أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ[١] فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ[٢] لَكَ الْأَلْوَانُ[٣] وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ[٤] وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ[٥] مَجْفُوٌّ[٦] وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ[٧] مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ[٨] وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ [وَجْهِهِ] وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ[٩] وَ مِنْ طُعْمِهِ[١٠] بِقُرْصَيْهِ[١١] أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ[١٢] فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً[١٣] وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً[١٤] وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً[١٥] وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ[١٦] وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَ أَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ[١٧] بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ[١٨] وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا[١٩] فِي غَدٍ جَدَثٌ[٢٠] تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا[٢١] الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ[٢٢] وَ سَدَّ فُرَجَهَا[٢٣] التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا[٢٤] بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ[٢٥] وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ[٢٦] وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي[٢٧] إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ[٢٨] وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى[٢٩] وَ أَكْبَادٌ حَرَّى[٣٠] أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ –
وَ حَسْبُكَ [عَاراً] دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ[٣١] وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ[٣٢]
- ٢٨٧ أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ[٣٣] الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا[٣٤] تَكْتَرِشُ[٣٥] مِنْ أَعْلَافِهَا[٣٦] وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ[٣٧] طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ[٣٨] وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ[٣٩] أَصْلَبُ عُوداً وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ[٤٠] أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ[٤١] أَقْوَى وَقُوداً[٤٢] وَ أَبْطَأُ خُمُوداً. وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ[٤٣] وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ[٤٤] وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا وَ سَأَجْهَدُ[٤٥] فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ[٤٦] حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ[٤٧] مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ[٤٨] وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَ هُوَ آخِرُهُ-
إِلَيْكِ عَنِّي[٤٩] يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ[٥٠] قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ[٥١] وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ[٥٢] وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ- ٢٩٣[٥٣] أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ[٥٤] أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ[٥٥] وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي[٥٦] وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ[٥٧] وَ لَا صَدَرَ[٥٨] هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ[٥٩] زَلِقَ[٦٠] وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَرَّ[٦١] عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ[٦٢] وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ[٦٣] انْسِلَاخُهُ[٦٤] اعْزُبِي[٦٥] عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لَا أَسْلَسُ[٦٦] لَكِ فَتَقُودِينِي وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُ[٦٧] مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً[٦٨] وَ لَأَدَعَنَ[٦٩] مُقْلَتِي[٧٠] كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ[٧١] مَعِينُهَا[٧٢] مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ[٧٣] مِنْ رِعْيِهَا[٧٤] فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ[٧٥] مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ[٧٦] وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ[٧٧] قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ[٧٨] إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ[٧٩] وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا[٨٠] وَ هَجَرَتْ فِي ٢٩٥ اللَّيْلِ غُمْضَهَا[٨١] حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى[٨٢] عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا[٨٣] وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا[٨٤] فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ[٨٥] عَنْ مَضَاجِعِهِمْ[٨٦] جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ[٨٧] بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ[٨٨] بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ- أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ[٨٩] لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ.