وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                

Search form

إرسال الی صدیق
في رحاب نهج البلاغة (التّاريخ في مجال الفكر) – الثاني

إسلام الموسوي

إنّهم كانوا على شرّ دينٍ .

كانت الأصنام فيهم منصوبة يتوجهون إليها بالعبادة والضراعة، كانوا، إذن، وثنيّين، وكانت وثنيّتهم، الّتي استعاروها من هنا وهناك، بدائية متخلفة خالية من الجمال الفنّي والذوق إضافة إلى خلوها، بطبيعة الحال، من كلّ مضمون روحي سليم وكانوا في شر دارٍ.

كانت دارهم البادية القاحلة المجدبة الّتي تفرض عليهم شروط حياة صعبة قاسية جعلت من حياتهم سلسلة من الأخطار والمتاعب وألوان الحرمان.

وكانوا - بسبب ما هم عليه من إفلاس روحي لأنهم على شرّ دين، ومن تخلف في حياتهم المادّيّة لأنهم في شرّ دار - ... بسبب هذا وذاك - كانوا على شرّ حال في حياتهم الإجتماعية وعلاقاتهم الإنسانية، فهم يقطعون أرحامهم، وهم يسفكون دماءهم.

وهم - بالإجمال - يكدحون بأستمرار لتوفير حياة متخلفة، قاسية، فقيرة في الشكل والمضمون في ظل علاقات اجتماعيّة وإنسانيّة فاسدة.

في نصّ آخر يؤرخ الإمام للتغيير الّذي أدخلته النبوّة على حياة العرب، ويسجّل ملامح عامة للحال الّتي انتقلوا منها وللحال الّتي صاروا إليها بعد الإسلام.

قال عليه السّلام :

«أمّا بعدُ فإنَّ الله سُبحانهُ بعثَ مُحمّداً (ص) وليس أحد مِن العربِ يقرأُ كِتاباً ولا يدّعِي نُبوَّةً ولا وحياً، فقاتلَ بِمن أطاعُ من عصاهُ، يسُوقُهُم إلى منجاتِهِم، ويُبادِرُ بِهِمُ السّاعة أن تنزِلَ بِهِم يحسِرُ الحسِيرُ ويقِفُ الكسِيرُ [١] فَيُقِيم عليهِ حتى يُلحِقهُ غايتهُ، إلا هالِكاً لا خير فيِهِ، حتَّى أرأهُم منجاتُهم

 [٢] وبوّأهُم محلَّتَهُم [٣] ، فاستدارَت رحاهُم [٤] واستقامَت قناتَهُم» [٥].

كان العرب أمّيّين لا يقرأون ومن ثمّ فقد كان الجهل سائداً فيهم، وكانوا بعيدي عهد بالنبوّات ورسالات السماء ومن ثم فقد كانت حياتهم الروحية فقيرة هزيلة مشوّهة.

وقد جهد رسول اللّه في إخراجهم من الظلمات... كلّ الظلمات: ظلمات الروح والعقل والحياة، إلى كلّ النور، من التخلف إلى التقدم، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن العمى الرّوحي إلى نعمة الإيمان الكبرى.

وبذلك بلغهم ساحل النجاة في الدنيا والآخرة.

وبذلك أعطاهم دوراً عالمياً - بما هم مسلمون - يحملون فيه الهدى والنور والكرامة إلى جميع الأمم بعد أن كانوا كمية مهملة لا قيمة لها ولا قدر ولا دور.

وبذلك أعطاهم لين الحياة، وكرامة الحياة، واستقرار الحياة. ولم تعد حياتهم قاسية صعبة، بل لقد استدارت رحاهم بالأرزاق. ولم تعد حياتهم متوجسة متوحشة، بل لقد استقرت واطمأنت. واستقامت قناتهم لم تعد مشرعة لأجل العدوان أو لأجل رد العدوان. سلام اللّه وتحيّاته على جميع الأنبياء والمرسلين.

٢ - وعي التّاريخ

من المؤكّد أن الإنسان العربي الجاهلي - قبيل الاسلام - كان يعوزه الوعي التاريخي بالمعنى الّذي عرفته الشعوب المتحضرة ذات الثقافة المدوّنة، وذات المؤسّسات السياسيّة والإدارية الرّاسخة العريقة. هذا فضلاً عن أن يكون الوعي التاريخي بالمعنى الّذي عرفه إنسان العصور الحديثة قد وجد لدى الإنسان العربي الجاهلي قبيل الإسلام.

وهذا الحكم ينطبق بوجه خاص على عرب الشّمال، وإن لم يكن عرب الجنوب - كما سنرى - أفضل حالاً منهم بكثير.

فقد كان العربي الجاهلي - قبيل الاسلام - يعيش حياة البداوة بما يلزمها من تنقل وارتحال طلباً للكلأ وللماء، ومن ثم لم يكن لدى العربي مؤسسات ثابتة، ونظم سياسية وإدارية.

وكانت الأمّية غالبة على هذا المجتمع، ومن ثم فلم يُنشئ ثقافة مدوّنة بأيّ نحو من الأنحاء إلا نقوشاً نادرة لا تبلغ أن تكون ثقافة مدوّنة تسهم في تكوين الشخصية الثقافية للإنسان - لا نستثني من ذلك عرب الجنوب الّذين كانوا قد فقدوا قبيل الإسلام - بانهيار نظام الرّي عندهم - الكثير من سماتهم كشعب متحضر له ماضٍ عريق، وغدوا أقرب إلى البداوة والأميّة.

وكانت الحياة من البساطة والسذاجة بحيث أن أحداثها البارزة كانت نادرة جداً، ومحدودة المدى جغرافياً وبشرياً، وهذه الأحداث هي الّتي شكّلت مادة ما يسمى «أيام العرب» الّتي سنعرض للحديث عنها بعد قليل.

كما لم يكن لدى العربي الجاهلي شعور بالزمن المستمر كمفهوم حضاري، كان الزمن عنده مجرّد تعاقب للظواهر الفلكية والفصول. ومن المعلوم أنّه لم يكن لدى العربي الجاهلي تقويم.

ونتيجة لكل هذه العوامل لم تتكوّن لدى العربي أية خبرات تاريخية ماضية ذات شأن، ناشئة من وقوع الأحداث نفسها من ناحية والشعور بها من ناحية أخرى - لا أحداث مشتتة غير مترابطة - بل في نطاق نظام للتعاقب الزّمني وللعلاقات الداخلية فيما بينها.

وبعبارة أخرى: لم يكن لدى العربي الجاهلي شعور بأستمرار الأحداث وديمومتها، وتفاعلها الداخلي، وعلاقاتها بحاضره، وإمكانات تأثيرها في المستقبل على النحو الذي يصح أن يسمّى وعياً تاريخياً. لقد كان وعي الماضي على هذا النحو لدى العربي الجاهلي قبيل الإسلام معدوماً.

نعم، لقد كان ثمّة وميض من الشّعور بالماضي لدى العربي الجاهلي.

كانت الذّاكرة تحمل صوراً غامضة، هلاميّة الشّكل ومشوّهة لهذا الماضي ناشئة من القصص الّتي كانت تسمّى «الأيام»، ومن العناية بالأنساب. لقد كانت «الأيام» والأنساب كما «البعد التّاريخي» للإنسان العربي.

إنّ هذا الوميض من الشّعور بالماضي لا يرقى، بالتأكيد، إلى أن يكون وعياً تاريخياً بالمعنى الّذي نفهمه الآن.

فقصص الأيام نادراً ما تملئها الأحداث الكبرى ذات الشّأن السّياسي والإنساني وهو ما يعطي التاريخ حقيقته ومعناه. وغالب أحداثها يتكوّن من معارك صغيرة بين مجموعات قبلية، ويعطيها الخيال الشعري والنصوص الشعرية المرافقة لها وهجاً وحجماً غير واقعيين.

كما أنّها تفقد عنصر الترابط فيما بينها، ولا تأخذ في جميع الأحوال بنظر الاعتبار عنصر السببيّة، ولا تقوم بينها علاقات داخليّة.

وهي خالية من عنصر الزمن، وخلوّها من عنصر الزمن ليس ناشئاً من إهمال، بل ناشئ من عدم إدراك العربي الجاهلي لعامل الزمن التاريخي كما أشرنا آنفاً.

وكانت قصص الأيام في حلقات السّمر الّتي تعقد أمام الأخبية والخيام للتسلية والمتعة، وللمفاخرة في بعض الحالات. ولم تكن تتداول كمادة علمية. والرأي الراجح أنها لم تدوّن على الإطلاق.

والأنساب وإن كانت تدلّ على شعور بالماضي من خلال وعي الإنتماء إلى الآباء الّذين تشتمل على ذكرهم شجرة النسب القبلية، إلا أنّ علمنا بأنّ شجرات الأنساب كانت تقتصر على مجرّد ذكر الأسماء فقط دون أن تحتوي على أية مادة تاريخية، علمنا بهذا الوضع لشجرات الأنساب التي كانت تتداول عن طريق الرّوايات الشّفوية يجعل قيمتها كمصدر لتكوين الوعي التاريخي معدومة.

ومن المؤكدّ أنّ شجرات الأنساب في العصر الجاهلي لم تعرف أيّ شكل من أشكال التدوين ليتيح فرصة إضافة مادّة تاريخيّة إليها. ولم تدوّن شجرات الأنساب في كتب إِلا في عصر إسلامي متأخّر نسبيّاً.

ويظهر لنا هذا الوميض من الشعور بالماضي لدى العربي الجاهلي في الشعور الّذي يصور مواقف أخلاقية للشاعر في مجالات الحرب، والكرم، والوفاء، وما إلى ذلك، حيث تدفع الشاعر خشيته من (أحاديث الغد) الّتي تعكس مسلكية غير نبيلة إلى أن يجعل سلوكه منسجماً مع قيم النبالة كما تقضي بها أخلاقيات المجتمع الجاهلي فيكون وفياً، وشجاعاً حتى الموت، وكريماً...

هذا الشعور يمكن أن يكون نواة للوعي التاريخي، ولكنّه لا يرقى، بطبيعة الحال، إلى أن يكون وعياً تاريخياً بالمعنى الّذي حدّدناه آنفاً. إنّه وعي ناشئ عن قيم أخلاقية بدوية الطابع، وليس عن وجود تاريخ يستوعبه الشعور والوجدان، وهو مقصور على حالات فردية لم تبلغ أن تكون وعياً عاماً. وهو شعور بالخشية من تصرّف شخصي أو موقف شخصي قد يدفع الآخرين إلى إدانته، وليس شعوراً بإنجازات الآخرين وتفاعلاً معها.

كان هذا حال العربي الجاهلي ولكن الحال تغيّر بعد ظهور الإسلام تغيّراً كاملاً.

