الشيخ نجاح الطائي
الفصل الثالث : الحِكَم والمواعظ
الّتي لم تكن في خطبة أو كتاب ورسالة، وبالقيد يكون الثّالث قسيماً للأوّلين وإلاّ في الخطب والكتب أيضاً حكم ومواعظ كثيرة، وقد ذكرنا في أكثر عناوين الأبواب الثلاثة مدارك وأسانيد لكونها كلامه (عليه السلام) . فإنكار النّصّاب لكون النّهج كلامه (عليه السلام) غير مسموع في قبال البيّنة مع أنّ كثيراً منه بل جلّه يصحّح متنه وسنده لا سيّما الشّقشقيّة الّتي أنكروها خصوصاً [١] .
وقال (ابن أبي الحديد) عند قوله (عليه السلام): « واعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار »: إنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون: إنّ كثيراً من نهج البلاغة كلام محدّث صنعه قوم من فصحاء الشّيعة .
قال وربما عزوا بعضه إلى الرّضي وغيره قال: وهؤلاء قوم أعمت العصبيّة أعينهم فضلّوا عن النّهج الواضح وركبوا بيّنات الطّريق ضلالاً وقلّة معرفة بأساليب الكلام . قال وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط .
فأقول : لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً أو بعضه والأوّل باطل بالضّرورة لأنّا نعلم بالتّواتر صحّة أسناد بعضه إليه (عليه السلام)، وقد نقل المحدّثون كلّهم أو جلّهم والمورّخون كثيراً منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك، والثاني يدلّ على ما قلناه لأنّ من قد أنس بالكلام والخطابة وشدّ طرفاً من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لابدّ أن يفرّق بين الكلام الرّكيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولّد، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من البلغاء أو لاثنين منهم فقط فلابدّ أن يفرّق بين الكلامين ويميّز بين الطّريقتين، ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفّحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام ونفسه وطريقته ومذهبه في القريض .
ألا ترى أنّ العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئاً كثيراً لما ظهر لهم أنّه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء ولم يعتمدوا في ذلك إلاّ على الذّوق خاصّة، وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً ونفساً واحداً وأُسلوباً واحداً كالجسم البسيط الّذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهيّة ، وكالقرآن العزيز أوّله كأوسطه وأوسطه كآخره وكلّ سورة منه وكلّ آية مماثلة في المآخذ والمذهب والفنّ والطريق والنّظم لباقي الآيات والسّور، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك .
فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إليه (عليه السلام) [٢] .
قلت : وما ذكره في غاية الجودة لكن يستثنى منه ما أشرنا إليه في أوّل الكتاب فليحذف كما حذف من شعر أبي تمام وأبي نواس بالقاعدة التي ذكرها، وقد برهنّا على ما قلنا عند شرح عناوين ما ذكرنا هذا والذي يظهر من كتب اللغة كالصحاح والأساس [٣] وغيرهما عدم صحّة استعمال « كرّاس واحد » بل « كرّاسة واحدة » وكون الكرّاس جمعاً . ثمّ إنّ اخواننا جاوزوا الحدّ في الحطّ من قدره (عليه السلام) اقتداءً بسلفهم .
فتارة أنكروا بعض كلامه كونه منه كالشّقشقيّة أو غيرها [٤] ، وأُخرى نسبوا كلامه (عليه السلام) إلى غيره فنسبوا كلامه (عليه السلام) « أيّها الناس إنّا قد أصبحنا في دهر عنود » إلى معاوية [٥] كلّ ذلك إرادة لإطفاء نوره (عليه السلام) ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره . وقد ذكر هذا القول السديد في نهج البلاغة [٦] .
من حِكَم الإمام (عليه السلام)
قال (عليه السلام): « فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم [٧] ، وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوبٌ عنكم قد عاينوا، وقربٌ ما يطرح الحجاب ! ولقد بصّرتم إن أبصرتم، وأُسمعتم إن سمعتم، وهديتم إن اهتديتم، وبحقٍّ أقول لكم: لقد جاهرتكم العبر، وزجرتم بما فيه مزدجرٌ . وما يبلّغ عن الله بعد رسل السّماء إلاّ البشر » [٨] .
وفيها حِكَم مهمّة لعالم ما بعد الموت تستحق التدبّر عند طلاّب الدنيا والآخرة ومن أقواله في إدبار الدنيا وحلول المصاعب: « أمّا بعد، فإنّ الدّنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع، وإنّ الآخرة قد أشرفت باطّلاع، ألا وإنّ اليوم المضمار، وغداً السّباق، والسّبقة الجنّة [٩] ، والغاية النّار، أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته ! ألا عاملٌ لنفسه قبل يوم بؤسه ! ألا وإنّكم في أيام أمل من ورائه أجلٌ، فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله، ولم ضرره أجله . ومن قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله، فقد خسر عمله، وضرّه أجله . ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة، ألا وإنّي لم أر كالجنّة نام طالبها، ولا كالنّار نام هاربها، ألا وإنّه من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل، ومن لا يستقم به الهدى، يجرّ به الضّلال إلى الرّدى . ألا وإنّكم قد أُمرتم بالظّعن، ودللتم على الزّاد . وإنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى، وطول الأمل، فتزوّدوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً » .
وعلّق الشريف الرضي على هذا المقطع من كلامه (عليه السلام) بقوله :
أقول : إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الآمال، وقادحاً زناد الاتّعاظ والازدجار .
ومن قوله (عليه السلام): « ألا وإنّ اليوم المضمار وغداً السّباق، والسّبقة الجنّة والغاية النّار » فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنى، وصادق التمثيل، وواقع التشبيه ـ سرّاً عجيباً، ومعنىً لطيفاً، وهو قوله (عليه السلام): « والسّبقة الجنّة، والغاية النّار» فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين، ولم يقل: « السّبقة الجنّة »، لأن الاستباق إنّما يكون إلى أمر محبوب، وغرض مطلوب، وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجوداً في النار، نعوذ بالله منها ! فلم يجز أن يقول: « والسّبقة النّارُ » بل قال: « والغاية النّار » ; لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسرّه الانتهاء إليها، ومن يسرّه ذلك، فصَلح أن يعبر بها عن الأمرين معاً، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل [١٠] ، قال اللهُ تعالى: (قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) .
ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: سبقتكم ـ بسكون الباء ـ إلى النار، فتأمّل ذلك . فباطنه عجيب، وغوره بعيد لطيف .وكذلك أكثر كلامه (عليه السلام) [١١] .
الاعتقاد بالمنزلة
أتحسبُ أنّك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ؟
إغاثة الملهوف والمكروب
قال (عليه السلام): « من كفّارات الذّنوب العظام إغاثة الملهوف، والتّنفيس عن المكروب » [١٢] وهي من أقواله الخالدة في مساعدة المحتاجين .
وصف الدنيا الزائلة
قال (عليه السلام): « ما أصف من دار أوّلها عناءٌ، وآخرها فناءٌ ؟ في حلالها حسابٌ، وفي حرامها عقابٌ، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن » [١٣] وهي دعوة للحساب في الحلال والفرار من الحرام والتوجّه للامتحان الدنيوي .
الدنيا والزهد فيها
قال (عليه السلام): « الزّاهدون في الدّنيا قوم وعظوا فاتّعظوا، وأيقنوا فعملوا، إن نالهم يسرٌ شكروا، وإن نالهم عسرٌ صبروا » [١٤] . وهي أُطروحة عقلائية لمواجهة الأحداث ومراعاة الشكر والصبر .
الرزق في الدنيا والآخرة
قال (عليه السلام): « إنّ الله عزّوجلّ يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الآخرة إلاّ من يحبّ، وقد يجمعهما الله لأقوام » [١٥] وهي التفاتة مهمّة للناس السائلين عن سبب غناء أهل الكفر في الدنيا وتنعّمهم بنعمها .
التعب والبؤس
قال (عليه السلام): « ما أقرب الرّاحة من التّعب والبؤس من النّعم والموت من الحياة » [١٦] ! وهي دعوة للعبد المسلم في عدم الركون إلى سعادة الدنيا وخيرها والغفلة عن الموت القريب منه .
الوفاء للصديق
قال (عليه السلام): « قليلٌ للّصديق الوقوف على قبره ... » [١٧] .
أي استحقاق الصديق لمواقف وفائية تتمثّل في أكثر من وقوف على قبره ومن هذه المواقف مراعاة أُسرته واهداء ثواب الأعمال الصالحة له .
أهميّة الصديق
قال (عليه السلام): « أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم » [١٨].
فالأخ والصديق ذخر مهم للمسلم الواعي والمحامي الذي لا يترك ومن عجز عن تحصيل هذا أو ضيّع ما حصله فهو العاجز الحقيقي .
