و من خطبة له (ع) و قد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا. و فيها يذكر فضل الجهاد، و يستنهض الناس، و يذكر علمه بالحرب، و يلقي عليهم التبعة لعدم طاعته
فضل الجهاد
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَ هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَ دِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَ جُنَّتُهُ[١] الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ[٢] أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَ شَمِلَهُ الْبَلَاءُ وَ دُيِّثَ[٣] بِالصَّغَارِ وَ الْقَمَاءَةِ[٤] وَ ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ[٥] وَ أُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ[٦] بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَ سِيمَ الْخَسْفَ[٧] وَ مُنِعَ النَّصَفَ[٨].
استنهاض الناس
أَلَا وَ إِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَ نَهَاراً وَ سِرّاً وَ إِعْلَاناً وَ قُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ[٩] إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ[١٠] وَ تَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ[١١] وَ مُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ- [فَهَذَا] وَ هَذَا أَخُو غَامِدٍ [وَ] قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ[١٢] وَ قَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَ أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا[١٣] وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ[١٤] فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا[١٥] وَ قُلُبَهَا[١٦] وَ قَلَائِدَهَا وَ رُعُثَهَا[١٧] مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالاسْتِرْجَاعِ وَ الِاسْتِرْحَامِ[١٨] ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ[١٩] مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ[٢٠] وَ لَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَ اللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَ يَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَ تَرَحاً[٢١] حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً[٢٢] يُرْمَى يُغَارُ ٧٥ عَلَيْكُمْ وَ لَا تُغِيرُونَ وَ تُغْزَوْنَ وَ لَا تَغْزُونَ وَ يُعْصَى اللَّهُ وَ تَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ[٢٣] أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ[٢٤] وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ[٢٥] أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.
البرم بالناس
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَ لَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ[٢٦] لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَ اللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَ أَعْقَبَتْ سَدَماً[٢٧] قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً[٢٨] وَ شَحَنْتُمْ[٢٩] صَدْرِي غَيْظاً وَ جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ[٣٠] التَّهْمَامِ[٣١] أَنْفَاساً[٣٢] وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَ الْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَ هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً[٣٣] وَ أَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَ هَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ[٣٤] وَ لَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاع.