( ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) ) « قرآن كريم »
ابن خلكان : هو قاضي القضاة شمس الدين احمد بن ابراهيم بن ابي بكر المعروف بخلكان الإربلي البرمكي ، ومن هذا النسب جاءه هذا اللقب ، وذلك أن أبا بكر هذا كان ذات يوم يفاخر أقرانه ، ويفخر بآبائه من آل برمك ، فقيل له : خلّ كان ابي كذا ، وكان جدى كذا وحدثنا عن نفسك الآن فلقب من هذه الواقعة بخلكان .
ولد ابن خلكان بأربل سنة ( ٦٠٨ ) ه وتوفى بدمشق سنة ( ٦٨١ ) وكان أديبا فاضلا يحب الشعر والأدب ، وكان - كما حدث هو عن نفسه - مغرما بشعر يزيد بن معاوية بن ابي سفيان ، شديد الاهتمام به ، بحيث خلصه من شعر غيره ، ليكون حافظا شعره الخالص ، لا المنسوب له ، فقد قال عند ما ترجم لمحمد بن عمران المرزباني : « كان - أي المرزباني - راوية للأدب ، صاحب أخبار ، وتواليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ، ومائلا الى التشيع في المذهب - إلى أن قال - وهو أول من جمع شعر يزيد بن معاوية بن ابي سفيان الاموي واعتنى به ، وهو صغير الحجم يدخل في ثلاثة كراريس ، وقد جمعه من بعده جماعة ، وزادوا فيه أشياء كثيرة ليست منه ، وشعر يزيد مع قلته في نهاية الحسن » وذكر أبياتا من جيد شعره ثم قال : « وكنت حفظت جميع ديوان يزيد لشدّة غرامي به سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمدينة دمشق ، وعرفت صحيحه من المنسوب إليه ، الذي ليس له ، وتتبعته حتى ظفرت بصاحب كل أبيات ، ولو لا خوف الإطالة لبينت ذلك » [١].
وابتلى ابن خلكان في أواخر أيامه بحب أحد اولاد الملوك ، وهو مسعود بن الملك المظفر ، حتى أن الغلام زاره في بعض الايام فبسط له ابن خلكان الطرحة [٢]، وقال له . ( ما عندي أعزّ من هذا تطأ عليه ) ولما فشى أمرهما ، وعلم به أهله ، منعوه من الركوب إليه ، فقال ابن خلكان في ذلك أشعارا ذكر بعضها ابن شاكر في ( فوات الوفيات ) وقد شغفه حبّه ، تيمه هواه حتى امتنع من النوم فكان يدور الليل كله ، ويكرر قول ابن سكرة الهاشمي :
انا والله هالك ***** آيس من سلامتي
او أرى القامة التي ***** قد اقامت قيامتي
إلى ان يصبح على هذه الحال ، ويروى انه مات وهو ينشدهما ، وكان ذلك آخر ما نطق به [٣].
واشهر مؤلفات ابن خلكان ( وفيات الأعيان ، وانبياء أبناء الزمان ) تعرّض فيه لذكر المشاهير من التابعين ، ومن بعدهم إلى زمان نفسه ، وقد أظهر في هذا الكتاب من التعصب على جماعة والغلوّ في آخرين يتجلى ذلك واضحا لمن سبر غوره ، وأنعم النظر فيه ، ولو لا خوف الاطالة لذكرت جملا من ذلك .
وفي هذا الكتاب بذر بذرة التشكيك في ( نهج البلاغة ) وفي من جمعه إذ قال في ( وفيات الأعيان ) ج ٣ : ٣ عند ما ترجم للسيد المرتضى : « وقد اختلف الناس في كتاب ( نهج البلاغة ) المجموع من كلام الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، هل جمعه أم جمع أخيه الرضى وقد قيل : إنه ليس من كلام علي ، وانما الذي جمعه ، ونسبه إليه هو الذي وضعه والله اعلم انتهى » .
ثم جاء من بعده كل من الصفدي في ( الوافي بالوفيات ) واليافعي في « مرآة الجنان » : ج ٣ ص ٥٥ والذهبي فى ( ميزان الاعتدال ) : ج ١ ص ١٠١ وابن حجر في « لسان الميزان » : ج ٤ ص ٢٢٣ وغير أولئك من القدامى والمحدثين ، فتابعوه على هذا الرأي ، وترسموا خطاه ، ونهجوا سبيله ، ونسجوا على منواله شبها وأوهاما هي أو هي من بيت العنكبوت ، لا يقوم لها دليل ، ولا تستند إلى ركن وثيق ، وقد تصدى جماعة من علماء الامامية وأدبائهم قديما وحديثا إلى تفنيد تلك المزاعم ، ومحق تلك الأفائك بالدليل العلمي والبرهان المنطقي ، والدراسة الموضوعية كما ستقف على أكثره في مطاوي هذا الكتاب .
وهلم نزن قول ابن خلكان بميزان العدل ، لا ب ( ميزان الاعتدال ) [٤] لنعرف مبلغه من العلم ، ومكانته في التحقيق ، ومحله في الدراية والرواية .
---------------------------------------------