![](http://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/besmellah.png)
![](http://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/mola.png)
![](http://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/fi_rahab.jpg)
![](http://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/haram.jpg)
![](http://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/nahj.jpg)
الوصية بالتقوى، والسير في الديار والآثار
فَإِنِّي أوُصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ- أَىْ بُنَىَّ- وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمارَةِ قَلْبِكَ [١] بِذِكْرِهِ. وَالْإِعْتِصامِ [٢] بِحَبْلِهِ، وَأَىُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ إِنْ أَنتَ أَخَذْتَ بِهِ؟!
أَحْيِ قَلْبَكَ بِآلْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهادَةِ، [٣] وَقَوِّهِ [٤] بِآلْيَقِينِ، "وَنَوِّرْهُ بِآلْحِكْمَةِ" وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ...
وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِما أَصابَ مَنْ كانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلَينَ. وَسِرْفِي دِيارِهِمْ وَاثارِهِمْ، فَانَظُرْ فِيما فَعَلُوا، وَعَمَّا انتَقَلُوا "وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ، وَحَلُّوا دارَالْغُرَبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ. فَأَصْلِحْ مَثْواكَ، وَلاتَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْياكَ.
الطرق الى وصول التربية وتحققه
وَدَعِ الْقَوْلَ فِيما لاتَعِرْفُ، وَالْخِطابَ فِيما لَمْ تُكَلَّفْ، وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذا خِفْتَ ضَلالَتَة، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلالِ خَيْرٌ مِنْ رُّكُوبِ الْأَهْوالِ. وَأْمُرْ بِالْمَعْروُفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنكِرِ الْمُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسانِكَ، وَبايِنْ [٥] مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجاهِدْ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَلا تَأْخُذْكَ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ. وَخُضِ الْغَمَراتِ [٦] لِلْحَقِّ حَيْثُ كانَ وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ. وَعَوِّدْ نَفْسَكَ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُ فِي الحَقِّ...
رسالة المعلم والمربّي
... وَإِنَّما قَلْب [٧] الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخاِليَةِ، ما أُلْقِيَ فِيها مِنْ شَيْ ءٍ قَبِلَتْهُ. فَبادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِل لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ [٨] رَأْيِكَ مِنْ الْأَمْرِ ما قَدْ كَفاكَ أَهْلُ التَّجارِبِ، بُغْيَتَهُ [٩] وَتَجْرِبَتَهُ. فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتاكَ مِن ذلِكَ ما قَدْ كُنّا نَأْتِيِه، وَاسْتَبانَ [١٠] لَكَ ما رُبَّما أَظْلَمَ عَلَيْنا مِنْهُ.
الاعتبار بالماضين
اثر التّاريخ في التربية
أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كانَ قَبْلِي- فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثارِهِمْ، حَتّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ.بَلْ كَأَنِّي بِمَا انتَهى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلى اخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ. فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَةُ، [١١] وَتَوَخَّيْتُ [١٢] لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ. وَرَأَيْتُ- حَيْثُ عَنانِي مِنْ أَمْرِكَ ما يَعْنِي الْوالِدَ الشَّفِيقَ، وَأَجْمَعْتُ [١٣] عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ- أَنْ يَكُونَ ذْلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ [١٤] الْعُمُرِ، وَمُقْتَبِلُ الدَّهْرِ، ذُوِنِيَّةٍ سَلِيمَةٍ، وَنَفْسٍ صافِيَةٍ.
أولوية معرفة القرآن في التعليم
وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتابِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ وَتَأْوِيلِه، وَشَرائِعِ الْإِسْلامِ وَأَحْكامِهِ، وَحَلالِهِ وَحَرامِهِ، لا أُجاوِزُ ذلِكَ بِكَ إِلى غَيْرِهِ. ثُمَّ أَشْفَقْتُ [١٥] أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوائِهِمْ وَارائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ، فَكانِ إحْكامُ ذلِكَ عَلى ما كَرِهْتُ مِنْ تَنِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ مِنْ إِسْلامِكَ إِلى أَمْرٍ لا امَنُ عَلَيْكَ فِيهِ الْهَلَكَةَ. وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللّهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ، وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ، فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هذِهِ.
حسن المخالطة مع الناس، من اصول التربية
يا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزاناً فِيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ ما تَكْرَهُ لَها، وَلاتَظْلِمْ كَما لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَماتُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ ما تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النّاسِ بِما تَرْضاهُ لَهُم من نَفْسِكَ، وَلاتَقُل ما لاتَعْلَمُ وَإنْ قَلَّ ما تَعْلَمُ، وَلا تَقُلْ مالا تُحِبُّ أَنْ يُقالَ لَكَ.
رعاية حقوق الاخوان والاهل
وَلا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكالاً عَلى مابَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ. وَلا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ، وَلا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ. وَلا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوى عَلى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلى صِلَتِهِ، وَلا يَكُونَنَّ عَلَى الْإِساءَةِ أَقْوى مِنْكَ عَلىَ الإحْسانِ. وَلايَكْبُرَنَّ عَلَيكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّهُ يَسْعى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ، وَلَيْسَ جَزاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ...
العظة والارشاد قبل التأديب
وَلا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاّتَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إذا بالَغْتَ فِي إِيلامِهِ، فَإِنَّ الْعاقِلَ يَتَّعِظُ بِالأَدَبِ، وَالْبَهائِمَ لا تَتَّعِظُ إلاَّ بِالضَّرْبِ. إطْرَحْ عَنْكَ وارِداتِ [١٦] الْهُمُومِ بِعَزائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ، مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَجارَ، الصّاحِبُ مُناسِبٌ، وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ، وَالْهَوى شَرِيكُ الْعَمى...
أَسْتَوْدِعُ اللّهَ دِينَكَ وَدُنْياكَ، وَأَسْأَلُهُ خَيْرَ الْقَضاءِ لَكَ فِي الْعاجِلَةِ وَالْاجِلَةِ، وَالدُّنْيا وَالْاخِرَةِ، وَالسَّلامُ.
كن مع الناس حتى يكونوا معك
يابنيّ! اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها. ولا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم، واحسن كما تحبّ أن يحسن اليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من النّاس بما ترضاه لهم من نفسك. ولا تقل مالا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل مالا تحبّ أن يقال لك [١٧] .
اغتنم الاحسان الى اهل الفاقة
وَاعْلَمْ أَنَّ أَمامَكَ طَرِيقاً ذا مَسافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَنَّهُ لا غِنى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الْإِرْتِيادِ، [١٨] وَقَدْرِ بَلاغِكَ [١٩] مِنَ الزّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ. فَلاتَحْمِلَنَّ عَلى ظَهْرِكَ فَوْقَ طاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبالاً عَلَيْكَ، وَإذا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفاقَةِ [٢٠] مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زادَكَ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فَيُوافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيّاهُ،وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطلُبُهُ فَلاتَجِدُهُ،وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرضَكَ فِي حالِ غِناكَ لِيَجْعَلَ قَضاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ [٢١] .
واكرم نفسك...
وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَأَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كانَ قَبْلَكَ.
فَخَفَّضْ [٢٢] فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ [٢٣] فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إلى حَرَبٍ، [٢٤] وَلَيْسَ كُلُّ طالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْروُمٍ. وأكرم نفسك عن كلّ دنية [٢٥] وإن ساقتك الى الرّغائب [٢٦] ، فانّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً [٢٧] . ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللَّه حرّاً، وما خير خير لا ينال الّا بشرّ، ويسر [٢٨] لا ينال الّا لعسر [٢٩] ، [٣٠] .
بادر الفرصة...
وَتَلافِيكَ [٣١] ما فَرَّطَ [٣٢] مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْراكِك [٣٣] ما فاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ، وَحِفْظُ ما فِي الْوِعاءِ بِشَدِّ الْوِكاءِ، [٣٤] وَحِفْظُ ما فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ ما فِي يَدي غَيْرِكَ. وَمَرارَةُ الْيَأْسِ خَيٌر مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النّاسِ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنى مَعَ الْفُجُورِ. وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ [٣٥] ، وَرُبَّ ساعِ فِيما يَضُرُّهُ، مَنْ أكْثَرَ أَهْجَرَ، [٣٦] وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ. [٣٧] قارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ، بِئْسَ الطَّعامُ الْحَرامُ، وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ، إِذا كانَ الرِّفْقُ خُرْقاً [٣٨] كانَ الْخُرْقُ رِفْقاً.
