




هومحمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفرّاء، عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، من أهل بغداد، ولاه القائم العبّاسي قضاء دار الخلافة والحريم، وحران وحلوان، وكان قد امتنع واشترط أن لا يحضر أيام المواكب، ولا يخرج في الاستقبالات، ولا يقصد دار السلطان، فقبل القائم شرطه[١]. له تصانيف كثيرة منها ((الإيمان)) و((الأحكام السلطانية)) و((الكفاية في أصول الفقه))[٢].
الأحكام السلطانية[٣]: يقول المؤلف في مقدمة كتابه:فإني كنت صنفت كتاب الإمامة، وذكرته في أثناء كتب المعتمد، وشرحت فيه مذاهب المتكلمين وحجاجهم، وأدلتنا، والأجوبة عما ذكروه، وقد رأيتُ أن أفرد كتاباً في الإمامة، أحذف فيه ما ذكرت هناك من الخلاف والدلائل، وأزيد فيه فصولاً أُخر، تتعلق بما يجوز للإمام فعله من الولايات وغيرها[٤].
فهوكتاب يدور حول الدولة والولايات وما يدور حولها من أحكام وسائل وقد كتبه الفراء على غرار الأحكام السلطانية للماوردي الذي سبقه في تأليف الكتاب بسنوات قليلة، وعليه فقد أورد الفراء ما أورده الماوردي من استدلالات على كلمات الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).
فحول قتال أهل البغي أورد الفراء؛وقد عرض قوم من الخوارج لعلي رضي الله عنه بمخالفة رأيه، وقال أحدهم وهويخطب على منبره ((لا حكم إلا لله تعالى)) فقال علي: ((كلمة حق أريد بها باطل))، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم معنا[٥].
واستنبط الفراء من كلام أمير المؤمنين(عليه السلام)، إذا لم يخرج الخوارج عن المظاهرة بطاعة الإمام، ولم يتحيزوا بدار اعتزلوا فيها، وكانوا أفراداً متفرقين تنالهم القدرة وتمتد إليهم اليد، تركوا ولم يحاربوا وأجريت عليهم أحكام أهل العدل في الحقوق والحدود.
أما إذا اعتزلت هذه الطائفة الباغية أهل العدل، وتحيزت بدار تحيزت فيها، نظرت فإن لم تمتنع من حق، ولم تخرج عن طاعة، لم يحاربوا، ومورد الاستدلال هوموقف الخوارج من الإمام علي(عليه السلام). عندما اعتزلت طائفة من الخوارج علياً رضي الله عنه بالنهروان، فولى عليهم عاملاً أقاموا على طاعته زماناً، وهولهم موادع إلى أن قتلوه، فأرسلهم إليهم: سلموا قاتله، فأبوا، قالوا: كلنا قتله، قال فاستسلموا إذا أقتلكم، فسار إليهم، فقتل أكثرهم[٦].
وحول التسوية في الحكم بين القوي والضعيف، والشريف والمشروف، ذكر هذه الحادثة:وقد روى عن شريح أنه قال: أصاب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه درعاً له سقطت منه وهويريد صفين ـ مع يهودي، فقال: يا يهودي هذه الدرع سقطت مني ليلاً، وأنا اريد صفين ـ فقال: بل هي درعي وفي يدي، فقدمه إلى شريح، فارتفع علي على اليهودي، ثم قال لشريح: لولا أنه ذمي لجلستُ معه مجلس الخصوم[٧].
وفي فصل ولاية القضاء، وبعد أن ذكر الشروط التي يجب توفرها في القاضي، أردف الفراء قائلاً: والعلم بأنه من أهل الاجتهاد يحصل بمعرفة متقدمة، وباختياره ومسألته، قد قلد رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً قضاء اليمن، ولم يختبره لعلمه به، ولكن صار تنبيهاً على وجه القضاء، فقال: إذا حضر الخصمان بين يديك، فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر، قال علي: فما أشكلت عليّ قضية بعدها[٨].
وحول الديوان وهوموضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال، وكان أول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب، فأما سبب وضعه فروى؛ أن عمر استشار الناس في تدوين الدواوين، فال علي بن أبي طالب: تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئاً[٩]. والإمام هوأحد الذين استشارهم الخليفة عمر كما هومذكور في التأريخ.
هوأبوعلي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الملقب نظام الملك قوام الدين الطوسي، كان في أولاد الدهاقين، واشتغل بالحديث والفقه، ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ، ثم قصد داود بن ميكائيل بن سلجوق والد السلطان ألب أرسلان فظهر له منه النصح والمحبة، فسلمه إلى ولده الب أرسلان، دبَّر أمره فأحسن التدبير، وبقي في خدمته عشر سنين، فلما مات الب أرسلان وازدحم أولاده على الملك وطّد المملكة لولده ملك شاه فصار الأمر كله لنظام الملك وليس للسلطان إلا التخت والصيد، وأقام على هذا عشرين سنة، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والصوفية، وكان إذا سمع الأذان امسك عن جميع ما هوفيه، بنى المدارس والمساجد، وأشهرها مدرسته ببغداد الذي شرع ببنائها سنة سبع وخمسين وأربعمائة[١٠]. من كتبه أمالي نظام الملك في الحديث، مطبوع من المنشورات الحديثة[١١].
سير الملوك ((سياست نامه))[١٢] مكتوب باللغة الفارسية، وطُبع بطبعتين، الأولى سياست نامه، والثانية بعنوان سر الملوك جاء في المقدمة.
أما علاقة الكتاب بنهج البلاغة فيفترض عن عهد نظام الملك قد شهد انتشار نهج البلاغة وبلغ صيته مدى واسع، وقد أخذ الكثير من كلمات أمير المؤمنين واستشهد بمواقفه.
ففي الصفحة ١٦٦ من سير الملوك أورد جواب أمير المؤمنين(عليه السلام) على سؤال سئل، أي الرجال أشد قوة؟ أجاب الإمام مَن ملك نفسه عند الغضب، ولم يفعل ما يندم عليه.
وفي الصفحة ١٨٠ من (فصل عدم التعجل في الأعمال) نقل هذا الكلام عن أمير المؤمنين(عليه السلام): التأني محمود في كل شيء إلا في عمل الخير.
وإلى جانب ذلك أورد نظام الملك مواقف عديدة من سيرة الإمام ومحاوراته مع الرسول الأكرم. والكتاب برمته هومحاولة من المصنف لوضع خطوط عامة أمام السلطان لإدارة دفة البلاد.
هومحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الملقب بحجة الإسلام زين الدين الطوسي الشافعي، لم يكن للطائفة الشافعية في آخر عصره مثله، واختلف إلى دروس إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، وكان أستاذه يتبجج به، ولم يزل ملازماً له إلى أن توفي، فخرج من نيسابور إلى العسكر، ولقي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه، وفوض إليه تدريس مدرسته النظامية بمدينة بغداد[١٣]، فيلسوف، متصوف، له نحومائتي مصنف، مولده ووفاته في الطابران قصبة طوس بخراسان، نسبته إلى صناعة الغزل، عند من يقول بتشديد الزاي، أوإلى غزله (من قرى طوس) لمن قال بالتخفيف[١٤]. من أهم كتبه ((إحياء علوم الدين)) و((تهافت الفلاسفة)) و((الاقتصادي في الاعتقاد)) و((المنقذ من الضلال)) و((فضائح البطانية)) و((الولدية)) وكتب أخرى، والغالب على كتبه الجانب الأخلاقي والعقدي والرد على المذاهب الفكرية والعقدية.
ومن بين كتبه ((التبر المسبوك في نصيحة الملوك)) كتبه بالفارسية، وهومن مصادر الفكر السياسي الإسلامي.
التبر المسبوك في نصيحة الملوك[١٥].
وهوكتاب أخلاقي صغير كتبه أبوحامد الغزالي للسلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي بالفارسية ثم عربه بعضهم ونقله محمد بن علي المعروف ((بعاشق جلبي)) إلى التركية[١٦] وتأثير كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) على الكتاب أمر ملموس في مجالين؛ الأول الطريقة التي تم بها صياغة الكتاب وهي على شكل وصايا الإمام إلى أولاده، والمجال الثاني هونقل أقوال ومواقف الإمام(عليه السلام). ويكفي أن نشير إلى ما ذكره جلال الدين همداني محقق النسخة الفارسية عند حديثه حول مصادر الكتاب ما يقول:إن من بين تلك المصادر خطب وكلمات أمير المؤمنين(عليه السلام)[١٧].
وأول ما يبدؤه الغزالي هوالتحذير من مغبة الظلم، وإن هناك مَن هوفوق الملوك والسلاطين مَن يأخذ حق المظلوم من الظالم. فيورد كلاماً لأمير المؤمنين(عليه السلام) ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء.
