وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
جدلية النص والتعيين في بناء مفهوم التسامح كمنظومة قيمية عند الإمام علي (ع) في نهج البلاغة
الاستاذ الدكتور: عباس فاضل الدليمي
جامعة ديالى - كلية التربية الأساسية

المقدمة

اختلف المسلمون منذ وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا في  التأصيل الأيدلوجي لسلطة الحاكم الدنيوي هل هي نصية أم اجتهادية (التعيين من قيل الأمة ) حتى أضحت جدلية قائمة ومستقرة كتب الكثيرون فيها وساق كل فريق أدلة نقليه وعقلية لتأييد مايذهب إلى القول به.

وأنتج هذا الخلاف آلية صراع دموية رهيبة حاول بعض المؤرخين إخفاءها أو تقليل خسائرها لأنها تمثل الردة الحقيقية عن الإسلام والتي تتميز بأنها ردة تتصف بالاستمرارية وكأنها مصداقا لقوله تعالى «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين».

إن محاولة النظر إلى هذا الصراع من وجهة نظر ثانية تتصف بإشاعة مفهوم التسامح كجزء أساس في بناء منظومة قيمية قادرة على توحيد المسلمين وغير المسلمين وتجنيبهم الصراع السلطوي النازف من خلال النظر في خطب الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة والتي تصلح لبناء تأصيل شرعي لبناء مفهوم الدولة الإسلامية المدنية .

سأتناول في هذا البحث مفهوم التسامح كقيمة عقائدية في خطب الإمام علي في نهج البلاغة وادع التأصيل الشرعي لبناء الدولة المدنية الإسلامية لبحث آخر انشاءالله.

يتطلب البحث في التأصيل الشرعي إلى استعراض النصوص الواردة في نهج البلاغة التي تخص موضوع الإمامة والخلافة وهو ما تناولناه في المطلب ِالأول من البحث، لان حصر النصوص يسمح بتكوين الصورة الدلالية في بناء أسس التأصيل الفكري لوضوح أداة البناء والتي أعلاها النص، أما دلالة النص على المعنى المراد فسوف يعتمد الباحث على شرح النهج لابن أبي الحديد لان الشرح الوافي فيه يكفي لإيضاح الدلالات المطلوبة للتأصيل الفكري لمفهوم التسامح.

وتناول الباحث في المطلب الثاني مفهوم المنظومة القيمية بعدها النموذج الأصلح للخروج من الصراع الدموي لمفهوم السلطة والذي تجلى أثرة في النكسة الإسلامية (استشهاد الحسين بن علي عليهما السلام ) وجاء المبحث الثالث بعنوان نظرة تحليلية للموازنة بين خطب الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة وبين مفهوم بناء المنظومة  القيمية، وأردفنا البحث بخاتمة أثبتنا فيها ابرز النتائج والتوصيات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول: النصوص في نهج البلاغة

قبل استعراض النصوص الواردة في نهج البلاغة يتعين علينا تعريف التسامح لغة واصطلاحا وكذلك استعراض بعض الآيات الدالة على معنى مفهوم التسامح لتكون المدخلالأسلم في التوافق بين النصوص والمفهوم.

التسامح لغة «جاء في اللسان في مادة (سَمَحَ) السَّماحُ والسَّماحةُ: الجُودُ. سَمُحَ سَماحَةً وسُمُوحة وسَماحاً: جاد؛ ورجلٌ سَمْحٌ وامرأة سَمْحة من رجال ونساء سِماح وسُمَحاء فيهما، حكي الأَخيرة الفارسي عن أَحمد بن يحيى. ورجل سَمِيحٌ ومِسْمَح ومِسْماحٌ: سَمْح؛ ورجال مَسامِيحُ ونساء مَسامِيحُ؛ الإِسماح: لغة في السَّماحِ؛يقال: سَمَحَ وأَسْمَحَ إذا جاد وأَعطى عن كَرَمٍ وسَخاءٍ؛ وقيل: إِنما يقال في السَّخاء سَمَح، وأَما أَسْمَح فإِنما يقال في المتابعة والانقياد؛ ويقال: أَسْمَحَتْ نَفْسُه إذا انقادت، والصحيح الأَول؛ وسَمَح لي فلان أَي أَعطاني؛ وسَمَح لي بذلك يَسْمَحُ سَماحة. والمُسامَحة: المُساهَلة. وتَسامحوا: تَساهَلوا.