رُبَّما كانَ الدَّواءُ داءً و الدّاءُ دَواءً، و رُبَّما نَصَحَ غَيْرُ النّاصِحِ وَغَشَّ المُسْتَنْصَحُ، [٣٩] وَإِيّاكَ وَالْإتِّكالَ عَلَى الْمُنى [٤٠] فَإِنَّها بَضائِعُ النَّوكى. [٤١] وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّج ارِبِ، وَخَيْرُما جَرَّبْتَ ما وَعَظَكَ، بادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَيْسَ كُلُّ طالِبٍ يُصِيبُ، وَلا كُلُّ غائِبٍ يَؤُوبُ، وَمِنَ الْفَسادِ إٍضاعَةُ الزّادِ وَمَفْسَدَةُ الْمَعادِ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ عاقِبَةٌ، سَوْفَ يَأْتِيكَ ما قُدِّرَلَكَ. التّاجِرُ مُخاطِرٌ، وَرُبَّ يَسيِرٍ أَنْمى مِنْ كِثَيرٍ، وَلا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ، [٤٢] وَلا فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ [٤٣] ، ساهِلِ [٤٤] الدَّهْرَ ما ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ، [٤٥] وَلا تُخاطِرْ بِشَىْ ءٍ رَجاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإيّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ [٤٦] اللَّجاجِ. [٤٧]
حقوق الأخوان
إحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرمْهِ [٤٨] عَلىَ الصِّلَةِ، [٤٩] وَعِنْدَ صُدُودِهِ [٥٠] عَلَى اللَّطَفِ [٥١] وَالْمُقارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ [٥٢] عَلىَ الْبَذْلِ، [٥٣] وَعِنْدَ تَباعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلى اللِّينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ، حَتّى كَأَنِّكَ لَهُ عَبْدٌ وَكَأَنَّهُ ذُوِ نعْمَةٍ عَلَيْكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ.
لا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعادِيَ صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخاكَ النَّصِيحَةَ حَسَنَةً كانَتْ أَوْ قَبِيحَةً. وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ [٥٤]، فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلى مِنْها عاقِبَةً وَلا أَلَذَّ مَغَبَّةً، [٥٥] وَلِنْ [٥٦] لِمَنْ غالَظَكَ [٥٧] فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وَخُذْ عَلى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَريْنِ. وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْها إِنْ بَدالَهُ ذلِكَ يَوْماًما. وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ، ولا تضيّعن حق اخيك اتكالاً على ما بينك وبينه فانّه ليس لك باخ من اضعت حقه. [٥٨] ولا يكن اهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبن فيمن زهد عنك، ولا يكونن اخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الاحسان. ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك فانه يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرّك أن تسوؤه. [٥٩]
العاقل يتعظ بالآداب...
وَاعْلَمْ، يابُنَيَّ، أَنَّ الرّزْقَ رِّزْقانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَزِرْقٌ يَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتاكَ. ما أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحاجَةِ، وَالْجَفاءَ عِنْدَ الْغِنى، إِنَّما لَكَ مِنْ دُنْياكَ ما أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْواكَ. [٦٠] وَإِنْ جَرِعْتَ عَلى ما تَفَلَّتَ [٦١] .
مِنْ يَديْكَ فَاجْزَعْ عَلى كُلِّ مالَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ، اسْتَدِلَّ عَلى مالَمْ يَكُنْ بِما قَدْ كانَ فإِنَّ الْأُمُورَ أَشْباهٌ. ولا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة الّا اذا بالغت في ايلامه فانّ العاقل يتعظ بالآداب، والبهائم لا تتعظ الّا بالضرب. [٦٢]
اطرح واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك القصد [٦٣] جار، [٦٤] والصاحب مناسب، [٦٥] والصديق من صدّق غيبه، [٦٦] والهوى [٦٧] شريك العمى، وَرُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ، وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ. وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُن لَهُ حَبِيبٌ، مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ ضاقَ مَذْهَبُهُ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلى قَدْرِهِ كانَ أَبقى لَهُ، وَأَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ سبحانه. وَمَن لَمْ يُبالِكَ [٦٨] فَهُوَ عَدُوُّكَ، قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدراكاً إِذا كانَ الطَّمَعُ هَلاكاً...
أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذا شِئتَ تَعَجَّلْتَهُ، [٦٩] وَقَطِيعَةُ الْجاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعاقِلِ. مَنْ أَمِنَ الزَّمانَ خانَهُ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ [٧٠] أَهانَهُ، لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمى أَصابَ، إذا تَغَيَّرَ الْسُلطانُ تَغَيَّرَ الزَّمانُ. سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجارِ قَبْلَ الدّارِ.
إيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلامِ مايَكُونُ مُضْحِكاً وَإنْ حَكَيْتَ ذلِكَ عَنْ غَيْرِكَ... [٧١]
امسك لسانك
طُوبى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطابَ كَسْبُهُ، وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ، [٧٢] وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسانِهِ، وَعَزَلَ عَنِ النّاسِ شَرَّهُ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُنسَبْ إِلى البِدْعَةٍ. [٧٣] مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ، وَمَنْ سَلِّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنْ كابَدَ [٧٤] الْأُمُورَ عَطِبَ، [٧٥] وَمَنْ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ،وَمَنْ دَخَل مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ.
وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ، ومَنْ ماتَ قَلبُه دَخَلَ النَّارَ.وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ "وَالْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ"وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسيِر،وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيَما يَعْنِيهِ. [٧٦]
انظروا الى مرآة الحياة
كانَ لِي فِيما مَضى أَخٌ فِي اللّهِ، وَكانَ يُعَظِّمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيا فِي عَيْنِهِ، وَكانَ خارِجًا مِنْ سُلْطانِ بَطْنِهِ فَلا يَشْتَهِي ما لايَجِدُ وَلا يُكْثِرُ إِذا وَجَدَ، وَكانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صامِتاً، فَإنْ قالَ بَذَّ [٧٧] الْقائِلينَ، وَنَقَعَ غَلِيلَ [٧٨] السّائِلينَ. وَكانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفًا، فَإِنْ جاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثٌ [٧٩] عادٍ وَصِلُّ [٨٠] وادٍ، لايُدْلِي [٨١] بِحُجَّةٍ حَتّى يَأْتِيَ قاضِيًا، وَكانَ لايَلوُمُ أَحَدًا عَلى ما يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتّى يَسْمَعَ اعْتِذارَهُ. وَكانَ لايشْكُو وَجَعاً إِلا عِنْدَ بُرْئِهِ، وَكانَ يَفْعَلُ مايَقُولُ وَلا يَقُولُ مالا يَفْعَلُ، وَكانَ إنْ غُلِبَ عَلَى الْكَلامِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ، وَكانَ عَلى أَنْ يَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلى أَنْ يَتَكَلَّمَ. وَكانَ إِذا بَدَهَهُ [٨٢] أَمْرانِ نَظَرَ أَيُّهُما أَقْرَبُ إلَى الْهَوى فَيخالِفُهُ. فَعَلَيْكُمْ بِهذِهِ الْخَلائِقِ فَالْزَمُوها وَتَنافَسُوا فِيها، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوها فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الكَثِيرِ [٨٣] .
رؤوس علم الحياة
١- رعاية الحقوق المتقابلة.
٢- حقوق البؤساء والمحرومين، حقوق الانسان.
٣- حق الانسان على نفسه برمجة حياته.
٤- حق الانسان على نفسه "تحصيل الرزق ومكافحة الفقر".
رعاية الحقوق المتقابلة
إنّ للولد على الوالد حقّاً، وانّ للوالد على الولد حقاً:
فحق الوالد على الولد: أن يطيعه في كلّ شيءٍ إلّا في معصية اللَّه سبحانه. وحق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسّن أدبه، ويعلمه القرآن.
حقوق البؤساء والمحرومين، حقوق الانسان [٨٤] لِكُمَيْلِ بْنِ زِيادٍ النَّخَعِيَ:
يا كُمَيْلُ: مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا [٨٥] فِي كَسْبِ الْمَكارِمِ، وَيُدْلِجُوا [٨٦] فِي حاجَةِ مَنْ هُوَ نائِمٌ.
فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْواتَ مامِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُروُراً إِلاّ وَخَلَقَ اللّهُ لَهُ مِنْ ذلِكَ السُّروُرِ لُطْفاً، فَإِذا نَزَلَتْ بِهِ نائِبَةٌ [٨٧] .جَرى إِلَيْها كَالْماءِ فِي انْحِدارِهِ حِتّى يَطْرُدَها عَنْهُ كَما تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الْإِبِلِ [٨٨] .
حق الانسان على نفسه برنامجة حياته
لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ:
فسَاعةٌ يُنَاجِي فِيها رَبَّهُ،وَسَاعَةٌ يَرُمُّ [٨٩] فِيهَا مَعَاشَهُ،وَسَاعَةٌ يُخَلِّى فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيَما يَحِلُّ وَيَجْمُلُ. وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلَّا فِي ثَلاَثٍ: مَرَمَّةٍ [٩٠] .لِمَعَاشٍ،أَوْ خُطْوَةٍ فِى مَعَادٍ، [٩١] أوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِمُحَرَّمٍ . [٩٢]
حق الانسان على نفسه "تحصيل الرزق ومُكافحة الفقر"
لابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ:
يا بُنَيَّ إنِّي أخافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ؛ فاسْتَعِذْ باللّهِ مِنْهُ، فإنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ [٩٣] للدِّين، مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ، دَاعِيَةٌ لِلْمَقتِ [٩٤] .
يتبع ........