ثم يتناول بالشرح سياسة الوزراء وسير الوزراء فيذكر عن كاتب أمير المؤمنين عبد الله بن رافع، قال:كنت أكتب كتاباً، فقال لي أمير المؤمنين: يا عبد الله ألق دواتك، وأطلح جلفة قلمك، ووسع بين السطور، وأجمع مابين الحروف[١٨]. وهوتأكيد على أهمية الاقتصاد وأهمية تحسين الخط أثناء كتابة الرسائل.ثم ينقل محاورة فاطمة الزهراء عليها السلام مع أمير المؤمنين(عليه السلام):كانت فاطمة رضي الله عنها تطحن كثيراً بالجاروشة حتى أدمت أناملها فشكت ذلك في بعض الأيام إلى اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال لها علي: قولي لابيك ليبتاع لك خادمة[١٩].
هومحمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب القرشي الفهري الأندلسي الطرطوشي الفقيه المالكي الزاهد المعروف بابن أبي رندقة، صحب أبا الوليد الباجي وقرا الأدب على أبي محمد بن خرم بمدينة اشبيلية، ورحل إلى المشرق سنة ست وسبعين وأربعمائة، وحج ودخل بغداد والبصرة, وكان إماماً عالماً عاملاً زاهداً ورعاً ديناً متواضعاً متقشفاً متقللاً من الدنيا راضياً منها باليسير[٢٠] وهومن أهل طرطوشة Tartosa بشرقي الأندلس، سكن الإسكندرية فتولى التدريس واستمر فيها إلى أن توفي، وكان زاهداً لم يتثبت من الدنيا بشيء من كتبه ((سراج الملوك)) و((التعليقة)) في الخلافيات، خمسة أجزاء، وكتاب كبير عارض به إحياء علوم الدين للغزالي و((بر الوالدين)) و((الفتن)) و((الحوادث والبدع)) و((مختصر تفسير الثعلبي))[٢١] ونزل بيت المقدس[٢٢].
سراج الملوك[٢٣]: اشتمل الكتاب كما ذكر حاجي خليفة: على جمعٌ من سير الأنبياء وآثار الأولياء ومراعاة (مواعظ) العلماء وحكة الحكماء ونوادر الخلفاء ورتبه ترتيباً أنيقاً، فما سمع به ملك إلا استكتبه، ولا وزير الا استصحبه، يستغني الحكيم بمدارسته عن مباحثة الحكماء والملك عن مشاورة الوزراء، وذكر فيه الأمير أبا عبد الله محمد الأموي، وأبوابه أربعة وستون باباً[٢٤].
وقد تضمن الكتاب مجموعة من خطب وكلمات الإمام علي(عليه السلام)، وبعض كلماته جرت على قلمه بعقوية دون أن يذكر اسم الإمام، ويظهر من كثرة إيراده لكلمات الإمام(عليه السلام)، إنه نهل من نهج البلاغة حتى ارتوى به قلمه الذي أخذ يسطر على القرطاس بإيقاع من بلاغة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وفيما يلي بعض ما أورده.
أورد في الصفحة (٧) محاورة الإمام أمير المؤمنين مع أسقف قد أسلم، وجاءت المحاورة ضمن مواعظ ابن السماك لهارون الرشيد.
١ـ أورد على الصفحة (١١) الأبيات الشعرية التي قالها الإمام، عند دفن السيدة الزهراء سلام الله عليها ومطلعها:
لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ ***** وإن الذي دون الممات قليل[٢٥]
٢ـ أورد على الصفحة (٢٣) وصية الإمام أمير المؤمنين إلى الحسن والحسين والتي مطعها:
أوصيكما بتقوى الله والرغبة في الآخرة[٢٦].
٣ـ أورد على الصفحة (٢٤) هذه الرواية:
وروى أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لما رجع من صفين، فدخل أوائل الكوفة فإذا هوبقبر، فقال قبر من هذا؟، فقالوا: قبر خباب بن الأرث فوقف عليه، وقال: رحم الله خباباً أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً وابتلى في جسمه آخراً.. ثم وقف على القبر وقال:السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة[٢٧].
٤ـ وفيما جاء في الولاة والقضاء، وما في ذلك من الغرور والخطر، نقل في الصفحة ٣٤ هذه الرواية عن الإمام علي(عليه السلام).وروى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى اليمن وأنا حديث السن، فقلت: يا رسول اله إنك تبعثني إلى قوم شيوخ ذوي أسنان… إلى آخر[٢٨].
٥ـ وفي بيان الحكمة في كون السلطان في الأرض، أورد على الصفحة (٣٩) العلة من كلام أمير المؤمنين(عليه السلام)، لهذا قال علي بن أبي طالب: أمران جليلان لا يصلح أحدهما بالتفرد ولا يصلح الآخر بالمشاركة وهما الملك والرأي.
