وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                

Search form

إرسال الی صدیق
جواهر من نهج البلاغة – الثاني

إعداد - مصطفى الحاج

يكمل الامام علي (ع) خطبته التي بدأها في كيفية خلق السموات والارض فيقول ( فأجرى فيها ماءً فتلاطما تياره متركماً زخاره ، حمله على متن الريح العاصفة والزعزع القاصفة فأمرها برده ، وسلطها على شده، وقرنها الى حده الهواء من تحتها فتيق والماء من فوقها دقيق) ، ليذكر السيد محمد الشيرازي بتوضيح نهج البلاغة بقوله (ثم خلق سبحانه قسمين من الريح قسماً تحت الماء تحمله وقسماً فوق الماء تعصفه وتموجه حمله) اي الماء (على متن الريح العاصفة) وهي الشديدة الهبوب (و) على متن (الزعزع) هي الريح سميت به لأنها تزعزع اي تحرك الاشياء (القاصفة) من قصف بمعنى حطم، اي الريح الشديدة التي من شانها ان تحطم (فاجرها) اي امر الله سبحانه الريح (بردَه) اي رد الماء عن الهبوط، فان الماء لثقله يهبط لكن الريح جعلت كالإسناد الذي كلما ثقل نحو اسفل حفظته وردته عن الهبوط (وسلطها) اي سلط الله الريح (على شده) اي شد الماء كأنها وثاق للماء تشد بعضه مع بعض حتى يبقى وحينما لا يفترق (وقرنها) اي قرن الله الريح (الى حده) اي حد الماء فكان السطح الاعلى للريح مماساً للسطح الاسفل للماء) .

واما ما يستفاد من عبارات الامام (ع) ان الله سبحانه قد خلق ابتداء الماء يعني مائعاً يشبه الماء ثم حمله على ريح عاتية شديدة ، وقد امرت هذه الريح ان تحفظ هذا المائع وتحول دون تشتته وتفرقه، ثم هبت ريح شديدة اخرى بهدف ايجاد امواج في ذلك المائع العظيم والواسع فجعلت الريح تلك الامواج اعظم واشد ثم دكتها على بعضها، ثم تموج ذلك المائع تموجاً شديدا حتى ارتفع في الفضاء فخلق منه السموات السبع. وحيث ان الماء والريح العاصفة وما شابه ذلك في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه ماء ولا ريح ولا عاصفة - كناية عن الموجودات شبيه بما نراه اليوم من ماء وريح وهواء - وذلك لان واضعي المفردات قد جعل هذه الكلمات لمثل هذه الامور ، فلم يضعوا اية مفردة لما حدث اوائل خلق العالم.

وان ادنى تأمل يجعل من الممكن تفسير ما ورد من عبارات الامام (ع) على ضوء اخر الفرضيات والنظريات التي طرحها العلماء في هذا الشأن.

يقول الشيخ مكارم الشيرازي (دام ظله) في شرحه (اخر الفرضيات التي توصل اليها العلماء بشان بداية ظهور العالم، هو ان العالم برمته في البداية كان بهيئة كتلة غازية عظيمة شبيهة بالمائع، كما يمكن الاصطلاح عليها اسم (الدخان) او بتعبير اخر كانت الطبقات العليا من العالم دخاناً، وكان هذا الدخان يتخذ شكل المائع، يفعل حالة الضغط كلما اقترب من مركز العالم.

اما الشيء الذي تكفل بحفظ تلك الكتلة العظيمة للغاية انما تمثل بالجاذبية التي تحكم جميع ذرات العالم. وقد سلطت هذه الجاذبية على ذلك الغاز المائع فشدته وحالت دون خروجه من حدوده، ثم ابتدأت هذه الكتلة العظيمة بالدوران حول نفسها (او انها كانت تدور حول نفسها منذ البداية) وهنا ظهرت قوة الطرد المركزي وقد ادت قوة الطرد المركزي هذه بتلك الكتلة العظيمة من ذلك الغز المضغوط ان تقذف في القضاء الخالي، ثم ظهرت منها المنظومة والكواكب والكرات الصغيرة والكبيرة للعلم، الامر الذي نعته القران ونهج البلاغة بالسماوات السبع طبعاً كما نريد قوله – هو الانسجام القائم بين عبارات الامام (ع) والفرضيات العلمية الواردة في هذا الشأن) .

