سادسا:«أسباب انتصار الفتنة ماديا على الإمام»
١ - تظاهر أقطاب الفتنة بالإسلام واستخدامهم للغدر والمكر في محاربة الإمام (ع):
(إلى معاوية): أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا (ص) عليه وآله لدينه، وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا، ونعمته علينا في نبينا... وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان... (ر ٢٨).
(إلى معاوية): وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله، ولسنا إياك أجبنا، ولكنا أجبنا القرآن في حكمه (ر ٤٨).
فعدوت (معاوية) على الدنيا بتأويل القرآن (ر ٥٥).
فما أبعد قولك (معاوية) من فعلك (ر ٦٤).
ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة، ومكرا وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم والتنفيس عنهم فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة (ك ١٢٢).
وقال (ع) لما سمع قول الخوارج:
«لا حكم إلا لله»: كلمة حق يراد بها باطل (ح ١٩٨).
والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، «ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» (ك ٢٠٠).
ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم، قاتلهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين (خ ٤١).
وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأيا، وأمنعها لما وراء ظهورها، وأما نحن فأبذل لما في أيدينا، وأسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأنصح وأصبح (ح ١٢٠).
وإني لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي (ك ٦٩).
(إلى معاوية): وإن البغي والزور يوتغان المرء في دينه ودنياه، ويبديان خلله عند من يعيبه (ر ٤٨).
(إلى زياد بن أبيه، وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه): وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك، ويستفل غربك، فاحذره، فإنما هو الشيطان... (ر ٤٤).
٢ - تخاذل جيش الامام وعدم طاعته على الحق:
أ - الامام يصنف جيشه المتخاذل إلى ثلاثة أصناف:
(إلى عبد الله بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبي بكر): وقد كنت حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا، وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا (ر ٣٥).
الصنف الأول: الآتي كارها:
دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر، وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف «كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون» (خ ٣٩).
إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، يرتج عليكم حواري فتعمهون، وكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون (خ ٣٤).
الصنف الثاني: المعتل كاذبا:
فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر (خ ٢٧).
أعاليل بأضاليل، وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدين المطول (خ ٢٩).
(وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا مليا فقال عليه السلام): ما بالكم أمخرسون أنتم فقال قوم منهم: يا أمير المؤمنين، إن سرت سرنا معك، فقال عليه السلام: ما بالكم لا سددتم لرشد ولا هديتم لقصد... طعانين عيابين، حيادين رواغين (ك ١١٩).
الصنف الثالث: القاعد متخاذلا:
كلما أطل عليكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه، وانجحر انجحار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها (ك ٦٩).
أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب، إن أمهلتم خضتم... وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم (خ ١٨٠).
استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا (خ ٩٧).
منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت... أقوم فيكم مستصرخا، وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا (خ ٣٩).
وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان (خ ٢٧).
أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد (خ ٢٩).
ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فو الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان (خ ٢٧).
أما والذي نفسي بيده، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لاسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقي (خ ٩٧).
إنكم - والله - لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات (ك ٦٩).
ب - أسباب التخاذل:
١ - عدم غيرتهم على الإسلام وعلى نواميسهم:
لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربكم أما دين يجمعكم، ولا حمية تحمشكم (خ ٣٩).
لله أنتم، أما دين يجمعكم ولا حمية تشحذكم (خ ١٨٠).
فمكنتم الظلمة من منزلتكم، وألقيتم إليهم أزمتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات (خ ١٠٦).
وصار دين أحدكم لعقة على لسانه (خ ١١٣).
لا تأخذون حقا، ولا تمنعون ضيما (خ ١٢٣).
والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه... ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره (خ ٣٤).
ولقد بلغني أن الرجل منهم (جند معاوية) كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها، وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام... فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا... فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون (خ ٢٧).
وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون (خ ٣٤).
أي دار بعد داركم تمنعون (خ ٢٩).
٢ - الركون إلى الدنيا:
(إلى أبي موسى الأشعري): فإن الناس قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم، فمالوا مع الدنيا، ونطقوا بالهوى (ر ٧٨).
