وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                

Search form

إرسال الی صدیق
أصحاب الإمام علي علي السلام أسماء وسير وتاريخ حافل بالولاء – الثاني

* صعصعة بن صوحان ( رضوان الله عليه )

ولد صعصعة بن صوحان بن حُجْر العبدي سنة ٢٤ قبل الهجرة النبوية ، وكان مسلماً على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يره .

كان من كبار أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) ، ومن الذين عرفوه حقّ معرفته كما هوحقّه ، وكان خطيباً بليغاً .

أثنى عليه أصحاب التراجم بقولهم : كان شريفاً ، أميراً ، فصيحاً ، مفوّهاً ، خطيباً ، لسناً ، ديّناً ، فاضلاً .

نفاه عثمان إلى الشام مع مالك الأشتر ورجالات من الكوفة ، وعندما ثار الناس على عثمان ، واتفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين‏ ( عليه السلام ) قام هذا الرجل الذي كان عميق الفكر ، قليل المثيل في معرفة عظمة علي ( عليه السلام ) فعبّر عن اعتقاده الصريح الرائع بإمامه ، وخاطبه قائلاً : ( والله يا أمير المؤمنين ! لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، ولهي إليك أحوج منك إليها ) .

وعندما أشعل موقدوالفتنة فتيل الحرب على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الجمل ، كان إلى جانب الإمام ، وبعد أن استشهد أخواه زيد وسيحان اللذان كانا من أصحاب الألوية ، رفع لواءهما وواصل القتال .

وفي حرب صفّين ، كان رسول‏ الإمام ( عليه السلام ) إلى معاوية ومن اُمراء الجيش وراوي وقائع صفّين ، كما وقف إلى جانب الإمام ( عليه السلام ) في حرب النهروان ، واحتجّ على الخوارج بأحقّيّة إمامه وثباته .

وجعله الإمام ( عليه السلام ) شاهداً على وصيّته‏ ، فسجّل بذلك فخراً عظيماً لهذا الرجل .

ونطق صعصعة بفضائل الإمام ومناقبه أمام معاوية وأجلاف بني اُميّة مراراً ، وكان يُنشد ملحمة عظمته أمام عيونهم المحملقة ، ويكشف عن قبائح معاوية ومثالبه بلا وجل ،

وكم أراد منه معاوية أن يطعن في علي ( عليه السلام ) ، لكنّه لم يلقَ إلاّ الخزي والفضيحة ، إذ جُوبِه بخطبه البليغة الأخّاذة.

آمنه معاوية مكرهاً بعد استشهاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وصلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فاستثمر صعصعة هذه الفرصة ضدّ معاوية ، وكان معاوية دائم الامتعاض من بيان صعصعة الفصيح المعبّر وتعابيره الجميلة في وصف فضائل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولم يخفِ هذا الامتعاض‏ .

كفى في عظمته قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ما كان مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من يعرف حقّه إلاّ صعصعة وأصحابه‏ .

موقفه من الخليفة الثالث :

في الأمالي للطوسي عن صعصعة بن صوحان : دخلت على عثمان بن عفّان في نفر من المصريّين ، فقال عثمان : قدّموا رجلاً منكم يكلّمني ، فقدّموني ، فقال عثمان : هذا ، وكأنّه استحدثني .

فقلت له : إنّ العلم لوكان بالسنّ لم يكن لي ولا لك فيه سهم ، ولكنّه بالتعلّم .

فقال عثمان : هات ، فقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) .

فقال عثمان : فينا نزلت هذه الآية .

فقلت له : فمر بالمعروف وانه عن المنكر .

فقال عثمان : دع هذا وهات ما معك .

فقلت له : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله ) إلى آخر الآية .

فقال عثمان : وهذه أيضاً نزلت فينا.

فقلت له : فأعطنا بما أخذت من الله .

فقال عثمان : يا أيّها الناس ، عليكم بالسمع والطاعة ، فإنّ يد الله على الجماعة وإنّ الشيطان مع الفذّ ، فلا تستمعوا إلى قول هذا ، وإنّ هذا لا يدري مَن الله ولا أين الله .

فقلت له : أمّا قولك : ( عليكم بالسمع والطاعة ) فإنّك تريد منّا أن نقول غداً : ( رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ) ، وأمّا قولك : ( أنا لا أدري من الله ) فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين ، وأمّا قولك : ( إنّي‏ لا أدري أين الله ) فإنّ الله تعالى بالمرصاد .

قال : فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا .

وفاته :

نفاه معاوية إلى البحرين ، وتوفي فيها سنة ٥٦ هـ ، وقيل غير ذلك ، ومزاره مشهور يزوره المؤمنون في جنوب ( المنامة ) ، عاصمة البحرين .

* عامر بن واثلة ( رضوان الله عليه )

ولد عامر بن واثلة بن عبد الله الكناني الليثي في السنة التي كانت فيها غزوة اُحد ، كنيته ( أبوالطُّفَيل ) وهومشهور بها .

أدرك ثماني سنين من حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ورآه ، وهوآخر من مات من الصحابة ، وكان يقول : أنا آخر من بقي ممّن كان رأى رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) .

كان من أصحاب علي ( عليه السلام ) وثقاته ومحبّيه‏ وشيعته وشهد معه جميع حروبه ، ذكره نصر بن مزاحم بأنّه من ( مخلصي الشيعة ) .

كان له حظّ وافر من الخطابة ، وكان ينشد الشعر الجميل ، كما كان مقاتلاً باسلاً في الحروب .

خطب في صفين كثيراً ، وذهب إلى العسكر ومدح عليّاً ( عليه السلام ) بشعره النابع من شعوره الفيّاض ، وافتخر بصمود أصحاب الإمام ، وقدح في أصحاب الفضائح من الاُمويّين وأخزاهم‏ .