الملك والدين
قال (عليه السلام): « الملك والدّين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدّين آسٌ ـ أي رأس ـ والملك حارس، فمن لم يكن له آسٌ فمهدوم، ومن لم يكن له حارس فضائعٌ » [١٩] .
هذه نصائح منه (عليه السلام) لأهميّة الدين والملك في حياة الإنسان .
الكلام
قال (عليه السلام): « لولا أنّ الكلام يعاد لنفد الكلام » . هذه نابعة من أهميّة الكلام وإمكانية تكراره وهي مشروع خير من الإمام (عليه السلام) لطلب العلم وتحقيق الفهم والتدبّر في القراءة .
امتحان الدهر
قال (عليه السلام): « الدّهر يومان: يوم لك، ويومٌ عليك ; فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر ! فبكلاهما أنت مختبرٌ [٢٠].
ففي كلا الوضعين الإنسان في امتحان إمّا النجاح وإمّا الفشل . فلا يبطر ولا يحزن بل يشكر ويصبر .
العالم والورع
قال (عليه السلام): « قصم ظهري رجلان: جاهلٌ متنسِّكٌ وعالمٌ متهتِّكٌ، فالجاهل يغرّ النّاس بنسكه، والعالم ينفّرهم بتهتّكه » [٢١].
فالناس تقتدي بالمتنسّكين والعلماء وإذا كان هؤلاء لا يسيرون على الخط المستقيم وينحرفون عنه فهو البلاء العظيم . فعلى الجاهل تحصيل العلم وعلى العالم الورع والتقوى .
العلم والفهم
قال (عليه السلام): « لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها » [٢٢] .
وهي مشروع خير من الإمام (عليه السلام) لطلب العلم وتحقيق الفهم والتدبّر في القراءة .
الصمت والعبادة
قال (عليه السلام): « أفضل العبادة الصّمت وانتظار الفرج » [٢٣] .
فالصمت عن الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة وذكر الله عبادة .
مراعاة الحق
قال (عليه السلام): « لا تقطع أخاك على ارتياب، ولا تهجره دون استعتاب » [٢٤] .
يطلب الإمام (عليه السلام) إحقاق الحقّ بلا شبهة وارتياب بل بيقين وضرورة الاستعتاب .
الودّ والمحبّة
قال (عليه السلام): « من لانت كلمته وجبت محبّته » [٢٥].
وأنشد :
كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا ***** ينبت الودّ في فؤاد الكريم [٢٦]؟
فاحترام الناس وتكريمهم بالودّ والمحبّة يكسب الإنسان محبّة وودّاً .
الحسود والراحة
قال (عليه السلام): « لا راحة لحسود، ولا إخاء لملول، ولا محبّة لسي الخلق » [٢٧] .
فالحسود يشغله الله تعالى بهمّه العظيم في الحسد والملول المتقلّب لا استقرار له والسيء الخلق لا راحة منه .
الحليم والجاهل
قال (عليه السلام): « أوّل عوض الحليم عن حلمه أنّ النّاس أنصاره على الجاهل » [٢٨] .
هذا لو توضّح للناس حلم الحليم وجهل الجاهل .
البصير والأحمق
قال (عليه السلام): « ربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأحمق رشده » [٢٩] .
مثلما يقال لكلّ جواد كبوة لكن هذا قليل ونادر، عبّر عنه الإمام (عليه السلام) بربما المفيدة للتقليل .
بعض الخصال السيّئة
قال (عليه السلام): « لا تكوننّ كمن يعجز عن شكر ما أُوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر النّاس بما لا يأتي ; يبغض المسيئين وهو منهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ولا يدعها في طول حياته » [٣٠] .
هذه الخصائل السيّئة المرفوضة من قبل الإمام كالامتناع عن شكر المنعم، وفعل الأعمال السيّئة التي ينكرها وغير ذلك من أفعال طالحة » .
موعظة للعقلاء
ذمّ رجل الدنيا عند الإمام (عليه السلام) فردّ عليه بقوله: « الدّنيا دار صدق لمن صدّقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنىً لمن تزوّد منها، ومهبط وحي الله تعالى، ومصلّى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه فيها الرّحمة، واكتسبوا فيها الجنّة . فمن ذا الّذي يذمّها وقد آذنت ببيّنها، ونادت بفراقها، وشبّهت بسرورها السّرور، وببلائها البلاء ترغيباً وترهيباً .
