وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
بلاغة الإمام عليه السلام – الأول

الشيخ نجاح الطائي

قال الشريف الرضي في الإمام علي (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشرِّع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه (عليه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وقد تقدّم وتأخّروا لأنّ كلامه الكلام الذي عليه مصلحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي [١].

أقوال في نهج البلاغة

الشيخ محمد عبدة يصف نهج البلاغة :

قال محمد عبدة: ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيّد الشريف الرضي (رحمه الله) من كلام سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه جمع متفرّقه وسمّاه بهذا الاسم نهج البلاغة، ولا أعلم اسماً أليق بالدلالة على معناه منه، وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد ممّا دلّ عليه اسمه، ولا أن آتي بشيء في بيان مزيّته فوق ما أتى به صاحب الاختيار كما سترى في مقدّمة الكتاب .

ولولا أنّ غرائز الجبلّة وفواضي الأُمّة تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه وشكر المحسن على إحسانه لما احتجنا إلى التنبيه على ما أودع نهج البلاغة خصوصاً وهو لم يترك غرضاً من أغراض الكلام إلاّ أصابه ولم يدع للفكر ممرّاً إلاّ [٢].

قال محمد عبده ذكر صاحب اليتيمة عن الشريف الرضي هو أشعر الطالبيين ولو قلت انه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق .

قال بعض واصفيه : كان شاعراً مفلقاً فصيح النظم ضخم الألفاظ قادراً على القريض [٣]. ومات الشريف الرضي سنة ٤٠٤ هجرية .

وقال محمد عبده: رأيت كلامه (عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة أوّلها الخطب والآوامر وثانيها الكتب والرسائل وثالثها الحكم والمواعظ .  وتشيّع محمد عبدة يرجع الى تأثّره بنهج البلاغة الذي شرحه .

ظهير الدين علي بن زيد البيهقي :

هذا الكتاب النفيس « نهج البلاغة » مملوٌّ من ألفاظ يتهذّب بها المتحدث، ويتدرّب بها المتكلّم ; فيه من القول أحسنه، ومن المعاني أرصنه، كلامٌ أحلى من نَغَمِ القيان، وأبهى من نَِعَم الجنان، كلامٌ مَطلعه كسنة البدر، ومَشرعُه مَورد أهل الفضل والقدر، وكلماتٌ وشيُها خَبرٌ، ومعانيها فِقرٌ، وخطبٌ مقاطعها غُرر، ومباديها درر، استعاراتها تحكي غمرات الألحاظ المِراض، ومواعظها تعبّر عن زهرات الرياض، جمع قائل هذا الكلام بين ترصيع بديع، وتحنيس أنيس، وتطبيق أنيق .

فللّه درّ خاطر عن مخائل الرّشد ماطرٌ، وعين الله على كلام إمام ورث الفضائل كابراً عن كابر، ولا غرو للروض الناضر إذا انهلّت فيه عزالي الأنواء أن يخضرّ رباه، ويفوح ريّاه، ولا للساري في مسالك نهج البلاغة أن يُحمد عند الصباح سراه .

ولا شكّ أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان باب مدينة العلوم، فما نقول في سقط انفضّ من زند خاطره الوادي، وغيض بدا من فيض نهره الجاري، لا بل في شعلة من سراجه الوهّاج، وغرفة من بحره الموّاج، وقطرة من سحاب علمه الغزير، ولا ينبِّئك مثل خبير .

الدكتور زكي مبارك :

لا مفرّ من الاعتراف بأنّ « نهج البلاغة » له أصل، وإلاّ فهو شاهد على أن الشيعة كانوا من أقدر الناس على صياغة الكلام البليغ .  إنّي لأعتقد أنّ النظر في كتاب « نهج البلاغة » يورث الرّجولة والشهامة وعظمة النفس ; لأنّه من روح قهّار واجه المصاعب بعزائم الأُسود .

الأديب الشهير الأستاذ أمين نخلة :

إذا شاء أحد أن يشفي صبابة نفسه من كلام الإمام فليقبل عليه في « النهج » من الدفّة إلى الدفّة وليتعلّم المشي على ضوء « نهج البلاغة » .

الأُستاذ عباس محمود العقّاد :

في كتاب « نهج البلاغة » فيض من آيات التوحيد والحكمة الإلهية تتّسع به دراسة كل مشتغل بالعقائد، وأُصول التأليه وحكم التوحيد .