ويقال: أَسْمَحَتْ قَرِينتُه إذا ذلَّ واستقام، وسَمَحَتِ الناقة إذا انقادت فأَسرعت، وأَسْمَحَتْ قَرُونَتُه وسامحت كذلك أَي ذلت نفسه وتابعت. ويقال: فلانٌ سَمِيحٌ لَمِيحٌ وسَمْحٌ لَمْحٌ.وتقول العرب: عليك بالحق فإِن فيه لَمَسْمَحاً أَي مُتَّسَعاً، كما قالوا: إِن فيه لَمَندُوحةً»  أما اصطلاحا فمعناه «هو كلمه دارجة تستخدم للإشارة إلى الممارسات الجماعية كانت أم الفردية تقضي بنبذ التطرف أو ملاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء»

وكذلك يدل على« قبول اختلاف الآخرين – سواء في الدين أم العرق أم السياسة – أو عدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين أو إكراههم على التخلي عن آخر يتهم»

والآيات القرآنية التي يمكن إيرادها لتأكيد المعنى السابق أو تأصل لمفهوم التسامح على وفق الآتي :

يقول سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

ويقول تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا)

ويقول تعالى: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

ويقول تعالى: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)

ويقول تعالى: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)

ويقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)

ويقول تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)

أما النصوص الواردة في نهج البلاغة فيما يخص مفهوم الخلافة فهي تؤكد على مفهوم النص وليس التعيين وعلى وفق الآتي :

النص الأول:

«أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها  فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ  دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً . وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ! فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذًى، وَفي الحَلْقِ شَجاً ، أَرَى تُرَاثي  نَهْباً» 

النص الثاني:

«لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد (صَلَّي عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي ، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي. وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الْآنَ إِذْ رَجَـــعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَى نْتَقَلِهِ».

النص الثالث :

« أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ الْمُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ. أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ، أوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ. هَذَا مَاءٌ آجِنٌ ، وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا، وَمُجْتَنِي الَّثمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كالزَّارعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ. خلقه وعلمه فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا: حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ، وَإنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا: جَزِعَ مِنَ المَوْتِ! هَيْهَاتَ  بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي  ! وَاللهِ لَاَبْنُ أَبي طَالِبٍ آنَسُ بالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّهِ، بَلِ انْدَمَجْتُ  عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لَأَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ  فِي الطَّوِيِّ  البَعِيدَةِ!».

النص الرابع :

قالوا: لمّا انتهت إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنباء السقيفة  بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال (عليه السلام) : ما قالت الانصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال (عليه السلام): « فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَىمُحْسِنِهمْ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟ فقال (عليه السلام): لَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ. ثم قال: (عليه السلام): فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله. فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الَّثمَرَةَ».

النص الخامس:

«لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَـــكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ»

النص السادس:

دَعُوني وَالْتَمِسُوا غَيْرِي; فإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ; لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ ، وَإِنَّ الاْفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، وَالْمَحَجَّةَ  قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ; وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!».

النص السابع:

«أَمَّا بَعْد، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ  عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِىءَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا ، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا.

فَاسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُوني عَنْ شَيْء فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلاَ عَنْ فِئَة تَهْدِي مائةً وَتُضِلُّ مائةً إِلاَّ نَبَّأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا  وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا، وَمنَاخِ  رِكَابِهَا، وَمَحَطِّ رِحَالِهَا، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً.

وَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ كَرَائِهُ الاْمُورِ، وَحَوَازِبُ الْخُطُوبِ، لاَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ، وَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسْؤُولِينَ، وَذلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ، وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاق، وَضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً، تَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْبَلاَءِ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ لِبَقِيَّةِ الاْبْرَارِ مِنْكُمْ.

إِنّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهِتْ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ، يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَت، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَات، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ، يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً.

أَلاَ وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فَتْنَةُ بَنِي اُمَيَّةَ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ: عَمَّتْ خُطَّتُهَا، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا، وَأَخْطَأَ الْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا.

وَايْمُ اللهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوْء بَعْدِي، كَالنَّابِ الضَّرُوسِ : تَعْذِمُ  بِفِيهَا،وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا،وتَزْبِنُبِرِجْلِهَا، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا، لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مَنْكُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ، أَوْ غَيْرَ ضَائِر بِهِمْ، وَلاَ يَزَالُ بَلاَؤُهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ مثل انْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ، تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ  مَخْشَيَّةً ، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدىً، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى.

نَحْنُ أَهْلَ الْبِيْتِ مِنْهَا بنجاة، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الاْدِيمِ : بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً ، وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْس مُصَبَّرَة ، لاَ يُعْطِيهِمْ إِلاَّ السَّيْفَ، وَلاَ يُحْلِسُهُمْ  إِلاَّ الْخَوْفَ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ ـ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ـ لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً، وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزْور، لاِقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلاَ يُعْطُونِيهِ!»

النص الثامن:

وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزوالروم « وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لِأَهْلِ هَذا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَالَّذِي نَصَرَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لاَ يَمُوتُ. إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ بِشَخْصِكَ فَتُنْكَبْ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ  دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ. وَلَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِحْرَباً، وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، كُنْتَ رِدْأً للنَّاسِ  وَمَثَابَةً  لِلْمُسْلِمِينَ».

النص التاسع:

« لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً. إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُوني عَلى أَنْفُسِكُمْ، وَايْمُ اللهِ لَأٌنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ، مِنْ ظَالِمِهِ, وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ  حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً».

النص العاشر:

« لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، وَعَائِدَةِ كَرَمٍ. فَاسْمَعُوا قَوْلي، وَعُوا مَنْطِقِي، عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الضَّلاَلَةِ، وَشِيعَةً لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ».

النص الحادي عشر:

« وَنَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْدَهُ  دَاعٍ دَعَا، وَرَاعٍ رَعَى، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي، وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.

قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ، وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ،وَأَرَزَالْمُؤْمِنُونَ، وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. نَحْنُ الشِّعَارُ  وَالْأَصْحَابُ، وَالْخَزَنَةُ وَالْأَبْوَابُ، وَلاَ تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً. منها: فِيهِمْ كَرَائِمُ  الْقُرْآنِ، وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا.

فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ، وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ.

وَالنّاظِرُ بِالْقَلْبِ، الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ، يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ: أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ! فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَليْهِ وَقَفَ عِنْدَهُ.

فَإِنَّ الْعَامِلَ بَغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِعَلَى غيْرِ طَرِيقٍ، فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، وَالْعَامِلُ بالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ: أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ! وَاعْلَمْ أَنِّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلى مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ.

وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِق (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَيُحِبُّ الْعَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ».

وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ نَبَاتٌ، وَكُلَّ نَبَاتٍ لاَ غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ، وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا طَابَ سَقْيُهُ، طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ، وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ».

النص الثاني عشر:

« يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ. إنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ، وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَحَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ: أمَّا الْإِسْتِبْدادُ عَلَيْنَا بِهذَا الْمَقامِ وَنَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَالْأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه- نَوْطاً، فَإنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفوسُ آخَرِينَ، وَالْحَكَمُ اللهُ، وَالْمَعْوَدُ إلَيْهِ الْقِيَامَةُ.

وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ وَلكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ وَهَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إبْكَائِهِ، وَلاَ غَرْوَ وَاللهِ، فَيَا لَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ، وَيُكْثِرُ الْأَوَدَ ! حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نَورِ اللهِ مِنْ مِصْباحِهِ، وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا  بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً، فَإنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ ، وَإنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»).