والجدير بالذكر انه لا مكان بحال من الاحوال قول او شرح غاية الامام (ع) من خلال ما ورد انفاً كون علم الامام (ع) يفوق التصورات البشرية لقوله (ع) (( ..... فاني اعلم بطرق السماء من طرق الارض )) وغيرها من الاحاديث التي تؤكد علم الائمة (ع).

وجاء التلاطم بمعنى اصطدام الامواج ببعضها والتيار يعني الموج ، لقد اكد الامام (ع) على شدة تدفق ذلك الماء وعظم تلاطمه فقال (( تراكم زخاه )) بقول الامام علي (ع) (( حمله على متن الريح العاصفة والزعزعة القاصفة )) فالعاصف بمعنى الضاربة والكاسرة والزعزع بمعنى الفطرية والشديدة الهبوب وكذلك القاصفة التي تهلك الناس بشدة هبوبها، ولعل ليست هذه العاصفة العظيمة الشديدة اشارة الى امواج الجاذبية التي سلطها الله على جميع ذرات عالم المادة والذي هو سبب لتماسك اجزائها وتقييدها بالحركة في اطار حدودها؟ وحصلت هذه الامور و(( الهواء من تحتها فتيق والماء من فوقها دقيق)) .

والفتيق من مادة فتق بمعنى المفتوق . ودقيق بمعنى الحركة السريعة ، ان الامواج المتدفقة انما تحد بواسطة تلك الريح العاصفة فتحول دونها ودون تجاوزها لحدودها – وقد يقال بحيث يجعله يتلاطم على الدوام ، ولا توجد رؤية واضحة لذلك .

فالبعض يقول ان الانفجارات النووية متواصلة وقعت في جوف الغازات الاولى ذات الطبيعة المائعة، وهذه الانفجارات تحت في الشمس وهي التي قضت على السكون واستقراء هذا الغازات المائعة.

يقول الامام علي (ع) في دور العواصف في انبثاق الخلقة بخطبته (ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها وأدام مربها وأعصف مجراها وأبعد منشأها فأمرها بتصفيق الماء الزخار واثار موج البحار فمخضته مخض السقاء وعصفت به عصفها بالفضاء ترد أوله الى اخره وساجيه الى مائره حتى عبابه ورمى بالزبد ركامه).

يشير الامام الى عدة مراحل اذ يقول (ع) ( ثم انشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها) الريح العقيم هي الريح الخالية من السحب التي تؤدي الى نزول المطر فهي لا تلقح سحابا ولا شجرا ، وكلمة ( اعتقم بمعنى الجفاف المانع من قبول الاثر ).

ووصفه (ع) بملازمتها للماء وعدم انفصالها عنه بقوله (وادام مرتبها خلافا للرياح العادية التي تهب احيانا وتسكن احيانا اخرى) .

وكلمة (مربها ) وتعني معنى الدوام والبقاء . ويذكر السيد الشيرازي في توضيحه ( ( وادام مربها ) المرب مصدر ميمي من ارباب المكان ، مثل البرية – باب افعال من المضاعف – بمعنى لازمة ، اي ادام الله الزام تلك الريح لمكانها فلم تكن تسير من هناك ، كما هي عادة الرياح ، بل كانت في محل واحد لتحريك الماء وتموجه ( واعصف الله سبحانه ( مجراها ) اي جري الريح – مصدر ميمي – بمعنى اجرائها ، والمعنى جعل جري تلك الريح شديدا ، فان العصف بمعنى شدة الهبوب ) وقال الامام (ع) (( واعصف مجراها )) وهي ريح تهب من مكان سحيق وليست على غرار الريح الاعتيادية التي تنطلق من اماكن قريبة ( وابعد منشأها ) .