فياأيّها الذّام للدّنيا ! المعلّل نفسه، متى خدعتك الدّنيا أم متى استذمّت إليك ؟ أبمصارع آبائك في البلى ؟ أم بمضاجع أُمّهاتك في الثَّرى ؟ كم مرّضت بيديك ؟ وكم علّلت بكفيّيك ؟ تطلب له الشّفاء، وتستوصف له الأطبّاء غداة لا يغني عنه دواؤك، ولا ينفعه بكاؤك، ولا تنجيه شفقتك، ولا تشفع فيه طلبتك » [٣١] .
التواضع للأغنياء
قال (عليه السلام): « من أتى غنيّاً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه » [٣٢] .
يوصي الله تعالى بالتواضع للمؤمنين والاعتماد على الموقنين واحترام الحقّ وترك القضايا المعتمدة على المال وقد قال الإمام علي (عليه السلام): « أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين » .
لكن بعض العلماء والمؤمنين لا يتبع وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) .
التجارة بالصدقة
قال (عليه السلام): « إذا أملقتم فتاجروا الله بالصّدقة » [٣٣] .
والصدقة لا تحدّد بالمال فقط بل بكلّ عمل خير يبذل لصالح الجماهير يكون صدقة في سبيل الله تعالى .
الكريم الحقيقي
قال (عليه السلام): « الكريم لا يلين على قشر ـ أي عسر ـ ولا يقسوا على يسر » [٣٤] .
فالكريم لا يعتذر بأعذار سقيمة تخالف منهجه في الجود والكرم .
طمس الموبقات
قال (عليه السلام): « بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها ما فات ويحيي بها ما أمات » .
أي ضرورة مواصلة درب الإيمان ببذل الغالي لدرك ما فات من الأعمال الطيّبة ويردم ما فعله في غفلاته .
فرق الدنيا عن الآخرة
قال (عليه السلام): « الدّنيا بالأموال، والآخرة بالأعمال » .
فالمؤمن من استفاد من الأموال في سبيل تحصيل الأعمال الطيّبة فيحصل على الدنيا والآخرة .
الوقوع في الذلّ
قال (عليه السلام): « النّاس من خوف الذُّلِّ في الذُّلَّ » .
مثل خوف الإنسان من الفقر الدافع للبخل يجعل الإنسان فعلاً في ذلّ الفقر قبل حلول الفقر فلا يحتاط الإنسان في هذا أكثر من اللازم .
السكوت أم الكلام
قال (عليه السلام): « إنَّ من السّكوت ما هو أبلغ من الجواب » . لعدم الفائدة من الكلام مع شخص أو اشخاص يعرفون الحقّ ويخالفونه .
الصبر والفَرَج
قال (عليه السلام): « الصّبر مطيّةٌ لا تكبو » .
فالصبر مفتاح الفرج ومن توكّل على الصبر نجح في حياته وقلّ تشاؤمه، وقَبِل بما عنده وفرح به فيكسب فرحاً لذّة يفقدهما غيره .
التثبّت من صحّة الخبر
قال (عليه السلام): « اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواة العلم كثيرٌ، ورعاته قليل » [٣٥] . ومع الأسف معظم الناس لا يعقلون الأخبار ولا يراعون الأُسس العلمية لهذا فهم يصدّقون ما يوافق أهواءهم ويخالف معتقداتهم فيكون الفساد في العلم، والفوضى في الأحداث .
الاستعداد للآخرة بالعمل الصالح
السفر سفران سفر له عودة وسفر لا عودة له وسفر الآخرة من النوع الثاني .
ولأجل ذلك يحتاج هذا السفر إلى استعداد خاص وعناية بالغة .
أهميّة العلم
قال (عليه السلام): « قطع العلم عذر المتعلّلين » . لأنّه يعطي اليقين والاعتقاد .
الدّنيا والآخرة
وقال الإمام (عليه السلام): « أيّها النّاس، إنّما الدّنيا دار مجاز [٣٦] ، والآخرة دار قرار [٣٧] ، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدّنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم .
إنّ المرء إذا هلك قال النّاس: ما ترك ! وقالت الملائكة: ما قدّم ! لله آباؤكم ! فقدّموا بعضاً يكن لكم قرضاً، ولا تخلفوا كلاًّ فيكون فرضاً عليكم [٣٨] .
------------------------------------------------------------------------
[١] . أمّا إنكار كلّ نهج البلاغة فنقله ابن أبي الحديد في شرحه ٢ / ٥٢٦، شرح خطبة ١٨١ عن بعض، وأمّا إنكار الشّقشقيّة فنقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ / ٦٩، شرح خطبة ٣ وابن ميثم في شرحه ١ / ٢٥١، شرح خطبة ٣ .