النص الثالث عشر :

« إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالْشَّرَّ; فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا، وَاصْدِفُوا  عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا. الْفَرَائِضَ الْفَرائِضَ! أَدُّوهَا إلَى اللهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. إنَّ اللهَ تَعالَى حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ، وَأَحَلَّ حَلاَلاً غَيْرَ مَدْخُولٍ ، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا، وَشَدَّ بِالْإَخْلاَصِ وَالتَّوحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا ، فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَلاَ يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلاَّ بَمَا يَجِبُ. بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ، تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ. اتَّقُوا اللهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلاَدِهِ، فَإنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ، أَطِيعُوا اللهَ وَلاَ تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ، وَإذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ».

النص الرابع عشر:

« منها : وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّكَ يابْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَى هذَا الْأَمْرِ لَحَرِيصٌ.

فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ لِأَحْرَصُ وَأَبْعَدُ، وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ  فِي الْملاءِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ  كَأَنَّهُ بُهِتَ لاَ يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ!».

النص الخامس عشر :

الاستنصار على قريش «اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِـي ثُمَّ قَالُوا: أَلاَ إنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ».

النص السادس عشر :

« وَلَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللهِ وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ. وَلَقَدْ وَاسَيْتُهُ  بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتي تَنْكُصُ  فِيهَا الْأَبْطَالُ وَتَتَأَخَّرُ الْأَقْدَامُ، نَجْدَةً  أَكْرَمَنِي اللهُ بِهَا. وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي.

وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي، فَأَمْرَرْتُهَا عَلَىُ وَجْهِي. وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- وَالْمَلاَئِكُةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والْأَفْنِيَةُ : مَلاَ يُهْبِطُ، وَمَلاَ يَعْرُجُ، وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ. فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً؟ فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ ، وَلْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ!».

النص السابع عشر :

«هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ, وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ. لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ  الْإِعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ  عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ ، لاَ عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ. فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ».

النص الثامن عشر :

«أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اَللَّهُ وَوَضَعَهُمْ وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ وَ أَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ بِنَا يُسْتَعْطَى اَلْهُدَى وَيُسْتَجْلَى اَلْعَمَى إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ وَلاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ منها آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً وَتَرَكُوا صَافِياً وَشَرِبُوا آجِناً كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ اَلْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ وَبَسِئَ بِهِ وَوَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ وَ صُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِلاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ أَوْ كَوَقْعِ اَلنَّارِ فِي اَلْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ أَيْنَ اَلْعُقُولُ اَلْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ اَلْهُدَى وَاَلْأَبْصَارُ اَللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِاَلتَّقْوَى أَيْنَ اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ اِزْدَحَمُوا عَلَى اَلْحُطَامِ وَتَشَاحُّوا عَلَى اَلْحَرَامِ وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ اَلْجَنَّةِ وَاَلنَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ اَلْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ وَأَقْبَلُوا إِلَى اَلنَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا وَدَعَاهُمُ اَلشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا».

المبحث الثاني : المنظومة القيمية

إن النظرية القيمية بالأساس تستند إلى المفهوم الأخلاقي ولدى التتبع لما كتبه المفكرون ومن مختلف الاتجاهات نجد أن اتفاقا قد حصل ومنذ الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا مؤداه أن بالإمكان « تأسيس نظام عالمي جديد لن يكون إلا استناداً إلى مبادئ أخلاقية عالمية وشاملة، فالأزمة العالمية الراهنة لا ينبغي أن تدفعنا لمعاداة الحداثة، كما يفصل الأصوليون من سائر الديانات، كما لا ينبغي أن تدفعنا لمحاولة التفوق على الحداثة وتجاوزها بل لابد من احتواء عصر الحداثة استناداً إلى نظام أخلاقي يتسم بالموضـــوعية والشمولية في قيمه ومقاصده».

إن هذا النظام الأخلاقي سوف لن يكون إلا لتحقيق إنسانية الإنسان وإنسانية الإنسان لن تتحقق إلا بوجود مفاهيم محددة يجب الاتفاق عليها.

