وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                

Search form

نـهج البـــــــــلاغـة
إرسال الی صدیق
٣ - و من خطبة له (ع) و هي المعروفة بالشقشقية و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له!

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا[١] فُلَانٌ [ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ] وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ[٢] دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً[٣] وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ[٤] أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ[٥] يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ‏.

ترجيح الصبر

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى[٦] فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا[٧] أَرَى تُرَاثِي[٨] نَهْباً حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا[٩] إِلَى فُلَانٍ [ابْنِ الْخَطَّابِ‏] بَعْدَهُ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى‏:

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا[١٠]

 

وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

 

فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا[١١] فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا[١٢] فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا[١٣] وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ[١٤] فِيهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ[١٥] إِنْ أَشْنَقَ[١٦] لَهَا خَرَمَ[١٧]  وَ إِنْ أَسْلَسَ[١٨] لَهَا تَقَحَّمَ[١٩] فَمُنِيَ[٢٠] النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ[٢١] وَ شِمَاسٍ[٢٢] وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ[٢٣] فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي [سِتَّةٍ] جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى[٢٤] مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ[٢٥] لَكِنِّي أَسْفَفْتُ[٢٦] إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا[٢٧] رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ[٢٨] وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ[٢٩] إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ[٣٠] بَيْنَ نَثِيلِهِ[٣١]  وَ مُعْتَلَفِهِ[٣٢] وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ[٣٣] مَالَ اللَّهِ- [خَضْمَ‏] خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ[٣٤] إِلَى أَنِ انْتَكَثَ[٣٥] عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ[٣٦] عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ[٣٧] بِهِ بِطْنَتُهُ‏[٣٨]

مبايعة علي‏

فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَ النَّاسُ [إِلَيَ‏] كَعُرْفِ الضَّبُعِ[٣٩] إِلَيَّ يَنْثَالُونَ[٤٠] عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ[٤١] مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ[٤٢] فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ[٤٣] وَ مَرَقَتْ أُخْرَى[٤٤] وَ [فَسَقَ‏] قَسَطَ آخَرُونَ[٤٥] كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ [حَيْثُ‏] يَقُولُ- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ‏ حَلِيَتِ الدُّنْيَا[٤٦] فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا[٤٧] أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ[٤٨] لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ[٤٩] وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ[٥٠] وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا[٥١] عَلَى كِظَّةِ[٥٢] ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ[٥٣] مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا[٥٤] وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ[٥٥] قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ[٥٦] عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الْإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ- [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ‏] [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ‏] قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ [مَقَالَتُكَ‏] خُطْبَتُكَ[٥٧] مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ[٥٨] فَقَالَ هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ[٥٩] هَدَرَتْ[٦٠] ثُمَّ قَرَّتْ[٦١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلَامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أَلَّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ.

قال الشريف رضي اللّه عنه قوله (عليه السلام) كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحم يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام و هي تنازعه رأسها خرم أنفها و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه و شنقها أيضا ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق و إنما قال (ع) أشنق لها و لم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنه (ع) قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام‏.

_____________________________
[١] . تَقَمّصَها: لبسها كالقميص.
[٢] . سَدَلَ الثوبَ‏: أرخاه.
[٣] . طَوَى عنها كشحاً: مال عنها.
[٤] . الجَذّاءُ: بالجيم و الذال المعجمة:المقطوعة.
[٥] . طَخْيَةبطاء فخاء بعدها ياء، و يثلّث أوّلها: ظلمة.
[٦] . أحجى‏: ألزم، من حجي به كرضي: أولع به و لزمه.
[٧] . الشّجَا: ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه.
[٨] . التراث‏: الميراث.
[٩] . أدْلَى بها: ألقى بها.
[١٠] . الكُور، بالضم: الرّحل أو هو مع أداته.
[١١] . يَسْتَقيِلها: يطلب إعفاءه منها.
[١٢] . تَشَطّرَا ضَرْعَيْها: اقتسماه فأخذ كل منهما شطرا. و الضرع للناقة كالثدي للمرأة.
[١٣] . كَلْمُها: جرحها، كأنه يقول:خشونتها تجرح جرحا غليظا.
[١٤] . العثار: السقوط و الكبوة.
[١٥] . الصّعْبة من الإبل‏: ما ليست بذلول.
[١٦] . أشْنَقَ البعير و شنقه‏: كفه بزمامه حتى ألصق ذفراه (العظم الناتى‏ء خلف الأذن) بقادمة الرحل.
[١٧] . خَرَمَ‏: قطع.
[١٨] . أسْلَسَ‏: أرخى.
[١٩] . تَقَحّمَ‏: رمى بنفسه في القحمة أي الهلكة.
[٢٠] . مُنَي الناسُ‏: ابتلوا و أصيبوا.
[٢١] . خَبْط: سير على غير هدى.
[٢٢] . الشّماس‏:- بالكسر- إباء ظهر الفرس عن الركوب.
[٢٣] . الاعتراض‏: السير على غير خط مستقيم، كأنه يسير عرضا في حال سيره طولا.
[٢٤] . أصل الشّورى‏: الاستشارة. و في ذكرها هنا إشارة إلى الستة الذين عيّنهم عمر ليختاروا أحدهم للخلافة.
[٢٥] . النّظائر: جمع نظير أي المشابه بعضهم بعضا دونه.
[٢٦] . أسَفّ الطائر: دنا من الأرض.
[٢٧] . صَغَى صَغْياً و صَغَا صَغْواً: مال.
[٢٨] . الضّغْنُ‏: الضّغية و الحقد.
[٢٩] . مع هَنٍ وَهَنٍ‏: أي أغراض أخرى أكره ذكرها.
[٣٠] . نافجاً حِضْنَيْه‏: رافعا لهما، و الحضن: ما بين الإبط و الكشح. يقال للمتكبر: جاء نافجا حضنيه.
[٣١] . النّثيلُ‏: الرّوث و قذر الدوابّ.
[٣٢] . المُعْتَلَفُ‏: موضع العلف.
[٣٣] . الخَضْم‏: أكل الشي‏ء الرّطب، و الخضمة بكسر الخاء مصدر هيئة.
[٣٤] . النّبْتَة: بكسر النون- كالنبات في معناه.
[٣٥] . انْتَكَثَ عليه فَتْلُهُ‏: انتقض.
[٣٦] . أجهزَ عليه عملُه‏: تمّم قتله.
[٣٧] . كَبَتْ به‏: من كبا به الجواد:إذا سقوط لوجهه.
[٣٨] . البِطْنَةُ:- بالكسر- البطر و الأشر و التّخمة.
[٣٩] . عُرْفُ الضّبُع‏: ما كثر على عنقها من الشعر، و هو ثخين يضرب به المثل في الكثرة و الازدحام.
[٤٠] . يَنْثَالون‏: يتتابعون مزدحمين.
[٤١] . شُقّ عطفاه‏: خدش جانباه من الاصطكاك.
[٤٢] . رَبيضَةُ الغنم‏: الطائفة الرابضة من الغنم.
[٤٣] . نَكَثَتْ طائفة: نقضت عهدها، و أراد بتلك الطائفة الناكثة أصحاب الجمل و طلحة و الزبير خاصة.
[٤٤] . مَرَقَتْ‏: خرجت: و في المعنى الديني: فسقت، و أراد بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النّهروان.
[٤٥] . قَسَطَ آخرون‏: جاروا، و أراد بالجائرين أصحاب صفين.
[٤٦] . حَليَت الدنيا: من حليت المرأة إذا تزيّنت بحليّها.
[٤٧] . الزِبْرِجُ‏: الزينة من وشي أو جوهر.
[٤٨] . النَسَمَة:- محركة- الروح و هي في البشر أرجح، و برأها: خلقها.
[٤٩] . أراد «بالحاضر» هنا: من حضر لبيعته، فحضوره يلزمه بالبيعة.
[٥٠] . أراد «بالناصر» هنا: الجيش الذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة.
[٥١] . ألّا يُقَارّوا: ألّا يوافقوا مقرّين.
[٥٢] . الكِظّةُ: ما يعتري الآكل من الثّقل و الكرب عند امتلاء البطن بالطعام، و المراد استئثار الظالم بالحقوق.
[٥٣] . السّغَب‏: شدة الجوع، و المراد منه هضم حقوقه.
[٥٤] . الغارب‏: الكاهل، و الكلام تمثيل للترك و إرسال الأمر.
[٥٥] . عَفْطَة العَنْز: ما تنثره من أنفها. و أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة و إن كان الأشهر في الاستعمال «النّفطة» بالنون.
[٥٦] . السّوَاد: العراق، و سمّي سوادا لخضرته بالزرع و الأشجار، و العرب تسمي الأخضر أسود.
[٥٧] . اطّرَدَتْ خطبتُكَ‏: أتبعت بخطبة أخرى، من اطّراد النهر إذا تتابع جريه.
[٥٨] . أفْضَيْتَ‏: أصل أفضى: خرج إلى الفضاء، و المراد هنا سكوت الإمام عما كان يريد قوله.
[٥٩] . الشّقْشِقَةُ: بكسر فسكون فكسر: شي‏ء كالرّئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج.
[٦٠] . هَدَرَتْ‏: أطلقت صوتا كصوت البعير عند إخراج الشّقشقة من فيه. و نسبة الهدير إليها نسبة إلى الآلة.
[٦١] . قَرّتْ‏: سكنت و هدأت.
****************************