أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ[١] مِنْ عِيَانِ الْأُمُورِ- [فَلَقَدْ[٢]] فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ بِادِّعَائِكَ الْأَبَاطِيلَ وَ اقْتِحَامِكَ[٣] غُرُورَ الْمَيْنِ[٤] وَ الْأَكَاذِيبِ [مِنِ انْتِحَالِكَ] وَ بِانْتِحَالِكَ[٥] مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ[٦] وَ ابْتِزَازِكَ[٧] لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ[٨] دُونَكَ فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ وَ جُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَ دَمِكَ[٩] مِمَّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُكَ وَ مُلِئَ بِهِ صَدْرُكَ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الْمُبِينُ وَ بَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ[١٠] فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَ اشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا[١١] فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا[١٢] وَ [أَعْشَتِ] أَغْشَتِ[١٣] الْأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا وَ قَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ[١٤] مِنَ الْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ[١٥] وَ أَسَاطِيرَ[١٦] لَمْ يَحُكْهَا [عَنْكَ[١٧]] مِنْكَ عِلْمٌ وَ لَا حِلْمٌ[١٨] أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ[١٩] وَ الْخَابِطِ[٢٠] فِي الدِّيمَاسِ[٢١] وَ تَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ[٢٢] بَعِيدَةِ الْمَرَامِ نَازِحَةِ الْأَعْلَامِ[٢٣] تَقْصُرُ دُونَهَا الْأَنُوقُ[٢٤] وَ يُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ[٢٥] وَ حَاشَ لِلَّهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ [مِنْ] بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً[٢٦] أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً فَمِنَ الْآنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ وَ انْظُرْ لَهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ[٢٧] إِلَيْكَ عِبَادُ اللَّهِ أُرْتِجَتْ[٢٨] عَلَيْكَ الْأُمُورُ وَ مُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ وَ السَّلَامُ.
__________________________
[١] . اللّمْح الباصر: الأمر الواضح.
[٢] . عِيان الأمُور: مشاهدتها و معاينتها.
[٣] . الاقْتِحام: إلقاء الناس في الأمر من غير رويّة.
[٥] . انتحالك: ادعاؤك لنفسك.
[٦] . ما قَدْ عَلا عنك: ما هو أرفع من مقامك.
[٧] . «ابتزازك»: أي سلبك.
[٨] . اخْتُزِنَ - أي منع- دون الوصول اليك.
[٩] . المراد بالذي هو ألزم له من لحمه و دمه البيعة بالخلافة لأمير المؤمنين.
[١٠] . اللَبْس - بالفتح-: مصدر «لبس عليه الأمر يلبس» كضرب يضرب أي خلطه، و في التنزيل: (و للبسنا عليهم ما يلبسون).
[١١] . اللُبْسَة - بالضم-: الإشكال.
[١٢] . أغْدَفَت المرأة قِنَاعَها: أرسلته على وجهها فسترته، و أغدف الليل: أرخى سدوله- أي أغطيته- من الظلام. و الجلابيب: جمع جلباب، و هو الثوب الأعلى يغطي ما تحته، أي طالما أسدلت الفتنة أغطيته الباطل فأخفت الحقيقة.
[١٣] . أغْشَتِ الأبصار: أضعفتها و منعتها النفوذ إلى المرئيات الحقيقية.
[١٤] . أفَانِينُ القَوْل: ضروبه و طرائقه.
[١٥] . السِّلْم: ضد الحرب.
[١٦] . الأساطير: جمع أسطورة، بمعنى الخرافة لا يعرف لها منشأ.
[١٧] . حاكَه يحوكه: نسجه، و نسج الكلام: تأليفه.
[١٨] . الحِلْم - بالكسر-: العقل.
[١٩] . الدَهاس - كسحاب-: أرض رخوة لا هي تراب و لا رمل، و لكن منهما، يعسر فيها السير.
[٢٠] . الخابط في السير: الذي لا يهتدي.
[٢١] . الدِيماس - بالكسر-: المكان المظلم تحت الأرض.
[٢٢] . المَرْقبة - بفتح فسكون-: مكان الارتقاب، و هو العلو و الإشراف، أي رفعت نفسك إلى منزلة بعيد عنك مطلبها.
[٢٣] . «نازحة»: أي بعيدة، و الأعلام: جمع علم، و هو ما ينصب ليهتدي به، أي خفيّة المسالك.
[٢٤] . الأَنُوق - كصبور-: طير أصلع الرأس، أصفر المِنْقار، يقال: أعزّ من بيض الأنوق، إذ تحرزه فلا تكاد تظفر به، لأن أوكارها في القلل الصعبة. و لهذا الطائر خصال عدّها صاحب القاموس.
[٢٥] . العَيّوق - بفتح فضم مشدّد- نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.
[٢٦] . الصّدَر - بالتحريك-: الرجوع بعد الشرب. و الورد- بالكسر-: الإشراف على الماء.
[٢٧] . ينهَد: ينهض لحربك.
[٢٨] . أُرْتِجَتْ: أغلقت، و تقول: أرتج الباب كرتجه، أي أغلقه.