إن النظر إلى كل المنظومات القيمية العالمية يؤشر اعتمادها بالأساس على المنظومة القيمية الدينية ، إذ جاءت الأديان بمجموعة من القيم الأخلاقية منسجما مع المرحلة الزمنية التي ظهر فيها كل نبي أو رسول، ولكن مع ذلك كان هناك وحدة في المنظومة القيمية لكل الأديان، فكل الديانات أكدت على مفاهيم ممدوحة كالصدق والأمانة والشجاعة والرجولة والفروسية والتسامح ومساعدة الآخرين والإيثار والمحبة والحوار والدعوة إلى الله بالين والابتعاد عن العنف ......الخ وكذلك ذمت مفاهيم مثل الكذب والفجور والنميمة والخيانة والجبن ( الفرار من الزحف) والتعصب والاعتداء على الآخرين.... الخ.

تشير هذه الوحدة القيمية للأديان إلى وحدة المصدر ( الخالق سبحانه وتعالى) وفي الوقت نفسه تشير إلى ابرز قيمة أخلاقية وهي إن الأنبياء جميعا هم مبلغين عن الله والآيات القرآنية التي وردت في القران الكريم تؤكد ذلك وهو المفهوم الأكثر حاجة في التأصيل له في وقتنا الحاضر لأنه سيحل كثير من الإشكاليات في الثقافة الإسلامية المعاصرة واقصد فيها إشكالية العنف واللاعنف في التعامل مع الآخرين.

إن المنظومة القيمية الدينية أسهمت في تكوين وعي اجتماعي أسهم بشكل كبير في تكوين سلطات حكومية تمتلك الحق الشرعي في الحكم أو على العكس تتعرض للكوارث عند تغير الوعي الاجتماعي الذي أنتجها، وهو شكل صراع قيمي عبر المراحل التاريخية المختلفة بين المجتمعات العالمية، وقد امتد هذا الصراع القيمي إلى يومنا الحالي والذي اخذ محاور ثلاثة :

الأصولية التي تؤمن بواحدية الحقيقة وتعتقد بأنها تملكها.

والنسبية التي تتلبس جملة متنوعة من الصيغ؛ وتنكر فكرة الحقيقة الواحدة، لكنها رغم ذلك تحاول التعامل مع كُلّ رؤية خاصة وكأنها صادقة.

الإيمان بواحدية الحقيقة من الأصولية؛ غير أَنَّهُ يختلف عنها في أنه لا يعتقد بأننا استطعنا امتلاكها -أي الحقيقة- بشكل نهائي وكامل في أيِّ وقتٍ من الأوقات، وهذا الموقف لا يستخدم أي إيمان اعتقادي جوهري ليؤسس سلوكه العملي والبحثي، بل مجرد نوعٍ من الولاء لبعض القواعد الإجرائية المعيّنة على حد تعبيره

الجديد في هذا التقسيم هو الاعتراف الضمني بوجود رؤيةٍ أخرى مختلفة عن السياق الغربي وهي رؤية العالم الإسلامي الذي  ما زال المسلمون يخضعون لقيمها ويؤمنون بها.

إن اغلب الأصوليات الدينية والعرقية ذات نظرة أحادية في تعاملها مع الآخرين وما حصل من جرائم الإبادة الجماعية في أوربا أوأمريكا أوالصين أوروسيا أو غيرها من البلدان في الصراعات الكنسية أو العرقية  وصولا إلى منظوماتها القيمية المعاصرة إلا دليل على ما نقول فمثلا «الأوروبيين والأمريكيين، فهم الأكثر استغلالا للطبيعة ومواردها ومخلوقاتها. ألم يقل الأديب الروسي الكبير ليو تولستوي إن الذين يعتبرون أنفسهم أكثر سكان الأرض تحضرا ورقيا هم في واقع الأمر أبشع السفاحين والقتلة على مدى التاريخ. ويقصد بذلك طبعا حكام الغرب بالدرجة الأولى وطبقاته المسيطرة...

أليست أيادي الرجل الأبيض الاستعماري ملطخة بدماء الملايين من الأبرياء والمساكين في هذا العالم على مدى القرون؟ لقد كانوا دائما يصورون لنا الشر على أنه أسود اللون بينما هو في الحقيقة أبيض لا تخطئه عين. ألم يتوطد الاستيطان الأمريكي الأبيض فيما بات يُعرف لاحقا بأمريكا الشمالية على جثث ملايين الهنود الحمر؟ ألم يقتل المهاجرون البيض أكثر من ستين مليونا من سكان البلاد الأصليين كي يقيموا فيما بعد ما أصبح يُعرف بالولايات المتحدة الأمريكية...

