إن كتاب نهج البلاغة القيّم والفريد يضم مجموعة من خطب الإمام علي بن أبي طالب وكلماته النيرة التي دوّنها واعدها بطريقة فنية رائعة العلامة الشريف الرضي في ثلاثة أبواب على النحو الآتي:

الباب الأول: الخطب ويضم ٢٣٩ خطبة له.

الباب الثاني: رسائل الإمام عليه السلام إلى الاصدقاء والاعداء ومجموعها ٧٩ رسالة.

الباب الثالث: الكلمات القصار (قصار الحكم)، وهي (٤٨٠ ) حكمة تتعلق بالشؤون السياسية والاجتماعية والعسكرية المهمة للدولة الإسلامية.

ويمكننا أن نحضر فترة إلقاء الإمام عليه السلام لخطبه وحكمه القصار بالمراحل الآتية:

أ – الفترة التي سبقت خلافته وتوليه الحكم.

ب – خلال فترة خلافته التي دامت خمسة أعوام.

اما الرسائل فهي تختص بفترة خلافته عليه السلام.

(اسم نهج البلاغة )

لا شك أن مواضيع نهج البلاغة القيْمة ألقيت أثناء تجسد المجتمع الإسلامي عملياً خلال خلافة الإمام عليه السلام. لذا فما دامت الحياة الاجتماعية قائمة، فان نهج البلاغة سيبقى حياً يقدم الحلول الواضحة النيّرة لينقذ البشرية من كل أشكال الضلال والضياع ومع أن الشريف الرضي سمّى مجموع الخطب والرسائل والكلمات القصار باسم نهج البلاغة، فان استعراضاً قصيراً للمعارف السامية الكامنة فيه يدلنا على ان هذا الكتاب يمكن وصفه بأسماء قيّمة أخرى مثل:

نهج السعادة , نهج الخطبة، نهج السياسة، نهج الحياة، نهج الحكومة، نهج الفلاح.

لقد نظر مؤلف نهج البلاغة إلى أحاديث الإمام من ناحية الفن البلاغي، إلا أنه بامكان الباحثين ملاحظة جوانبها الأخرى ومعرفة الأبعاد القيّمة لها واستخراجها. لكي يلبوا حاجات المجتمع العلمية والفكرية والسياسية، وهي أبعاد لا ترتبط بعصر معين، ولا تختص بجيل دون غيره ولا بمجتمع معين، بل هي قابلة لأن ينتفع بها دوماً جميع المجتمعات البشرية.

(كيف حفظت أقوال الامام عليه السلام ودَونت)

للإجابة عن هذا السؤال لابد من مراجعة تاريخ صدر الإسلام وطريق حفظ المؤلفات الثقافية في الماضي الذي كان يعتمد في تلك الأزمنة على قوة الذاكرة وتدوين الكتّاب المهرة.

ففي الفترة التي سبقت حًكم الإمام كان أبناؤه وبعض أصحابه يقومون بتدوين أقواله وحفظهما أما في فترة حكمه فقد برزت إمكانات ووسائل كثيرة نذكر منها:

١- وجود ستة آلاف من أصحاب الإمام كانوا يواظبون على سماع أحاديث الإمام وحفظها ونشرها[١].

٢- كانت جماعة من جماعة من الكتّاب المقتدرين والمهرة تستمع إلى أحاديث الإمام وتدونها[٢] وتنشرها مثل زيد بن وهب وغيره الذين جمعوا خطب الإمام عليه السلام في كتاب بأسم خطب اميرالمؤمنين ونشروه , وهذا يعني أن اقوال الإمام عليه السلام دونت قبل الشريف الرضي بمئات السنين[٣].

٣- كان عدد من الحفُاظ يعلمون على حفظ أحاديث الإمام حيثما ألقاها ونقلها إلى المجتمع.

٤- كانت كل رسائل الإمام تحفظ في مركز الخلافة ولدى الولاة والموظفين.

وللإمام علي عليه السلام مئات الخطب وعشرات الرسائل وآلاف الحِكم ومما يبعث على الأسى أن الجزء الأعظم منها قد تلف أو فقد في الحروب التي وقعت بين المسلمين أو بمؤامرات المستعمرين، أو بنيران التعصب والتجرؤ لدى بعض الفرق الجاهلة.

فقد دوّنت في نهج البلاغة (٢٣٩ ) خطبة بينما كتب المؤرخ الشهير المسعودي الذي عاش قبل الشريف الرضي بمائة عام أن الناس حفظوا أكثر من أربعمائة وثمانين خطبة للإمام علي عليه السلام[٤].

لقد واجهت عملية جمع أقوال الأمام علي عليه السلام مشاكل منها:

١- كان الشيعة يخفون الكتب الروائية والآثار العلوية خوفاً.

٢- كانوا في كثير من الأحيان يدفنون المؤلفات تحت تلال من التراب.

٣- كان الشيعة لا يتجرأون على الحديث عن هذه الأمور.

٤- كان كثير من حفاّظ أقوال الإمام عليه السلام ينكرون ذلك.

٥- كان علماء الشيعة يلجأون إلى التستر والتخفي لكي يحافظوا على أرواحهم.

أستمرت غربة الشيعة السياسية وهجرة علماء الإسلام المؤلمة حتى القرن الرابع الهجري، حيث طرأت تحولات كبيرة على البلدان الإسلامية، فمارس الشيعة وضعاً سياسياً جديداً، وأمسك علماؤهم بالحكم والسلطة وأسست الحوزات العلمية الدينية ما أتاح للشريف الرضي فرصة تدوين نهج البلاغة فقد ولد الشريف الرضي عام ( ٣٥٩ هـ) وانتهى تأليف نهج البلاغة وتدوينه عام (٤٠٠ هـ ).

(روائع نهج البلاغة)

يقول الأديب المسيحي الأستاذ أمين نخلة: ان من شاء أن يعالج أمراضه النفسية فليطلع على ما قاله الإمام على عليه السلام في نهج البلاغة ليتعلم تحت أنوار هذا الكتاب القيم كيف يحيا[٥].

ويقول الأستاذ حسين نائل المرصفي أستاذ البلاغة في كلية دار العلوم بمصر، والأستاذ في الأزهرالشريف عن نهج البلاغة: نهج البلاغة كتاب جعله الله تعالى دليلاً ناصعاً على أن الإمام على عليه السلام خير شاهد على أنه النور القرآني الهادي وحكمته وعلمه وهدايته واعجازه وفصاحته المتجلية في هذا الكتاب السماوي[٦].