معنى جور الزمان
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ[١] وَ زَمَنٍ [شَدِيدٍ] كَنُودٍ[٢] يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَ يَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لَا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَ لَا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَ لَا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً[٣] حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.
أصناف المسيئين
وَ النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَ كَلَالَةُ حَدِّهِ[٤] وَ نَضِيضُ وَفْرِهِ[٥] وَ مِنْهُمْ الْمُصْلِتُ [بِسَيْفِهِ] لِسَيْفِهِ وَ الْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ وَ الْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ[٦] وَ رَجِلِهِ[٧] قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ[٨] وَ أَوْبَقَ دِينَهُ[٩] لِحُطَامٍ[١٠] يَنْتَهِزُهُ[١١] أَوْ مِقْنَبٍ[١٢] يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ[١٣] وَ لَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَ مِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً وَ مِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَ لَا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ[١٤] مِنْ شَخْصِهِ وَ قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَ شَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَ زَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَ اتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً[١٥] إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ[١٦] وَ انْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَ تَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ[١٧] وَ لَا مَغْدًى[١٨].
الراغبون في اللّه
وَ بَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ[١٩] وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ[٢٠] وَ سَاكِتٍ مَكْعُومٍ[٢١] وَ دَاعٍ مُخْلِصٍ وَ ثَكْلَانَ[٢٢] مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ[٢٣] التَّقِيَّةُ[٢٤] وَ شَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ[٢٥] أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ[٢٦] وَ قُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ[٢٧] قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا[٢٨] وَ قُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَ قُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.
التزهيد في الدنيا
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ[٢٩] الْقَرَظِ[٣٠] وَ قُرَاضَةِ الْجَلَمِ[٣١] وَ اتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَ ارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ[٣٢]
[قال الشريف رضي الله عنه أقول و هذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية و هي من كلام أمير المؤمنين (ع) الذي لا يشك فيه و أين الذهب من الرغام[٣٣] و أين العذب من الأجاج و قد دل على ذلك الدليل الخريت[٣٤] و نقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان و التبيين و ذكر من نسبها إلى معاوية ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها جملته أنه قال و هذا الكلام بكلام علي (ع) ١٧٦ أشبه و بمذهبه في تصنيف الناس و في الإخبار عما هم عليه من القهر و الإذلال و من التقية و الخوف أليق قال و متى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد و مذاهب العباد].