لماذا لا يتعاطف العم سام معنا ضد المستوطنين الصهاينة في فلسطين؟ كيف له أن يساندنا وهو الذي أقام دولته الكبرى عن طريق الاستيطان والاحتلال والتهجير والإبادة وإزالة كل معالم أصحاب الأرض الأصليين واقتلاعهم من جذورهم.

هل يفعل الصهاينة في فلسطين شيئا جديدا، أم أنهم يطبقون سياسة أسيادهم وعرَّابيهم القديمة في أمريكا لقد كانت الحربان الأولى والثانية حربين غربيتين بامتياز.

كم من الملايين قتلوا في تلك الحربين؟ لقد خسر الروس لوحدهم أكثر من عشرين مليون روح، وحدث ولا حرج عن خسائر أنظمة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبولندا والنمسا وغيرها.

ولا داعي للتذكير بمجازر الاستعمار البريطاني والفرنسي والهولندي والبرتغالي وغيره في آسيا وأفريقـيا وأمريـكا الجنوبية، فهي أكـثر من الهم على القلب لم يدخل الرجل الاستعمـاري الأبيض منطقة إلا وعاث فيها خـرابا ودمارا وفسادا وليس حضارة كما يزعمون».

ولكن المشكلة التي لم يتخلص منها بعض من الدول المشار إليها سابقا هو شكل التناقض في التعامل مع الآخر ففي الوقت الذي شيدوا منظومتهم القيمية على أنقاض الإبادة الجماعية وتعاملوا تعاملا بين شعبهم وأوطانهم على أساس المنظومة القيمية نجدهم يتعاملون مع الآخرين بنفس المنظومة الأصولية التي لاتقبل الحقيقة إلا بشكل أحادي.

هذه المتناقضة نلحظها أيضا في الأصولية الإسلامية بشكل واضح من خلال الصراع السياسي حول السلطة السياسية بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدءا من معركة الجمل وصفين وانتهاء إلى وقتنا الحالي وكان هذا الصراع يستند على الموقف من مفهوم النص والتعيين ولذلك وجدنا اغلب الكتاب الأوربيين لايحسن الكتابة في هذا الموضوع لأنهم ينظرون إلى الإسلام من خلال نظرة أحادية فمثلا الانثروبولوجي الشهير ارنست غلينر عندما يتحدث عن الأصولية ويوازنها بالإسلام يقول : «أن هناك ممانعة بين الإسلام والعلمنة، والاعتقاد أن العلمنة يمكن أن تنتشر في الإسلام هو اعتقاد زائف في أصله، وينبع سبب ذلك في رأيه من طبيعته الاعتيادية أولاً؛ ومن الغياب النظري لطبقة رجال الدين ثانياً، فليس هناك مكانة مقدسة متميزة في الإسلام تفضل المرشد الديني للطقوس الشعائرية عن جمهرة المؤمنين من عامة الناس، وهذا ما حجب الإسلام عن الإصلاح السياسي الذي حدث في المسيحية، ذلك أن لغة الصراع السياسي في المسيحية كانت قائمة على إلغاء أفضلية هذه الطبقة في حين أنها لم تؤد في الإسلام إلا إلى تكرار وتعاقب الأشخاص في نظام اجتماعي ثابت لا يتغير، وبذلك ثبت الإسلام في صيغته الحالية على نموذج الإصلاح النهائي الذي يمكن أن يصل إليه، فليس من الضروري إذاً مناقشة أسسه الفكرية والعقائدية بقدر ما يفرض علينا أخذه بعين الاعتبار سياسياً، وعدم إلغاءه، والاعتراف بحجمه التأثير الهائل الذي تحقق من خلال الوجه الطهراني والمساواتي الذي يطرحه الإسلام عن نفـسه، مِـمَّا جعله ديناً لكثير من المسـتبعدين والمهمشين في العالم» .

