الشيخ نجاح الطائي
ومن خطبة له (عليه السلام) بعد التّحكيم :
الحمد لله وإن أتى الدّهر بالخطب الفادح [١] والحدث الجليل . وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ليس معه إلهٌ غيره وأنّ محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله). أمّا بعد فإنّ معصية النّاصح الشّفيق العالم المجرّب تورث الحسرة وتعقب النّدامة . وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي [٢] لو كان يطاع لقصير أمرٌ [٣] فأبيتم عَلَيَّ إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة . حتّى ارتاب النّاصح بنصحه [٤]. وضنّ الزّند بقدحه فكنت وإيّاكم كما قال أخو هوازن:
أمرتكم أمري بمنعرج اللّوى***** فلم تستبينوا النّصح إلاّ ضحى الغد
ومن خطبة له (عليه السلام) في تخويف أهل النّهروان : [٥]
فأنا نذيركم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النّهر وبأهضام هذا الغائط [٦] على غير بيّنة من ربّكم ولا سلطان مبين معكم . قد طوّحت بكم الدّار [٧] واحتبلكم المقدار . وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم عَلَيَّ إباء المخالفين المنابذين [٨] حتّى صرفت رأيي إلى هواكم وأنتم معاشر أخفّاء الهام [٩] سفهاء الأحلام ولم آت ـ لا أباً لكم ـ بجراً [١٠] ولا أردت لكم ضرّاً [١١] .
ومن كلام له (عليه السلام) يجري مجرى الخطبة : [١٢]
فقمت بالأمر حين فشلوا . وتطلّعت حين تقبّعوا [١٣] ونطقت حين تمتّعوا ومضيت بنور الله حين وقفوا وكنت أخفضهم صوتاً [١٤] وأعلاهم فوتاً [١٥] فطرت بعنانها واستبددت برهانها [١٦] كالجبل لا تحرّكه القواصف . ولا تزيله العواصف . لم يكن لأحد في مهمزٌ [١٧] ولا لقائل فيّ مغمزٌ . الذّليل عندي عزيزٌ حتّى آخذ الحقّ له . والقويّ عندي ضعيفٌ حتّى آخذ الحقّ منه . رضينا عن الله قضاءه وسلّمنا لله أمره [١٨] . أتراني أكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله لأنّا أوّل من صدّقه فلا أكون أوّل من كذب عليه فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا الميثاق في عنقي لغيري [١٩] .
ومن خطبة له (عليه السلام) :
وإنّما سمّيت الشبهة شبهةً لأنّها تشبه الحقّ . فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى [٢٠] . وأمّا أعداء الله فدعاؤهم فيها الضّلال ودليلهم العمى . فما ينجو من الموت من خافه ولا يعطي البقاء من أحبّه .
ومن خطبة له (عليه السلام) :
منيت بمن لا يطيع إذا أمرت [٢١] ولا يجيب إذا دعوت . لا أباً لكم ما تنتظرون بنصركم ربّكم . أما دينٌ يجمعكم ولا حميّةٌ [٢٢] أقوم فيكم مستصرخاً وأُناديكم متغوّثاً فلا تسمعون لي قولاً . ولا تطيعون لي أمراً . حتّى تكشف الأُمور عن عواقب المساءة [٢٣] فما يدرك بكم ثارٌ ولا يبلغ بكم مرامٌ . دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ . وتثاقلتم تثاقل النّضو الأدبر [٢٤] ثمّ خرج إليّ منكم جنيدٌ متذائبٌ ضعيفٌ كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون [٢٥] .
(أقول) قوله (عليه السلام) متذائبٌ أي مضطربٌ من قولهم تذاءبت الرّيح أي اضطرب هبوبها . ومنه سمّي الذّئب ذئباً لاضطراب مشيته [٢٦] .
ومن كلام له (عليه السلام) :
في الخوارج لمّا سمع قولهم لا حكم إلاّ لله قال (عليه السلام) كلمة حقٍّ يراد بها باطلٌ . نعم إنّه لا حكم إلاّ لله . ولكن هؤلاء يقولون لا امرة إلاّ لله ; وإنّه لابدّ للنّاس من أمير برٍّ أو فاجر [٢٧] يعمل في إمرته المؤمن . ويستمتع فيها الكافر . ويبلغ الله فيها الأجل . ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ . وتأمن به السّبل . ويؤخذ به للضّعيف من القويّ حتّى يستريح به برٌّ ويستراح من فاجر (وفي رواية أُخرى أنّه (عليه السلام) لمّا سمع تحكيمهم قال) وأمّا الإمرة الفاجرة فيتمتّع فيها الشّقيُّ إلى أن تنقطع مدّته وتدركه منيّته [٢٨] .
ومن خطبة له (عليه السلام) :
إنّ الوفاء توأم الصّدق [٢٩] ولا أعلم جنّةً أوقى منه . ولا يغدر من علم كيف المرجع . ولقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيساً [٣٠] ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة . ما لهم قاتلهم الله قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ودونه مانعٌ من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدّين [٣١] .
ومن كلام له (عليه السلام) :
أيّها النّاس إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى، وطول الأمل [٣٢] فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإنّ الدّنيا قد ولّت حذّاءً [٣٣] فلم يبق منها إلاّ صبابةٌ [٣٤] كصبابة الإناء اصطبّها صابّها . ألا وإنّ الآخرة قد أقبلت ولكل منهما بنون . فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا أبناء الدّنيا، فإنّ كلّ ولد سيلحق بأُمّه يوم القيامة . وإنّ اليوم عمل ولا حسابٌ وغداً حسابٌ ولا عملٌ .
(أقول) الحذّاء السّريعة . ومن النّاس من يرويه جذّاء [٣٥] .
ومن كلام له (عليه السلام) :
وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبدالله البجلي إلى معاوية: إنّ استعدادي لحرب أهل الشام وجريرٌ عندهم إغلاقٌ للشّام وصرف لأهله عن خير إن أرادوه . ولكن قد وقتّ لجرير وقتاً لا يقيم بعده إلاّ مخدوعاً أو عاصياً . والرّأي عندي مع الأناة، فأردوا ولا أكره لكم الإعداد [٣٦] . ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه [٣٧] . وقلّبت ظهره وبطنه فلم أر لي إلاّ القتال أو الكفر، إنّه قد كان على النّاس وال أحدث أحداثاً وأوجد للنّاس مقالاً فقالوا ثمّ نقموا فغيّروا [٣٨] .
ومن كلام له (عليه السلام) :
لمّا هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعتقهم [٣٩] فلمّا طالبه بالمال خاف منه وهرب إلى الشّام [٤٠] .
قال الإمام : قبّح الله مصقلة . فعل فعل السّادات وفرّ فرار العبيد . فما أنطق مادحه حتّى أسكته، ولا صدّق واصفه حتّى بكّته . ولو أقام لأخذنا ميسوره [٤١] وانتظرنا بماله وفوره [٤٢] .
ومن خطبة له (عليه السلام) :
الحمد لله غير مقنوط من رحمته . ولا مخلوٍّ من نعمته . ولا مأيوس من مغفرته . ولا مستنكف عن عبادته . الّذي لا تبرح منه رحمةً . ولا تفقد له نعمةٌ . والدّنيا دار مُنى لها الفناء [٤٣] .
نهج البلاغة
ويأتي في عنوان ١١ من الفصل الثّلاثين أنّ قوله (عليه السلام): « إنّ الحقّ لا يعرف بالرّجال » وقوله (عليه السلام): « انظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى مَن قال » بلا قيمة [٤٤] .
وقال الجاحظ : أجمعوا على أنّهم لم يجدوا كلمة أقلّ حرفاً، ولا أكثر ريعاً، ولا أعمّ نفعاً، ولا أحثّ على تبيين، ولا أهجى لمن ترك التفهّم وقصّر في الافهام من قول علي (عليه السلام): « قيمة كلّ امرء ما يحسنه » [٤٥] .
وقال الخليل : أحثّ كلمة على طلب علم قول عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): « قدر كلّ امرئ ما يحسن » [٤٦] .