٦ـ ثم يفرد باباً لوصية الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى كميل بن زياد (هوالباب ٢٢ ص٥٣) ومطلع الوصية: يا كميل إن القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك… إلى آخرالوصية[٢٩].
٧ـ في الباب (٢٣) في العقل والدهاء والخبث أورد في الصفحة (٥٥) أبيات للإمام أمير المؤمنين مطلعها:
إن المكارم أخلاق مطهرة ***** فالعقل أولها والدين ثانيها
٨ـ وأورد في الصفحة (٥٦) في نفس الباب قول أمير المؤمنين(عليه السلام): خير الأمور الأوسط، إليه يرجع العالي، ومنه يلحق التالي[٣٠].
٩ـ في الباب (٢٨) في الحلم أورد على الصفحة (٦٦) قول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): الصفح الجميل، الرضا بلا عتاب.
١٠ـ ويذكر على الصفحة (٦٧) وسُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كثيراً من كبراء فارس، ومن أحد ملوكهم عندهم، فقال؛ لأردشير فضل السبق غير إن أحمدهم سيرة أنوشروان، قال: فأي أخلاقه كان أغلب عليه، قال: الحلم والأناة. فقال علي رضي الله عنه: هما توأم ينتجهما علوالهمة[٣١].
١١ـ وفي الباب (٣٠) في الصفحة (٧٤) في الجود والسخاء، ويذكر هذه الحكمة للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): ماجمعت من المال فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك[٣٢].
١٢ـ وفي الباب (٣٢) على الصفحة (٧٩) يورد الطرطوشي في الصبر (من صفات السلطان) الصبر مطية لا تكبووالقناعة سيف لا ينبو[٣٣].
١٣ـ ويذكر قوله(عليه السلام) للأشعث بن قيس على الصفحة (٨٠) حول الصبر والجزع؛ إن تجزع فقد استحق ذلك منك بالرحم وإن تصبر ففي ثواب الله تعالى خلف من ابنك، إن تصبر جرى عليك القلم وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور[٣٤].
١٤ـ وعلى الصفحة (٨١) أورد كلمة أخرى للإمام في عاقبة الصبر: والصبر كفيل بالنجاح والتوكل لايحبطه والعاقل لا يذل بأول نكبة ولا يفرح بأول رفع. الصبر مناضل الحدثان والجزع من أعوان الزمان[٣٥].
١٥ـ وفي الباب٣٣، ص(٨٤)وحول كتمان السر أورد هذه الحكمة: سرك أسيرك، فإذا تكلمت به صرت أسيره[٣٦].
١٦ـ وحول الشكر أورد في الصفحة (٨٨) قال علي(عليه السلام) : لا تكن ممن يعجز عن شكر أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر الناس بما لا يأتي، تحب الصالحين ولا تعمل بأعمالهم، وتبغض المسيئين وأنت منهم تكره الموت لكثرة ذنوبك ولا تدعها في طول حياتك[٣٧].
١٧ـ وفي الباب(٤٧) في سيرة السلطان في بيت المال في الصفحة ١٠١ يورد هذا الموقف للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): عندما أشرف على بيت المال وفيه مال، فقال: يا بيضاء ، يا حمراء ، ابيضي، واحمري وغرّي غيري، ثم أمر فقسم جميع ما فيه على المسلمين ، وأمر قنبر أن يكنسه ويرشه ثم دخل فصلى فيه، ويعلق الطرطوشي على هذا الموقف قائلا: ثم كثير من الملوك سادوا في الأموال على نحوهذه السيرة من ملوك الإسلام وملوك الروم.
١٨ـ وفي باب (٤٩) في سيرة السلطان في الأنفاق من بيت المال وسيرة العمال، على الصفحة (١٠٧)،وقال سعيد بن جبير إن علياً رضي الله عنه قدم الكوفة وهوخليفة وعليه إزاران قطريان قد رقع إزاره بخرقة ليست بقطرية من ورائه فجاءه أعرابي فنظر إلى تلك الخرقة فقال: يا أمير المؤمنين، كل في هذا الطعام والبس واركب فإنك ميت، أومقتول. فقال: إن هذا خير لي في صلاتي، وأصلح لقلبي وأشبه بشبه الصالحين قبلي وأجدر ان يقتدى به من أتى من بعيدي.