ان من خلال التأمل في نظريات المتعددة والفرضيات المعاصرة بشان خلق العالم وحيث لم يكن هنالك مخلوق شهد ذلك قبل مليارات السنين لكن مع ذلك فقد تقترب تلك الفرضيات من الواقع .

اما بالنسبة للامام (ع) فهو واضح ودليل شاهد على ان علمه (الهامي) من السماء ومن خزائن الله سبحانه التي اودعها عباده المخلصين من رسول الله (ص) سيدهم وسيد البشر اجمعين الى مهدي (عج)هذه الامة (عليهم افضل السلام والتحية اجمعين ) ان العبارات التي ساقها الامام (ع) فهي وان كانت بعض تلك النظريات والفرضيات المعروفة والقريبة للواقع العلمي، فهي بالتالي لا تنطبق عليه بالضرورة بل هي قريبة من رؤية الامام (ع) بذلك .

يقول الشيخ مكارم شيرازي بشرحه (دام ظله) ( فاذا اقررنا بالحركة الدورانية للعالم الاول على انها كانت متذبذبة تشتد احيانا وتنخفض احيانا اخرى فمن الطبيعي ان تكون قد ظهرت تلك الامواج العظيمة في تلك الكتلة الغازية العظيمة الشبيهة بالمائع بحث تراكمت تلك الامواج على الدوام ثم اخذت بالتساقط ..

وفي الختام فان الطبقات الاكثر خفة والاقل وزنا – والتي ورد التعبير عنها بالزبد من قبل الامام (ع)- قد قذف بها نحو الفضاء الخارجي ( ان مفردة (( الزبد )) تطلق على ما يطفو من الماء ، وكذلك على الزبدة التي تطفو لخفتها على سطح المحتويات القريبة ، وبذا فقد اشتدت الحركة الدورانية ، فانفصلت اجزاء كبيرة من هذه الكتلة العظيمة وانطلقت الى الفضاء ، فما كان منه اكثر شدة بلغ نقاطا مرتفعة واما ما كان منها اقل شدة فقد بلغ نقاطا مرتفعة واما ما كان منها اقل شدة فقد بلغ نقاطا اوطأ .

لكن الاجزاء التي بلغت نقاط مرتفعة اصبحت على هيئة سقف محفوظ وذلك بفعل قوة الجاذبية التي لم تدعها تفلت تماما ، بينما اصبحت الاجزاء السفلى الاقل ضغطا موجها مكفوفا حسب تعبير الامام (ع) ، ثم ظهرت في ذلك الفضاء المترامي السموات السبع دون ان تكون هناك عمد ترفعها ومسامير تنظمها وتحكم وثاقها ، ولم تستقر في مواقعها وتتزن في حركتها ضمن مداراتها سوى من خلال تعال القوانين الجاذبية والدافعة . كان الفضاء انذاك مملوءا بالكرات الصغيرة والكبيرة ، فانطلقت قطع متناثرة من هذه الامواج الى الخارج ، وقد انجذبت القطع الصغيرة تدريجيا نحو الكرات الكبيرة بحكم الجاذبية فاصبح الفضاء واضاءت النجوم وزينت بالكواكب واشرقت الشمس واضي القمر واخذت الاجرام تتحرك ضمن اغلفتها ومدارتها ) الظاهر انه ورد في بعض الفرضيات بشان ظهور العالم .

ان الذي ادى الى انفصال المنظومات والكرات السماوية عن الكتلة الاولى انما يعزى الى الانفجار الداخلي العظيم والذي ظل سببه مجهولا غامضا الى الان .

وحيث ادى الانفجار المذكور بأجزاء عظيمة من الكتلة الغازية الاولى الشبيهة بالمائع الى الفضاء وتكون كرات ومنظومات ، ولعل هذا ما اشار اليه الامام علي (ع) في بداية خطبته آنفا في هذه الحلقة.

يقول الامام علي (ع) بعد ان تطرق فيها الى خلق السماوات وكيفية ظهور العالم فيتحدث عن خلق الموجودات السماوية وملائكة العالم العلوي فيشير بعبارته (ثُم فتق ما بين السماوات العُلا فنلاهُن أطواراً من ملائكته، ومنهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون وصافُون لا يتزايلون، ومُسبحون لا يسامون، لا يغشاهم نوم العُيُون، ولا سهل العُقُول ولا فترة الابدان ولا غفلة النسيان ومنهم أمناء على وحيه والسنةُ الى رسله ،ومختلفون بقضائه وامره، ومنهم الحفظةً لعباده والسدنةً لابواب جناته، ومنهم الثابتةُ في الارضين السفلى اقدامهم، والمارقة من السماء العًليا اعناقهم والخارجة من الاقطار اركانهم، والمناسبةً لقوائم العرش اكتافهم ناكسة دونه ابصارهم متًلفعون تحته باجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حُجُبُ العزة واستارُ القدرة، لا يتوهمُون ربهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحُدُونه بالأماكن ولا يُشيرون اليه بالنظائر) .

يذكر اصحاب الشروح بهذا الجزء من الخطبة الشريفة، وذلك عن كيفية خلق الملائكة وحقيقتها وفيه اقول: منها انها اجسام نوارنية الهية خيرة سعيدة قادرة على التصرف السريع والافعال الشاقة ذوات عقول وافهام وبعضها اقرب الى الله من البعض الاخر لقوله تعالى، (وما منا الا لهُ مقام معلوم) وقد قيل ان الملائكة اجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الافعال الشاقة شانها الطاعة ومسكنها السموات هم رُسُل الله تعالى الى انبيائه وامنائه على وحيه قوله تعالى ( يُسبحون الليل والنهار لا يفترون ) وجاء وصفهم على ما قيل في القران الكريم (لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرُون) واما الملائكة عن الفلاسفة : هم العُقول المجردة والنفوس الفلكية ويختص باسم (الكرويين) ما لا تكون لهم (له) علاقة بالأجسام ولو بالتأثير وذهب اصحاب (الطلسمات) الى ان لكل ملك رُحاً كلياً يدُبر امره ويتشعب منه ارواح كثيرة.

واما قول – السيد محمد تقي – صاحب مفتاح السعادة قوله (الحق ان الملائكة اجسام لطيفة نورانية اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع او اكثر قادرين على التشكيل بأشكال مختلفة وانه سبحانه يورد عليهم بقدرته ما شاء من الاشكال والصور على حسب الحكم والمصالح ولهم حركات صعُوداً وهبوطاً وكانوا يراهم الانبياء والاوصياء، فالقول بتجردهم وتأويلهم بالنفوس الفلكية والعقول والقوى والطبائع كما ذهب اليه جمع من علماء الفلاسفة ليس على ما ينبغي) .

لقد تطرق الامام عليه السلام الى اصناف واطوار الملائكة فيقسمهم الى اربعة اقسام – يشرحها الشيخ مكارم (دام ظله) بقوله (القسم الاول: ارباب العبادة، ثم يقسم هؤلاء الى اقسام، فمنهم من هو ساجد ابداً لم يقم من سجوده ليركع (( منهم سجود لا يركعون )) ومنهم من هو راكع ابداً لم ينتصب قط (وركوع لا ينتصبون) ومنهم الصافون في الصلاة بين يدي خالقهم لا يتزايلون ( وصافون لا يتزايلون) .