وقال الرضيّ في خصائصه : قوله (عليه السلام): « كلمة حقّ يراد بها باطل » في ردّ قول الخوارج « لا حكم إلاّ لله » أبلغ عبارة عن أمر الخوارج لما جمعوا من حسن الاعتراء والشّعار، وقبح الإبطان والإضمار [٤٧] .
وقال الرضي أيضاً فيه في قوله (عليه السلام) : « لم يذهب مالك ما وعظك » : سبحان الله ما أقصر هذه الكلمة من كلمة، وأطول شأو بدرها في مضمار الحكمة [٤٨] .
وقال في نهج البلاغة في قوله (عليه السلام) : « فلئن أمر الباطل لقديماً فعل » .
إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان، وإنّ حظّ العَجب منه أكثر من حظّ العُجب به، وفيه مع الحال الّتي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ولا يطّلع فجّها إنسان ولا يعرف ما أقول إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحقّ وجرى فيها على عرق وما يعقلها إلاّ العالمون [٤٩] .
وقال في قول الإمام (عليه السلام) : « فإنَّ الغاية أمامكم إلخ » .
إنَّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه، وبعد كلام رسوله (صلى الله عليه وآله) بكلّ كلام لمال به راجحاً، وبرز عليه سابقاً . فأمّا قوله (عليه السلام) « تخفّفوا تلحقوا » فما سمع كلام أقلّ منه مسموعاً ولا أكثر محصولاً، وما أبعد غورها من كلمة وأنقع نطفتها من حكمة [٥٠] .
وقال في خطبة ٢٨: « لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزّهد في الدنيا ويضطرّ إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الآمال، وقادحاً زناد الإتّعاظ، والإزدجار » [٥١] .
وقال في خطبة ٨٠: إذا تأمّل المتأمّل قوله (عليه السلام) « من أبصر بها بصّرته » وجد تحته من المعنى العجيب والغرض البعيد ما لا تبلغ غايته، ولا يدرك غوره، ولا سيّما إذا قرن إليه قوله (عليه السلام): « ومن أبصر إليها أعمته » فإنّه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها واضحاً نيّراً وعجيباً باهراً [٥٢] .
وقال الرضي في قوله (عليه السلام) : « لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل ـ إلخ » .
لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة وحكمة بالغة وبصيرة لمبصر وعبرة لناظر مفكّر [٥٣] .
إلى غير ذلك من كلماتهم في كلامه (عليه السلام) ممّا لو استقصيت لصارت كتاباً فللّه درّه في جمعه هذا الكتاب فكم اهتدى به من يوم تأليفه إلى يومنا هذا، وكم يهتدي به إلى الأبد مع أنّه أتقن به لغة العرب، وأمتن به قواعد الأدب، فشكر الله سعيه وأعطاه خير جزاء .
لكنّه ـ الرضي ـ لمّا كان متهالكاً على نقل كلّ كلام فصيح منسوب إليه (عليه السلام) لم يتفطّن أنّ الخصم قد يحتال ويزوّر عليه لسانه (عليه السلام) بتزويق كلامه كما ترى ذلك في خطبة ٩٠ و ١٦٦ و ٢٦٦ وفي نقله خطبة ٦ لمّا أُشير عليه بأن لا يتّبع طلحة والزبير وقد تكلّمنا حولها .
الكتب والرسائل ، والرسائل أعمّ من الكتب فيمكن أن تكون الرسائل برسل يؤدّون المطالب شفاهاً .
-------------------------------------------------------------------
[١] . من فدحه الدَين أي أثقله . والحدث بالتحريك الحادث .
[٢] . الحكومة حكومة الحكمين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري . وذلك بعد ما وقف القتال بين علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان في حرب صفّين سنة سبع وثلاثين من الهجرة فإنّ جيش معاوية لمّا رأى أنّ الدبرة تكون عليه رفعوا المصاحف على الرماح يطلبون ردّ الحكم إلى كتاب الله وكانت الحرب أكلت من الفريقين، فانخدع القرّاء وجماعة تبعوهم من جيش علي (عليه السلام) وقالوا: دعينا إلى كتاب الله ونحن أحق بالاجابة إليه، فقال لهم أمير المؤمنين إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل إنّهم ما رفعوها ليرجعوا إلى حكمها إنّهم يعرفونها ولا يعملون بها ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة، أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحقّ مقطعه ولم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا، فخالفوا واختلفوا، فوضعت الحرب أوزارها وتكلّم الناس في الصلح وتحكيم حكمين يحكمان بما في كتاب الله فاختار معاوية عمرو بن العاص واختار بعض أصحاب أمير المؤمنين أبا موسى الأشعري فلم يرض أمير المؤمنين واختار عبدالله بن عباس فلم يرضوا ثمّ اختار الأشتر النخعي فلم يطيعوا فوافقهم على أبي موسى مكرها بعد أن أعذر في النصيحة لهم فلم يذعنوا . فقد نخل لهم اي أخلص رأيه في الحكومة أوّلاً وآخراً ثم انتهى أمر التحكيم بانخداع أبي موسى لعمرو بن العاص وخلعه أمير المؤمنين ومعاوية ثم صعود عمرو وإثباته معاوية وخلعه أمير المؤمنين .
[٣] . هو مولى جذيمة المعروف بالابرش وكان حاذقاً وكان قد أشار على سيده جذيمة أن لا يأمن للزباء ملكة الجزيرة فخالفه وقصدها اجابة لدعوتها إلى زواجه فقتلته فقال قصير « لا يطاع لقصير أمر » فذهب مثلاً .
[٤] . يريد بالناصح نفسه أي أنّهم أجمعوا على مخالفته حتّى شكّ في نصيحته وظنّ أن النصح غير نصح وأنّ الصواب ما أجمعوا عليه . وتلك سنّة البشر إذا كثر المخالف للصواب إتّهم المصيب نفسه . وقوله ضن الزند بقدحه أي أنّه لم يعن له بعد ذلك رأي صالح لشدة ما لقى من خلافهم وهكذا المشير الناصح إذا اتّهم واستغش غشت بصيرته وفسد رأيه . وأخو هوازن هو دريد بن الصمة . ومنعرج اللوى اسم مكان وأصل اللوى من الرمل الجدد بعد الرملة . ومنعرجة منعطفة يمنة ويسرة وفي هذه القصيدة :
فلمّا عصوني كنت منهم وقد أرى ***** غوايتهم أو أنّني غير مهتدى
وما أنا إلاّ من غزية أن غوت ***** غويت وأن ترشد غزية أرشد
[٥] . النهروان اسم لأسفل نهر بين الخافيق وطرفاء على مقربة من الكوفة في طرف صحراء حروراء . ويقال لألى ذلك النهر تامر، وكان الذين خرجوا على أمير المؤمنين وخطأوه في التحكيم قد نقضوا بيعته وجهروا بعداوته وصاروا له حرباً واجتمع معظمهم عند ذلك الموضع . وهؤلاء يلقّبون بالحرورية لما تقدّم أنّ الأرض التي اجتمعوا فيها كانت تسمي حروراء وكان رئيس هذه الفئة الضالّة حرقوص بن زهير السعدي ويلقّب بذي الثدية (تصغير ثدية) خرج إليهم أمير المؤمنين يعظهم في الرجوع عن مقالتهم والعودة إلى بيعتهم فأجابوا النصيحة برمي السهام وقتال أصحابه كرّم الله وجهه فأمر بقتالهم وتقدّم القتال بهذا الإنذار الذي تراه .
[٦] . صرعى جمع صريع أي طريح أي إنّي أحذركم من اللجاج في العصيان فتصبحوا مقتولين مطروحين بعضكم في أثناء هذا النهر وبعضكم بأهضام هذا الغائط . والاهضام جمع هضم وهو المطمئن من الوادي . والغائط ما سفل من الأرض والمراد منها المنخفضات .
[٧] . أي صرتم في متاهة ومضلّة لا يدع الضلال لكم سبيلاً إلى مستقرّ من اليقين فأنتم كمن رمت به داره وقذفته ويقال تطاوحت به النوى أي ترامت . وقد يكون المعنى أهلكتكم دار الدنيا كما اختزناه في الطبعة الأُولى . والمقدار القدر الالهي . واحتبلهم أوقعهم في حبالته فهم مقيّدون للهلاك لا يستطيعون منه خروجاً .
[٨] . نهاهم عن إجابة الشام في طلب التحكيم بقوله إنّهم مارفعوا المصاحف ليرجعوا إلى حكمها إلى آخر ما تقدّم في الخطبة السابقة وقد خالفوه بقولهم دعينا إلى كتاب الله فنحن أحقّ بالإجابة إليه بل أغلظوا في القول حتّى قال بعضهم لئن لم تجبهم إلى كتاب الله أسلمناك لهم وتخلّينا عنك .
[٩] . الهام الرأس . وخفّتها كناية عن قلّة العقل .
[١٠] . البجر بالضم الشر والأمر العظيم والداهية . قال الراجز ـ أرمي عليها وهي شيء بجر ـ أي داهية . ويقال لقيت منه البجارى وهي الدواهي واحدها بجرى مثل قمري وقمارى .
[١١] . نهج البلاغة ١ / ٨٦، البحار ٣٣ / ٣٥٥ .
[١٢] . هذا الكلام ساقه الرضي كأنّه قطعة واحدة لغرض واحد وليس كذلك، بل هو قطع غير متجاورة كل قطعة منها في معنى غير ما للأُخرى، وهو أربعة فصول: الأوّل من قوله فقمت بالأمر إلى قوله واستبددت برهانها . والفصل الثاني من قوله كالجبل لا تحرّكه القواصف إلى قوله حتى آخذ الحقّ منه والفصل الثالث من قوله رضينا عن الله قضاءه إلى قوله فلا أكون أوّل من كذب عليه . والفصل الرابع ما بقى .
[١٣] . يصف حاله في خلافة عثمان ومقاماته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيام الأحداث أي أنه قام بإنكار المنكر حين فشل القوم أي جبنهم وخورهم . والتقبّع الاختباء والتطلّع ضدّه يقال امرأة طلعة قبعة تطلع ثم تقبع رأسها أي تدخله كما يقبع القنفذ أي يدخل رأسه في قبعة جلده . وقع الرجل أدخل رأسه في قميصه أي أنه ظهر في اعزاز الحق والتنبيه على مواقع الصواب حين كان يختبئ القوم من الرهبة . ويقال تقبع فلان في كلامه إذا تردّد من عى أو حصر . فقد كان ينطق بالحق ويستقيم به لسانه والقوم يتردّدون ولا يبيّنون .
[١٤] . كناية عن ثبات الجأش فإنّ رفع الصوت عند المخاوف إنّما هو من الجزع وقد يكون كناية عن التواضع أيضاً .
[١٥] . الفوت السبق .
[١٦] . هذا الضمير وسابقه يعودان إلى الفضيلة المعلومة من الكلام فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهو يمثّل حاله مع القوم بحال خيل الحلبة . وطار به سبق به . والرهان الجعل الذي وقع التراهن عليه .
[١٧] . الهمز والغمز الوقيعة أي لم يكن في عيب أعاب به . وهذا هو الفصل الثاني يذكر حاله بعد البيعة أي أنه قام بالخلافة كالجبل الخ وقوله الذليل عندي الخ أي أننى أنصر الذليل فيعز بنصري حتى إذا أخذ حقه رجع إلى ما كان عليه قبل الانتصار بي . ومثل ذلك يقال فيما بعده .
[١٨] . قوله رضينا الخ كلام قاله عندما تفرس في قوم من عسكره أنهم يتهمونه فيما يخبرهم به من أنباء الغيب .
[١٩] . نهج البلاغة ١ / ٨٩، البحار ٢٩ / ٦٢٣ .
قوله فنظرت الخ هذه الجملة قطعة من كلام له في حال نفسه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)بيّن فيه أنّه مأمور بالرفق في طلب حقّه فأطاع الأمر في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فبايعهم امتثالا لما أمره النبي به من الرفق وإيفاءً بما أخذ عليه النبي من الميثاق في ذلك .
[٢٠] . سمت الهدى طريقته وقوله فما ينجو من الموت الخ ليس ملتئماً مع ما قبله فهو قطعة من كلام آخر ضمّه إلى هذا على نحو ما جمع الفصول المتقدّمة .
[٢١] . منيت ببليت .
[٢٢] . حمشه كنصره جمعه . وحمش القوم ساقهم بغضب . أو من أحمشه بمعنى أغضبه أي تغضبكم على أعدائكم . والمستصرح المستنصر . ومتغوّثاً أي قائلاً وا غوثاه .
[٢٣] . تكشف مضارع حذف زائدة والأصل تتكشّف أي تنكشف، أي أنّكم لا تزالون تخالفونني وتخذلونني حتى تنجلي الأُمور والأحوال عن العواقب التي تسوءنا ولا تسرّنا .
[٢٤] . الجرجرة صوت يردّده البعير في حنجرته . والأسر المصاب بداء السرر وهو مرض في الكركرة ينشأ من الدبرة والنضو المهزول من الأبل . والأدبر المدبور أي المجروح المصاب بالدبرة بالتحريك وهي العقر والجرح من القتب ونحوه .
[٢٥] . وهذا الكلام خطب به أمير المؤمنين في غارة النعمان بن بشير الأنصاري على عين النمر من أعمال أمير المؤمنين وعليها إذ ذاك من قبله مالك بن كعب الارحى .
[٢٦] . نهج البلاغة ١ / ٩٠، الغارات، الثقفي ١ / ٢٩٨، البحار ٣٣ / ٥٦٥ .
[٢٧] . برهان على بطلان زعمهم أنّه لا امرة إلاّ لله بأنّ البداهة قاضية أنّ الناس لابدّ لهم من أمير برأ وفاجر حتى تستقيم أُمورهم وولاية الفاجر لا تمنع المؤمن من عمله لا حراز دينه ودنياه وفيها يستمتع الكافر حتى يوافيه الأجل ويبلغ الله فيها الأُمور آجالها المحدودة لها بنظام الخلقة وتجري سائر المصالح المذكورة، ويمكن أن يكون المراد بالمؤمن هو الأمير البار وبالكافر الأمير الفاجر كما تدلّ عليه الرواية الأُخرى وقوله أما الامرة البرة الخ .
[٢٨] . نهج البلاغة ١ / ٩١، البحار ٣٣ / ٣٥٨ .
[٢٩] . التوأم الذي يولد مع الآخر في حمل واحد، فالصدق والوفاء قرينان في المنشأ لا يسبق أحدهما الآخر في الوجود ولا في المنزلة . والجنّة بالضم الوقاية . ومن علم أنّ مرجعه إلى الله وهو سريع الحساب لا يمكن أن يعدل عن الوفاء إلى الغدر .
[٣٠] . الكيس بالفتح العقل وأهل ذلك الزمان يعدون الغدر من العقل وحسن الحيلة كأنهم أهل السياسة من بني زماننا . وأمير المؤمنين يعجب من زعمهم ويقول ما لهم قاتلهم الله يزعمون ذلك مع أنّ الحول القلب بضم الأول وتشديد الثاني من اللفظين أي البصير بتحويل الأُمور وتقليبها قد يرى وجه الحيلة في بلوغ مراده لكنه يجد دون الأخذ به مانعا من أمر الله ونهيه فيدع الحيلة وهو قادر عليها خوفاً من الله ووقوفاً عند حدوده .
[٣١] . الحريجة التحرج أي التحرز من الآثام . نهج البلاغة ١ / ٩٢، خصائص الأئمة، الرضي ٩٨ .
[٣٢] . طول الأمل هو استفساح الأجل والتسويف بالعمل طلباً للراحة العاجلة وتسلية للنفس بامكان التدارك في الأوقات المقبلة، وهذا من أقبح الصفات . أمّا قوة الأمل في نجاح الأعمال الصالحة ثقة بالله ويقيناً بعونه فهي حياة كل فصيلة وسائقة لكل مجد، والمحرومون منها آيسون من رحمة الله تحسبهم أحياء وهم أموات لا يشعرون .
[٣٣] . الحذاء بالتشديد الماضية السريعة .
[٣٤] . الصبابة بالضم البقية من الماء واللبن في الاناء . واصطبها صابّها كقولك أبقاها مبقيها أو تركها تاركها .