الأُستاذ محمد أمين النواوي :

... حفظ علي (عليه السلام) القرآن كلّه، فوقف على أسراره، واختلط به لحمه ودمه، والقارئ يرى ذلك في « نهج البلاغة » ويلمس فيه مقدار استفادة علي (عليه السلام) من بيانه وحكمته، وناهيك بالقرآن مؤدّباً ومهذّباً، يستنطق البكي الأبكم فيفتق لسانه بالبيان الساحر، والفصاحة العالية، فكيف إذا كان مثل علي في خصوبته، وعبقريته ، واستعداده ممّن صفت نفوسهم، وأعرضوا عن الدنيا، وأخلصوا للدين، فجَرَت ينابيع الحكمة من قلوبهم، متدفّقة على ألسنتهم، كالمحيطات تجري بالسلس العذب من الكلمات ؟

وهل كان الحسن البصري في زواجر وعظه، وبالغ منطقه إلاّ أثراً من علي (عليه السلام)، وقطرة من محيط أدبه ; ففتن الناس بعبادته، وخلّب ألبابهم بجمله، فكيف يكون الأُستاذ العليم، والإمام الحكيم، علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

لقد كان عليّ (عليه السلام) في خطبه المتدفّقة يمثّل بحراً ضخماً من العلماء الربّانيّين وأُسلوباً جديداً لم يكن إلاّ لسيّد المرسلين، وطرق بحوثاً من التوحيد لم تكن تخضع في الخطابة إلاّ لمثله، فهي فلسفة سامية لم يعرفها الناس قبله، فدانت لبيانه وسلست في منطقه وأدبه .

وخاض في أسرار الكون، وطبائع الناس، وتشريح النفوس، وبيان خصائصها وأصنافها، وعرض لمداخل الشيطان ومخارجه، وفتن الدنيا وآفاتها، في الموت وأحواله، وفي بدء الخلق، ووصف الأرض، وفي شأن السماء وما يعرج فيها من أملاك، وما يحفّ بها من أفلاك، كما عرض لملك الموت، وأطال في وصفه .

وخطب عليّ (عليه السلام) في السياسة، وفي شؤون البيعة والعهد والوفاء، واختيار الأحقّ وما أحاط بذلك من ظروف وصروف، كتحكيم صفّين وما تبعه من آثار سيئة وتفرّق الكلمة .ولم يفته أن ينوّه في خطبه بأنصار الحقّ، وأعوان الخير، والدعوة إلى الجهاد، وفيها محاجّة للخوارج، ونصحه لهم ولأمثالهم باتّباع الحقّ . وغير ذلك ممّا يكفي فيه ضرب المثل، ولفت النظر .

غير أنّ ناحية عجيبة امتاز بها الإمام، هي ما اختصّ الصفوة من الأنبياء ومن على شاكلتهم، كانت تظهر في بعض تجلّياته، وأشار إليها في بعض مقاماته، ولم يسلك فيها سواه إلاّ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد ذكر كثيراً من مستقبل الأُمّة، وأورد ما يكون لبعض أحزابها كالخوارج وغيرهم، ومن ذلك وصفه لصاحب الزنج وذكر الكثير من أحواله، وذلك من غير شكّ لونٌ من الكرامات .

هذا إلى أنه طرق نواحي من القول كانت من خواصّ الشعر إذ ذاك، وكلّه ضمّنها خطبه ; فوصف الطبّ، وعرض للخفّاش وما فيه من عجائب، والطاووس وما يحويه من أسرار،وما في الإنسان من عجائب الخلق، وآيات المبدع الحق .

وأُحيلك في ذلك كلّه على « نهج البلاغة » .

وهكذا تجد في كلام علي (عليه السلام) ; الدين والسياسة، والأدب، والحكمة، والوصف العجيب، والبيان الزاخر .

هذا كتاب علي (عليه السلام) إلى شريح القاضي يعظه، وقد اشترى داراً، ويحذّره من مال المسلمين، في معان عجيبة، وأُسلوب خلاّب . وهذا كتابه إلى معاوية يجادله في الأحقّ بالخلافة، وقتل عثمان، في معان لا يحسنها سواه .

وتلك كُتُبه إلى العاملين على الصدقات يعلّمهم فيها واجباتهم في جميع ملابساتهم . وذلك عهده إلى محمّد بن أبي بكر حين قلّده مصر، (وعهده للأشتر) .

وتلك وصيته إلى الحسن عند منصرفه من صفّين لم يدع فيها معنى تتطلّبه الحياة لمثله إلاّ وجّهه فيها أسمى توجيه، في فلسفة خصيبة، وحكم رائعة مفيدة، وكل تلك النواحي والأغراض في معان سامية مبسّطة، يعلو بها العالم الربّاني الغزير ، والروح السامية الرفيعة، وتدنو بها القوّة الجبّارة على امتلاك أزمّة القول، كأنّما نثل كنانته بين يديه فوضع لكلّ معنى لفظه في أدقّ استعمال .

ولقد يضيق بي القول فأقف حائراً عاجزاً عن شرح ما يجول بنفسي من تقدير تلك المعاني السامية، فيسعدني تصوير الإمام له وهو يقدّم « نهج البلاغة » ; فكان يخيّل إليّ في كل مقام أو حروباً شبّت، وغارات شُنّت، وأنّ للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة .

بلاغته فوق بلاغة المخلوقين

ماذا يمكننا الكتابة عن بلاغة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد بلغت بلاغته منزلة أعلى من قدرة المخلوق ودون منزلة الخالق .

فلا بلاغته تقاس ببلاغة الباري عزّوجلّ ولا بلاغة الناس تقاس ببلاغته . فكانت خطبه ورسائله (عليه السلام) كسلاسل ذهبية منسجمة وكأُطروحة فضّية رائعة . فحكمه هادفة وغاياتها عالية ونصائحه غالية ومواعظه راقية، عشقها المؤمنون وارتاح لها المخلصون . فكم من ورع يزكّي روحه بحكمه المعروفة وكم من مذنب يطهّر نفسه بمواعظه الشريفة . وقد قصر العلماء عن درك كنه علمه وبلوغ لبّ سرّه للفارق الشاسع بين علمه وعلمهم وسرّه وسرّهم ومنزلته عند الله تعالى ومنزلتهم .

قال العالم الكبير ابن أبي الحديد المعتزلي عنه: إمام الفصحاء وسيّد البلغاء وكلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين .

وقد قال الإمام علي (عليه السلام): « أنا النقطة أنا الخط أنا الخط أنا النقطة أنا النقطة والخط » [٤].

مقدّمة الشريف الرضي :

قال الشريف الرضي: كنت قد بوّبت ما خرج من ذلك أبواباً وفصّلته فصولاً فجاء في آخرها فصل يتضمّن محاسن ما نقل عنه (عليه السلام) من الكلام القصير في المواعظ والحكم والأمثال والآداب دون الخطب العلويّة والكتب المبسوطة .

فاستحسن جماعة من الأصدقاء والاخوان ما اشتمل عليه الفصل المقدّم ذكره معجبين ببدائعه ومتعجّبين من نواصعه  [٥] وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه، ومتشعّبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب علماً أنّ ذلك يتضمّن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعاً في كلام [٦] ولا مجموع الأطراف في كتاب .

إذ كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشرّع الفصاحة وموردها [٧] ومنشأ البلاغة ومولدها .

ومنه (عليه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب  [٨] وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدّم وتأخّروا لأنّ كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي [٩] وفيه عبقة من الكلام النبوي فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر واعتمدت به أن أُبيّن من عظيم قدر أمير المؤمنين (عليه السلام) فى هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمّة .

وإنّه (عليه السلام) إنفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأوّلين الذين إنّما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذّ الشارد [١٠].

وأمّا كلامه فهو من البحر الذي لا يساجل [١١] ، والجمّ الذي لا يحافل [١٢] .

الفصل الثاني : الخطب والرسائل

خطبة الإمام بعد هجوم جيش معاوية على اليمن :

قال الإمام علي (عليه السلام) عن تثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال: ما هي إلاّ الكوفة أقبضها وأبسطها [١٣] . إن لم تكوني إلاّ أنت تهب أعاصيرك [١٤] . فقبّحك الله (وتمثّل بقول الشّاعر):

لعمر أبيك الخير ياعمرو إنّني ***** على وضر من ذا الإناء قليل [١٥]

ثمّ قال (عليه السلام) : أُنبئت بسراً قد اطّلع اليمن [١٦] وإنّي والله لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم [١٧] . وبمعصيتكم إمامكم في الحقّ وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم .

وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم فلو أئتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته [١٨] . اللّهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني وسئمتهم وسأموني فأبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شرّاً منّي . اللّهمّ مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء [١٩]. أما والله لوددت أنّ لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم [٢٠].

ثمّ نزل (عليه السلام) من المنبر . أقول الارمية جمع رميّ وهو السّحاب والحميم ههنا وقت الصّيف . وإنّما خصّ الشّاعر سحاب الصّيف بالذّكر لأنّه أشدّ جفولاً وأسرع خفوفاً [٢١] لأنّه لا ماء فيه . وإنّما الأكثر إلاّ زمان الشّتاء وإنّما أراد الشّاعر وصفهم بالسّرعة إذا دعوا والإغاثة إذا استغيثوا والدليل على ذلك قوله: هنالك لو دعوت أتاك منهم .

ومن خطبة له (عليه السلام) :

إنّ الله بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) نذيراً للعالمين وأميناً على التنزيل وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شرّ دار متنخّون [٢٢] بين حجارة خشن وحيات صمٍّ [٢٣] تشربون الكدر وتأكلون الجشب [٢٤] . وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبةٌ والآثام بكم معصوبةٌ [٢٥] .

(ومنها) فنظرت فإذا ليس لي معينٌ إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشرب على الشّجى وصبرت على أخذ الكظم [٢٦] وعلى أمرّ من طعم العلقم .

(ومنها) ولم يبايع حتّى شرط أن يؤتيه على البيعة ثمناً [٢٧] فلا ظفرت يد البائع وخزيت أمانة المبتاع . فخذوا للحرب أهبّتها وأعدّوا لها عدّتها فقد شبّ لظاها وعلا سناها واستشعروا الصبر فإنّه أدعى إلى النّصر [٢٨] .

ومن خطبة له (عليه السلام) :

أمّا بعد فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه وهو لباس التّقوى ودرع الله الحصينة وجنّته الوثيقة [٢٩] فمن تركه رغبةً عنه ألبسه الله ثوب الذلّ وشملة البلاء . وديّث والقرّ تفرّون فإذا أنتم والهل من السّيف أفرّ . ياأشباه الرّجال ولا رجال حلوم الأطفال . وعقول ربّات الحجال [٣٠] . لوددت أنّي لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرّت ندماً وأعقبت سدماً [٣١] . قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً وجرّعتموني نغب التّهمام أنفاساً [٣٢] وأفسدتم عَلَيَّ رأيي بالعصيان والخذلان حتّى لقد قالت قريش إنّ ابن أبي طالب رجلٌ شجاعٌ ولكن لا علم له بالحرب . لله أبوهم وهل أحدٌ منهم أشدّ لها مراساً وأقدم فيها مقاماً منّي [٣٣] لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على السّتّين [٣٤] ولكن لا رأي لمن لا يطاع [٣٥] .

ومن خطبة له (عليه السلام) :

أمّا بعد فإنّ الدّنيا قد أدبرت وآذنت بوداع [٣٦] وإنّ الآخرة قد أشرفت باطّلاع ألا وإنّ اليوم المضمار [٣٧] وغداً السّباق والسّبقة الجنّة [٣٨] والغاية النّار . أفلا تائبٌ من خطيئته قبل منيّته ؟ ألا عاملٌ لنفسه قبل يوم بؤسه [٣٩] ؟ ألا وإنّكم في أيّام أمل  [٤٠]من ورائه أجلٌ فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضرّه أجله ومن قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضرّه أجله ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة [٤١] ألا وإنّي لم أر كالجنّة نام طالبها، ولا كالنّار نام هاربها [٤٢] ألا وإنّه من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل [٤٣] ومن لم يستقم به الهدى يجرّ به الضّلال إلى الرّدى ألا وإنّكم قد أمرتم بالظّعن [٤٤] ودللتم على الزّاد . وإنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل . تزوّدوا من الدنيا ما تحرزون أنفسكم به غداً [٤٥] .

(أقول) لو كان كلامٌ يأخذ بالأعناق إلى الزّهد في الدّنيا ويضطرّ إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام . وكفى به قاطعاً لعلائق الآمال وقادحاً الاتّعاظ والازدجار .

ومن أعجبه قوله (عليه السلام) (ألا وإنّ اليوم المضمار وغداً السّباق والسّبقة الجنّة والغاية النّار) فإنّ فيه مع فخامة اللّفظ وعظم قدر المعنى وصادق التمثيل وواقع التشبيه سرّاً عجيباً ومعنىً لطيفاً وهو قوله (عليه السلام) (والسّبقة الجنّة والغاية النار) فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين .

ولم يقل السّبقة النّار كما قال: السّبقة الجنّة لأنّ الاستباق إنّما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنّة وليس هذا المعنى موجوداً في النار نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول والسّبقة النّار بل قال والغاية النّار، لأنّ الغاية ينتهي إليها من لا يسرّه الانتهاء ومن يسرّه ذلك، فصلح أن يعبّر بها عن الأمرين معاً فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل قال الله تعالى: (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال سبقتكم « بسكون الباء » إلى النّار فتأمّل ذلك فباطنه عجيب وغوره بعيدٌ .

وكذلك أكثر كلامه (عليه السلام) (وفي بعض النّسخ) وقد جاء في رواية أُخرى (والسّبقة الجنّة) بضمّ السّين . والسّبقة عندهم اسمٌ لما يجعل للسّابق إذا سبق من مال أو عرض والمعنيان متقاربان لأنّ ذلك لا يكون جزاءً على فعل الأمر المذموم وإنّما يكون جزاءً على فعل الأمر المحمود  [٤٦] .