ذهب البعض الى ان (صافون) هنا بمعنى الصف في العبادة، بينما ذهب البعض الاخر الى ان معناها فتح اجنحتهم في السماء بدليل القرآنية القائلة (او لم يروا الى الطير فوقهم صافات) وهنالك احتمال اخر ان يكون المراد بها الوقوف في صفوف منظمة والاستعداد لطاعة اوامر الله وامتثالها. الا ان الاحتمال الاول اكثر انسجاماً مع الجمل السابقة واللاحقة، والواقع انهم يمارسون الحالات الثلاث لعبادتنا في القيام والركوع والسجود.

فالتعبير بصافين اما انه اشارة للصفوف المنظمة للملائكة، او القيام المنظم لكل منها . وهذا عين ما ورد في خطبته (ع) في وصف المتقين لهمام ( اما الليل فصافون اقدامهم تالين لأجزاء القران) واخيراً المسبحون الذين لا يملون التسبيح والتحميد له سبحانه ( ومسبحون لا يسامون ) فظاهر هذه الجملة يفيد ان هؤلاء طائفة اخرى غير الطوائف الثلاث القائمة والراكعة والساجدة ، - وان ذهب بعض شراح نهج البلاغة الى ان المسبحين هم الطوائف المذكورة سابقاً، حيث يمكن الاستشهاد ببعض الروايات التي تؤيد ما ذهبوا اليه .

فقد روي انه سُئل النبي (ص) كيف صلاة الملائكة ؟ فاطرق رسول الله (ص) حتى نزل عليه جبرئيل (ع) فقال له (( ان اهل السماء الدنيا سجود الى يوم القيامة يقولون سبحان ذي الملك والملكوت واهل السماء الثانية ركوع الى يوم القيامة يقولون سبحانه ذي العزة واهل الجبروت واهل السماء الثالثة قيام الى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا يموت ) ولعل المراد بهذا السجود والركوع والقيام ذات اعمالنا في السجود والركوع والقيام ام اشارة الى درجات خضوع الملائكة وعبادتهم حسب مراتبهم ومقاماتهم، فاذا كان الملائكة اجسام لطيفة ولهم ايدي وارجل ووجوه وجبهات فان المعنى الاول انسب وان نفي عنهم الجسمية او اقررنا بان لهم جسم غير انه ليس على غرار اجسامنا فان المعنى الثاني هو الانسب.

يقول الامام علي (عليه السلام) في بيان خلق ادم (ع) وسجود الملائكة له ومعصية ادم في الجنة وهبوطه الى الارض وعلة بعث الانبياء (ع) بقوله (ثُم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها، وعذبها وسبخها، تُربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات احناء ووصول، واعضاء وفصول، احمدها حتى استمسكت، واصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود واجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت انساناً ذا اذهان يُجيلُها وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها وادواتٍ يُقلبها، ومعرفةٍ يفرق بها بين الحق والباطل والاذواق والمشام والالوان والاجناس، معجوناً بطينة الالوان المختلفة، والاشباه المؤتلفة، والاضداد المتُعارية، ، من الحر والبرد والبلة والجمود) .

ينقل في معنى اللغة لكلمة (حزن) بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الزاء انه بمعنى المواضع الوعرة على الارض لهذا جاءت كلمة (الحَزنَ) على الهم والغم، لانه نوع وعورة في روح الإنسان.

وكلمة (عذبها) بمعنى الماء الطاهر الصالح للشرب.

وكلمة (سبخها) الواردة في الخطبة اعلاه بمعنى ما ملح من الارض، وكلمة (سنها) بمعنى صب الماء على الشيء، وقد تأتي بمعنى نعومة الشي وكلمة (لاطها) من مادة (لوط) على وزن صوت بمعنى خلط الشي وعجنه وكلمة (لزبت) جاءت هنا بمعنى التصق وثبت واشتد واما كلمة (احنا) بمعنى الانحناء والجوانب والاطراف.