كان عامر بن واثلة حامل لواء المختار ، عندما نهض للثأر بدم الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

ساعدته مهارته في الكلام واستيعابه لمعارف الحقّ وإلمامه بكتاب الله على أن يتحدّث بصلابة ، دفاعاً عن الحقّ ، وتقريعاً لغير الكفوئين‏ .

كان شخصيّة عظيمة ، ذكره أصحاب الرجال بإجلال وإكبار .

قال الذهبي في حقّه : كان ثقةً فيما ينقله ، صادقاً ، عالماً ، شاعراً ، فارساً ، عُمِّر دهراً طويلاً .

في سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن الهمداني : دخل أبوالطفيل على معاوية ، فقال : ما أبقى لك الدهر من ثُكلك عليّاً ؟

قال : ثُكل العجوز المِقْلات [ التي لا يعيش لها ولد ] والشيخ الرقوب [ الذي لا كسب له ] .

قال : فكيف حبّك له ؟

قال : حبّ اُمّ ‏موسى لموسى ، وإلى الله أشكوالتقصير .

توفي سنة ١٠٠هـ وقيل غير ذلك .

* عبد الله بن بُديل ( رضوان الله عليه )

عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، أسلم قبل فتح مكّة ، وشهد حنيناً ، والطائف ، وتبوك‏ .

أشخصه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى اليمن مع أخيه عبد الرحمن .

عدّه المؤرّخون من عظماء أصحاب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأعيانهم‏ ، أحد دُهاة العرب الخمسة .

اشترك عبد الله في الثورة على عثمان ، ثمّ كان إلى جانب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عضداً صلباً وصاحباً مُضحّياً ، وشهد معه الجمل ، وصفين ، وكان في‏ صفّين قائد الرجّالة أوقائد الميمنة ، وتولّى رئاسة قُرّاء الكوفة أيضاً .

دافع عبد الله عن إمامه حتى آخر لحظة من حياته بكلّ ما اُوتي من جُهد .

تدلّ خُطبه وأقواله على أنّه كان يتمتّع بوعيٍ عظيم في معرفة أوضاع عصره ، واُناس زمانه ، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

وقف في صفين بكلّ ثبات ، وقال: إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزيّن لهم الضلالة ... وأنتم والله على نورٍ من ربّكم، وبرهانٍ مبين .

دنا من معاوية بشجاعة محمودة وصولة لا هوادة فيها ، فلمّا رأى معاوية أنّ الأرض قد ضاقت عليه بما رحُبت ، أمر أن يرضخ بالصخر والحجارة ويُقضى عليه ، فاستشهد عبد الله سنة ٣٧ هـ ، وسمّاه معاوية كبش القوم ، وذكر شجاعته واستبساله متعجّباً ، وأنّه لا نظير له في القتال .

وعندما طلب منه رفيق دربه وصاحبه الأسود بن طهمان الخزاعي أن يوصيه وهويلفظ أنفاسه الأخيرة ، قال : اُوصيك بتقوى الله ، وأن تناصح أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المحلّين حتى يظهر الحقّ أو تلحق باللَّه ، وأبلغه عنّي السلام… .

ولما بلغ الإمام ( عليه السلام ) قال : رحمه الله ! جاهد معنا عدوّنا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة .

* عمروبن الحمق الخزاعي ( رضوان الله عليه )

عمروبن الحمق بن الكاهن الخزاعي ، صحابيّ جليل من صحابة رسول‏ الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمير المؤمنين ، والإمام الحسن ( عليهما السلام ) .

أسلم بعد الحديبية ، وتعلّم الأحاديث من النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

كان من الصفوة الذين حرسوا ( حقّ الخلافة ) بعد رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فوقف إلى جانب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بإخلاص‏ .

اشترك في ثورة المسلمين على عثمان ، ورفع صوت الحقّ إزاء التغيّرات الشاذّة التي حصلت في هذا العصر .

شهد حروب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وساهم فيها بكلّ صلابة وثبات‏ ، وكان ولاؤه للإمام عظيماً حتى قال له ( عليه السلام ) : ليت أنّ في جُندي مائة مثلك .

ففي وقعة صفّين عن عبد الله بن شريك : قال عمروبن الحمق : إنّي والله يا أمير المؤمنين ، ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ، ولا التماس سلطان يُرفع ذكري به ، ولكن أحببتك لخصال خمس : إنّك ابن عمّ رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأوّل من آمن به ، وزوج سيّدة نساء الاُمّة فاطمة بنت محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبوالذرّيّة التي بقيت فينا من رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعظم رجل من المهاجرين سهماً في الجهاد ، فلوأنّي كُلِّفت نقل الجبال الرواسي ، ونزح البحور الطوامي حتى يأتي عليَّ يومي في أمر اُقوِّي به وليّك ، واُوهن به عدوّك ، ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه كلّ الذي يحقّ عليَّ من حقّك .

فقال أمير المؤمنين : اللهمّ نوِّر قلبه بالتقى ، واهدِه إلى صراط مستقيم ، ليت أنّ في جندي مائة مثلك ! .

أجل ، كان عمرومهتدياً ، عميق النظر ، وكان من بصيرته بحيث يرى نفسه فانياً في علي ( عليه السلام ) ، وكان يقول له بإيمانٍ ووعي : ليس لنا معك رأي .

وكان عمروصاحباً لحجر بن عدي ورفيق دربه ، وصيحاته المتعالية ضدّ ظلم الاُمويّين‏ هي التي دفعت معاوية إلى تدبير مؤامرة قتله .

عبّر عنه الإمام الحسين ( عليه السلام ) بـ ( العبد الصالح الذي أبْلَتْه العبادة ) ، وعن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : إذا كان يوم القيامة … ينادي منادٍ : أين حواري علي بن أبي ‏طالب ( عليه السلام ) وصيّ محمّد بن عبد الله رسول‏ الله ؟ فيقوم عمروبن الحمق الخزاعي ، ومحمّد بن أبي ‏بكر، وميثم بن يحيى التمّار مولى بني أسد ، واُويس القرني‏ .

قتل سنة ٥٠ هـ ، بعد أن سجنوا زوجته بغية استسلامه‏ ، واُرسل برأسه إلى معاوية ، وهوأوّل رأس في الإسلام يُحمَل من بلد إلى بلد

* قنبر بن حمدان ( رضوان الله عليه )

قنبر مولى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) اسم أبيه حمدان ، كنيته أبوهمدان ، كان قنبر مجهولاً من حيث حسبه ونسبه ، ولكنه اشتهر بين الناس من حيث مواقفه مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ضد أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) .

فهوعند الناس كان مجرد خادم لعلي ولكن عند من كان يعرف قيمة أهل البيت ( عليهم السلام ) كان قنبر مولاً للحق يتغذى من مناهله ، حيث ربّاه علي ( عليه السلام ) الذي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : [ أنا مدينة العلم وعلي بابها ] ، فدخل قنبر مدينة العلم من بابها وتربى عند أكرم الخلق عند الله بعد النبي .

أصبح قنبر من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، لذلك قال فيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) : كان قنبر غلام علي يحب علياً حباً شديداً … .

روي أنه في ليلة من الليالي خرج الامام علي ( عليه السلام ) فخرج قنبر على أثره فرآه الإمام فقال له : ما لك يا قنبر ؟ فقال : جئت لأمشي خلفك ، فقال ( عليه السلام ) : ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض ؟ قال : لا بل من أهل الأرض ! فقال ( عليه السلام ) : إن أهل الأرض لا يستطيعون شيئاً إلا بإذن الله .

نعم هكذا كان الإمام يربي قنبر الذي كان يتبعه اتباع الفصيل إثر أمه ، كما هي العادة عند من أخلص الولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) .

كان ملازماً للامام علي ( عليه السلام ) منفّذاً لأوامره ، وذُكر أنّه كان من السابقين الذين عرفوا حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وثبتوا على الذود عن حقّ الولاية.

تولى بيت المال في الكوفة في خلافة الإمام علي (عليه السلام) ، ووقف إلى جانبه في الملمات فشاركه حرب صفين .

دفع إليه الإمام (عليه السلام) لواءً يوم صفّين في قبال غلام عمروبن العاص الذي كان قد رفع لواءً .

قال الشيخ محمَّد حرز الدين : (كان قنبر رجلاً عابداً ورعاً ، عارفاً متكلّماً لسناً ، تولى خدمة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان يحبّه حبّاً شديداً) .

استدعاه الحجّاج وأمر بقتله ، بسبب وفائه وعشقه الصادق الخالص للإمام علي (عليه السلام) ، وكان عند استشهاده يتلوآيةً من القرآن الكريم أخزى بها الحجّاج وأضرابه‏.

* كميل بن زياد النخعي(رضوان الله عليه)

كميل بن زياد النخعي الكوفي، ولد باليمن سنة سبع قبل الهجرة.

أسلم صغيراً وأدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل أنه لـم يره، ارتحل مع قبيلته إلى الكوفة في بدء انتشار الإسلام، كان من سادات قومه، وله مكانة ومنـزلة عظيمة عندهم، ابتدأ ظهوره على الساحة الإسلامية في عهد عثمان، إذ كان أحد أعضاء الوفد القادم من الكوفة للاحتجاج على تصرفات والي الكوفة عند عثمان.

مواقفه :

ـ وقف مع مالك الأشتر وجماعة من أهل الكوفة بوجه سعيد بن العاص والي الكوفة يستنكرون عليه قوله: «إن السواد بستان قريش».

ـ كان من الذين نفاهم والي الكوفة سعيد بن العاص منها إلى الشام بأمرعثمان، ومن الشام أعيدوا إلى الكوفة ومنها نفوا إلى حمص، ثم عادوا إلى الكوفة، بعد خروج واليها منها.

ـ دخل كميل بن زياد ومن كان معه بقيادة مالك الأشتر إلى قصر الإمارة فور عودتهم، وأخرجوا ثابت بن قيس خليفة الوالي عليه، واستطاع أهل الكوفة على أثر ذلك منع سعيد بن العاص والي الكوفة من العودة إليها.

ـ بايع أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، وأخلص في البيعة، وكان من ثقاته، فلازمه وأخذ العلم منه، واختصه بدعاء من أعظم الأدعية وأسماها، وهوالدعاء المعروف اليوم بـ(دعاء كميل)، لهذا قال عنه علماء الرجال، إنه حامل سر الإمام علي(عليه السلام) اشترك مع الإمام علي (عليه السلام) في صفين وكان شريفاً مطاعاً في قومه.

ـ نصّبه الإمام علي (عليه السلام) عاملاً على بيت المال مدة من الزمن، وعينه والياً على (هيت)، فتصدّى لمحاولات معاوية التي كانت تهدف إلى السيطرة على المناطق التي كانت تحت سلطة الإمام علي (عليه السلام).

ـ بايع الإمام الحسن (عليه السلام) بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام).