إنّ القرآن الكريم والسّنّة الشريفة قد كشفا للعربي تدريجاً عن عمقه في الزمان باعتباره مسلماً. وغدا القرآن والسّنّة يغذيان على مهل وعي المسلم بعمقه التاريخي من خلال القصص الّتي تؤرخ للأمم الماضية، وأنبيائها، ومواقفها منهم باعتبارهم أنبياء، وحالات ازدهارها، وانحطاطها، وفنائها.

ومن خلال هذا الوعي أدرك المسلم أنّه بإسلامه، وجهاده اليومي - بالسيف والكلمة - في داخل الجماعة الإسلامية الّتي تبني نفسها بعين اللّه وعلى يد رسول اللّه، وفي مواجهة المشركين... أدرك بوضوح كامل أنّه بعمله اليومي هذا يصنع تاريخاً موصولاً بما وعاه من تاريخ الأمم الماضية كما تعلّمه من الكتاب والسنة. وهكذا وجد الوعي التاريخ لدى الإنسان المسلم.

وللتّاريخ وظيفة تتعدى شعورنا بالإستمرار والديمومة. وهذه الوظيفة تربوية أخلاقية. لا يعني هذا أنّ التاريخ يتحوّل إلى مادّة وعظية فقط، فإنّ البحث والنقد غرضان من أغراض التاريخ بلا شك، ولكن الوظيفة النهائية بعدهما هي، كما قلنا، تربوية أخلاقية.

وهذه الوظيفة تستمدّ معالمها وطبيعتها من طبيعة النهج الّذي تسلكه الأمة في بناء نفسها، ومن طبيعة الدور الّذي تعد نفسها للقيام به في محيطها الإقليمي أو على المستوى العالمي، ولذا نرى أنّ كلّ أمّة ذات نهج فكري مميّز لشخصيتها تجعل التاريخ مادة بانية لهذا النهج الّذي ارتضته.

وهذا لا يعني - بطبيعة الحال - أن يحرّف التاريخ ليكون أداة دعائية وسياسيّة. إنّ الأمانة للحقيقة يجب أن تكون دائماً مرعيّة، وإنّما يعني أنّ التاريخ ليس مادة ترف فكري وتسلية. إنّه مادة شديدة الخطورة إذا تولّى استعمالها في الشأن العام رجال لا يقيمون للأخلاق وزناً ولا تحركهم روح رسالية، وأجهزة كذلك... رجال وأجهزة يحركهم التعصب والغرور القومي والعنصري... في هذه الحالة قد يوجّه التاريخ ليكون مبرّراً نظرياً وعاملاً نفسيّاً لدى الجماهير يخدم الطّغيان والإتجاهات العدوانيّة لدى السّياسيّين ورجال الحرب ضد أمة أخرى، وفي هذه الحالة يعرض التّاريخ للتّزوير والتّحريف.

والتّاريخ حافل بأمثلة عن تسخير التاريخ لغايات غير أخلاقية وغير رسالية في العصور القديمة وفي العصر الحديث.

وللتاريخ في الإسلام - انطلاقاً من هذا الفهم - وظيفة تتّصل بطبيعة الإنسان المسلم وطبيعة المجتمع الإسلامي.

إنّ الإنسان المسلم إنسان أخلاقي يعتنق رسالة عالمية، والمجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي وذو رسالة عالمية.

وإذن فالتاريخ ينبغي أن يخدم الرّسالية والأخلاقية في علاقات المسلم الداخلية والخارجية، كما ينبغي أن يخدم الرّسالة والرّوح الرّسالية في العالم.

وكلّما حدث في سلوك المسلم أو سلوك الجماعة الإسلامية انحراف عن الأخلاقية أو انحراف عن الرّوح الرّسالية في ممارسة الحياة والتعامل مع الآخرين فإنّ التاريخ يستعمل، إلى جانب الوسائل التربوية الأخرى والتنظيمية لتصحيح النظرة الخاطئة، وتقويم مسار الفرد والمجتمع.

والقرآن الكريم حافل بالشواهد على هذه الحقيقة نذكر منها شاهداً مميّزاً لأنّه يتضمن تعبيراً غدا مصطلحاً إسلامياً في الشّأن التاريخي، هو مصطلح «أيام اللّه» الّذي يعني الأحداث الكبرى في تاريخ كلّ أمّة سواء أكانت نجاحات كبرى وانتصارات باهرة أو نكبات عظمى وانهيارات مأساوية.

وقد ورد هذا التعبير (أيام اللّه) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط، ذلك في سياق الآيات الكريمة الّتي تضمنت بيان تربية وتوجيه نبيّ اللّه موسى بن عمران سلام اللّه عليه لبني إسرائيل وهدايتهم إلى الإيمان الصحيح، ورفع مستوى إدراكهم من حالة الجهالة والبدائية والماديّة إلى المستوى الإيماني - الحضاري. قال اللّه تعالى:

«ولَقد أرسلنا مُوسى بِآياتِنَا أن أخرِج قومكَ مِن الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، وذكِّرهُم بِأيَّامِ اللّه. إنَّ فِي ذلِك لآياتٍ لِكُلِّ صبَّارٍ شكُورٍ» [٦].

وورد ذكر هذا المصطلح في نهج البلاغة في موضعين :

أحدهما في كلام للإمام عند تلاوته قوله تعالى (يُسَبِّحُ لهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ رِجال لا تُلهِيهِم تِجارَة ولا بيع عن ذِكرِ اللهِ...) [٧] .

