يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ وَ مَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ وَ اخْتِلَافَ النِّينَانِ[١] فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وَ تَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللَّهِ[٢] وَ سَفِيرُ وَحْيِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ.
الوصية بالتقوى
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ وَ إِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ وَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ وَ إِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ[٣] فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ وَ صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وَ جِلَاءُ [غِشَاءِ] عَشَا أَبْصَارِكُمْ وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ[٤] وَ ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ شِعَاراً[٥] دُونَ دِثَارِكُمْ[٦] وَ دَخِيلًا دُونَ شِعَارِكُمْ وَ لَطِيفاً بَيْنَ أَضْلَاعِكُمْ وَ أَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ وَ مَنْهَلًا[٧] لِحِينِ وُرُودِكُمْ وَ شَفِيعاً لِدَرَكِ[٨] طَلِبَتِكُمْ[٩] وَ جُنَّةً[١٠] لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ وَ مَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ[١١] نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ[١٢] عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا[١٣] وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا. وَ تَحَدَّبَتْ[١٤] عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا[١٥] وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا- [١٦]فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ امْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ.
فضل الإسلام
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَ اصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ وَ أَصْفَاهُ[١٧] خِيَرَةَ خَلْقِهِ وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ أَذَلَّ الْأَدْيَانَ بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ وَ خَذَلَ مُحَادِّيهِ[١٨] بِنَصْرِهِ وَ هَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلَالَةِ بِرُكْنِهِ[١٩] وَ سَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ وَ أَتْأَقَ[٢٠] الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ[٢١] ثُمَّ جَعَلَهُ لَا انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَ لَا فَكَّ لِحَلْقَتِهِ وَ لَا انْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَ لَا زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَ لَا انْقِلَاعَ لِشَجَرَتِهِ وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ وَ لَا عَفَاءَ[٢٢] لِشَرَائِعِهِ وَ لَا جَذَّ[٢٣] لِفُرُوعِهِ وَ لَا ضَنْكَ[٢٤] لِطُرُقِهِ وَ لَا وُعُوثَةَ[٢٥] لِسُهُولَتِهِ وَ لَا سَوَادَ لِوَضَحِهِ[٢٦] وَ لَا عِوَجَ لِانْتِصَابِهِ وَ لَا عَصَلَ[٢٧] فِي عُودِهِ وَ لَا وَعَثَ[٢٨] لِفَجِّهِ[٢٩] وَ لَا انْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ وَ لَا مَرَارَةَ لِحَلَاوَتِهِ فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ[٣٠] فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا[٣١] وَ ثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا وَ يَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا وَ مَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا[٣٢] وَ مَنَارٌ[٣٣] اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا[٣٤] وَ أَعْلَامٌ[٣٥] قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا وَ مَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا. ١٩٢ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ وَ ذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ وَ سَنَامَ طَاعَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَثِيقُ الْأَرْكَانِ رَفِيعُ الْبُنْيَانِ مُنِيرُ الْبُرْهَانِ مُضِيءُ النِّيرَانِ عَزِيزُ السُّلْطَانِ مُشْرِفُ الْمَنَارِ[٣٦] مُعْوِذُ الْمَثَارِ[٣٧] فَشَرِّفُوهُ وَ اتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ.
الرسول الأعظم
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (ص) بِالْحَقِ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الِانْقِطَاعُ وَ أَقْبَلَ مِنَ الْآخِرَةِ الِاطِّلَاعُ[٣٨] وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ وَ خَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ[٣٩] وَ أَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ[٤٠] فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا وَ اقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا[٤١] وَ تَصَرُّمٍ[٤٢] مِنْ أَهْلِهَا وَ انْفِصَامٍ[٤٣] مِنْ حَلْقَتِهَا وَ انْتِشَارٍ[٤٤] مِنْ سَبَبِهَا وَ عَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا[٤٥] وَ تَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَ قِصَرٍ مِنْ طُولِهَا جَعَلَهُ اللَّهُ [سُبْحَانَهُ] بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ وَ كَرَامَةً لِأُمَّتِهِ وَ رَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَةً لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ.
القرآن الكريم
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وَ سِرَاجاً لَا يَخْبُو[٤٦] تَوَقُّدُهُ وَ بَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَ مِنْهَاجاً[٤٧] لَا يُضِلُّ نَهْجُهُ[٤٨] وَ شُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَ فُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَ تِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَ شِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَ عِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَ حَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِيمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ[٤٩] وَ يَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَ بُحُورُهُ وَ رِيَاضُ[٥٠] الْعَدْلِ وَ غُدْرَانُهُ[٥١] وَ أَثَافِيُّ[٥٢] الْإِسْلَامِ وَ بُنْيَانُهُ وَ أَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَ غِيطَانُهُ[٥٣] وَ بَحْرٌ لَا يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ[٥٤] وَ عُيُونٌ لَا يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ[٥٥] وَ مَنَاهِلُ[٥٦] لَا يَغِيضُهَا[٥٧] الْوَارِدُونَ وَ مَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ وَ أَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ وَ [إِكَامٌ] آكَامٌ[٥٨] لَا يَجُوزُ عَنْهَا[٥٩] الْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَ رَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ[٦٠] لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَ عِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاهُ وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ وَ عُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَ فَلْجاً[٦١] لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَ حَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّةً[٦٢] لِمَنِ اسْتَلْأَمَ[٦٣] وَ عِلْماً لِمَنْ وَعَى وَ حَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُكْماً لِمَنْ قَضَى[٦٤].