[٣٥] . جذاء بالجيم أي مقطوع خيرها ودرّها . نهج البلاغة ١ / ٩٣، المناقب، ابن شهر آشوب ٣ / ٢٢٤، البحار ٤٤ / ٣٨١ .
[٣٦] . يقول أمير المؤمنين انّه أرسل جريراً ليخابر معاوية وأهل الشام في البيعة له والدخول في طاعته ولم ينقطع الأمل منهم، فاستعداده للحرب وجمعه الجيوش وسوقها إلى أرضهم اغلاق لأبواب السلم على أهل الشام وصرف لهم عن الخير ان كانوا يريدونه، فالرأى الأناة أي التأنّي ولكنّه لا يكره الاعداد أي أن يعدل كلّ شخص لنفسه ما يحتاج إليه في الحرب من سلاح ونحوه ويفرغ نفسه ممّا يشغله عنها لو قامت حتى إذا دعى إليها لم يبطيء في الاجابة ولم يجد ما يمنعه عن اقتحامها، وقوله أردوا أي سيروا برفق .
[٣٧] . مثل تقوله العرب في الاستقصار في البحث والتأمّل والفكر . وإنّما خصّ الأنف والعين لأنّهما أظهر شيء في صورة الوجه وهما مستلفت النظر، والمراد من الكفر في كلامه الفسق لأنّ ترك القتال تهاون بالنهي عن المنكر وهو فسق لا كفر .
[٣٨] . يريد من الوالي الخليفة الذي كان قبله، وتلك الأحداث معروفة في التأريخ وهي التي أدلت بالقوم إلى التألّب على قتله، ويروي قال بالقاف بدل وال ولا أظنّها إلاّ تحريفاً وان كنت أتيت على تفسيرها في الطبعة الأُولى . نهج البلاغة ١ / ٩٣، البحار ٣٢ / ٣٩٣ .
[٣٩] . كان الخريت بن راشد الناجي أحد بني ناجية مع أمير المؤمنين في صفّين ثم نقض عهده بعد صفين ونقم عليه في التحكيم وخرج يفسد الناس ويدعوهم للخلاف، فبعث إليه أمير المؤمنين كتيبة مع معقل بن قيس الرياحي لقتاله هو ومن انضمّ إليه فأدركته الكتيبة بسيف البحر بفارس، وبعد دعوته إلى التوبة وابائه قبولها شدّت عليه فقتل وقتل معه كثير من قومه وسبي من أدرك في رحالهم من الرجال والنساء والصبيان فكانوا خمسمائة أسير . ولمّا رجع معقل بالسبي مرّ على مصقلة بن هبيرة الشيباني وكان عاملاً لعلي على أردشير خره فبكى إليه النساء والصبيان وتصايح الرجال يستغيثون في فكاكهم فاشتراهم من معقل بخمسمائة ألف درهم ثم امتنع من أداء المبلغ . ولمّا ثقلت عليه المطالبة بالحقّ لحق بمعاوية فراراً تحت أستار الليل .
[٤٠] . خاس به خان .
[٤١] . ميسوره ما تيسّر له .
[٤٢] . وفوره زيادته .
[٤٣] . منى لها الفناء الفعل للمجهول .
[٤٤] . بهج الصّباغة فصل ٣٠ عنوان ١١ .
[٤٥] . صرّح الشّارح في عنوان ١٦ من الفصل الثامن عشر أن نقله من كتاب البيان والتبيين للجاحظ وأورد الجاحظ الحديث في٢ / ٨٠ بلا كلام حوله .
[٤٦] . نقله أبو علي الطوسي في أماليه ٢ / ١٠٨ / جزء ١٧ باسناده عن خليل .
[٤٧] . خصائص الأئمّة للشريف الرضي ٨٨ .
[٤٨] . خصائص الأئمّة للشريف الرضي ٨٨ .
[٤٩] . نهج البلاغة ١ / ٤٨، خطبة ١٦ .
[٥٠] . نهج البلاغة ١ / ٥٨، خطبة ٢١ .
[٥١] . نهج البلاغة ١ / ٧٢ .
[٥٢] . نهج البلاغة ١ / ١٣١ .
[٥٣] . نهج البلاغة ٤ / ٣٨، حكمة ١٥٠ .
يتبع ......