[٢] . شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٥٢٦، شرح خطبة ١٨١ .
[٣] . صحاح اللّغة للجوهري ٢ / ٩٢٧، مادّة « كرس »، وأساس البلاغة ٣٩٠، مادة « كرس »، ولسان العرب ٦ / ١٩٣، مادّة « كرس » .
[٤] . كما سبق في شرح الفقرة .
[٥] . رواها الجاحظ في البيان والتّبيين ٢ / ٥٨ عن معاوية ثمّ أُنكر كونها له ورواها عن معاوية أيضاً ابن قتيبة في عيون الأخبار ٢ / ٢٣٧، وابن عبد ربّة في العقد الفريد ٤ / ١٥٢ .
[٦] . نهج البلاغة ١ / ٩٦٤، شرح أُصول الكافي، المازندراني ١١ / ١٣٥٣، البحار ٧٥ / ١٣٥٣، شرح النهج، المعتزلي ٢ / ١٧٤، إعجاز القرآن، الباقلاني ١٤٨ .
[٧] . وهلتم: أي خفتم .
[٨] . نهج البلاغة ١ / ٥٧ .
[٩] . السبقة: هي الغاية التي يجب السباق إليها .
[١٠] . تحف العقول ٩١، كنز الفوائد ١٤٧، البحار ٦٨ / ٣٩٦، ينابيع المودّة ١٠٠، شرح النهج ١٩ / ٣٥، كشف الخفاء ،العجلونى ٢ / ٢٨٥، المناقب، الخوارزمى ٣٦٨ .
[١١] . نهج البلاغة ١ / ١٧ ـ ٧٣ .
[١٢] . البصائر والذخائر ـ أبو حيّان التوحيدي ١١١ .
[١٣] . نصرة الثائر على المثل السائر ١١٦ .
[١٤] . بهجة المجالس ٣ / ٣٠١ .
[١٥] . المصدر السابق ٣ / ٣٨١ .
[١٦] . النجوم الزاهرة ٨ / ٢٥٧ .
[١٧] . البصائر والذخائر: ٢٥ .
[١٨] . الأمالي، أبي علي القالي ٣ / ١١١ .
[١٩] . بهجة المجالس ١ / ٣٣٢ .
[٢٠] . البصائر والذخائر: ١٥٥ .
[٢١] . مفتاح السعادة ومصباح السيادة ١ / ٤٩ .
[٢٢] . حلية الأولياء ١ / ٧٧ .
[٢٣] . البيان والتبيين ١ / ٢٩٧ .
[٢٤] . العقد الفريد ٢ / ٣٠٩ .
[٢٥] . تحف العقول ٩١، كنز الفوائد ١٤٧، البحار ٦٨ / ٣٩٦، ينابيع المودّة ١٠٠، شرح النهج ١٩ / ٣٥، كشف الخفاء، العجلوني ٢ / ٢٨٥، المناقب، الخوارزمي ٣٦٨ .
[٢٦] . المصدر السابق ٣١٠ .
[٢٧] . العقد الفريد ٢ / ٣١٩ .
[٢٨] . ربيع الأبرار ٤ / ١٥٧ .
[٢٩] . ربيع الأبرار ٤ / ١٥٧ .
[٣٠] . البيان والتبيين ٢ / ١١١ .
[٣١] . المصدر السابق ١٩٠ ـ ١٩١ .
[٣٢] . ربيع الأبرار ٤ / ١٤٩ .
[٣٣] . البصائر والذخائر ٣٧ .
[٣٤] . الحكمة ٨٣ إلى الحكمة ٨٨ عن كتاب التمثيل والمحاضرة ـ الثعالبي ٣٠ .
[٣٥] . اقتبسنا هذه الحكمة وما بعدها من نهج البلاغة ـ الجزء الرابع .
[٣٦] . دار مجاز: أي يُجاز فيها إلى الآخرة، ومنه سمّي المجاز في الكلام مجازاً، لأنّ المتكلّم قد عَبَر الحقيقة إلى غيرها .
[٣٧] . دار القرار: دار الاستقرار الذي لا آخر له .
[٣٨] . نهج البلاغة ٢ / ١٨٣، مناقب ابن الدمشقي ١ / ٣١٢، شرح النهج ٦ / ٢٣٢، البحار ٧ / ١٣٤ .
انتهى .
منقول من كتاب سيرة الإمام علي (عليه السلام) الشيخ نجاح الطائي