قال في وصفهم : «...وما برحَ لِلهِ .. عِباد ناجاهُم [٨] فِي فِكرِهِم، وكلَّمهُم فِي ذاتِ عُقُولِهم، فاستصبحُوا [٩] : بِنُورِ يقظةٍ في الأبصارِ والأسماعِ والأفئدةِ، يُذكِّرُون بِأيَّامِ اللهِ، ويُخوِّفُون مقامه...» [١٠] .

وثانيهما في كتاب له إلى عامله على مكّة قثم بن العبّاس [١١] ، قال فيه :

«أمَّا بعدُ، فأَقِم لِلناسِ الحجَّ، وذكِّرهُم بِأيَّامِ اللهِ» [١٢] .

من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس كان الإمام عليه السّلام يتعامل في توجيهه الفكري، وفي وعظه، وفي تعليمه وتوجيهه السّياسي مع التاريخ، وكان يوجّه المسلمين إبى أن يعُوا التاريخ على هذا الأساس، وأن يتعاملوا مع التاريخ من هذا المنطلق الّذي يخدم الأخلاقية والرّسالية.

ولعلّ الخطبة القاصعة [١٣] أفضل مثال على طريقة تعامل الإمام علي مع التاريخ بهدف التربية وتقويم سلوك المجتمع أخلاقياً، وتوعيته بمسؤوليته الرّسالية، وسندرس في فصل آتٍ جوانب من هذه الخطبة.

ويمكن أن نكوّن فكرة مقاربة للحقيقة عن جهود الإمام الفكرية في حقل التوعية بالتاريخ إذا لاحظنا أن الكثير مما ورد في نهج البلاغة - وهو قليل من كثير من كلام الإمام وخطبه - إن لم يكن أكثر ما ورد في كلامه في النهج من المواد التالية (و. ع. ظ / ح. ذ. ر / ز. ج. ر / ع. ب. ر) ...

كان الإمام قد خاطب به الناس في حالات شتّى وأزمان شتّى، موجهاً تفكيرهم نحو التاريخ بهدف التربية وتقويم السّلوك الفردي والإجتماعي في شؤون الحياة عامة من روحيّة واجتماعية وسياسيّة.

ولا يختصّ ما رُوي عنه في هذا الشأن بالوعظ وحده كما ربما يتوهّم البعض.

ومن أمثلة ما أشرنا إليه آنفاً قوله عليه السّلام في مواضع من نهج البلاغة :

«وعظتم بمن كان قبلكم...».

«...فاتعظوا عباد اللّه بالصبر النّوافع...».

«...واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال، فتذكّروا في الخير والشرّ أحوالهم، واحذروا ان تكونوا أمثالهم».

«...واتَّعِظّوا فِيها بِالّذِين قالُوا (من أشدُّ مِنّا قُوَّةً)» [١٤] .

إلى أمثال هذه العبارات الّتي ورد كثير منها في خطبه وكتبه.

فقد كان الامام يقاتل بكل سلاح نزعه الشرّ والإنحراف وتيّار الفتنة الّتي بدأت تجتاح المجتمع الإسلامي. وكانت توعية المجتمع بالتّاريخ أحد هذه الأسلحة.

٣ - التّاريخ يعيد نفسه

هل يعيد التاريخ نفسه ؟

من البديهي أنّ التّاريخ لا يعود مرة أخرى إلى ساحة الحاضر أو المستقبل، إذا أردنا من هذه القضية عودة تفاصيله وجزئيات أحداثه، فالأحداث ليست أشياء مجرّدة تقع في الفراغ دون أن تكون لها صلة بالبشر، وإنّما الأحداث بما هي صنع البشر تحمل السّمات الشخصية الخاصة لصانعيها: تحمل طابع مصالحهم الآنية، وأمزجتهم وعواطفهم، وأخلاقياتهم وطريقة فهمهم للحياة... وقد تنعدم هذه السمات الشخصية المميّزة مع أصحابها، ولن تعودَ على الإطلاق. وإذن، فالتاريخ بهذا المعنى لا يعود ولا يتكرر.

إنّ ما حدث في الماضي قد حدث مرة واحدة، ولن يحدث مرة أخرى، لن يتكرر، على الإطلاق.

أمّا إذا أردنا من هذه القضية عودة نمط الحركة التّاريخيّة ومظاهره العامة وآثارها النّفسيّة والإجتماعيّة في المجتمع فإنّ التاريخ يعود بالتأكيد حين تتوفّر في الحاضر... في نسيجه الإجتماعي وعلاقاته الإنسانية الأسباب الموضوعية الّتي أدّت إلى نشوء نمط الحركة التاريخيّة في الماضي.

إنّ الإنسان هو الإنسان في كلّ زمان.

إنّه يتحرك في الزّمان والمكان مدفوعاً - فرداً وجماعةً ومجتمعاً - بمصالحه وعلاقاته وعواطفه، والعقائد والشرائع والمثل والقيم الأخلاقية والرّوحية إذا تأصّلت فيه وتعمقت في وجدانه وكيّفت نظرته إلى الكون والحياة والإنسان فإنها تكون قادرة على أن تدخل تغييراً عميقاً على عواطفه ومصالحه وعلاقاته في المجتمع والعالم، ومن ثمّ فإنّها تكون قادرة على تغيير تاريخه ونقله إلى مسار جديد، ما دامت لا تواجه عقبات تشلّ فاعليتها وتأثيرها.

أمّا إذا فشلت العقائد والشرائع والمثل والقيم الأخلاقية والرّوحية في إدخال التغيير المناسب لها على تكوين الإنسان النفسي وعلى تقديره لمصالحه، لأنها لم تتأصّل في أعماقه ولم تغيّر نظرته إلى الكون والحياة والإنسان، فإنّ تاريخه في هذه الحالة سيتكرر.

