التزهيد في الدنيا
أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَ آذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ وَ تَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا[١] وَ أَدْبَرَتْ حَذَّاءَ[٢] فَهِيَ تَحْفِزُ[٣] بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا وَ تَحْدُو[٤] بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا وَ قَدْ أَمَرَّ[٥] فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً[٦] وَ كَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الْإِدَاوَةِ[٧] أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ[٨] لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ[٩] لَمْ يَنْقَعْ[١٠] فَأَزْمِعُوا[١١] عِبَادَ اللَّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ[١٢] عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ وَ لَا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ وَ لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ
ثواب الزهاد
فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ[١٣] وَ دَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ[١٤] وَ جَأَرْتُمْ جُؤَارَ[١٥] مُتَبَتِّلِي[١٦] الرُّهْبَانِ وَ خَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَ حَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلًا فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ.
نعم الله
وَ [بِاللَّهِ] تَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً[١٧] وَ سَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ وَ لَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وَ هُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَان.