فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ وَ ذَخِيرَةُ مَعَادٍ وَ عِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَةٍ[١] وَ نَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ[٢] بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ وَ يَنْجُو الْهَارِبُ وَ تُنَالُ الرَّغَائِبُ.
فضل العمل
فَاعْمَلُوا وَ الْعَمَلُ يُرْفَعُ وَ التَّوْبَةُ تَنْفَعُ وَ الدُّعَاءُ يُسْمَعُ وَ الْحَالُ هَادِئَةٌ وَ الْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ وَ بَادِرُوا[٣] بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً[٤] أَوْ مَرَضاً حَابِساً[٥] أَوْ مَوْتاً خَالِساً[٦] فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ وَ مُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ وَ مُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ[٧] زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ وَ قِرْنٌ[٨] غَيْرُ مَغْلُوبٍ وَ وَاتِرٌ[٩] غَيْرُ مَطْلُوبٍ قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ[١٠] وَ تَكَنَّفَتْكُمْ[١١] غَوَائِلُهُ[١٢] وَ أَقْصَدَتْكُمْ[١٣] مَعَابِلُهُ[١٤] وَ عَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ وَ تَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ[١٥] وَ قَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ[١٦] فَيُوشِكُ[١٧] أَنْ تَغْشَاكُمْ[١٨] دَوَاجِي[١٩] ظُلَلِهِ[٢٠] وَ احْتِدَامُ[٢١] عِلَلِهِ وَ حَنَادِسُ[٢٢] غَمَرَاتِهِ[٢٣] وَ غَوَاشِي سَكَرَاتِهِ وَ أَلِيمُ إِرْهَاقِهِ[٢٤] وَ دُجُوُّ[٢٥] أَطْبَاقِهِ[٢٦] وَ [خُشُونَةُ] جُشُوبَةُ[٢٧] مَذَاقِهِ فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ[٢٨] وَ فَرَّقَ نَدِيَّكُمْ[٢٩] وَ عَفَّى آثَارَكُمْ[٣٠] وَ عَطَّلَ دِيَارَكُمْ وَ بَعَثَ وُرَّاثَكُمْ يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ[٣١] بَيْنَ حَمِيمٍ[٣٢] خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ وَ قَرِيبٍ مَحْزُونٍ لَمْ يَمْنَعْ وَ آخَرَ شَامِتٍ لَمْ يَجْزَعْ.
فضل الجد
فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَ الِاجْتِهَادِ وَ التَّأَهُّبِ وَ الِاسْتِعْدَادِ وَ التَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ وَ لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا[٣٣] وَ أَصَابُوا غِرَّتَهَا[٣٤] وَ أَفْنَوْا عِدَّتَهَا وَ أَخْلَقُوا جِدَّتَهَا ٦ [٣٥]وَ أَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً[٣٦] وَ أَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ وَ لَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ[٣٧] وَ لَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ[٣٨] لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا وَ لَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا وَ لَا يَرْكُدُ[٣٩] بَلَاؤُهَا.
و منها:
في صفة الزهاد-
كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا- ٨ عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَ بَادَرُوا[٤٠] فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْآخِرَةِ[٤١] وَ يَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِم.