أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ[١] حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يَا لَهُ مَرَاماً[٢] مَا أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً[٣] مَا أَغْفَلَهُ[٤] وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا[٥] مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ[٦] وَ تَنَاوَشُوهُمْ[٧] مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ[٨] وَ حَرَكَاتٍ سَكَنَتْ وَ لَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً وَ لَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى[٩] مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ[١٠] وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ[١١] وَ الرُّبُوعِ[١٢] الْخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلَّالًا[١٣] وَ ذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالًا تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ[١٤] وَ تَسْتَنْبِتُونَ[١٥] فِي أَجْسَادِهِمْ وَ تَرْتَعُونَ[١٦] فِيمَا لَفَظُوا وَ تَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وَ إِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ بَوَاكٍ[١٧] وَ نَوَائِحُ[١٨] عَلَيْكُمْ أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ[١٩] وَ فُرَّاطُ[٢٠] مَنَاهِلِكُمْ[٢١] الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ[٢٢] الْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ[٢٣] الْفَخْرِ مُلُوكاً وَ سُوَقاً[٢٤] سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ[٢٥] سَبِيلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ[٢٦] قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ[٢٧] وَ ضِمَاراً[٢٨] لَا يُوجَدُونَ لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ وَ لَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الْأَحْوَالِ وَ لَا يَحْفِلُونَ[٢٩] بِالرَّوَاجِفِ[٣٠] وَ لَا يَأْذَنُونَ[٣١] لِلْقَوَاصِفِ[٣٢] غُيَّباً لَا يُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ وَ إِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وَ [أُلَّافاً] آلَافاً[٣٣] فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ[٣٤] دِيَارُهُمْ وَ لَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ[٣٥] صَرْعَى[٣٦] سُبَاتٍ[٣٧] جِيرَانٌ لَا يَتَأَنَّسُونَ وَ أَحِبَّاءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ[٣٨] بَيْنَهُمْ عُرَا[٣٩] التَّعَارُفِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وَ هُمْ جَمِيعٌ وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلَّاءُ لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً وَ لَا لِنَهَارٍ مَسَاءً أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ[٤٠] ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ ١٥١ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَ رَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا- [فَكِلَا] فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ[٤١] مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ[٤٢] فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا [٤٣] بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَايَنُوا وَ لَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ[٤٤] وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا كَلَحَتِ[٤٥] الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ[٤٦] وَ خَوَتِ[٤٧] الْأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ[٤٨] الْبِلَى وَ تَكَاءَدَنَا[٤٩] ضِيقُ الْمَضْجَعِ وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ وَ [تَهَدَّمَتْ] تَهَكَّمَتْ[٥٠] عَلَيْنَا الرُّبُوعُ[٥١] الصُّمُوتُ[٥٢] فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَ تَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَ طَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً وَ لَا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ[٥٣] أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ[٥٤] فَاسْتَكَّتْ[٥٥] وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ[٥٦] وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا[٥٧] وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا وَ عَاثَ[٥٨] فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى[٥٩] سَمَّجَهَا[٦٠] وَ سَهَّلَ طُرُقَ الْآفَةِ إِلَيْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَيْدٍ تَدْفَعُ وَ لَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ[٦١] وَ أَقْذَاءَ عُيُونٍ[٦٢] لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ وَ غَمْرَةٌ[٦٣] لَا تَنْجَلِي فَكَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَ أَنِيقِ[٦٤] لَوْنٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ[٦٥] تَرَفٍ وَ رَبِيبَ[٦٦] شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ[٦٧] بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ يَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ[٦٨] إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً[٦٩] بِغَضَارَةِ[٧٠] عَيْشِهِ وَ شَحَاحَةً[٧١] بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ[٧٢] إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ[٧٣] وَ نَقَضَتِ الْأَيَّامُ قُوَاهُ وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ[٧٤] مِنْ كَثَبٍ[٧٥] فَخَالَطَهُ[٧٦] بَثٌّ[٧٧] لَا يَعْرِفُهُ وَ نَجِيُّ[٧٨] هَمٍّ ١٥٢ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ[٧٩] عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ[٨٠] وَ تَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً وَ لَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً وَ لَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ[٨١] لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ[٨٢] وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَايَا[٨٣] أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلينَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ يَقُولُ هُوَ لِمَا بِهِ[٨٤] وَ مُمَنٍّ[٨٥] لَهُمْ إِيَابَ[٨٦] عَافِيَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ يُذَكِّرُهُمْ أُسَى[٨٧] الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَ تَرْكِ الْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ[٨٨] وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ[٨٩] عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ[٩٠] هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ[٩١] أَهْلِ الدُّنْيَا.