وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                

Search form

إرسال الی صدیق
قبسات من نهج البلاغة – السادس

الدرس الحادي عشر (الدنيا في نهج البلاغة) - ٢
كيف يجب أن ننظر إلى الدنيا :
إن الإسلام الحنيف لم يطلب من الإنسان أن يترك الدنيا بالمطلق بحيث يتوجه إلى الصحاري والجبال ويجلس في الكهوف ويتعبد فقط. بل الإسلام أراد للإنسان بحكم كونه اجتماعياً بطبعه أن يجعل له روابط مع الناس والمحيط حتى يتكامل مع مجتمعه ليؤلفوا المجتمع الصالح، لذلك ألزمه بواجبات عديدة لها تأثير على سلوكه العملي سواء مع اللّه تعالى أم مع غيره من بني جنسه أو مع نفسه على صعيد التربية الروحية والسلوكية.
فالإسلام لم يطلب من الإنسان أن يكون رهبانياً بل أراده أن يعيش في هذه الدنيا ولكن ضمن الضوابط التي يحددها الشارع المقدس، لذلك ورد في الأحاديث أن الدنيا مزرعة الآخرة وأيضاً خذ من دنياك إلى آخرتك وورد أيضاً نعم العون الدنيا على الآخرة. ولكن كيف تكون عوناً.
هنا نرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "إنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار"   [١].
فحياته في الدنيا تكون مليئة بالدروس والعبر، فيصحح هذا الاعتبار طريقه إلى الآخرة فينبغي أن لا تعمي الدنيا بصر الإنسان عما وراءها، وهي الدار الآخرة وفيها الحياة الحقيقية كما يقول الله تعالى: "... وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " [٢] .
وهذا ما يوصله في الآخرة إلى المراتب العليا.

ويقول عليه السلام في موضع آخر:"إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر مما وراءها شيئاً والبصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها فالبصير منها شاخص والأعمى إليها شاخص والبصير منها متزوّد والأعمى لها متزود"  [٣] .
هنا يؤكد أمير المؤمنين عليه السلام أن طالب الدنيا أعمى أي لا يفكر بآخرته التي تجمل وتختزن نتاج عمله أما المؤمن فهو البصير الذي يخرقها بصره ليرى نتاج العمل ويتزود لذلك اليوم.
وينبه أمير المؤمنين عليه السلام في مكان آخر أن أهم ما يأخذه الإنسان من الدنيا هو ما يصلح به الآخرة وما يكون ثمرته الآخرة فيوظف كل طاقاته بخدمة الحياة الأبدية الدائمة لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، وإن كنت جازعاً على ما تفلَّت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل إليك" [٤].
ويقول في موضع آخر:"ولا تصلح دنياك بمحق دينك..."  [٥] .
بل على الإنسان دائماً أن ينظر إلى آخرته على أنها هي الدائمة ويصلحها فإذا أصلحها هانت عليه الدنيا، وإذا هانت عليه الدنيا هان أمر آخرته، لذلك يقول أمير المؤمنين‏عليه السلام:"من أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له أمر دنياه" [٦] .
فيكون بذلك سعيداً في الدنيا والآخرة لأنه في الدنيا عاش تحت رضا اللّه تعالى وفي الآخرة كان مقره مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وأما من اهتم فقط بسعادة الدنيا فإنه في الآخرة من الخاسرين.
يقول‏ عليه السلام: "وإن السعداء بالدنيا غداً هم الهاربون منها..." [٧] .

هل الزهد في الدنيا ملازم للفقر؟
عندما ننظر في حياة بعض الزاهدين نرى بأنهم يتجلببون الفقر، وربما يخطر في بال البعض بأن هناك علاقة بين الزهد وبين الفقر.
إن هذا المفهوم وهذا الانطباع خاطى‏ء لأن الزهد هو ترك الدنيا بالقلب أو هو تفضيل الآخرة ونعيمها على الدنيا وما فيها.
ومن هنا قيل ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شي‏ء.
لماذا نترك الدنيا؟
إن من يعيش في هذه الدنيا ويمتلك عقلاً سليماً عليه أن يخرج حب الدنيا من قلبه ويفرَّ إلى الآخرة بمعنى أن يعيش في الدنيا لأجل الآخرة وليس لأجل الدنيا خصوصاً عند التفكر في أحوال الماضين والبلاءات التي تحلّ‏ بالحاضرين ولغيرها من الأسباب الآتية:
أ- مخلوقون للآخرة لا للدنيا:
لأن الإنسان مخلوق لآخرته وليس للدنيا لأنها دار قرار واستقرار كما يقول أمير المؤمنين‏ عليه السلام:
"يا بني إنما خلقت للآخرة لا للدنيا..." [٨] .
"ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة..." [٩] .
"ولسنا للدنيا خلقنا ولا بالسعي فيها أمرنا..." [١٠] .
ب- الدنيا دار فناء:
الإنسان خلق للبقاء وليس للفناء وهذه الدنيا فانية فلا بدّ من دار يخلد فيها الإنسان وهي الآخرة لذلك على الإنسان أن يترك الدنيا للآخرة.
يقول‏ عليه السلام: "والدنيا دار مُنِي لها الفناء" [١١].

"وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها" [١٢].
"وأن اللّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شي‏ء معه"  [١٣].
ج- الدنيا طريق ووسيلة إلى الآخرة:
يجب أن يتعامل الإنسان مع الدنيا ضمن هذا المفهوم بأن الدنيا هي ممر وطريق وجسر نعبر به إلى الآخرة.
يقول‏ عليه السلام:"فإن اللّه سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها"  [١٤].
"أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار..."  [١٥].
د- الدنيا دار بلاءٍ وابتلاء:
الدنيا خلقت للبلاء والامتحان وبما أن الإنسان موجود في هذه الدنيا فإنه يُبتلى بشتى البلاءات وتبقى الآخرة هي الدار التي يعيش فيها الراحة والهناء.
يقول عليه السلام:"واعلم أن الدنيا دار بليَّة لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة" [١٦] .
"إنما المرء في الدنيا غرض تنتقل فيه المنايا..."   [١٧].
هـ - علينا الاعتبار بمن مضى من هذه الدنيا:
يقول‏ عليه السلام:"واعلموا عباد اللّه أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم"  [١٨] .
"ولا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرّت من كان قبلكم" [١٩] .
"أليسوا قد ظعنوا جميعاً عن هده الدنيا الدنية"   [٢٠].
"فإن الذي في يدك من الدنيا قد كان له أهل قبلك"  [٢١].
العلاقة بين الدنيا والآخرة:
العلاقة بين الدنيا والآخرة إما أن تكون علاقة سلب أو تكون علاقة إيجاب.
أما السلب:
فهو عندما ينظر الإنسان إلى الدنيا بأنها هي الهدف ويعمل عمله كله في الدنيا ولأجل الدنيا وهذه الحالة مذمومة واتضح ذلك من خلال ما مرّ معنا في موجبات ترك الدنيا.
يقول عليه السلام:"إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وما شي‏ء بينهما كلما قرب واحد بعد من الآخر، وهما بعدُ ضرّتان" [٢٢]  .
ويقول‏ عليه السلام:"واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا" [٢٣].
"ألا وإنه لا يضركم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم إلا وأنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم" [٢٤] .
وأما علاقة الإيجاب:
فهي أن ينظر الإنسان إلى الآخرة بأنها هي الهدف وأنها هي المستقر والمأوى لذلك عليه أن يأخذ من دار الممر إلى دار المقر وعليه أن يصلح دار مقره ولا ينسي نصيبه من الدنيا ولكن ضمن الموازين الشرعية.
يقول عليه السلام:"من أصلح آخرته أصلح اللّه أمر دنياه..." [٢٥]  .
"من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه..." [٢٦] .
وأخيراً:
ليكن الهم في هذه الدنيا هو تحصيل المكارم وهجران المآثم حتى يسعد في الدنيا والآخرة يقول أمير المؤمنين‏ عليه السلام:"فمن آتاه اللّه مالاً فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة وليفُكّ‏َ به الأسير والعالي، وليُعط منه الفقير والغارم، وليصبر نفسه على الحقوق والنوائب، ابتغاء الثواب، فإن فوزاً بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا، ودرك فضائل الآخرة، إن شاء اللّه" [٢٧] .

الدرس الثاني عشر (الموت وما بعده)
مقدمة:
إن الإسلام العظيم اهتم اهتماماً بالغاً بموضوع الموت وما بعده باعتبار أنه حقيقة واقعة لا مفرّ منها ولا ملجأ، وذلك عبر الآيات والروايات الكثيرة وكذلك لأمير المؤمنين‏ عليه السلام في كلامه اهتمام شديد بهذا الموضوع، وهذا ما ينبه الإنسان إلى ضرورة الالتفات إلى هذه المرحلة من مراحل المسيرة الإنسانية.

الخوف من الموت :
إن الخوف من الموت شعور ينتاب الكثيرين ويجعلهم يعيشون حالة القلق، وإن قلبهم ليخفق دائماً ويضطرب عندما يسمعون عن الموت وما بعد الموت وأنه ملاقيهم.
والشعور بالخوف ونوعه يختلف من إنسان إلى آخر، فالملحد مثلاً يرهب الموت رهبة عظيمة لأنه يعتقد أنه فناء، بخلاف المؤمن فإنه أقل خوفاً من الموت لأنه مؤمن بأن الموت حياة جديدة، ومن المؤمنين المتقين من يستأنس بذكر الموت ويستبشر به.
ويحدثنا عنهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين يقول: "ولولا الأجل الذي كتب اللّه عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب" [٢٨] .
ويصف عليه السلام حال ضعيفي الإيمان مع الموت بقوله عليه السلام: "إذا دعوتكم إلى جهاد عدوِّكم، دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة".
"يخشى الموت، ولا يبادر الفوت"  [٢٩].
ولكن يبقى الموت حقيقة ثابتة لا تتغير حيث الكل مفارق لدنياه سواء أحبّ‏َ الموت أم أبغضه.
أما إمام المتقين عليه السلام فله شأن آخر مع الموت، فهو المطمئن برحمة اللّه ومحبته له، فقد كانت حياته كلُّها في سبيل اللّه الباقي بعد فناء كل شي‏ء.
يقول عليه السلام:"فإن أقل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت! هيهات بعد اللتيا والتي، واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمِّه" [٣٠] .
"أما قولكم: أكل ذلك كراهية الموت؟ فواللّه ما أبالي، دخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي" [٣١] .
"وإن أحب ما أنا لاقٍ إليّ الموت"  [٣٢].

لماذا الخوف :
ليس غريباً أن يخاف ويجزع غير المؤمن من الموت لأن حياته التي قضاها بالمعصية والفساد والظلم، جعلت آخرته مظلمة ومخيفة، فكيف له أن يطمئن؟
اسمعوا إلى الإمام عليه السلام كيف يصف هذا الصنف حال موته: "... وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون، فغير موصوف ما نزل بهم.
اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيَّرت لها ألوانهم، ثم ازداد الموت فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع بأذنه، على صحة من عقله، وبقاء من لبِّه، يفكر فيما أفنى عمره، وفيما أذهب دهره، ويتذكر أموالاً جمعها، أغمض [٣٣] في مطالبها، وأخذها من مصرَّحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تبعات جمعها،... فهو يعض يده ندامة... فلم يزل الموت يبالغ في جسده..." [٣٤].
وفي هذا المعنى كلام كثير له عليه السلام.

وللتقي شأن آخر:
فيما التقي يقدم على ربّ‏ِ رحيم، وقد جاهد نفسه وأطاع ربَّه، فلماذا الخوف إذن؟
يقول الإمام علي عليه السلام مطمئناً المتقي بعد موته:"(التقوى) ومصابيح لبطون قبوركم، وسكناً لطول وحشتكم، ونفساً لكرب مواطنكم"  [٣٥] .
"فإن تقوى اللّه مفتاح سداد، وذخيرة معاد" [٣٦].
فلتعلم إذن أن سعادتك وشقاءك لقاء عملك كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"الصدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم، نُصب أعينهم في آجالهم"  [٣٧].
فعليك إذن أن تستعد لمرحلة ما بعد الموت.

الإستعداد للموت وعدم الغفلة عنه :
ولأمير المؤمنين عليه السلام كلام كثير في الاستعداد للموت، وهو عليه السلام كان المستعد لهذه الساعة.
يقول عليه السلام مشيراً إلى استعداده:"واللّه ما فاجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلاّ كقارب ورد، وطالبٍ وجد، وما عند اللّه خير للأبرار" [٣٨] .
وها هو عليه السلام من قلب شفيق ينصح الناس ليستعدوا لهذه الساعة التي لا بد منها.
"واستعدوا للموت فقد أظلَّكم"   [٣٩].

ويحذّر من الغفلة عنه:
"فيا لها حسرة على كلّ‏ِ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجَّة"  [٤٠].

ذكر الموت:
ولأجل أن لا تغفل عن الموت، وتكون مستعداً لهذه الساعة، عليك أن تذكرها دائماً، ليس ذكر الخوف والقلق واليأس، بل ذكر الطمأنينة وإعمار الحياة، وكبح جماح الشهوات وارتكاب المعاصي لأن ذكر الموت هو من أهم المنبهات إلى طريق الاستقامة.
يقول الإمام عليه السلام في ذكر الموت:".. وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات، عند المساورة   [٤١]  و [٤٢]
"ضع منخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك" [٤٣] .
"أحي قلبك بالموعظة... وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء..." [٤٤] .
"ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات"  [٤٥].
إن العبد بعد موته وبعد أن يفرغ من حسابه فلا بد له من مقرٍ يسكنه، فهنا تظهر الوجوه فإما أن تكون ناعمة ناظرة إلى ربها ناضرة لسعيها راضية وإما أن تكون عليها غبرة ترهقها قترة، أي إما أن يكون من أهل الجنة أو من أهل النار.
يقول عليه السلام:"وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به" [٤٦].
ويقول عليه السلام في موضع آخر:"فكفى بالجنة ثواباً ونوالاً وكفى بالنار عقاباً ووبالاً".
ونراه قد وصف لنا الجنة والنار وكأنه قد رآهما وعاينهما.
من هنا علينا أن لا نغفل عن السعي في فكاك رقابنا من النار خصوصاً أن باب التوبة ما زال مفتوحاً أمام الطالبين ولا نسوِّف إلى أن يحين الأجل فعندها لا نرى من أعمالنا ما نستحق به دخول الجنة وتجنب النار يقول مولى الموحدين عليه السلام:"فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها" [٤٧].
وأيضاً:"وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا" [٤٨] .
بعض ما يوجب دخول النار:
١- القتل:
إن من أبرز ما يوجب دخول النار هو سفك الدماء المحترمة التي حرَّم اللّه قتلها، وذلك ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:"واللّه سبحانه مبتدى‏ء بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء، يوم القيامة"  [٤٩].
٢- كثرة الكلام قد يورد النار:
يقول عليه السلام:"ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار" [٥٠].
٣- الإمام (السلطان) الجائر:
يقول عليه السلام:"وإن شر الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ وضُلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة" [٥١].
٤- من كان خصماؤه المساكين:
يقول عليه السلام:"... وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤسى لمن خصمه عند اللّه الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون، والغارمون وأبناء السبيل، ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها"[٥٢].

بعض ما يقرّب من الجنة :
١- طاعة الإمام:
طاعة ولي الأمر هي من الأمور المهمة التي تدخل الجنة لأنه بطاعته يكون الإنسان قد أدَّى التكليف المفترض عليه لأنه أعرف بمصالح الأمة ومفاسدها وأن اللّه تعالى أكدَّ على هذه المسألة في القرآن الكريم:"أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ" [٥٣].
ويقول الإمام علي عليه السلام في هذا المجال:"وإنما الأئمة قوَّام اللّه على خلقه، وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه فإن أطعتموني فإني حاملكم إنشاء اللّه على سبيل الجنة"  [٥٤] .
٢- أداء الفرائض:
إن من أفضل الأعمال عند اللّه (عز وجل) هو أداء الفرائض المتوجبة على الإنسان لأن اللّه تعالى إما يُعبد بأدائها على نحو الخلوص إليه تعالى في النية ومن يفعل ذلك فإن مثواه الجنة لأنه أدى ما عليه.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"الفرائض، الفرائض: أدّوها إلى اللّه تؤدكم إلى الجنة" [٥٥] .
٣- صدق النية:
إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امري‏ء ما نوى وبالنية يجازى الإنسان على عمله إن كانت خالصة لوجه اللّه تعالى خالية من الرياء فعندها تؤدي بصاحبها إلى الجنة.
يقول إمامنا عليه السلام:"وإن اللّه يُدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة" . [٥٦]
٤- الجهاد في سبيل اللّه:
هو من أفضل الأبواب التي تورد إلى الجنة لما فيه من إعلاء كلمة اللّه تعالى وحفظ الأمة وتقوية شوكتها وبما فيها من الانتصار للمؤمنين والمستضعفين وكسر شوكة المستكبرين، لذلك في الجنة باب باسم الجهاد يرد منه المجاهدون الذين انتصروا إما بدمائهم وشهادتهم أو بالعزة التي منحوها للأمة بثباتهم وإخلاصهم وعزيمتهم.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه اللّه لخاصة أوليائه..." [٥٧] .

في الختام :
إن طريق الجنة وطريق النار واضحان، ويمكن أن يختبر ذلك كل واحد منا داخل نفسه من خلال سلوكه مع قليلٍ من المراقبة للنفس ومسلكها، فإن طريق الجنة طريق صعب مستصعب لأن الإنسان في هذا الطريق سوف يتنازل عن كثير من مشتهايته وملذاته الشخصية التي تحصل بغير رضا اللّه ولا يراعى فيها مصلحة الآخرين والمصلحة الأخروية فلذلك تسمى بطريق ذات الشوكة وكل هذا الألم ألم آنيّ ينقضي بانتهاء الدنيا حتى يحل مكانه السعادة الأبدية والدائمة.