ما لي أراكم عن الله ذاهبين، وإلى غيره راغبين كأنكم نعم أراح بها سائم إلى مرعى وبي، ومشرب دوي، وإنما هي كالمعلوفة للمدى، لا تعرف ما ذا يراد بها إذا أحسن إليها تحسب يومها دهرها، وشبعها أمرها (خ ١٧٥).
ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه، ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه ويقلقكم اليسير من الدنيا يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم، وقلة صبركم عما زوي منها عنكم كأنها دار مقامكم، وكأن متاعها باق عليكم... قد تصافيتم على رفض الآجل، وحب العاجل (خ ١١٣).
(وقال عليه السلام في رجال التحقوا بمعاوية): وإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها، ومهطعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه، وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس عندنا في الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فبعدا لهم وسحقا (ر ٧٠).
٣ - أنهاك الحرب لهم وعدم صمودهم في القتال إلى النهاية ونصيحة الإمام لهم في هذا المجال:
أيها الناس، إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب، حتى نهتككم الحرب، وقد، والله، أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك (ك ٢٠٨).
فلقد كنا مع رسول الله (ص) وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء والاخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا، ومضيا على الحق، وتسليما للأمر، وصبرا على مضض الجراح (ك ١٢٢).
ولقد كنا مع رسول الله (ص) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا: ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما، ومضيا على اللقم، وصبرا على مضض الألم، وجدا في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما: أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الاسلام ملقيا جرانه ومتبوئا أوطانه، ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم، ما قام للدين عمود، ولا اخضر للايمان عود (ك ٥٦).
وإن حوربتم خرتم (خ ١٨٠).
أما بعد يا أهل العراق، فإنما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلما أتمت أملصت ومات قيمها، وطال تأيمها، وورثها أبعدها (خ ٧١).
٤ - التفرقة في صفوفهم ونصيحة الامام لهم في هذا المضمار:
وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، و... (خ ٢٥).
إنه لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم (ك ١١٩).
فيا عجبا عجبا - والله - يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم (خ ٢٧).
أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم (خ ٢٩).
تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر (خ ٩٧).
وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم، ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر (خ ٣٤).
كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، والثياب المتداعية كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر (ك ٦٩).
وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا (خ ٩٧).
لله أنتم أما دين يجمعكم ولا حمية تشحذكم أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الاسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عني وتختلفون علي إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه (خ ١٨٠).
هذا جزاء من ترك العقدة... إن الشيطان يسني لكم طرقه، ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فأصدفوا عن نزغاته ونفثاته، واقبلوا النصيحة ممن أهداها إليهم، واعقلوها على أنفسكم (خ ١٢١).
ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأحكام الجاهلية، فإن الله سبحانه قد امتن على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها، ويأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنها أرجح من كل ثمن، وأجل من كل خطر، واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعرابا، وبعد الموالاة أحزابا، ما تتعلقون من الاسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الايمان إلا رسمه، تقولون: النار ولا العار كأنكم تريدون أن تكفئوا الاسلام على وجهه انتهاكا لحريمه، ونقضا لميثاقه الذي وضعه الله لكم حرما في أرضه، وأمنا بين خلقه (خ ١٩٢).
٥ - تسرب الشكوك إلى صفوف الجيش وبث الإشاعات الباطلة حول الامام:
ولقد بلغني أنكم تقولون: علي يكذب، قاتلكم الله تعالى فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أول من آمن به أم على نبيه فأنا أول من صدقه كلا والله، لكنها لهجة غبتم عنها، ولم تكونوا من أهلها (خ ٧١).
فو الذي لا إله إلا هو إني لعلى جادة الحق، وإنهم لعلى مزلة الباطل (ك ١٩٧).
وإني لعلى بينة من ربي، ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا (ر ٤٥).
وإني لعلى يقين من ربي، وغير شبهة من ديني (خ ٢٢).
ما استبدلت دينا، ولا استحدثت نبيا، وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين (ر ١٠).
فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت، فلم تضللون عامة أمة محمد (ص) بضلالي، وتأخذونهم بخطئ (ك ١٢٧).
(وقيل: إن الحارث بن حوط أتاه فقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة) فقال عليه السلام: يا حارث، إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت إنك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه
(ح ٢٦٢).
أولم ينة بني أمية علمها بي عن قرفي، أوما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي ولما وعظهم الله به أبلغ من لساني، أنا حجيج المارقين، وخصيم الناكثين المرتابين، وعلى كتاب الله تعرض الأمثال، وبما في الصدور تجازى العباد (ك ٧٥).
عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وأني امرؤ تلعابة: أعافس وأمارس لقد قال باطلا، ونطق آثما، أما - وشر القول الكذب - إنه ليقول فيكذب،... أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة (خ ٨٤).
(إلى أبي موسى الأشعري)... وإني لأعبد أن يقول قائل بباطل، وأن أفسد أمرا قد أصلحه الله، فدع ما لا تعرف، فإن شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء، والسلام (ر ٧٨).
ج - الامام تصيبه خيبة أمل من جيشه فيقوم بتقريعهم وتوبيخهم ويدعو عليهم:
ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم (خ ٢٩).
المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم (خ ٢٩).
فما يدرك بكم ثار، ولا يبلغ بكم مرام (خ ٣٩).
فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته (خ ٢٥).
ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم (خ ٣٤).
أقومكم غدوة، وترجعون إلي - عشية - كظهر الحنية، عجز المقوم، وأعضل المقوم (خ ٩٧).
أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة، وهو يعلم أن ضلعها معها اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركي (خ ١٢١).
هيهات أن أطلع بكم سرار العدل، أو أقيم اعوجاج الحق (ك ١٣١).
أيها الناس، إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم، وأدبتكم بسوطي فلم تستقيموا، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا لله أنتم، أتتوقعون إماما غيري يطأ بكم الطريق، ويرشدكم السبيل (خ ١٨٢).
فقبحا لكم وترحا،... فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم - والله - من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا (خ ٢٧).
أف لكم لقد سئمت عتابكم (خ ٣٤).
أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق (ك ٦٩).
يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلا م، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء تربت أيديكم... والله لكأني بكم فيما إخالكم: أن لو حمس الوغى، وحمي الضراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها (خ ٩٧).
ما لي أراكم أشباحا بلا أرواح، وأرواحا بلا أشباح، ونساكا بلا صلاح، وتجارا بلا أرباح، وأيقاظا نوما، وشهودا غيبا، وناظرة عمياء، وسامعة صماء، وناطقة بكماء (خ ١٠٨).
لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم الموت أو الذل لكم فو الله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير (خ ١٨٠).
(قالها لسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر لما امتنعوا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل) ما كل مفتون يعاتب (ح ١٥).
وإن أحب ما أنا لاق إلي الموت (خ ١٨٠).
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء (خ ٢٥).
ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم، وألحقني بمن هو أحق بي منكم... أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم، ويذيب شحمتكم، إيه أبا وذحة (خ ١١٦).
أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا، فو الله لو لا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت ألا ألقى مع هؤلاء يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا (ر ٣٥).
اللهم أيما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، والمصلحة غير المفسدة في الدين والدنيا، فأبى بعد سمعه لها إلا النكوص عن نصرتك، والابطاء عن إعزاز دينك، فإنا نستشهدك عليه يا أكبر الشاهدين شهادة، ونستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك وسماواتك، ثم أنت بعد المغني عن نصره، والآخذ له بذنبه (خ ٢١٢).
ملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول الله (ص) فقلت: يا رسول الله، ما ذا لقيت من أمتك من الأود واللدد فقال:
«ادع عليهم» فقلت: أبدلني الله خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا لهم مني (ك ٧٠).