بعد تولي الحجاج ولاية العراق من قبل مروان بن الحكم، جدّ في طلبه سعياً إلى قتله، فأخفى كميل نفسه عن الحجاج فترة من الزمن، إلا أن الحجاج قطع العطاء من قبيلة كميل وقد كانت بأمس الحاجة إليه، مما اضطر كميلاً لتسليم نفسه إلى الحجاج وقال: «أنا شيخ كبير قد نفد عمري، لا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم» فضرب الحجاج عنقه، ودفن في ظهر الكوفة في منطقة تدعى الثوية، وكان ذلك في عام ٨٢ هـ.

أقوال العلماء فيه :

قال الذهبي: «كان شريفاً مطاعاً ثقة عابداً».

قال صاحب مراقد المعارف: «كان كميل رضوان الله عليه عالماً متثبتاً في دينه… وكان عابدا زاهداً لا تفتر شفتاه عن تلاوة القرآن الكريـم وذكر الله العظيم».

وقال السيد الخوئي (قده): «جلالة كميل واختصاصه بأمير المؤمنين من الواضحات التي لـم يدخلها ريب».

* مالك الأشتر ( رضوان الله عليه )

اسمه ونسبه :

هو مالك بن الحارث بن عبد يَغوث بن سَلِمة بن ربيعة .. بن يَعرُب بن قحطان .

ولُقِّب بـ ( الأشتر ) لأن إحدى عينيه شُتِرَت – أي شُقّت – في معركة اليرموك .

ولادته :

لم تذكر لنا المصادر التاريخية تاريخاً محدِّداً لولادته ، ولكن توجد قرائن تاريخية نستطيع من خلالها معرفة ولادته على وجهٍ تقريبيٍّ تخمينيٍّ .

فقد قُدِّرت ولادته بين سنة ( ٢٥-٣٠ ) قبل الهجرة النبوية الشريفة .

مواقفه :

عاصر مالك الأشتر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكنه لم يره ولم يسمع حديثه ، وذكر عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه المؤمن حقاً ، وهذه شهادة تعدل شهادة الدنيا بأسرها .

كما عُدَّ مالك من بين المجاهدين الذين أبلَوا بلاءً حسناً في حروب الردَّة .

كما أنه ذُكر في جملة المحاربين الشُّجعان الذين خاضوا معركة اليرموك ، وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة ( ١٣ هـ ) .

وثمَّة إشارات تدل على أن مالكاً كان قبل اليرموك يشارك في فتوح الشام ، ويدافع عن مبادئ الإسلام وقيمه السامية ، ويدفع عن كيان الإسلام وثغور المسلمين شرور الكفار .

وحين دَبَّ الخلاف والاختلاف بين المسلمين في زمن عثمان ، بسبب مخالفة البعض لتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي الأمين ( صلى الله عليه وآله ) لم يَسَع الأشترَ السكوتُ .

فجاهد في سبيل الله بلسانه عندما رأى عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل قد كُسر ضلعه ، وأُخرج بالضرب من المسجد النبوي .

ونال عمّارُ بن ياسر من العنف والضرب ما ناله ، وهوالصحابي الشهم المخلص المضحي .

ولقي أبوذرّ ما لقي من النفي والتشريد ، وقطع عطائه والتوهين بكرامته ، وهوالذي مُدح مدحاً جليلاً على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ولاؤه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

وفي خلافة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحكومته ، كانت مواقف الأشتر واضحةً جَليَّة المعالم .

فهذا العملاق الشجاع أصبح جُندياً مخلصاً لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فلم يفارق الإمام ( عليه السلام ) قطٌّ ، كما كان من قَبلِ تَسَلُّمِ الإمامِ لخلافَتِهِ الظاهرية .

فلم يَرِد ولم يصدُر إلا عن أمر الإمام علي ( عليه السلام ) حتى جاء المدح الجليل على لسان أمير المؤمنين(عليه السلام ) ، فكان أن كتب ( عليه السلام ) في عهده له إلى أهل مصر ، حين جعله والياً على هذا الإقليم :

أما بعد ، فقد بَعثتُ إليكم عبداً من عباد الله ، لا ينام أيّامَ الخوف ، ولا يَنكُل عن الأعداء ساعاتِ الرَّوع ، أشدُّ على الفُجار من حريق النار ، وهومالك بن الحارث أخومَذْحِج .

ولهذا القول الشريف مصاديق مشرقة ، فقد كان لمالك الأشتر هذه المواقف والأدوار الفريدة :

أولاً : قيل : أنه أول مَن بايَعَ الإمامَ علياً ( عليه السلام ) على خلافته الحقة ، وطالب المُحجِمين عن البيعة بأن يقدموا ضمانة على أن لا يُحدِثوا فِتَناً ، لكن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أمره بتركهم ورأيَهُم .

ثانياً : زَوَّد أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) بالمقاتلين والإمدادات من المحاربين في معركة الجمل الحاسمة ، مستثمراً زعامته على قبيلة مِذحج خاصة ، والنَّخَع عامة ، فحشَّد منهم قواتٍ مهمة .

فيما وقف على ميمنة الإمام ( عليه السلام ) في تلك المعركة يفديه ويُجندِل الصَّناديد ، ويكثر القتل في أصحاب الفتنة ، والخارجين على طاعة إمام زمانهم .

ثالثاً : وفي مقدمات معركة صفين عمل مالك الأشتر على إنشاء جسر على نهر الفرات ليعبر عليه جيش الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فيقاتل جيش الشِّقاق والانشقاق بقيادة معاوية بن أبي سفيان .

وكان له بَلاء حَسَن يوم السابع من صفر عام ( ٣٧ هـ ) حين أوقع الهزيمة في جيش معاوية .

ولمّا رفع أهل الشام المصاحف ، يخدعون بذلك أهل العراق ، ويستدركون انكسارهم وهلاكهم المحتوم ، انخدع الكثير ، بَيْد أن مالكاً لم ينخدع ولم يتراجع حتى اضطَرَّهُ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الرجوع .

كما اضطُرَّ إلى قبول صحيفة التحكيم – وكان لها رافضاً – خضوعاً إلى رضى إمامه(عليه السلام) .

شعره وأدبه :

لما كان مالك الأشتر صاحب تلك المواقف الشامخة حاول بعضهم أن يهملوا شعره ويطمسوه ، لكنهم لم يفلحوا في إطفاء الشمس .

ومن خصائص شعر مالك أن الغالب عليه غرضُ الحماسة والبطولة ، وهوانعكاس للصراع الخطير والمرحلة التاريخية الحساسة التي كان يمر بها الإسلام .

وقد جادت به قريحته النابضة الحَيَّة فيه ، ولعل الشعر البُطُولِيِّ هوالغالب العام في قصائده ، بما يمتاز به من سلاسة وروعة .

نذكر هذين البيتين كنموذج قالهما لعمروبن العاص في صفين :

يا ليت شعري كيف لي بعمرو ***** ذاك الذي أجبت فيه نذري

ذاك الذي أطلبه بوتري ***** ذلك الذي فيه شفاء صدري

وإلى موهبته الشاعرية الهادفة كان الأشتر ذا قوة خطابيّة فائقة ، مشفوعة بحُجَّةٍ واضحة ، وقدرة نادرة على تقديم البراهين المقنعة والأجوبة المُفحِمة .

وكان من خطبه في أحد أيام صفين قوله :

( الحمد لله الذي جعلَ فينا ابنَ عمِّ نبيِّه ، أقدَمُهُم هجرة ، وأوّلُهم إسلاما ، سيفٌ من سيوف الله صَبَّه على أعدائه ، فانظروا إذا حمِيَ الوَطيسُ ، وثار القَتام ، وتكسَّر المُرَّان ، وجالَت الخيلُ بالأبطال ، فلا أسمع إلا غَمغمةً أوهمهمة ، فاتَّبِعوني وكوني في أثري ) .

شهادته :

وبعد حياة حافلة بالعز والجهاد ، وتاريخ مشرق في نصرة الإسلام والنبوة والإمامة ، يكتب الله تعالى لهذا المؤمن الكبير خاتمةً مشرِّفة ، هي الشهادة على يد أرذل الخَلْق .

فكان لأعداء الله طمع في مصر ، لقربها من الشام ولكثرة خراجها ، ولتمايل أهلها إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) وكراهتهم لأعدائهم .

فبادر معاوية بإرسال الجيوش إليها ، وعلى رأسها عمروبن العاص ، ومعاوية بن حديج ليحتلَّها .

فكان من الخليفة الشرعي الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أن أرسل مالكَ الأشتر ( رضوان الله عليه ) والياً له على مصر .

فاحتال معاوية في قتله ( رضوان الله عليه ) داسّاً إليه سُمّاً بواسطة الجايستار – وهورجل من أهل الخراج – .

وقيل : كان دهقان القُلْزُم ، وكان معاوية قد وعد هذا ألا يأخذ منه الخراج طيلة حياته إن نفذ مهمته الخبيثة تلك .

فسقاه السم وهوفي الطريق إلى مصر ، فقضى مالك الأشتر ( رضوان الله عليه ) شهيداً عام ( ٣٨ هـ ) .

* مسلم المجاشعي ( رضوان الله عليه )

كان يعيش في المدائن أيّام واليها حُذيفة بن اليمان ، وبعد قتل عثمان وبقاء حذيفة والياً عليها بأمر الإمام علي ( عليه السلام ) ، قرأ حذيفة على الناس رسالة الإمام ( عليه السلام ) ، ودعاهم إلى بيعته متحدّثاً عن عظمته .

لمّا بايع الناس أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، طلب مسلم المجاشعي من حذيفة أن يحدّثه بحقيقة ما كان قد جرى ، ففعل فأصبح مسلم من الموالين للإمام ( عليه السلام ) ، ورسخ حبّ الإمام في قلبه حتى قال ( عليه السلام ) فيه يوم الجمل : إنّ الفتى ممّن حشى الله قلبه نوراً وإيماناً .

في المناقب للخوارزمي عن مجزأة السدوسي ـ في ذكر أحداث حرب الجمل ـ : لمّا تقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ؟!

فقال علي : اللهمّ إنّي اُشهدك أنّي قد أعذرت وأنذرت ، فكن لي عليهم من الشاهدين .

ثمّ دعا علي بالدرع ، فأفرغها عليه ، وتقلّد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده ، وقال : يا أيّها الناس ، من يأخذ هذا المصحف فيدعوهؤلاء القوم إلى ما فيه ؟

قال : فوثب غلام من مجاشع يقال له : مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : أنا آخذه يا أمير المؤمنين .

فقال له علي : يا فتى إنّ يدك اليمنى تقطع ، فتأخذه باليسرى فتقطع ، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتى تقتل ؟

فقال الفتى : لا صبر لي على ذلك يا أمير المؤمنين .

قال : فنادى علي ثانية ، والمصحف في يده ، فقام إليه ذلك الفتى وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين .

قال : فأعاد عليه على مقالته الاُولى ، فقال الفتى : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل في ذات الله ، ثمّ أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم .

قال : فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل رحمة الله عليه .

وكانت شهادته ( رضوان الله عليه ) سنة ٣٦ هـ .

* المقداد بن عمرو( رضوان الله عليه )

ولادته ونشأته :

المقداد بن عمروبن ثعلبة ، بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهرائي ، هذا هواسمه الحقيقي ، ولد عام ٢٤ قبل البعثة في حضرموت .

نشأ في ظل أبيه ورعايته ، وحنان أمه وعطفها ، ضمن مجتمع ألِفَ مقارعة السيف ، ومطاعنة الرمح ، فكانت الشجاعة إحدى سجاياه التي اتّصف بها فيما بعد .

سيرته :

حين كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلافٌ ، فما كان من المقداد إلا أن تناوله بسيفه ، فضرب رجله وهرب إلى مكة .

وكان يقول : لأحالفنّ أعزّ أهلها ولم يخنع ولم يضعف ، وعند ذلك حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنّاه ، ومنذ ذلك اليوم صار اسمه ( المقداد بن الأسود ) نسبة لحليفة ، و( الكندي ) نسبةً لحلفاء أبيه ، وقد غلب عليه هذا الاسم ، واشتهر به ، حتى إذا نزلت الآية الكريمة ( إدْعوهم لآبائهم ) ، قيل له : المقداد بن عمرو.

فضله وإيمانه :

وهوأول فارس في الإسلام وكان من الفضلاء ، النجباء ، الكبار ، الخيار ، من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) سريع الإجابة إذا دُعي إلى الجهاد . شهد المشاهد كلها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق ، عالي الهمّة ، طويل الأناة ، طيّب القلب صبوراً على الشدائد ، يحسن إلى ألدّ أعدائه طمعاً في استخلاصه نحوالخير ،صلب الإرادة ، ثابت اليقين ،لا يزعزعه شيء ، ويكفي في ذلك ما ورد في الأثر :(ما بقي أحد إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد ) .

وذكر ابن مسعود أن أوّل من أظهر إسلامه سبعة ، وعدَّ المقداد واحداً منهم وكان من الفضلاء النجباء ، إلا إنه كان يكتم إسلامه عن سيّده الأسود بن عبد يغوث خوفاً منه على دمه ، شأنه في ذلك شأن بقيّة المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش .

موقفه من أصحاب الشورى :

كان الناس على فريقين بخصوص أصحاب الشورى الستة الذي عيّنه عمر ، ففريق يريدها لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهوالفريق المتمثل ببني هاشم وشيعة علي أمثال عمار بن ياسر، والمقداد بن عمرو، وفريق يريدها لعثمان بن عفان ، وهوالمتمثل بابن سرح ، وابن المغيرة وبقيّة بني أميّة وأتباعهم .

وتعالت الأصوات كلٌ ينادي باسم صاحبه ، فأقبل المقداد على الناس وقال : أيها الناس اسمعوا ما أقول : أنا المقداد بن عمرو، إنّكم إن بايعتم علياً سمعنا وأطعنا ، وإن بايعتم عثماناً سمعنا وعصينا !

فقام عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وقال : أيها الناس ، إنكم إن بايعتم عثماناً سمعنا وأطعنا ، وإن بايعتم علياً سمعنا وعصينا !

فانتفض المقداد ورد عليه قائلاً : ( يا عدوالله ، وعدورسوله ، وعدوكتابه ، متى كان مثلك يسمع له الصالحون ) .

ولما بويع لعثمان بالخلافة ، عبّر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن عدم رضاه لهذه النتيجة، لكنّه سلّم بالأمر الواقع ، قائلاً : ( لأسلمن ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة ) .

وقال المقداد : تالله ما رأيت مثل ما أُوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم ، واعجباً لقريش ! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ، ولا أعلم ، ولا أتقى منه ، أما والله لوأجد أعواناً... الخ .

فالتفت الإمام علي ( عليه السلام ) نحوالمقداد ، وقال مسلّياً ومهدّئاً : إني لأعلم ما في أنفسهم ، إن الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شأنها فتقول : إن ولي الأمر بنوهاشم لم يخرج منهم أبداً ، وما كان في غيرهم فهومتداول في بطون قريش .

وفاته :

وكانت وفاته في سنة ٣٣ للهجرة ، بعد أن شهد فتح مصر ، وقد بلغ من العمر سبعين عاماً ودفن في مقبرة البقيع .

* هاشم المرقال(رضوان الله عليه)

نسبه:

هو هاشم بن عُتْبة بن أبي وقّاص ( مالك ) بن أُهَيب بن عبدمَناف بن زهرة... بن نِزار بن معدّ بن عدنان.

كان يُكنّى « أبا عَمرو» و« أبا عُتبة »، ويُعرَف بـ « المِرْقال »؛ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له: أرقِلْ يا ميمون. أولأنّه كان يُرقِل في الحرب، أي يُسرع، من الإرقال وهوضَربٌ من العَدْو.

ولادته:

لعلّ الذي يُستقرَب في ولادة هاشم المِرقال أنّ ولادته كانت سابقة على سنة ١٥ قبل الهجرة، كأن تكون متراوحة بين ٢٥ ـ ٣٠ قبل الهجرة النبوية.

إيمانه وولاؤه:

رغم أنّ أباه كان من أشدّ الناس على النبيّ صلّى الله عليه وآله.. فقد كان هاشم المرقال من خيار الصحابة الذين وفَوا لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله، وثبتوا على القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.. قال الإمام الصادق عليه السّلام: كان مع أمير المؤمنين عليه السّلام من قريش خمسة نفر، وكانت ثلاث عشرة قبيلة مع معاوية؛ فأمّا الخمسة: فمحمّد بن أبي بكر.. أتته النَّجابة من قِبَل أُمّه أسماء بنت عُمَيس، وكان معه هاشم بن عُتبة بن أبي وقّاص المرقال....

إنّه إذن أحد خمسة مؤمنين مقابل ثلاث عشرة قبيلة منحرفة، وهوأحد المناصرين المؤازرين للإمام عليّ عليه السّلام في محنه، ثمّ كان صاحبَ الراية العظمى لمولاه في صِفّين، وكان في الميسرة يوم الجمَل. ولا يخفى على البصير أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لا يعطي الراية ـ خصوصاً العظمى ـ إلاّ لمتمحِّضٍ في الإيمان.

وقد عُدّ المرقال من وجوه الصحابة الذين رَوَوا أنّ عليّاً عليه السّلام هوأوّل مَن أسلم. ثمّ كان من دلائل ولائه وثبات عقيدته إدلاؤه بالشهادة الحقّة لأمير المؤمنين عليه السّلام بالكوفة يوم الرُّكبان، وشهد له بأنّه وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وخليفته من بعده، وكان فيمن رَوَوا حديث الغدير واقعةً ونصوصاً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ويوم اجتمع جماعة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله أيّام عثمان وذكروا فضل قريش وسوابقها، وفضل الأنصار ونصرتهم.. تكلّم أمير المؤمنين عليه السّلام وناشدهم بمناقبه من: المؤاخاة، وسدّ الأبواب غير بابه، ويوم الغدير، وحديث المنزلة، والمباهلة، وفتح خيبر، ونزول آيات شريفة فيه وفي زوجته الطاهرة وابنَيه، وأن رسول الله صلّى الله عليه وآله ذكره أنّه أوّل الأوصياء، وعدّدهم واحداً بعد واحد، ووصفهم بأنّهم شهداء الله في أرضه، وحُجَجه على خلقه، وخُزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله.

في كلّ تلك المناشدة كان هاشم المرقال حاضراً، وكان يشهد للإمام عليّ عليه السّلام ويصدّقه، ويُدلي أنّه سمع ـ فيمن سمعوا ـ ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله أوممّن حدّثه عنه.

شجاعته وبطولاته:

كان هاشم المرقال من المحاربين القدماء ذوي التجارب والخبرات الحربيّة الطويلة، حتّى أصبح من كبار القادة وأصحاب الخطط الحربيّة. وخلال حروب الشام.. أثبت المرقال قدرته القتاليّة، وكذا حين كان يقود فرقة من فرق الفرسان في اليرموك وقد ذهبت إحدى عينيه. وكان شارك في فتوح العراق، وشُهِد له في القادسيّة بأدواره الفاعلة الحاسمة، وكذا في فتحه جُلولاء ومسيره إلى حُلوان فاتحاً لها كذلك في أذربيجان، ثمّ كانت صِفّين حيث ضُرب به المثل فيها بشجاعته وتضحيته وإقدامه.

وحسبُنا في التعرّف على شجاعة المرقال أن نقرأ لأمير المؤمنين عليه السّلام قولَه فيه: أمَا واللهِ لوأنه ( أي المرقال ) وَلِيَها ( أي وليَ مصر ) ما خلّى لعمروبن العاص وأعوانه الفَجَرة العَرْصةَ، ولمَا قُتل إلاّ وسيفه في يده. ثمّ حسبنا إقرار معاوية بشجاعة المرقال، إذ لمّا تعاظمت عليه الأمور في صفيّن دعا قادته وأصحابه قائلاً: إنّه قد غمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان، والأشتر في قومه، والمِرقال، وعَدِي بن حاتم، وقيس بن سعد بن عُبادة في الأنصار.

وكان عمروبن العاص ـ وهووزير معاوية ومستشاره ـ يخاف صولة هاشم المرقال أشدَّ الخوف، ويهاب حماسته العَلَويّة، فما أن رأى الراية العظمى بيده حتّى قال لسيّده معاوية: ويحك! إنّ اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يُرقِل به إرقالاً، وإنّه إن زَحفَ إنّه لَليوم الأطول لأهل الشام!

ويتقدّم هاشم بالراية في صولات فيركزها، فإذا تتامّت إليه الصفوف تقدّم مرّة أخرى فركزها.. فلمّا رأى ابن العاص ذلك قال: إنّي لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً، لئن دام على هذا لَتَفْنينّ العرب اليوم!

وهذا يفسّر لنا سرّ الفرح الذي غمر النفوس المريضة لمعاوية وأتباعه حين استُشهد المرقال، حتّى قال معاوية مخفّفاً عن أهل الشام مرارة الهزيمة: أبشِروا؛ فإنّ الله قد قتل من القوم ثلاثة: قتل عمّارَ بن ياسر وهوكان فتاهم، وقتل هاشماً وكان حمزتهم، وقتل ابن بُدَيل وهوفاعل الأفاعيل.

وأمّا ما قيل في شجاعة المرقال فمتسالَم عليه أنّه المتقدّم في الصفوف، ذوالبأس والتضحية، لم يتزلزل في مواقفه:

فحين أراد أبوعبيدة بن الجرّاح أن يختاره على الرجّالة في وقعة اليرموك، قال: أُوَلِّيها إن شاء الله مَن لا يُخاف نكولُه ولا صدوده عند البأس، أُولّيها هاشمَ بن عتبة بن أبي وقّاص.

وقد سألت عائشة عمّن قُتل من الناس، فقيل لها فيما قيل: هاشم بن عتبة، فقالت: ذاك رجل ما كادت أن تزلّ دابّته.

وفي ذكره وذكر عمّار بن ياسر وعبدالله بن بُدَيل.. قال الخوارزميّ: كانوا فرسان العراق، ومَرَدة الحرب، ورجال المعارك وحُتوف الأقران، وأمراء الأجناد.. وقد فعلوا بأهل الشام ما بقي ذكره على ممرّ الأحقاب.

وقال ابن عبدالبَرّ فيه: كان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البُهْم. فُقئت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسيّة وأبلى فيها بلاءً حسناً، وقام منه في ذلك ما لم يَقُم من أحد، وكان سببَ الفتح على المسلمين.