يتطرق الامام (ع) بعباراته في الخطبة الى خلق الإنسان من التراب من جهة، كما تشير من جهة اخرى ان ذلك التراب مركب من جميع المواد المختلفة على وجه الارض لتنطوي على متخلف الاستعدادات وتشمل التنوعات والتقلبات التي تحتاجها المجتمعات البشرية في مختلف مجالات حياتها، اما صاحب مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة فيقول بشرحه لفقرات من الخطبة ( ان الله تعالى بعد خلق السموات والارض والملائكة وغيرها خلقَ جَسداً لآدم (ع) وكيفية خلق جسده ان اخذ من مًحكم الارض وملائمها وما طاب منها من كل واحد مقدارً مًعيناً من التراب واختلطها بالماء حتى صارت طينة خالصة ولاطها بالبلة حتى لزبت والتصفت فخلق منها صورة ذات جوانب ومفاصل ثم اجمدها واصلدها حتى يبُست لوقت معلوم واجل ممدود....) .

وفيه عن الكليني (قدس) قال اتى يهودي الى امير المؤمنين (ع) فقال له: لم سُمي ادم ادم وحواء حواء قال (ع) انما سمي ادم ادم لانه خلق من اديم الارض وذالك ان الله تبارك وتعالى بعث جبرائيل وامره ان ياتيه من اديم الارض باربع طينات طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء وذالك من سهلها وحزنها ثم امره ان ياتيه باربع مياه ماءً عذب وماء مِلح وماء مُرَ وماء منُتن ثم امره ان يفرغ الماء في الطين وادمه الله بيده فلم يفضل شي من الطين يحتاج الى الماء ولا من الماء شي يحتاج الى الطين فجعل الماء العذب في حلقه وجعل الماء المالح في عينيه وجعل الماء المُر في اُذنيه وجعل الماء المُنتن في انفه وانما سميت حواء حوَاء لانها خلق من الحيوان) .

واما الشيخ الشيرازي في شرحه على النهج فيقول (فالواقع ان دور الماء هو خلط تلك الاجزاء المختلفة مع بعضها وتخليصا من شوائبها وارساء الوشيجة والرابطة بين هذه الاجزاء ).

ثم اشار(ع) الى مسالة تبلور خلقة الإنسان من ذلك التراب والطين فقال (ع) (فجبل منها صورة ذات احناء ووصل واعضاء وفصول) في الواقع (احنا) جمع (حنو) اشارة الى انحناءات البدن من قبيل انحناء الاضلاع والفك العلوي والسفلي وراحة القدم بحيث يتكيف البدن للقيام بمختلف الاعمال والفعاليات، وذلك لتعذر قيامه بمثل هذه الافعال التي يمارسها اليوم لو كان البدن على هيئة جسم هندسي مكعب أو ما شابه ذلك .

اما العبارة (واعضاء وفصول) فهي تشير الى الاعضاء المختلفة التي ترتبط مع بعضها من خلال المفاصل، الامر الذي يكسب البدن القدرة العلمية على ممارسة مختلف الانشطة فلو كانت يد الإنسان على سبيل المثال مستوية ذات عضو واحد وعظم واحد لا تقوى على اداء الفعاليات التي تؤديها الان) ثم اشار الامام (ع) الى مرحلة لاحقة بقوله (اجمدها حتى استمسكت واصلدها حتى صلصلت) .

وكلمة (اصلد) بمعنى جعل الشيء صلباً وكلمة (صلصل) بمعنى اليبوسية والجفاف بحيث تخرج منها الاصوات بمجرد ملامستها لشيء، واعد الله تبارك وتعالى الانسانَ اعداداً تاماً من الناحية البدنية بحيث يسير الى الغاية المعينة، فقد روي عن باقر اهل البيت (ع) ان هذه الحالة دامت اربعين سنة، فكان جسد ادم ملقى في موضع والملائكة تمر به وتقول لاي امر خلقت.

منقول من موقع الرأي ( الجريدة ) قراءة في النهج العلوي

****************************