١٩ـ الباب(٥٥) في معرفة حسن الخلق على الصفحة١١٩ يذكر هذه الرواية. أن عليا عليه رضي الله عنه دعا غلاما له، فلم يجبه فدعاه ثانياً وثالثاُ فلم يجبه، فقام إليه فرآه مضطجعاً، فقال: أما تسمع يا غلام. فقال: نعم . قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت . فقال: إمض فأنت حرّ لوجه الله.
٢٠ـ وذكر قول الإمام علي(عليه السلام) في الصفحة ١١٩: انا لنصلح أكفاً نرى قطعها.
٢١ـ الباب(٦١) في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها. يورد في الصفحة (٤٦) عند رفع المصاحف، قال الإمام علي(عليه السلام) : أي قوم ، هذه مكيدة.
٢٢ـ الباب(٦٣) وهوجاء مع أخبار ملوك العجم، ينقل كلام أمير المؤمنين: قيمة كل امرئ مايحس على لسان المأمور[٣٨].
٢٣ـ الباب(٦٤) وعلى الصفحة (١٥٩) اورد هذا الكلام لأمير المؤمنين(عليه السلام): ما أهمني ذنب أمهلت بعد حتى اصلي ركعتين[٣٩].
٢٤ـ وفي الصفحة (١٦٣) يذكر مجموعة حكم للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): الساكت أخوالراضي، الكاتم للعلم كمن لا علم له، المرء مخبوء تحت لسانه، قيمة كل امرىء ما يحسن، الحكمة ربيع القلوب، الخصومة تكشف العورة وتورث المعرة، تجوع الحرة ولاتأكل بثدييها، الغضب عند المناظرة منشأة للحجة، إذا فسد الأمان كسدت الفضائل وضرت ونفقت الرذائل ونفعت، وصار خوف الموسر أكثر من خوف المعسر، وكلمات اخرى لا مجال لذكرها[٤٠].
٢٥ـ وفي الصفحة ١٦٥ أورد الطرطوشي، جملة من حكم الإمام السياسية التي ترتبط بسياسة الدولة وإداراتها؛ وقال علي رضي الله عنه: ما يظل فعل الله ينتطق به غثك خير من سمين غيرك.
إن أحببت أن لا يفوتك ما تشتهي فأشتهِ ما يمكنك من قصد أسهل. أقطع الشر عن صدر غيرك بقطعة من صدرك، وازجر المسيء بإنابة المحسن لكي يرغب في الإحسان ، لن يهلك من مالك ما وعظك، الخلاف يهدم الرأي ، خير الناس لغيره خيرهم لنفسه، إحسان الله مكفور عند من أصبح مصراً على ذنب مستور.
يصير التخلق خلقاً بالاجتهاد والاعتياد، الحجر الغصيب في البنيان وهن على الخراب، ربما شرق شارب الماء قبل ريه، رب رأي أنفع من مال وحزم أوقى من رجال، من إستوعب الحلال شاقت نفسه إلى الحرام، من ذم الزمان لم يحمد الاخوان، بتقلب الأحوال نعلم جواهر الرجال، من عرف الزمان لم يحتج إلى ترجمان، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، رسولك ترجمان عقلك، الطاعة غيمة الأكياس عند تفريط العاجز، كلما اشتد الظلام حسن ضوء السراج، الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق والتقصير عن الاستحقاق عمى أوحسد، أولى الناس بالرحمة من احتاج إليها فحرمان من لم يدرقدر البلية لم يرحم أهلها. كفاك أدباً لنفسك ما كرهته لغيرها، مجالسة الأحمق غرور والقيام عنه ظفر، لا تسأل عما لم يكن فإن في الذي كان شغل،البخل جامع لمساوىء العيوب وهوزمام يُقاد به إلى كل سوء[٤١].
يتبين لنا مما تقدم إن كتاب سراج الملوك من الكتب التي يمكن اعتبارها مصدراً من مصادر نهج البلاغة بالرغم من أن الكتاب قد كتب بعد أكثر من مائة عام من تأليف نهج البلاغة . فقد تضمن الكتاب مجموعة كبيرة من كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام)، التي ترتبط بالحكم والإدارة وأخلاق الحاكم وعلاقة الحاكم بالرعية، وفي نفس الوقت يعتبر هذا الكتاب مصدراً مهماً من مصادر الفكر السياسي،فقد اعتمده كمصدر كل من كتب في هذا المجال، ولا غرو أن يتخذه من أفذاذ الفكر السياسي والاجتماعي هما عبد الرحمن بن خلدون وابن الأزرق كمصدر لكتابيهما (المقدمة) و( بدائع السلك في طبائع الملك).