و من خطبة له (ع) تعرف بخطبة الأشباح[١] و هي من جلائل خطبه (ع)
رَوَى مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع) أَنَّهُ قَالَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا رَبَّنَا مِثْلَ مَا نَرَاهُ عِيَاناً لِنَزْدَادَ لَهُ حُبّاً وَ بِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ وَ نَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (ص) ثُمَّ قَالَ
وصف اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَ الْجُمُودُ[٢] وَ لَا يُكْدِيهِ[٣] الْإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَ كُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ وَ هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَ عَوَائِدِ الْمَزِيدِ وَ الْقِسَمِ عِيَالُهُ الْخَلَائِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَ نَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ وَ الطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ وَ لَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَ الْآخِرُ الَّذِي [لَمْ يَكُنْ] لَيْسَ لهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ وَ الرَّادِعُ أَنَاسِيَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ[٤] مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ وَ لَا كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ[٥] عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ وَ ضَحِكَتْ[٦] عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ اللُّجَيْنِ وَ الْعِقْيَانِ[٧] وَ نُثَارَةِ الدُّرِّ[٨] وَ حَصِيدِ الْمَرْجَانِ[٩] مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي جُودِهِ وَ لَا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ وَ لَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ- مَا لَا تُنْفِدُهُ[١٠] مَطَالِبُ الْأَنَامِ لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَغِيضُهُ[١١] سُؤَالُ السَّائِلِينَ وَ لَا [يُبَخِّلُهُ] يُبْخِلُهُ[١٢] إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ.
صفاته تعالى في القرآن
فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ[١٣] وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَ مَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ وَ لَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ (ص) وَ أَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ[١٤] عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ[١٥] الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَ سَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ وَ لَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ[١٦] لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ[١٧] قُدْرَتِهِ وَ حَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ[١٨] مِنْ [خَطْرِ] خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ وَ تَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ[١٩] لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ وَ غَمَضَتْ[٢٠] مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِي حَيْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ رَدَعَهَا[٢١] وَ هِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ[٢٢] سُدَفِ[٢٣] الْغُيُوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ- فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ[٢٤] مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ[٢٥] كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ وَ لَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِي الرَّوِيَّاتِ[٢٦] خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلَالِ عِزَّتِه الَّذِي ابْتَدَعَ الْخَلْقَ[٢٧] عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ[٢٨] وَ لَا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَيْهِ[٢٩] مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ وَ أَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ وَ اعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ[٣٠] قُوَّتِهِ مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ وَ أَعْلَامُ حِكْمَتِهِ فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ وَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ وَ تَلَاحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ[٣١] الْمُحْتَجِبَةِ[٣٢] لِتَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ وَ لَمْ يُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لَا نِدَّ لَكَ وَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِينَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ إِذْ يَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ[٣٣] إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَ نَحَلُوكَ حِلْيَةَ[٣٤] الْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ وَ جَزَّءُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ وَ قَدَّرُوكَ[٣٥] عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوَى بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَ الْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ وَ نَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ وَ إِنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ فَتَكُونَ فِي مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً[٣٦] وَ لَا فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً.[٣٧]
و منها-
قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ وَ لَمْ يَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ وَ لَمْ يَسْتَصْعِبْ[٣٨] إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ فَكَيْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ بِلَا رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا وَ لَا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ[٣٩] أَضْمَرَ عَلَيْهَا وَ لَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا[٤٠] مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ وَ لَا شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَ أَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِئِ[٤١] وَ لَا أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ[٤٢] فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا[٤٣] وَ نَهَجَ[٤٤] حُدُودَهَا وَ لَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا[٤٥] وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ وَ الْغَرَائِزِ[٤٦] وَ الْهَيْئَاتِ بَدَايَا[٤٧] خَلَائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا وَ فَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا.
و منها في صفة السماء
وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا[٤٨] وَ لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا[٤٩] وَ وَشَّجَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ أَزْوَاجِهَا[٥٠] وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ[٥١] بِأَمْرِهِ وَ الصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ[٥٢] مِعْرَاجِهَا وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا[٥٣] وَ فَتَقَ بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ[٥٤] أَبْوَابِهَا وَ أَقَامَ رَصَداً[٥٥] مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ[٥٦] عَلَى نِقَابِهَا[٥٧] وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ[٥٨] فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ[٥٩] وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً[٦٠] لِنَهَارِهَا وَ قَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً[٦١] مِنْ لَيْلِهَا وَ أَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ[٦٢] مَجْرَاهُمَا وَ قَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ بِهِمَا وَ لِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَ الْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا[٦٣] وَ نَاطَ[٦٤] بِهَا زِينَتَهَا مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا[٦٥] وَ مَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا وَ رَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا وَ أَجْرَاهَا عَلَى أَذْلَالِ[٦٦] تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَ مَسِيرِ سَائِرِهَا وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا.