ومن خطبة له (عليه السلام) :

أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم [٤٧] كلامكم يوهى الصمّ الصّلاب [٤٨] وفعلكم يطمع فيكم الأعداء . تقولون في المجالس كيت وكيت . فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد [٤٩] ما عزّت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم  [٥٠] أعاليل بأضاليل . دفاع ذي الدّين المطول [٥١] لا يمنع الضّيم الذّليل . ولا يدرك الحقّ إلاّ بالجدّ . أيّ دار بعد داركم تمنعون ومع أىّ إمام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسّهم الأخيب  [٥٢] .

ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل [٥٣] أصبحت والله لا أُصدّق قولكم ولا أطمع في نصركم ولا أوعد العدوّ بكم ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبّكم ؟ القوم رجالٌ أمثالكم أقولاً بغير عمل وغفلةً من غير ورع وطمعاً في غير حقٍّ [٥٤] .

ومن كلام له (عليه السلام) في معنى قتل عثمان :

لو أمرت به لكنت قاتلاً . أو نهيت عنه لكنت ناصراً [٥٥] غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خيرٌ منه . ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خيرٌ منّي [٥٦] وأنا جامعٌ لكم أمره: قلوبكم مألوسةٌ [٥٧] فأنتم لا تعقلون ما أنتم لي بثقة سجيس اللّيالي [٥٨] وما أنتم بركن يمال بكم ولا زوافر عزٍّ يفتقر إليكم [٥٩] ما أنتم إلاّ كإبل ضلَّ رعاتها . فكلّما جمعت من جانب انتشرت من آخر . لبئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم [٦٠] تكادون ولا تكيدون . وتنقص أطرافكم فلا تمتعضون [٦١] لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون . غلب والله المتخاذلون [٦٢] وأيم الله إنّي لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى واستحرّ الموت قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرّأس [٦٣] والله إنّ امرأً يمكّن عدوّه من نفسه يعرق لحمه [٦٤] ويهشم عظمه . ويفري جلده لعظيمٌ عجزه ضعيفٌ ما ضمّت عليه جوانح صدره [٦٥] أنت فكن ذاك إن شئت [٦٦] فأمّا أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفيّة تطير منه فراش الهام . وتطيح السّواعد والأقدام [٦٧] ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء .

أيّها النّاس إنّ لي عليكم حقّاً ولكن عَلَيَّ حقٌّ . فأمّا حقّكم عَلَيَّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم [٦٨] وتعليمكم كي لا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا . وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنّصيحة في المشهد والمغيب . والإجابة حين أدعوكم . والطّاعة حين

-----------------------------------------------------------------
[١] . نهج البلاغة ٤٣ .
[٢] . شرح نهج البلاغة، محمّد عبده ٣٢، وجابه يجوبه خرقه ومضى به .
[٣] . شرح نهج البلاغة، محمد عبده ٥٧ .
[٤] . المناقب، ابن شهر آشوب ٢ / ٤٩ .
[٥] . النواصع الخالصة، وناصع كلّ شيء خالصه .
[٦] . الثواقب المضيئة ومنه الشهاب الثاقب، ومن الكلم ما يضيء لسامعها طريق الوصول إلى ما دلّت عليه فيهتدي بها إليه .
[٧] . المشرّع تذكير المشرعة مورد الشاربة كالشريعة .
[٨] . حذا كلّ قائل اقتفى واتّبع .
[٩] . عليه مسحة من جمال، أي علامة أو أثر، وكأنّه يريد بها منه وضياء . والعبقة الرائحة .
[١٠] . يؤثر أي ينقل عنهم ويحكى .
[١١] . لا يغالب في الامتلاء وكثرة الماء .
[١٢] . لا يغالب في الكثرة من قولهم ضرع حافل أي ممتلىء كثير اللبن . نهج البلاغة ١ / ١١، البحار ١٠٢ / ٢٨١، شرح النهج، المعتزلي ١ / ٤٥ .
[١٣] . أقبضها وأبسطها أي أتصرّف فيها كما يتصرّف صاحب الثوب في ثوبه يقبضه أو يبسطه .
[١٤] . جمع أعصار ريح تهب وتمتد من الأرض نحو السماء كالعمود أو كل ريح فيها اعصار وهو الغبار الكثير إن لم يكن لي ملك الكوفة على ما فيها من الفتن والآراء المختلفة فأبعدها الله وشبه الاختلاف والشقاق بالأعاصير لإثارتها التراب وافسادها الأرض .
[١٥] . الوضر غسالة السقاء والقصعة وبقية الدسم في الاناء .
[١٦] . اطلع اليمن بلغها وتمسكن منها وغشيها بجيشه .
[١٧] . سينالون منكم ستكون له الدولة بدلكم بذلك السبب القوي وهو اجتماع كلمتهم وطاعتهم لصاحبهم وأداؤهم الأمانة وإصلاحهم بلادهم، وهو يشير إلى أنّ هذا السبب متى ودّ كان النصر والقوّة معه ومتى فقد ذهبت القوة والعزّة بذهابه، فالحقّ ضعيف بتفرّق أنصاره والباطل قوي بتظافر أعوانه .
[١٨] . القعب بالضم القدح الضخم .
[١٩] . مث قلوبهم أذبها مائه يميثه دافه أي أذابه .
[٢٠] . بنو فراس بن غنم بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر أو هم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة، حي مشهور بالشجاعة ومنهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ومنهم ربيعة بن مكدم حامي الظعن حيّاً وميّتاً ولم يحم الحريم أحد وهو ميّت غيره، عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهنّ وحده فرماه أحد الفرسان بسهم أصاب قلبه فنضب رمحه في الأرض واعتمد عليه وأشار إليهنّ بالمسير فسرن حتى بلغن بيوت الحي وبنو سليم قيام ينظرون إليه لا يتقدّم أحد منهم نحوه خوفاً منه حتى رموا فرسه بسهم فوثبت من تحته فسقط وقد كان ميّتاً .
نهج البلاغة ١ / ٦٥، الغارات ١ / ٢٩، شرح النهج ١ / ٣٢٢.
[٢١] . مصدر غريب لخلف بمعنى انتقل وارتحل مسرعاً والمصدر المعروف خفا .
[٢٢] . تنخ بالمسكان: أقام به .
[٢٣] . الخشن جمع خشناء من الخشونة، ووصف الحيات بالصم لأنّها أخبثها إذ لا تنزجر وبادية الحجاز وأرض العرب يغلب عليها القفر والغلظ فأكثر أراضيها حجارة خشنة غليظة، ثم إنّه يكثر فيها الأفاعي والحيات فأبدلهم الله منها الريف ولين المهاد من أرض العراق والشام ومصر وما شابهها .
[٢٤] . الجشب الطعام الغليظ أو ما يكون منه بغير آدم .
[٢٥] . معصوبة مشدودة تمثيل للزومها لهم . وقد جمع في وصف حالهم بين فساد المعيشة وفساد العقيدة والملّة .
[٢٦] . الكظم بالتحريك الحلق أو الفم أو مخرج النفس والكل صحيح ههنا، والمراد أنّه صبر على الاختناق . وأغضيت غضضت طرفي على قذى في عيني وما أصعب أن يغمض الطرف على قذى في العين . والشجا ما يعترض في الحلق وكلّ هذا تمثيل للصبر على المضض الذي ألمّ به من حرمانه حقه وتألّب القوم عليه .
[٢٧] . ضمير يبايع إلى عمرو بن العاص فإنّه شرط على معاوية أن يولّيه مصر لو تم له الأمر .
[٢٨] . نهج البلاغة الخطبة ٩٤، شرح النهج ٧ / ٦٢ .
[٢٩] . جنّته بالضم وقايته .
[٣٠] . حجال جمع حجلة وهي القبّة وموضع يزيّن بالستور والثباب للعروف . وربّات الحجال النساء .
[٣١] . السدم محرّكة الهم أو مع أسف أو غيظ . والقيح ما في القرحة من الصديد وشحنتم صدري ملأتموه .
[٣٢] . النغب جمع نغبة كجرعة وجرع لفظاً ومعنى والتهمام بالفتح الهم وكل تفعال فهو بالفتح إلاّ التبيان والتلقاء فانهما بالكسر . وأنفاساً أي جرعة بعد جرعة .
[٣٣] . راساً مصدر مارسه ممارسة ومراساً أي عالجه وزاوله وعاناه .
[٣٤] . ذرفت على الستين زدت عليها ويروي نيّفت بمعناه . وفي الخطبة روايات أُخرى لا تختلف عن رواية الشريف في المعنى وإن اختلفت عنها في بعض الألفاظ انظر الكامل للمبرّد .
[٣٥] . نهج البلاغة ١ / ٧٠، مقاتل الطالبيين ١٥ .
[٣٦] . آذنت أعملت وإيذانها بالوداع إنّما هو بما أودع في طبيعتها من التقلّب والتحوّل، فأوّل نظرة من العاقل إليها تحصل له اليقين بفنائها وانقضائها وليس وراء الدنيا إلاّ الآخرة فإن كانت الأُولى مودعة فالأُخرى مشرفة . والاطلاع من اطلع فلان علينا أتانا فجأة .
[٣٧] . المضمار الموضع والزمن الذي تضمر فيه الخيل . وتضمير الخيل أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن ثم يقلّل علفها وماؤها وتجري في الميدان حتى تهزل . وقد يطلق التضمير أحداث الضمور وهو الهزال وخفّة اللحم . وإنّما يفعل ذلك بالخيل لتخف في الجرى يوم السباق كما إنّنا نعمل اليوم في الدنيا للحصول على السعادة في الأُخرى .
[٣٨] . السبقة بالتحريك الغاية التي يجب السابق أن يصل إليها وبالفتح المرة من السبق . والشريف رواها في كلام الإمام بالتحريك أو الفتح وفسرها بالغاية المحبوبة أو المرة من السبق وهو مطلوب لهذا روى الضم بصيغة رواية أخرى . ومن معاني السبقة بالتحريك الرهن الذي يوضع من المتراهنين في السباق أي الجعل الذي يأخذه السابق إلاّ أن الشريف فسرها بما تقدم .
[٣٩] . البؤس اشتداد الحاجة وسوء الحالة . ويم البؤوس يوم الجزاء مع الفقر من الأعمال الصالحة . والعامل له هو الذي يعمل الصالح لينجو من البؤس في ذلك اليوم .
[٤٠] . يريد الامل في البقاء واستمرار الحياة .
[٤١] . أي اعملوا لله في السراء كما تعملون له في الضرّاء لا تصرفكم النعم عن خشيته والخوف منه .
[٤٢] . من أعجب العجائب الذي لم ير له مثيل أن ينام طالب الجنة في عظمها واستكمال أسباب السعادة فيها، وأن ينام الهارب من النار في هولها واستجماعها أسباب الشقاء .
[٤٣] . النفع الصحيح كلّه في الحق . فإن قال قائل إنّ الحق لم ينفعه فالباطل أشدّ ضرراً له، ومن لم يستقم به الهدى المرشد إلى الحقّ أي لم يصل به إلى مطلوبه من السعادة جرى به الضلال إلى الردى والهلاك .
[٤٤] . الظعن الرحيل عن الدنيا وأمرنا به أمر تكوين أي كما خلقنا الله خلق فينا أن نرحل عن حياتنا الأُولى لنستقرّ في الأُخرى والزاد الذي دلّنا عليه هو عمل الصالحات وترك السيئات .
[٤٥] . تحرزون أنفسكم تحفظونها من الهلاك الأبدي .
[٤٦] . نهج البلاغة ١ / ٧٢، الغارات، الثقفي ٦٣٥، البحار ٧٤ / ٢٩٣ .
[٤٧] . اهواؤهم آراؤهم وما تميل إليه قلوبهم .
[٤٨] . الصم جمع أصم وهو من الحجارة الصلب المصمت والصلاب جمع صليب والصليب الشديد وبابه ظريف وظراف وضعيف وضعاف . ويوهيها يضعفها ويفتتها، يقال وهي الثوب ووهي يهى وهيا من باب ضرب وحسب، تخرق وانشق أي تقولون من الكلام ما يفلق الحجر بشدته وقوته ثم يكون فعلكم من الضعف والاختلال بحيث يطمع فيكم العدو .
[٤٩] . حيدي حياد كلمة يقولها الهارب كأنّه يسأل الحرب أن تتنحّى عنه من الحيدان وهو الميل والانحراف عن الشيء . وحياد مبني على الكسر كما في قولهم فيحى فياح أي اتسعى وحى حام للداهية أي أنّهم يقولون في المجلس سنفعل بالأعداء ما نفعل فإذا جاء القتال فروا وتقاعدوا .
[٥٠] . أي من دعاهم وحملهم بالترغيب على نصرته لم تعز دعوته لتخاذلهم فان قاساهم وقهرهم انتقضوا عليه فاتعبوه والاعاليل أما جمع اعلال جمع علل جمع علة أو جمع اعلولة كما إنّ الأضاليل جمع اضلولة والأضاليل متعلّقة بالأعاليل أي إنّكم تتعلّلون بالأباطيل التي لا جدوى لها .