٣ - مقتل الامام (ع) فقد هزم الامام الناكثين والمارقين ولم يبق سوى بضعة فلول من جيش معاوية، فأعد الامام جيشا كبيرا لذلك ولكنه قتل عشية اليوم المقرر لقتالهم:
فأما الناكثون فقد قاتلت، وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة فقد دوخت، وأما شيطان الردهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ورجة صدره، وبقيت بقية من أهل البغي، ولئن أذن الله في الكرة عليهم لأديلن منهم إلا ما يتشذر في أطراف البلاد تشذرا (خ ١٩٢).
إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد (ص) تفويقا، والله لئن بقيت لهم لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة (ك ٧٧).
لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت أشياء (ح ٢٧٢).
سابعا:«مسائل التحكيم»
١ - شبهة قبول الإمام للتحكيم بعد رفضه له، وبيان الأسباب التي دفعت الإمام لذلك: (قام إليه رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فلم ندر أي الأمرين أرشد فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال): هذا جزاء من ترك العقدة أما والله لو أني حين أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا، فإن استقمتم هديتكم وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة، وهو يعلم أن ضلعها معها (خ ١٢١).
أيها الناس، إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب، حتى نهكتكم الحرب، وقد، والله، أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك، لقد كنت أمس أميرا، فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت أمس ناهيا، فأصبحت اليوم منهيا، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون (ك ٢٠٨).
(للخوارج): ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة، ومكرا وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم والتنفيس عنهم فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق: إن أجيب أضل، وإن ترك ذل، وقد كانت هذه الفعلة وقد رأيتكم أعطيتموها (ك ١٢٢).
وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة، فأبيتم علي إباء المنابذين، حتى صرفت رأيي إلى هواكم... ولم آت - لا أبالكم - بجرا، ولا أردت لكم ضرا (خ ٣٦).
وإني قد نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم، وأنا أداوي منهم قرحا أخاف أن يكون علقا، وليس رجل - فاعلم - أحرص على جماعة أمة محمد (ص) مني أبتغي بذلك حسن الثواب (ر ٧٨).
٢ - الإمام (ع) لم يرفض الحكم بالقرآن الكريم بل كان من الداعين إليه في بداية الأمر وفي نهايته ولكن بشرطها وشروطها ويؤكد (ع) أن التحكيم لو كان قد جرى بالأسلوب الصحيح لحكم لصالحه:
ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع، وإن الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته (ك ١٢٢).
فإذا حكم بالصدق في كتاب الله، فنحن أحق الناس به، وإن حكم بسنة رسول الله (ص)، فنحن أحق الناس وأولاهم بها (ك ١٢٥).
فإنما حكم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، وإحياؤه الاجتماع عليه، وإماتته الافتراق عنه (ك ١٢٧).
وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام... فقلنا: تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم بإطفاء النائرة، وتسكين العامة حتى يشتد الأمر ويستجمع، فنقوى على وضع الحق مواضعه، فقالوا: بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتى جنحت الحرب وركدت، ووقدت نيرانها وحمشت، فلما ضرستنا وإياهم، ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إليه فأجبناهم إلى ما دعوا، وسارعناهم إلى ما طلبوا (ر ٥٨).
فإذا طمعنا في خصلة، يلم الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عما سواها (ك ١٢٢).
ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله سبحانه:
«فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» فرده إلى الله أن نحكم بكتابه، ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته (ك ١٢٥).
وأما قولكم: لم جعلت بينك وبينهم أجلا في التحكيم فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل، ويتثبت العالم، ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة، ولا تؤخذ بأكظامها، فتعجل عن تبين الحق، وتنقاد لأول الغي، إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه - وإن نقصه وكرثه - من الباطل وإن جر إليه فائدة وزاده، فأين يتاه بكم، ومن أين أتيتم (ك ١٢٥).
٣ - الإمام يرفض أبا موسى الأشعري حكما عنه، ويقترح عبد الله بن العباس بدلا منه:
ألا وإن القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما تحبون، وإنكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم مما تكرهون، وإنما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول:
«إنها فتنة، فقطعوا أوتاركم، وشيموا سيوفكم».
فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره، وإن كان كاذبا فقد لزمته التهمة، فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس، وخذوا مهل الأيام، وحوطوا قواصي الإسلام (ك ٢٣٨).
٤ - الإمام ينزل على رأي أصحابه في تعيين أبي موسى الأشعري ويقوم بنصيحته محاولة منه عليه السلام بأن لا يزيغ الأشعري عن حكم الحق والقرآن الكريم:
فإن الناس قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم، فمالوا مع الدنيا ونطقوا بالهوى، وإني نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم، وأنا أداوي منهم قرحا أخاف أن يكون علقا، وليس رجل - فاعلم - أحرص على جماعة أمة محمد (ص) مني، أبتغي بذلك حسن الثواب، وكرم المآب، وسأفي بالذي وأيت على نفسي، وإن تغيرت عن صالح ما فارقتني عليه، فإن الشقي من حرم نفع ما أوتي من العقل، والتجربة، وإني لأعبد أن يقول قائل بباطل، وأن أفسد أمرا قد أصلحه الله، فدع ما لا تعرف (ر ٧٨).
٥ - الإمام يبين أسباب خداع وفشل أبي موسى الأشعري في التحكيم:
إنما اجتمع رأي ملئكم على اختيار رجلين، أخذنا عليهما ألا يتعديا القرآن، فتاها عنه، وتركا الحق وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما فمضيا عليه، وقد سبق استثناؤنا عليهما - في الحكومة بالعدل، والصمد للحق - سوء رأيهما، وجور حكمهما (ك ١٢٧).
فأجمع رأي ملأكم على أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن، ولا يجاوزاه، وتكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه، فتاها عنه، وتركا الحق وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما، والاعوجاج رأيهما، وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحق سوء رأيهما وجور حكمهما. والثقة في أيدينا لأنفسنا، حين خالفا سبيل الحق، وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم (ك ١٧٧).
٦ - الامام يلوم أصحابه على تفريطهم بنصائحه في التحكيم بعد أن خدع أبو موسى الأشعري، ويدعوهم لمواصلة القتال:
أما بعد، فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة، وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه، فكنت أنا وإياكم كما قال أخو هوازن:
أمرتكم أمري بمتعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد (خ ٣٥).
فأين يتاه بكم، ومن أين أتيتم استعدوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه، وموزعين بالجور لا يعدلون به، جفاة عن الكتاب، نكب عن الطريق (ك ١٢٥).
ثامنا:«الامام يصف الفئات التي حاربته»
١ - أصحاب الجمل:
كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه (ك ١٣).
خفت عقولكم، وسفهت حلومكم، فأنتم غرض لنابل، وأكلة لآكل، وفريسة لصائل (ك ١٤).
وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم تغبوا عنه، فعفوت عن مجرمكم، ورفعت السيف عن مدبركم، وقبلت من مقبلكم، فإن خطت بكم الأمور المردية، وسفه الآراء الجائرة، إلى منابذتي وخلافي، فها أنذا قد قربت جيادي، ورحلت ركابي، ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق، مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهما إلى بري، ولا ناكثا إلى وفي (ر ٢٩).
٢ - أهل صفين:
ألا وإن معاوية قاد لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية (خ ٥١).
جفاة طغام، وعبيد أقزام، جمعوا من كل أوب، وتلقطوا من كل شوب، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب، ويعلم ويدرب، ويولى عليه، ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الذين تبوأوا الدار والايمان (ك ٢٣٨).
ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لا سراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقي... صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم (خ ٩٧).
وأقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية، ومؤدبهم ابن النابغة (خ ١٨٠).
قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه، وموزعين بالجور لا يعدلون به جفاة عن الكتاب، نكب عن الطريق (ك ١٢٥).
وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة (ر ١٧).
(إلى معاوية): وأرديت جيلا من الناس كثيرا، خدعتهم بغيك وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم، وتولوا على أدبارهم، وعولوا على أحسابهم، إلا من فاء من أهل البصائر، فإنهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلى الله من موازرتك، إذ حملتهم على الصعب، وعدلت بهم عن القصد (ر ٣٢).