إنّ هذا التاريخ الجديد لن يحمل نفس السّمات والخصائص الماضية في الغالب، ولكنّه يحمل نفس الروح، ويخلّف في المجتمع نفس الآثار الّتي كانت في الماضي تحمل أسماء جديدة وتقدم نفسها بمبرّرات جديدة لا تعدو أن تكون مجرّد قشرة خادعة يستطيع المؤرخ الباحث أن يكتشف ما وراءها فيتجاوزها إلى العمق ليجد الواقع القديم تحت الأشكال الجديدة [١٥] .

في أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليّ بعد أن بويع بالخلافة في المدينة نرى أنّه قد لاحظ عودة الأشكال القديمة للإنقسامات القبلية والفئوية داخل المجتمع العربي الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي في عهد عثمان وبعد مقتله بكلّ ما كانت تحتويه هذه الأشكال من روح قبلية وعنصرية، وأخلاقيات جاهلية رجعيّة.

وقد كانت عودة هذه الأشكال القديمة حاملة مضمونها الرجعي نتيجة لضمور المثل العليا والقيم المؤثرة في حركة التاريخ الإسلامي، ونتيجة لضعف مؤسسة الخلافة في عهد عثمان، هذا الضعف الّذي مكّن القوى القديمة والقيم القديمة - الّتي لم تكن قد ماتت بعد، وإنّما كانت تعاني من حالة خمود وضمور - مكّنها من أن تستعيد فاعليتها، وتعود إلى التأثير في حركة التاريخ تحت شعارات مناسبة تنسجم مع الإسلام في الشكل الخارجي.

لقد عادت إلى الظهور والفاعلية تلك القيم والمثل الجاهليّة القديمة الّتي كانت تقود حركة التاريخ في المجتمع العربي وترسم ملامح هذا المجتمع وتوجه خطاه قبل بعثة الرّسول الأكرم وانتصار الإسلام.

وقد رأى أمير المؤمنين عليّ هذه القيم البائدة العائدة من خلال رصده للظواهر الجديدة الّتي تبدو في حركة الجماعات داخل المجتمع الإسلامي، وحركة القيادات الّتي توجّه هذه الجماعات سراً وعلانيةً.

وقد رأى مع ذلك الأفاعيل التي ستنجم عن هذه الحركة الرجعية للتاريخ في الإسلام، والمآسي الكبرى الّتي ستنزل بالمسلم فرداً وجماعةً ومجتمعاً ودولةً ومؤسساتٍ نتيجة لانبعاث هذه الرّوح الشّريرة من جديد.

قال عليه السلام :

«ذِمَّتِي بِماا أقُولُ رهِينة [١٦] وأنا بِهِ زعِيم [١٧]. إنَّ من صرَّحت لهُ العِبرُ عمّا بين يديهِ مِن المثُلاتِ [١٨] حجزتهُ التّقوى عن تقحُّمِ الشُّبُهاتِ [١٩]، ألا وإنّ بلِيَّتكُم قد عادت كهيئتِها [٢٠] يوم بعثَ اللهُ نبِيَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. والّذي بعثهُ بِالحقِّ لتُبلبلُنَّ [٢١] بلبلةً، ولتُغربلُنَّ [٢٢] غربلةً، ولتُساطُنَّ سوط القِدرِ [٢٣] حتى يعُودَ أسفلُكُم أعلاكُم، وأعلاكُم أسفلكُم...» [٢٤] .

يقول لهم: إنّ البليّة (الفساد الإجتماعي، والإنحطاط الأخلاقي والحضاري) الّتي كانت تسم الحياة العربية في الجاهلية نتيجة لسيادة قيم الجاهلية ونظرة الجاهلية إلى الكون والحياة والإنسان - هذه البليّة قد عادت كما كانت عشية بعثة الرسول الأكرم (ص) لأنّ القيم الّتي ولّدت هذه البليّة في الماضي الجاهلي قد دبّت فيها الحياة من جديد على حساب القيم الجديدة الّتي جاء بها الإسلام، هذه القيم الّتي تقلّص نفوذها وتأثيرها، بسبب عوامل متنوعة، على الإنسان المسلم، وأدّى ذلك إلى حدوث ثغرات نفذت منها القيم القديمة فعادت من جديد.

ثم أنذر الإمام علي مجتمعه بأنّ هذه البليّة الّتي عادت ستكون لها آثار مأساوية على المجتمع الإسلامي.

ستنجم عن هذه البليّة الأزمات الإجتماعية والثورات الّتي ستلقي بالمجتمع في غمار حروب أهلية مدمّرة، ولا بدّ أن تكون هذه الأزمات والحروب الأهلية أضرس، وأعم شراً، وأشدّ فتكاً مِمّا كان يحدث في الجاهلية.

ستكون في المجتمع نتيجة لعودة هذه البليّة بلبلة (اختلاط وتداخل) وشد وجذب ينتج عن الأزمات والثورات ويولّدها.

وسيكون حال المجتمع - نتيجة لهذه البليّة العائدة - حال القدر التي تغلي على النار وتختلط فيها المواد، ولا يستقر على حال، ولا ينعم بالطمأنينة، وإنّما هو في قلق دائم، واضطراب مستمرّ.

سيؤدّي ذلك إلى الغربلة، وتمييز مواقف الرجال والجماعات، لأنّ المحن والأزمات تفرز الفئات الإجتماعية، وتحدّد سماتها.

ولكن كلّ ما سيحدث لن يتضمّن شيئاً من الخير، بل سيعود على المجتمع بالشّرور، وسيؤدّي بالمجتمع إلى التمزق الّذي يشلّ الفاعلية، ويعطّل الطاقات الإيجابية، بل يهددها، ويعوق حركة التقدّم.

ستكون جاهلية تتغشّى بشعارات الإسلام، جاهلية بعثتها القيم الجاهلية الّتي عادت إلى الحياة، فكانت هي، بدل القيم الإسلامية الجديدة، الأسباب الموضوعية لتحريك الإنسان المسلم في الزّمان والمكان.

هكذا يصوّر الإمام عودة التّاريخ.

وفي خطبة أخرى خطبها الإمام بذي قار[٢٥] وهو في طريقه من المدينة إلى البصرة بعد أن خرج عليه الزبير بن العوام وطلحة بن خويلد وأمّ المؤمنين عائشة فاتحين بخروجهم أبواب الفتنة الّتي عصفت بالمسلمين، والحرب الأهلية الّتي مزّقت وحدتهم...

هذه الفتنة الّتي ولّدتها القيم الجاهلية الّتي تنبّأ الإمام بها في خطبته الأولى...

في هذه الخطبة بيّن الإمام عليه السّلام أنّ مسيره لمواجهة المظهر الأول للفتنة هو كمسيره مع رسول اللّه (ص) لمواجهة قوى الجاهلية، وأنّ الروح المحركة واحدة في الحالين رغم اختلاف المظهر الخارجي الّذي قد يوحي للساذجين بخلاف ذلك، ولكنّه لا يخدع الخبير.

قال عليه السلام :

«...أما واللّه إن كُنتُ لفِي ساقتِها [٢٦] حتّى تولَّت بِحذافيرِها [٢٧] ما عجزتُ ولا جبُنتُ. وإنَّ مسيرِي هذا لِمِثلِها، فلأَنقُبنَّ [٢٨] الباطِل حتَّى يخرُج الحقُّ مِن جنبِهِ. مالي ولِقُريش!! واللّه لقد قاتلتُهم كافرِين، ولأُقاتِلنَّهُم مفتُونين، وإنّي لصاحِبُهُم بِالأمسِ كما أنا صاحِبُهُمُ اليومَ» [٢٩] .

كان الإمام يتحدث عن شأن الجاهلية في مواجهة الإسلام، وعن كفاحه مع رسول اللّه (ص) ضد الجاهلية. ثم بيّن أنّ مسيره هذا إلى البصرة لمثل ما كان يكافحه من مظاهر عناد الجاهلية في حياة رسول اللّه (ص).

إنّ التاريخ قد عاد، ولكن تحت شعارات جديدة.

قال ابن أبي الحديد في شرح هذا النص :

«وشبّه عليه السّلام أمر الجاهلية أمّا بعجاجة ثائرة، أو بكتيبة مقبلة للحرب، فقال: إني طردتُها، فولّت بين يديّ، ولم أزل فِي ساقتِها أنا أطردها وهي تنطرد أمامي، حتَّى تولَّت بِأسرِها، ولم يبق مِنها شيء، ما عجزتُ عنها، ولا جبُنتُ مِنها.

«ثمّ قال: وإنّ مسيري هذا لِمِثلِها، فلأنقُبنّ الباطِل، كأنّه قد جعل الباطل كشيء قد اشتمل على الحق واحتوى عليه، وصار الحق في طيّه، كالشيء الكامن المستتر فيه، فأقسم لينقُبنّ ذلك الباطل إلى أن يخرج الحق من جنبِه» [٣٠].

وهكذا يصوّر الإمام عودة التاريخ حين تنشط الأسباب القديمة الّتي أنتجت الأحداث والمواقف القديمة، فتؤدّي إلى تكرار المواقف والإتجاهات ولكن تحت شعارات جديدة تتناسب مع الثقافة السائدة في المجتمع.

وثمّة نصوص أخرى، غير ما ذكرنا، منثورة في نهج البلاغة، تتضمّن الدّلالة على هذه الحقيقة.

٤ - مصارع القرون عوامل انحطاط الأمم

«مصارع القرون» تعبير استعمله الإمام في إحدى خطبه فقال «واعتَبِرُوا بِما قد رأيتُم مِن مصارِع القُرُونِ قبلَكُم» [٣١].

ويريد به الأمم الماضية أو الأجيال الماضية، فالقرن في اللغة جماعة الناس في عصر واحد [٣٢].

فالإمام في هذا التعبير يوجّه الأفكار نحو التأمل في مصائر الأمم والشعوب، وكيف ولماذا تضعف وتتفسخ ويصيبها الإنحطاط والتخلف ؟.

ويتساءل الإمام في خطبة أخرى - ربّما تكون آخر خطبة، أو في أواخر كلامه في حشد عام [٣٣] - عن مصير الدّول والشّعوب القديمة، فيقول مخاطباً أصحابه:

«...وإنَّ لكُم فِي القُرُونِ السّالِفةِ لعِبرةً، أين العمالِقةُ وأبناء العمالِقةِ ؟ أين الفراعِنةُ وأبناءُ الفراعِنةِ ؟ أين أصحابُ مدائنِ الرَّسِّ الّذين قتلُوا النَّبِيِّين، وأطفأُوا سُننَ المُرسلِين [٣٤]، وأحيوا سُننَ الجبَّارِينَ ؟ أين الّذِينَ ساروا بِالجُيوشِ، وهزمُوا بِالالُوفِ، وعسكرُوا العساكِر، ومدَّنُوا المدائن ؟» [٣٥].

لقد كان الوضع الذاخلي لمجتمع الإمام أثناء حكمه العاصف يقتضيه أن يستعين بالتاريخ ليواجه ما كان يتردّى فيه هذا المجتمع - في العراق بوجه خاص - من انقسامات قبلية، ومواقف عنصرية، وتسلط لرؤساء المجموعات القبلية على قبائلهم، وافتتان كثير من النابهين في المجتمع والقياديين في المجموعات القبلية بالسخاء الّذي كانوا يتسامعون به عن معاوية بالنّسبة إلى أنصاره السياسيين... وكان يرى ببصيرته النافذة أنّ هذه الطريق تؤدي بالمجتمع إلى الكارثة: ستنهكه النّزاعات الدّاخلية، وتخلخل بنيانه وتذهب بتماسكه، وتدفع بقياداته إلى خيانة مجتمعها والإرتماء في أحضان الحكم الأموي الإستبدادي في سوريا، وتفقد العراق دوره القيادي في دولة الخلافة، فتجعله تابعاً صغيراً للشام.

وكان الإمام علي يواجه هذا الخطر بشتى الأساليب، وعلى مختلف المستويات.

ومن الأساليب الّتي استعملها على المستوى الشعبي أسلوب التنظير بالتاريخ لحال مجتمعه، عاملاً على أن يكوّن لدى الناس العاديّين وعياً تاريخيّاً، ورؤيةً للحاضر واقعيةً تدرك ما فيه من خطورة وإحساساً بمخاطر الممارسات الّتي تسود المجتمع... كلّ ذلك لأجل أن يبعث في نفوسهم وعقولهم الحذر والتبصّر حين تعرض عليهم خيارات سبّبت للأمم الماضية نكبات أضعفتها أو حطمتها.

ومن الأمور الهامة الّتي يجب التّنبيه عليها أنّ الإمام في تصويره لانحطاط الأمم ومصارع القرون لا يردّ ذلك إلى أسباب غيبية، وإنّما يعرض أسباباً موضوعية لهذا الإنحطاط كما سنرى.

وأفضل الأمثلة الّتي يحتويها نهج البلاغة في موضوعنا هو الخطبة المسماة «القاصعة» [٣٦] وهو يعرض فيها الآفات الّتي تعرّض مجتمع العراق للخطر، ويذكر النظائر التاريخيّة لذلك عارضاً أسباب الإنحطاط.

عالج الإمام في هذه الخطبة آفة شديدة الخطورة كانت تتعاظم وتستفحل في مجتمع العراق في ذلك الحين. تلك هي آفة الصّراع الدّاخلي الّذي كان يمزق وحدة المجتمع العراقي ويشلّ فاعليته وينعكس بآثاره السّيئة وتفاعلاته المشؤومة على سائر دولة الخلافة.

------------------------------------------------------------------
[١] . الحسير هو الّذي أصابه الإعياء والتعب. والكسير المكسور الّذي لا يقوى على السير، يريد أنّ النبي كان تحريضه على الإسلام وإشفاقه على المسلمين يلاحظ حال من حدثت عنده شبهة أو خالط قلبه ريب في الدّين فلا يزال يرشده برفق وحب حتى يزيل من قلبه الريب يجلو عن عقله الشبهة.
[٢] . منجاتهم: ما به نجاتهم وهو الإسلام.
[٣] . محلتهم: مركزهم في المجتمع العالمي، وكونهم ذوي رسالة عالمية هي الإسلام.
[٤] . استدارة الرّحى كناية عن وفرة الأرزاق. واستقامة القناة كناية عن صلاح الحال واستقرار الحياة.
[٥] . نهج البلاغة: رقم الخطبة ١٠٤.
[٦] . سورة إبراهيم (مكيّة - ١٤) الآية: ٥.
[٧] . سورة النّورة (مدنيّة - ٢٤) الآية: ٣٦ و٣٧.
[٨] . ناجاهم: خاطبهم بالإلهام.
[٩] . استصبح: أضاء مصباحه.
[١٠] . نهج البلاغة: رقم النص ٢٢٢.
[١١] . قثم بن العباس بن عبد المطلب. كان من مساعدي الإمام علي (ع) في تجهيز رسول اللّه (ص) ودفنه، وهو آخر من خرج من القبر الشريف، ولاهُ أمير المؤمنين على مكة، فلم يزل والياً عليها إلى أن استشهد الإمام، واستشهد قثم بسمرقند، كان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية، وقبره في سمرقند مشهور. وقد زرناه أثناء مشاركتنا في المؤتمر الدّيني.
[١٢] . نهج البلاغة: (باب الكتب) رقم النص ٦٧.
[١٣] . الخطبة القاصعة رقمها في نهج البلاغة: ١٩٢.
[١٤] . سورة فصّلت (مكّيّة - ٤١) الآية ١٥: فأمَّا عاد فاستكبرُوا فِي الأرضِ بِغيرِ الحقِّ وقالُوا: مَن أشدُّ مِنَّا قُوَّةً...».
[١٥] . من الظواهر الهامة الّتي نقدّر أنّها تستحق من المفكرين والمؤرخين بحثاً معمقاً، ظاهرة الإنقسامات الإقليمية في العالم العربي، فإنّنا نقدّر أنّها تعبير جديد عن القبلية، تحت أسماء جديدة وبمبرّرات تلائم المناخ الثقافي الحاضر والوعي السياسي السائد. ونقدّر أنّ فشل فكرة الوحدة العربية لايرجع فقط إلى عمل الإستعمار التخريبي وإنّما نشأ من وجود استعداد للتشرذم أعان الإستعمار على رسم سياساته وإنجاحها في هذا المجال ولولا ذلك لما وُفِّق الإستعمار إلى بلوغ غايته.
[١٦] . رهينة: من الرهن. جعل ذمته رهناً على ما يقول.
[١٧] . زعيم: كفيل بصدق ما يقول.
[١٨] . العبر: ما أصاب النّاس من «مثلات» عقوبات إذا دعاها الإنسان على سبيل الإعتبار، فيتعظ بتجربة الّذين أصابتهم العقوبات من قبله.
[١٩] . الشّبهات: الأفعال والمواقف الغامضة الّتي لم يبت في الشرع الرخصة في فعلها. يريد أنّ العبرة بالماضين تحجر الإنسان عن الوقوع فيما وقعوا فيه من أخطاء.
[٢٠] . رجعت البلية كما كانت في الماضي الجاهلي.
[٢١] . البلبلة: الإختلاط، كناية عن الأزمات الإجتماعية والثّورات.
[٢٢] . الغربلة: من الغربال: يريد أنّ التجارب الآتية ستميّز المواقف، وتكشف الأشخاص على حقيقتهم.
[٢٣] . السوط: الخلط - سوط القدر: كما تمزج مواد الطبخ في القدر، وتختلط وتغلي سيكون المجتمع نتيجة للثّورات والأزمات الإجتماعية.
[٢٤] . نهج البلاغة - رقم الخطبة ١٦.
[٢٥] . ذي قار: موضع قريب من البصرة. اشتهر في التاريخ باعتباره الميدان الّذي جرت فيه، أول ظهور الإسلام، في سنة ٦١٠ م معركة بين الفرس والعرب حيث هاجم ثلاثة آلاف عربي من قبيلة بكر بن وائل المنطقة الفراتية، وهزموا الفرس هزيمة حاسمة في ذي قار.
[٢٦] . السّاقة: مؤخرة الجيش الّتي تسوقه. شبه الجاهلية بجيش مهزوم يطرده ويلاحقه.
[٢٧] . ولّت بحذافيرها: ذهبت وطردت بأسرها (الجاهلية).
[٢٨] . النقب: الثقب.
[٢٩] . نهج البلاغة: رقم الخطبة ٣٣.
[٣٠] . ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم - دار إحياء الكتب العربية - القاهرة - الطبعة الأولى: ١٣٧٨ هجري = ١٩٥٩ م / ج ٢. ص ١٨٥ - ١٨٦.
[٣١] . نهج البلاغة: رقم الخطبة ١٦١.
[٣٢] . وردت هذه الكلمة كثيراً في الكتاب الكريم في سور مكيّة ومدنية، والمراد بها، على الظاهر، هذا المعنى. وورد له في كلام بعض أهل اللغة تفسير زماني، فقيل: القرن مدة أغلب أعمار الناس، وهو سبعون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: ثلاثون سنة. وقيل: القرن أهل عصر فيه نبي أو فائق في العلم، قلّ زمانه أو كثُر - وهذا التفسير الأخير يلحلظ معنى حضارياً للكلمة.
[٣٣] . قال الشّريف في نهج البلاغة: «رُوي عن نوف البكالي، قال: خطبنا بهذه الخطبة أمير المؤمنين علي (ع) بالكوفة، وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي، وعليه مِدرعة من صوف، وحمائل سيفه من ليف، وفي رجليه نعلان من ليف، وكأن جبينه ثفِنةُ بعير، فقال عليه السلام... قال: وعقد للحسين عليه السّلام في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد رحمه اللّه في عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو يريد الرّجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتّى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه اللّه فتراجعتِ العساكر، فكنا كأغنام فقدت راعيها تختطفها الذّئاب من كلّ مكان».
[٣٤] . رد ذكر هؤلاء في الكتاب الكريم مرتين: في سورة الفرقان (مكّيّة - ٢٥) الآية ٣٨ «وعاداً وثمُود وأصحابَ الرَّسِّ وقُروناً بين ذلِك كثِيراً» وفي سورة ق (مكية - ٥٠) الآية ١٢ «كذَّبت قبلهُم قومُ نُوحٍ وأصحابُ الرَّسِّ وثمُودُ». والرّس في اللّغة: البئر المطوية بالحجارة، والرّس اسم بئر كانت لبقية من ثمود - أو لقوم بعد ثمود - أرسل اللّه إليهم رسولاً فكذّبوه فأهلكهم اللّه. وقيل أنّ الرّسّ اسم نهر كان هؤلاء على شاطئه.
[٣٥] . نهج البلاغة: رقم الخطبة ١٨٢.
[٣٦] . قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الكلمة: «يجوز أن تسمى هذه الخطبة «القاصعة» من قولهم: قصعت الناقة بجرّتها، وهو أن تردها إلى جوفها أو تخرجها من جوفها لتملأ فاها، فلما كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة مردّدة من أوّلها إلى آخرها شبهها بالناقة الّتي تقصع الجرّة. ويجوز أن تسمى القاصعة لأنها كالقاتلة لإبليس وأتباعه من أهل العصبية، من قولهم: قصعت القملة إذا هشمتها وقتلتها. ويجوز أن تسمى القاصعة لأن المستمع لها المعتبر بها يذهب كبره ونخوته، فيكون من قولهم: قصع الماء عطشه، أي أذهبه، وسكنه». شرح نهج البلاغة - ج ١٣ / ص ١٢٨.

يتبع .......

****************************