و منها في صفة الملائكة
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ وَ عِمَارَةِ الصَّفِيحِ[٦٧] الْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَ مَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَ حَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا[٦٨] وَ بَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ[٦٩] الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ[٧٠] الْقُدُسِ[٧١] وَ سُتُرَاتِ الْحُجُبِ[٧٢] سُرَادِقَاتِ[٧٣] الْمَجْدِ وَ وَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ[٧٤] الَّذِي تَسْتَكُّ[٧٥] مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ[٧٦] نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسِئَةً[٧٧] عَلَى حُدُودِهَا. وَ أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ- أُولِي أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ وَ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ- بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ وَ حَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ وَ أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ[٧٨] السَّكِينَةِ وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا[٧٩] إِلَى تَمَاجِيدِهِ وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً[٨٠] وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَامِ[٨١] تَوْحِيدِهِ لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ[٨٢] وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ[٨٣] عُقَبُ[٨٤] اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ لَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا[٨٥] عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ وَ لَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ[٨٦] يَقِينِهِمْ وَ لَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ[٨٧] فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ لَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ[٨٨] مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ وَ مَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَ هَيْبَةِ جَلَالَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ وَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ[٨٩] بِرَيْنِهَا[٩٠] عَلَى فِكْرِهِمْ وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ[٩١] وَ فِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ وَ فِي قَتْرَةِ[٩٢] الظَّلَامِ الْأَيْهَمِ[٩٣] وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَى فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ[٩٤] الْهَوَاءِ وَ تَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ[٩٥] تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ[٩٦] أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ وَ [وَصَّلَتْ] وَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ وَ قَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ[٩٧] إِلَيْهِ وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ مَعْرِفَتِهِ وَ شَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ[٩٨] مِنْ مَحَبَّتِهِ وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ [سُوَيْدَاوَاتِ] سُوَيْدَاءِ[٩٩] قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ[١٠٠] خِيفَتِهِ فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ وَ لَمْ يُنْفِدْ[١٠١] طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ وَ لَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ[١٠٢] خُشُوعِهِمْ وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ وَ لَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ[١٠٣] الْإِجْلَالِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ[١٠٤] وَ لَمْ تَغِضْ[١٠٥] رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ[١٠٦] أَلْسِنَتِهِمْ وَ لَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ[١٠٧] إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ[١٠٨] الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَ لَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ. وَ لَا تَعْدُو[١٠٩] عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلَادَةُ الْغَفَلَاتِ وَ لَا تَنْتَضِلُ فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ قَدِ[١١٠] اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ[١١١] وَ يَمَّمُوهُ[١١٢] عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ لَا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ وَ لَا يَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ[١١٣] بِلُزُومِ طَاعَتِهِ إِلَّا إِلَى مَوَادَّ[١١٤] مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ[١١٥] مِنْهُمْ فَيَنُوا[١١٦] فِي جِدِّهِمْ وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْيِ[١١٧] عَلَى اجْتِهَادِهِمْ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ[١١٨] وَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ وَ لَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ وَ لَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ وَ لَا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ [الرَّيْبِ] الرِّيَبِ[١١٩] وَ لَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ[١٢٠] الْهِمَمِ فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ لَمْ يَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَيْغٌ وَ لَا عُدُولٌ وَ لَا وَنًى[١٢١] وَ لَا فُتُورٌ وَ لَيْسَ فِي أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ[١٢٢] إِلَّا وَ عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ[١٢٣] يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً وَ تَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً.
و منها في صفة الأرض و دحوها على الماء
كَبَسَ[١٢٤] الْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ[١٢٥] أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ[١٢٦] وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ[١٢٧] تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ[١٢٨] أَمْوَاجِهَا وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا[١٢٩] وَ تَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلَاطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا وَ سَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا[١٣٠] وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِياً[١٣١] إِذْ تَمَعَّكَتْ[١٣٢] عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ[١٣٣] أَمْوَاجِهِ سَاجِياً[١٣٤] مَقْهُوراً وَ فِي حَكَمَةِ[١٣٥] الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً وَ سَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً[١٣٦] فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ[١٣٧] وَ اعْتِلَائِهِ وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ[١٣٨] وَ كَعَمَتْهُ[١٣٩] عَلَى كِظَّةِ[١٤٠] جَرْيَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ[١٤١] وَ لَبَدَ[١٤٢] بَعْدَ زَيَفَانِ[١٤٣] وَثَبَاتِهِ فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا[١٤٤] وَ حَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ[١٤٥] عَلَى أَكْتَافِهَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ[١٤٦] أُنُوفِهَا وَ فَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ[١٤٧] بِيدِهَا[١٤٨] وَ أَخَادِيدِهَا[١٤٩] وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلَامِيدِهَا[١٥٠] وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ[١٥١] مِنْ صَيَاخِيدِهَا[١٥٢] فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ[١٥٣] لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا[١٥٤] وَ تَغَلْغُلِهَا[١٥٥] مُتَسَرِّبَةً[١٥٦] فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا[١٥٧] وَ رُكُوبِهَا[١٥٨] أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِينَ وَ جَرَاثِيمِهَا[١٥٩] وَ فَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَ بَيْنَهَا وَ أَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا وَ أَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا[١٦٠] ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ[١٦١] الْأَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا[١٦٢] وَ لَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً[١٦٣] إِلَى بُلُوغِهَا حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا[١٦٤] وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ[١٦٥] وَ تَبَايُنِ قَزَعِهِ[١٦٦] حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ[١٦٧] الْمُزْنِ فِيهِ وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ[١٦٨] وَ لَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ[١٦٩] فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ[١٧٠] وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً[١٧١] مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ[١٧٢]- [يَمْرِي] تَمْرِيهِ[١٧٣] الْجَنُوبُ دِرَرَ[١٧٤] أَهَاضِيبِهِ[١٧٥] وَ دُفَعَ شَآبِيبِهِ.[١٧٦] فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا[١٧٧] وَ بَعَاعَ[١٧٨] مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ[١٧٩] الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ[١٨٠] الْأَرْضِ النَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ[١٨١] الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ فَهِيَ تَبْهَجُ[١٨٢] بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَ تَزْدَهِي[١٨٣] بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ[١٨٤] أَزَاهِيرِهَا[١٨٥] وَ حِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ[١٨٦] بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا[١٨٧] وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلَاغاً[١٨٨] لِلْأَنَامِ وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا وَ أَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ اخْتَارَ آدَمَ (ع) خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ[١٨٩] وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَ أَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ وَ أَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَ الْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَ لِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (ص) حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ[١٩٠] عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا وَ قَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَ السَّعَةِ- [فَعَدَّلَ] فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا وَ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَ فَقِيرِهَا ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا[١٩١] وَ بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا وَ بِفُرَجِ[١٩٢] أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا[١٩٣] وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا[١٩٤] وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا[١٩٥] وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا[١٩٦] عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ وَ نَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ[١٩٧] وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ[١٩٨] وَ عُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ[١٩٩] وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ[٢٠٠] وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ[٢٠١] وَ غَيَابَاتُ الْغُيُوبِ[٢٠٢] وَ مَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ[٢٠٣] مَصَائِخُ[٢٠٤] الْأَسْمَاعِ وَ مَصَايِفُ الذَّرِّ[٢٠٥] وَ مَشَاتِي[٢٠٦] الْهَوَامِّ وَ رَجْعِ الْحَنِينِ[٢٠٧] مِنَ الْمُولَهَاتِ[٢٠٨] وَ هَمْسِ[٢٠٩] الْأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ[٢١٠] الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ[٢١١] غُلُفِ الْأَكْمَامِ[٢١٢] وَ مُنْقَمَعِ[٢١٣] الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ[٢١٤] الْجِبَالِ وَ أَوْدِيَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ[٢١٥] الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِيَتِهَا[٢١٦] وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ[٢١٧] وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ[٢١٨] مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ[٢١٩] وَ نَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا وَ مَا تَسْفِي[٢٢٠] الْأَعَاصِيرُ[٢٢١] بِذُيُولِهَا وَ تَعْفُو[٢٢٢] الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا- وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ[٢٢٣] الرِّمَالِ وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا[٢٢٤] شَنَاخِيبِ[٢٢٥] الْجِبَالِ وَ تَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ[٢٢٦] الْأَوْكَارِ وَ مَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ[٢٢٧] وَ حَضَنَتْ[٢٢٨] عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ[٢٢٩] أَوْ ذَرَّ[٢٣٠] عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَ مَا اعْتَقَبَتْ[٢٣١] عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ[٢٣٢] وَ سُبُحَاتُ النُّورِ[٢٣٣] وَ أَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَ تَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَ هَمَاهِمِ[٢٣٤] كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ وَ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ أَوْ قَرَارَةِ[٢٣٥] نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ[٢٣٦] دَمٍ وَ مُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلَالَةٍ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ وَ لَا اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ[٢٣٧] وَ لَا اعْتَوَرَتْهُ[٢٣٨] فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ وَ تَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلَالَةٌ وَ لَا فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ
دعاء
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ وَ التَّعْدَادِ الْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَ إِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوٍّ اللَّهُمَّ [فَقَدْ] وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَ لَا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَ لَا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرِّيبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِيِّينَ- وَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ[٢٣٩] مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ وَ لَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا[٢٤٠] إِلَّا مَنُّكَ[٢٤١] وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ- إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.