(إلى معاوية أيضا): فعدوت على الدنيا بتأويل القرآن، فطلبتني بما لم تجن يدي ولساني، وعصيته أنت وأهل الشام بي، وألب عالمكم جاهلكم، وقائمكم قاعدكم (ر ٥٥).
(إلى سهل بن حنيف الأنصاري، عامله على المدينة): أما بعد، فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غيا، ولك منهم شافيا، فرارهم من الهدى والحق، وإيضاعهم إلى العمى والجهل، وإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها، ومهطعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه، وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس عندنا في الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فبعدا لهم وسحقا، إنهم - والله - لم ينفروا من جور، ولم يلحقوا بعدل (ر ٧٠).
(قاله لعمار بن ياسر، وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما): دعه يا عمار، فإنه لم يأخذ من الدين إلا ما قاربه من الدنيا، وعلى عمد لبس على نفسه، ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته (ح ٤٠٥).
٣ - الخوارج:
وأنتم معاشر أخفاء الهام، سفهاء الأحلام (خ ٣٦).
لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه (خ ٦١).
ثم أنتم شرار الناس، ومن رمى به الشيطان مراميه، وضرب به تيهه (ك ٢١٧).
إن الشيطان اليوم قد استفلهم، وهو غدا متبرئ منهم، ومتخل عنهم، فحسبهم بخروجهم من الهدى، وارتكاسهم في الضلال والعمى، وصدهم عن الحق، وجماحهم في التيه (ك ١٨١).
(وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان): بؤسا لكم، لقد ضركم من غركم، فقيل له: من غرهم يا أمير المؤمنين فقال: الشيطان المضل، والأنفس الأمارة بالسوء، غرتهم بالأماني، وفسحت لهم بالمعاصي، ووعدتهم الإظهار، فاقتحمت بهم النار (ح ٣٢٣).
(لما قتل الخوارج فقيل له: يا أمير المؤمنين، هلك القوم بأجمعهم) فقال: كلا والله، إنهم نطف في أصلاب الرجال، وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطع، حتى يكون آخرهم لصوصا سلا بين (خ ٦٠).
(قاله للبرج بن مسهر الطائي، وقد قال له بحيث يسمعه:
«لا حكم إلا لله»:أسكت قبحك الله يا أثرم، فو الله لقد ظهر الحق فكنت فيه ضئيلا شخصك، خفيا صوتك، حتى إذا نعر الباطل نجمت نجوم قرن الماعز (ك ١٨٤).
(٥٨٥) الإمام (ع) يناقش الخوارج في شبهاتهم واعتقاداتهم وأحكامهم الأخرى:
(لما سمع قولهم:
«لا حكم إلا لله»، قال عليه السلام): كلمة حق يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر (ك ٤٠).
(وكلمهم حين اعتزلوا الحكومة وتنادوا: أن لا حكم إلا لله): أصابكم حاصب ولا بقي منكم آثر، أبعد إيماني بالله، وجهادي مع رسول الله (ص) أشهد على نفسي بالكفر «لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين» فأبوا شر مآب، وارجعوا على أثر الأعقاب (ك ٥٨).
(للخوارج): فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت، فلم تضللون عامة أمة محمد (ص) بضلالي، وتأخذونهم بخطأي، وتكفرونهم بذنوبي سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء والسقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب، وقد علمتم إن رسول الله (ص) رجم الزاني المحصن، ثم صلى عليه، ثم ورثه أهله، وقتل القاتل وورث ميراثه أهله، وقطع السارق وجلد الزاني غير المحصن، ثم قسم عليهما من الفيء، ونكحا المسلمات، فأخذهم رسول الله (ص) بذنوبهم، وأقام حق الله فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الاسلام، ولم يخرج أسماءهم من بين أهله... ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه (ك ١٢٧).
(وقال عليه السلام لما سمع قول الخوارج:
«لا حكم إلا لله»): كلمة حق يراد بها باطل (ح ١٩٨).
(وقال عليه السلام لعبد الله بن العباس، لما بعثه للاحتجاج على الخوارج): لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا (وص ٧٧).
٤ - المعتزلون:
قال عليه السلام في الذين اعتزلوا القتال معه: خذلوا الحق، ولم ينصروا الباطل (ح ١٨).
فقال الحارث: فإني اعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر، فقال عليه السلام: إن سعيدا وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل (ح ٢٦٢).
وإنما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول:
«إنها فتنة، فقطعوا أوتاركم، وشيموا سيوفكم».
فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره، وإن كان كاذبا فقد لزمته التهمة (ك ٢٣٨).
تاسعا:«الامام يتحدث عن ملامح الفتنة عند ما تنتصر، وعن مصير أصحابها»
١ - سيادة الظلم على الناس، بحيث لا يسلم منه الداني ولا القاصي:
أما والله، ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم، ويذيب شحمتكم، إيه أبا وذحة (خ ١١٦).
وأيم الله لتحتلبنها دما، ولتتبعنها ندما (خ ٥٦).
أيها الناس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري، ليضعفن لكم التيه من بعدي أضعافا بما خلفتم الحق وراء ظهوركم
(خ ١٦٦).
حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية، تمنحهم درها، وتوردهم صفوفها، ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها، ولا سيفها (ك ٨٧).
وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي، كالناب الضروس: تعدم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم، أو غير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه، والصاحب من مستصحبه (خ ٩٣).
فعند ذلك لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله الظلمة ترحة، وأولجوا فيه نقمة (خ ١٥٨).
أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة (ك ٥٨).
وحتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعيهم، وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه، وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه (ك ٩٨).
فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه... وصال الدهر صيال السبع العقور، وهدر فنيق الباطل بعد كظوم (خ ١٠٨).
راية ضلال... تكيلكم بصاعها، وتخبطكم بباعها (خ ١٠٨).
بمن يسومهم خسفا، ويسوقهم عنفا، ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف، ولا يحلسهم إلا الخوف، فعند ذلك تود قريش - بالدنيا وما فيها - لو يرونني مقاما واحدا، ولو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه
(خ ٩٣).
وتنطق فيها الظلمة، وتدق أهل البدو بمسحلها، وترضهم بكلكلها يضيع في غبارها الوحدان، ويهلك في طريقها الركبان، ترد بمر القضاء، وتحلب عبيط الدماء... بين قتيل مطلول، وخائف مستجير (خ ١٥١).
٢ - تعطيل أحكام الاسلام والانحراف عن مبادئه:
أيها الناس، سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الاسلام، كما يكفأ الأناء بما فيه (خ ١٠٣).
ترد عليكم فتنتهم (بنو أمية) شوهاء مخشية، وقطعا جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى (خ ٩٣).
راية ضلال قد قامت على قطبها، وتفرقت بشعبها... فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه، وعظمت الطاغية، وقلت الداعية... ولبس الاسلام لبس الفرو مقلوبا (خ ١٠٨).
وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته: فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم لأن الضلالة لا توافق الهدى، وإن اجتمعا، فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلا اسمه، ولا يعرفون إلا خطه وزبره (خ ١٤٧).
يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلا رسمه، ومن الاسلام إلا اسمه، ومساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها وعمارها شر أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة، وإليهم تأوي الخطيئة، يردون من شذ عنها فيها، ويسوقون من تأخر عنها إليها (ح ١١٤).
والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه، ولا عقدا إلا حلوه... وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه (ك ٩٨).
تغيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظلمة... وتثلم منار الدين، وتنقض عقد اليقين... ويفارق عليها الاسلام (خ ١٥١).
٣ - فساد العلاقات الاجتماعية والانسانية:
فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه... وتواخى الناس على الفجور، وتهاجروا على الدين، وتحابوا على الكذب، وتباغضوا على الصدق، فإذا كان ذلك كان الولد غيظا، والمطر قيظا، وتفيض اللئام فيضا، وتغيض الكرام غيضا، وكان أهل ذلك الزمان ذئابا، وسلاطينه سباعا، وأوساطه أكالا، وفقراؤه أمواتا، وغار الصدق، وفاض الكذب، واستعملت المودة باللسان، وتشاجر الناس بالقلوب، وصار الفسوق نسبا، والعفاف عجبا (خ ١٠٨).
يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف فيه إلا المنصف، يعدون الصدقة فيه غرما، وصلة الرحم منا، والعبادة استطالة على الناس فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان (ح ١٠٢).
ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج (خ ١٨٧).
تقطع فيها الأرحام، ويفارق عليها الاسلام (خ ١٥١).
٤ - قلة المؤمنين العاملين المخلصين للاسلام، وملاحقتهم ومحاربتهم:
فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر، أو نفاضة كنافضة العكم، تعرككم عرك الأديم، وتدوسكم دوس الحصيد، وتستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطير الحبة البطينة من بين هزيل الحب... وعظمت الطاغية، وقلت الداعية... وتفيض اللئام فيضا، وتغيض الكرام غيضا (خ ١٠٨).
فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم... ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة، وسموا صدقهم على الله فرية، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة (خ ١٤٧).
يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف فيه إلا المنصف (ح ١٠٢).
يأتي على الناس زمان... تنهد فيه الأشرار، وتستذل الأخيار ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله (ص) عن بيع المضطرين (ح ٤٦٨).
فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن، ويسلم فيها غير المسلم (خ ١٨٧).
ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم، وانقطاع وصلكم، واستعمال صغاركم، ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله (خ ١٨٧).
وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نومة، «إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد، أولئك مصابيح الهدى» وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع البذر، أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته، ويكشف عنهم ضراء نقمته (خ ١٠٣).
أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن... ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة، ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرأوا مني، فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الايمان والهجرة
(ك ٥٧).
يهرب منها الأكياس، ويدبرها الأرجاس (خ ١٥١).
كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب (ح ١).
٥ - استئثار السلطات الحاكمة بأموال المسلمين:
ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا... ويكون نصيبكم الأخس (ر ٦٢).
أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل... يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد (ك ٥٧).
لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم، أو غير ضائر بهم (خ ٩٣).
وكان أهل ذلك الزمان ذئابا، وسلاطينه سباعا، وأوساطه أكالا، وفقراؤه أمواتا (خ ١٠٨).
أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم، ويذيب شحمتكم، إيه أبا وذحة (خ ١١٦).
الفتنة ستؤدي بأصحابها أيضا:
حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية، تمنحهم درها، وتوردهم صفوها، ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها، وكذب الظان لذلك، بل هي مجة من لذيذ العيش يتطعمونها برهة، ثم يلفظونها جملة (ك ٨٧).
ألا وإن لكل دم ثائرا، ولكل حق طالبا، وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه، وهو الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب، فأقسم بالله، يا بني أمية، عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم (خ ١٠٥).
وسينتقم الله ممن ظلم، مأكلا بمأكل، ومشربا بمشرب، من مطاعم العلقم، ومشارب الصبر والمقر، ولباس شعار الخوف، ودثار السيف، وإنما هم مطايا الخطيئات وزوامل الآثام، فأقسم، ثم أقسم، لتنخمنها أمية من بعدي كما تلفظ النخامة، ثم لا تذوقها ولا تطعم بطعمها أبدا ما كر الجديدان (خ ١٥٨).
على أن الله تعالى سيجمعهم لشر يوم لبني أمية، كما تجتمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم... وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين، كما تذوب الألية على النار (خ ١٦٦).
(إلى عمرو بن العاص): فإن يمكني الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما، وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما، والسلام (ر ٣٩).
(لما قتل الخوارج فقيل له: يا أمير المؤمنين، هلك القوم بأجمعهم) فقال: كلا والله، إنهم نطف في أصلاب الرجال، وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطع، حتى يكون آخرهم لصوصا سلا بين (خ ٦٠).
انتهى .
مقتبس من كتاب : المعجم الموضوعي لنهج البلاغة