[٥١] . أي إنّكم تدافعون الحرب اللازمة لكم كما يدافع المدين المطول غريمه والمطول الكثير المطل وهو تأخير أداء الدَين بلا عذر وقوله لا يمنع الضيم الخ أي أنّ الذليل الضعيف البأس الذي لا منعة له لا يمنع ضيماً وإنّما بمنع الضيم القوي العزيز .
[٥٢] . فاز بكم من فاز بالخير إذا ظفر به أي من ظفر بكم وكنتم نصيبه فقد ظفر بالسهم الأخيب وهو من سهام البسر الذي لا حظّ له .
[٥٣] . الافوق من السهام مكسور الفوق . والفوق موضع الوتر من السهم والناصل العاري عن النصل أي من رمى بهم فكأنما رمى بسهم لا يثبت في الوتر حتى يرمى، وإن رمى به لم يصب مقتلاً إذ لا يصل له . وهذه الخطبة خطبها أمير المؤمنين عند اغارة الضحّاك بن قيس فإنّ معاوية لمّا بلغه فساد الجند على أمير المؤمنين دعا الضحّاك بن قيس وقال له سر حتى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدت من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه وإن وجدت له خيلاً أو مسلحة فأغر عليها وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أُخرى ولا تقيمنّ لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها، وسرّحه في ثلاثة آلاف فأقبل الضحّاك فنهب الأموال وقتل من لقى من الأعراب ثمّ لقى ابن عمر عميس بن مسعود الذهلى فقتله وهو ابن أخي عبدالله بن مسعود ونهب الحاج وقتل منهم وهم على طريقهم عند القطقطانة فساء ذلك أمير المؤمنين وأخذ يستنهض الناس إلى الدفاع عن ديارهم وهم يتخاذلون فوبّخهم ما تراه في هذه الخطبة، ثمّ دعا بحجر بن عدي فسيّره إلى الضحّاك في أربعة آلاف فقاتله فانهزم فارّاً إلى الشام يفتخر بأنّه قتل ونهب .
[٥٤] . نهج البلاغة ١ / ٧٥، الغارات، الثقفي ٢ / ٤٨٢، الإرشاد ١ / ٢٨٠ .
[٥٥] . يقول أنّه لم يأمر بقتل عثمان وإلاّ كان قاتلاً له مع أنّه بريء من قتله، ولم ينه عن قتله أي لم يدافع عنه بسيفه ولم يقاتل دونه وإلاّ كان ناصراً له . أمّا نهيه عن قتله بلسانه فهو ثابت وهو الذي أمر الحسن والحسين أن يذابا الناس عنه .
[٥٦] . أي لا تهتدون لفهمه فتعمهون أي تتحيّرون وتتردّدون .
[٥٧] . المألوسة المخلوطة بمس الجنون .
[٥٨] . سجيس بفتح فكسر كلمة تقال بمعنى أبداً . وسجيس أصله من سجس الماء بمعنى تغيّر وكدر وكان أصل الاستعمال ما دامت الليالي بظلامها أي ما دام الليل ليلاً . ويقال سجيس لا وجس بفتح الجيم وضمّها، وسجيس عجيس كلّ ذلك بمعنى أبداً أي أنّهم ليسوا بثقات عنده يركن إليهم أبداً .
[٥٩] . الزافرة من البناء ركنه ومن الرجل عشيرته . وقوله يمال بكم أي يمال على العدو بعزّكم وقوّتكم .
[٦٠] . السعر أصله مصدر سعر النار من باب نفع أوقدها، أي لبئس ما توقد به الحرب أنتم . ويقال أن سعر جمع ساعر كشرب جمع شارب وركب جمع راكب .
[٦١] . امتعض غضب .
[٦٢] . غلب مبنى للمجهول . والتمخاذلون الذين يخذل بعضهم بعضاً ولا يتناصرون .
[٦٣] . حمس كفرح اشتدّ . والوغى الحرب . واستحر بلغ في النفوس غاية حدته . وقوله إنفراج الرأس أي إنفراجاً لا التئام بعده فإنّ الرأس إذا انفرج عن البدن أو انفرج أحد شقيه عن الآخر لم يعد للالتئام .
[٦٤] . يأكل لحمه حتى لا يبقى منه شيء على العظم . وفراه يفريه مزقه يمزقه .
[٦٥] . ما ضمّت عليه الجوانح هو القلب وما يتبعه من الأوعية الدموية والجوانح الضلوع تحت الترائب، والترائب ما يلي الترقوتين من عظام الصدر أو ما بين الثديين والترقوتين . يريد ضعيف القلب .
[٦٦] . يمكن أن يكون خطاباً عاماً لكل من يمكّن عدوه من نفسه . ويروى أنه خطاب للأشعث بن قيس عندما قال له هلاّ فعلت فعل ابن عفان فأجابه بقوله إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له وان امرء الخ .
[٦٧] . أي لا يمكّن عدوه من نفسه حتى يكون دون ذلك ضرب بالمشرفية وهي السيوف التي تنسب إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، ولا يقال في النسبة اليها مشارفي . وفراش الهام العظام الرقية التي تلي القحف . وتطيح السواعد أي تسقط .
[٦٨] . الفيء الخراج وما يحويه بيت المال .

يتبع .....

****************************