هذا بخلاف طريق النار المحفوف بالشهوات والملذات وما يزينّه الشيطان وأعوانه للإنسان حيث يزين له القبيح ويقبِّح له الحسن حتى يصل الإنسان في هذا الطريق إلى مرحلة الاغترار بالإثم.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"إن الجنة حفَّت بالمكاره وإن النار حفَّت بالشهوات" [٥٨] .
ويقول عليه السلام في موضع آخر:"وليكن همّك فيما بعد الموت"  [٥٩].
لأن ما بعد الموت هو الحياة الأبدية الدائمة... الموت يأتي بغتة فما أسرع الملتقى، فعلينا أن نتهيأ لهذه اللقيا ونتزود بخير الزائد:"فإن كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى" [٦٠].

--------------------------------------------------------------------
[١] . قصار الحكم ٣٦٧.
[٢] . العنكبوت: ٦٤
[٣] . خطبة ١٣٣.
[٤] . كتاب ١٠٧،٣١.
[٥] . كتاب ٣،٤٣.
[٦] . قصار الحكم ٨٩.
[٧] . خطبة ١٤،٢٢٣.
[٨] . كتاب ٣١،٧٤.
[٩] . خطبة ٨،١٥٧.
[١٠] . كتاب ١،٥٥.
[١١] . خطبة ٢،٤٥.
[١٢] . خطبة ٢٥،١٨٦.
[١٣] . نفس المصدر٢٩.
[١٤] . كتاب ١، ٥٥.
[١٥] . خطبة ١،٢٠٣.
[١٦] . كتاب ٣،٥٩.
[١٧] . قصار الحكم ١،١٩١.
[١٨] . خطبة ٣،٢٢٦.
[١٩] . خطبة ١٠، ٢٣٠.
[٢٠] . خطبة ٦،١٢٩.
[٢١] . قصار الحكم ٣،٤١٦.
[٢٢] . قصار الحكم ١،١٠٣.
[٢٣] . خطبة ١٥،١١٤.
[٢٤] . خطبة ١٠،١٧٣.
[٢٥] . قصار الحكم ١٠٦.
[٢٦] . قصار الحكم ٨٩.
[٢٧] . خطبة ٢،١٤٢.
[٢٨] . نهج البلاغة، خطبة المتقين.
[٢٩] . ن.م، ق ٧٧، ١٥٠ ص ٢٨٤.
[٣٠] . ن.م، ك ١٤، ٣٨ ص ٢٦٤.
[٣١] . خطبة ٥،١٩٣.
[٣٢] . ن.م، خطبة ٥، ٥، ص ٢٦٣.
[٣٣] . أغمض: لم يبالي من أين طلبها وجمعها. من حلالٍ أو حرام.
[٣٤] . ن.م، خ ١٠٨، ١٠٩ ص ٢٦٩.
[٣٥] . ن.م، خطبة ١٨٩، ١٩٨ ص ٢٧٦.
[٣٦] . ن.م، خطبة ٢٢١، ٢٣٠ ص ٢٩٣.
[٣٧] . ن.م، ق ٦، ٧ ص ٢٨٧.
[٣٨] . ن.م، ك ٢٣، ص ٢٨٣.
[٣٩] . ن.م، خطبة ٦٤، ص ٩٦.
[٤٠] . ن.م، خطبة ٦٤، ص ٢٦٤.
[٤١] . المشاورة.
[٤٢] . ن.م، خطبة ٩٩، ص ٢٦٨.
[٤٣] . ن.م، قصار الكلمات ٣٩٨، ص ٢٨٥.
[٤٤] . ن.م، ك ٣١، ص ٢٨٦.
[٤٥] . ن.م، قصار الكلمات ٣١، ص‏٢٨٣.
[٤٦] . خطبة ٦٤.
[٤٧] . خطبة ١٨٣.
[٤٨] . كتاب ٦٩.
[٤٩] . كتاب ٥٣.
[٥٠] . ن.م، ق ٣٤٩، ص ٣٠٤.
[٥١] . ن.م، كلام له عليه السلام ١٦٤ ص‏٢٩٣.
[٥٢] . ن.م، كلام له ٢٦، ص ٢٩٤.
[٥٣] . النساء: ٥٩.
[٥٤] . خطبة ١٥٦.
[٥٥] . خطبة ١٦٧.
[٥٦] . قصار الحكم ٤٢.
[٥٧] . خطبة ٢٧.
[٥٨] . خطبة ١٧٦.
[٥٩] . كتاب ٢، ٢٢.
[٦٠] . قصار الحكم ٢٩.

إنتهى .

منقول (بتصرف) إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

(الطبعة الأولى كانون الأول ٢٠٠٤م – ١٤٢٥هـ )

****************************