وقال ابن الأثير: كان من الشجعان الأبطال، والفضلاء الأخيار.

وذكر الذهبيّ أنّه: كان موصوفاً بالشجاعة والإقدام.

وكتب ابن قُتيبة: كان مع عليّ عليه السّلام يوم صِفّين، وكان من أشجع الناس.

ولم يكن هاشم المرقال شجاعاً فحسب، بل كان مخطِّطاً حربيّاً ومنظِّراً عسكريّاً ذا خبرات عالية، اكتسبها تلقيناً أوتجربةً.. فكان يتّخذ القرار المناسب في الموقف المناسب والمكان المناسب.

المرقال شاعراً:

لقد كان هاشم المرقال من شعراء الحروب والفتوح الإسلاميّة، يحمل هموم الجهاد ويهمّه محاكاة الوقائع الحربيّة أكثر من اعتنائه بتصوير موقف آخر. ثمّ هوشاعر رساليّ هادف، يحمل عقيدةً يدافع عنها ببدنه وقلبه ولسانه. وقد ظهر ذلك منه واضحاً في عهد خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فصوّر في تلك الفترة ما يتعلّق بالأحداث الخطيرة من تاريخ الإسلام والمسلمين.

وقد تصدّر موضوعا: الولاية والبراءة، معظمَ أغراضه الشعرية، وهما المحوران اللذان شَغَلا مساحة واسعة من الفكر الإسلاميّ، فتغنّى بمناقب أمير المؤمنين عليه السّلام وأمجاده، وانتقد أعداء البيت النبويّ الشريف. وكان من أشعاره القائلة بالولاية:

معَ ابن عمّ أحمدَ المُعلّى ***** فيه الرسولُ بالهدى استهلاّ

أوّلُ مَن صدّقه وصلّى ***** فجاهدَ الكفّارَ حتّى أبلى

وممّا قاله في الحماسة والشجاعة:

لا تَجزعي يا نفسُ صَبراً صَبرا ***** ضرباً إذا شئتِ وطعناً شَزْرا

وقوله في يقينه بسلامة عقيدته وصحّة إقدامه:

فإنّ المجدَ للأبطالِ *****  إن صَرَعوا وإن صُرِعوا

ولا يفوتنا أن نشير إلى ضياع قسم من شعر المرقال فيما ضاع من الشعر.

المرقال خطيباً:

إلى جملة ملَكاته.. يتمتّع المرقال بأدب خطابيّ رفيع، وخلُق إقناعيّ باهر، حتّى أنّ الزركليّ قدّم خطابته على فروسيّته، فقال: صحابيّ، خطيب، من الفرسان. وحَسْبنا دليلاً على براعته الخطابيّة خطبته التي قالها حين أراد أميرُ المؤمنين عليه السّلام المسير إلى أهل الشام، فاستشار عليه السّلام مَن كان معه.. فقام إليه هاشم المرقال، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعدُ يا أمير المؤمنين، فأنا بالقوم جِدُّ خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حَرثَ الدنيا أولياء، وهم مُقاتلوك ومُجادلوك لا يُبقون جهداً، مشاحّةً على الدنيا، وضَنّاً بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلاّ ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم عثمان بن عفان.

كذِبوا.. ليسوا بدمه يثأرون، ولكنّ الدنيا يطلبون.

فسِرْ بنا إليهم، فإن أجابوا إلى الحقّ.. فليس بعد الحقّ إلاّ الضَّلال، وإن أبَوا إلاّ الشِّقاق.. فذلك الظنّ بهم. واللهِ ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممّن يُطاع إذا نهى، ويُسمَع إذا أمر.

شهادته:

بعد تاريخ مشرق تليد وضّاء، وبعد هَشْمٍ لأنوف الظلمة والطُّغاة، وبعد بلاء حسَن في حروب شتّى.. يُستشهَد المرقال هاشم بن عتبة.

وكان قد ثبت في أهل الحفاظ والنجدة، ومزّق صفوف الجيش الأُمويّ في ساحة صفّين.. وعلى حين غفلة يحمل عليه الحارث بن المنذر التَّنوخيّ فيطعنه طعنةً تبلغ جوفَه. لكنّه رضوان الله عليه لم يكفّ عن القتال، فقد حمل جراحاته وتقدّم، وقُطعت رِجله فجعل يقاتل مَن دنا منه وهوباركٌ على الأرض

، وقُتل هاشم بن عتبة المرقال وقد أثّر فقدانه في أهل العراق أشدّ التأثير، وقبلهم أحزنَ أميرَ المؤمنين عليّاً عليه السّلام حزناً شديد، فوقف عليه مفجوعاً، فدعا له وترحمّ عليه ورثاه وأصحابَه الشهداء، وكان عمّار بن ياسر قد استُشهد أيضاً في المعركة، فقال عليه السّلام:

جزى اللهُ خيراً عُصبةً أسلميّةً ***** صِباحَ الوجوهِ صُرِّعُوا حولَ هاشمِ

إذا اختلَفَ الأبطالُ واشتبكَ القَنا ***** وكان حديثُ القومِ ضربَ الجَماجِمِ

وبكى عليه السّلام على المرقال وعلى عمّار، ودفنهما بثيابهما ولم يغسِّلهما إذ هما شهيدان، وجعل عمّاراً ممّا يلي المرقال وهاشماً أمام ذلك مما يلي القبلة، وصلّى عليهما.

وقد بلغ هاشم المرقال رحمه الله أُمنيّته التي أنشدها بيتاً: يا ليتَ ما تحتي يكونُ قبرا!

يتبع ......

****************************