ مَقِيلٍ بَينَ الضّلُوعِ إلى طو ***** لِ عَنَاءٍ ، وَفي التّرَابِ مَقِيلُ
فَهْوَ كَالغَيْمِ ألّفَتْهُ جَنوبٌ ***** يوم دجن ومزقته قبول
عادة للزمان في كل يوم ***** يتناىء خلٌ وتبكي طلول
فَاللّيَالي عَوْنٌ عَلَيْكَ مَعَ البّيْ ***** ن كما ساعد الذوابل طول
رُبّمَا وَافَقَ الفَتى مِنْ زَمَانٍ ***** فَرَحٌ ، غَيرُهُ بِهِ مَتْبُولُ
هي دنيا إن واصلت ذا جفت ***** هذا ملاَلاً كأَنها عطبول
كل باك يبكي عليه وإن ***** طال بقاءٌ والثاكل المثكول
وَالأمَانيُّ حَسْرَةٌ وَعَنَاءٌ ***** لِلّذِي ظَنّ أنّهَا تَعْلِيلُ
ما يبالي الحمام أين ترقى ***** بعد ما غالت ابن فاطم غول
أيُّ يَوْمٍ أدمى المَدامِعَ فيهِ ***** حادث رائع وخطب جليل
يَوْمُ عاشورَاءَ الذي لا أعَانَ ال ***** صحب فيه ولا أجار القبيل
يا ابن بنت الرسول ضيّعت ***** العهدَ رجالٌ والحافظون قليل
ما أطَاعُوا النبيّ فيكَ ، وَقَدْ مَا ***** لَتْ بِأرْمَاحِهمْ إلَيكَ الذُّحولُ
وَأحَالُوا عَلى المَقَادِيرِ في حَرْ ***** بك لو أن عذرهم مقبول
وَاستَقالُوا مِنْ بَعدِ ما أجلَبوا في ***** هَا أالآنَ أيّهَا المُسْتَقِيلُ
إنّ أمراً قَنّعْتَ مِنْ دُونِهِ السّيْ ***** نِ ، وَوَلّى ، وَنَحْرُهُ مَبلُولُ
يا حُسَاماً فَلّتْ مَضَارِبُهُ الهَا ***** مَ ، وَقَدْ فَلّهُ الحُسَامُ الصّقِيلُ
يا جَوَاداً أدْمَى الجوَادَ مِنَ الطّعْ ***** يوم يبدو طعن وتخفى حجول
يوْمَ طاحَتْ أيدي السّوَابق في النّقْ ***** عِ وَفاضَ الوَنى وَغاضَ الصّهيلُ
أتُرَاني أُعِيرُ وَجْهِيَ صَوْناً ***** وَعَلى وَجهِهِ تَجولُ الخُيولُ
أتُرَاني ألَذُّ مَاءً ، وَلَمّا ***** يَرْوَ مِنْ مُهجَةِ الإمامِ الغَليلُ
قبلته الرماح وانتصلت في ***** هِ المَنَايَا ، وَعَانَقَتْهُ النُّصُولُ
وَالسّبَايا عَلى النّجَائِبِ تُسْتَا ***** وقد نالت الجيوب الذيول
مِنْ قُلُوبٍ يَدْمَى بهَا ناظرُ الوَجْ ***** دِ وَمن أدمُعٍ مَرَاها الهُمُولُ
قد سلبن القناع عن كل وجه ***** فيه للصون من قناع بديل
وَتَنَقّبْنَ بِالأنَامِلِ ، وَالدّمْ ***** عُ عَلى كُلّ ذي نِقَابٍ دَلِيلُ
وَتَشَاكَينَ ، وَالشّكَاةُ بُكَاءٌ ***** وَتَنَادَينَ ، وَالنّدَاءُ عَوِيلُ
لا يغب الحادي العنيف ولا ***** يفتر عن رنَّة العديل العديلُ
يا غريب الديار صبري غريب ***** وَقَتيلَ الأعداءِ ، نَوْمي قَتيلُ
بي نِزَاعٌ يَطغَى إلَيكَ وَشَوْقٌ ***** وغرام وزفرة وعويل
لَيتَ أنّي ضَجيعُ قَبرِكَ ، أوْ أ ***** نّ ثَرَاهُ بِمَدْمَعي مَطْلُولُ
لا أغَبَّ الطُّفُوفَ في كُلّ يَوْمٍ ***** من طراق الأنواءِ غيث هطول
مَطَرٌ نَاعِمٌ ، وَرِيحُ شَمَالٍ ***** ونسيمن غض وظل ظليل
يا بني أحمد إلى كم سناني ***** غَائِبٌ عَنْ طِعَانِهِ مَمطُولُ
وَجِيَادِي مَرْبُوطَةٌ ، وَالمَطَايا ***** وَمَقَامي يَرُوعُ عَنهُ الدّخيلُ
كَم إلى كم تَعلو الطُّغاةُ ، وكم يح ***** كُمُ في كُلّ فاضِلٍ مَفضُولُ
قَدْ أذاعَ الغَليلُ قَلبي ، وَلَكِنْ ***** غير بدع إن استطبّ العليل
لَيْتَ أنّي أبقَى ، فأمتَرِقَ النّا ***** سَ وَفي الكَفّ صَارِمٌ مَسلُولُ
واجر القنا لثارات يوم ال ***** طّفّ يَستَلحِقُ الرّعيلَ الرّعيلُ
----------------------------------------------
* (نظمها سنة ٣٨٧هـ) منقول من ديوان الشريف الرضي (الموقع)