هذا الاستنتاج القيمي الخاطئ يقود إلى نتائج ضبابية لا تصلح لبناء منظومة قيمية تستوعب الجميع « فانتشار الوفرة الاقتصادية على عكس ما يرى علماء الاجتماع لن يؤدي إلى تآكل وإضعاف الالتزام الديني.

فحتى الثروة النفطية الهابطة من السماء، والتي لم تُكتسب بالجهد والعرق، لم تملك مثل هذا التأثير، يضاف إلى ذلك أن الإسلام قد أثبت قدرته على اختراق المبادئ التكنولوجية والتعليمية والتنظيمية الغربية وضمها وتوحيدها مع الإيمان الراسخ والتماهي في الإسلام، بكل ما يمتلكانه من قوة وانتشار، ولا يبدو أن الدين العالمي الإسلامي مقرر عليه بالضرورة أن يتآكل أو يضعف بتأثير الأوضاع والظروف الحديثة، بل على العكس قد تقدم له هذه الظروف الدعم والمساندة» .

إن عالم مثل غيلنر عاش سنيا في المغرب ومصر سطر نظرته من خلال النظام المعرفي الإسلامي من وجهة نظره التي مؤداها «فالإسلام بالنسبة إليه يمتلك نظاماً معرفياً خاصاً به، وبنيته التكوينية قارة أو ثابتة لا تتغير مع تغير الأزمنة والدهور، على الأقل بالنسبة لمعتنقيها والمؤمنين بها، وأصواته الأصولية التي تخرج من هنا وهناك وتتكاثر يمنة ويسرة لا تمثل خروجاً عن نسقه المعرفي أو النظام النظري الخاص به، لا، بل إِنَّهَا تمثل تعبيراً صريحاً عن مكنونه الفكري ومعتقده الإيماني، ولذا، يبدو مكتوباً على جميع المحاولات النظرية والعملية التي تسعى إلى موائمة الإسلام مع العصر، أو تلك التي تحاول أن تفترض انسجاماً بين الإسلام والقيم الكونية، يبدو مكتوباً على جميع هذه المحاولات الإخفاق والفشل الذر يع، وعلى الغرب، بوصفه يمتلك نظاماً معرفياً مغايراً ومختلفاً، أن لا يضيع وقته في محاولات يائسة وبائسة لإدخال الإسلام في الحداثة، بل عليه أن يحاذر الأصولية سياسياً التي ستشهد صعوداً يخشى فيه».

إن غيلنر كتب ذلك قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بحدود العشر سنوات وقد حدد التباين القيمي إلى تباين النظام المعرفي بينما أثبتت الأحداث بعد الحادي عشر من سبتمبر على أهمية الابتعاد عن الأصولية ويناء معرفي قيمي مشترك أساسه الحوار والقبول بالآخر وان ما طرحه الرئيس الأمريكي بوش من برنامج مكافحة الإرهاب الذي اثبت فشله في أفغانستان والعراق وكذلك ما طرحته الجماعات الأصولية من تقسيم العالم إلى فسطاطين نتيجتهما توزيع الموت المجاني على كل البشر يرشدنا إلى ضرورة البناء القيمي الذي ننادي به ليشكل العمود الفقري للمجتمع المدني دون الدخول في صراع شعاره الغلبة لي وإنما صراع الكل فيه منتصر.

إن نظرية الفعل ورد الفعل لا يمكن أن يشكل جوا سليما لحوار من اجل بناء قيمي أخلاقي قادر على التعايش مع النظام العالمي الجديد وإنما استخراج المشتركات الإنسانية على وفق قول الإمام علي (عليه السلام) « وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ».                                                                

وهنا علينا التأسيس لثقافة قيمية مجتمعية وطنية وأخرى إقليمية وثالثة عالمية، أساس الأولى هو الموروث الوطني بكل أطيافه وأعراقه وانتماءاته والثاني أساسه المصالح الإقليمية المشتركة على وفق مفهوم الشراكة واحترام اختيارات الغير وشكل البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي ينشده والثالث أساسه النظام العالمي الجديد مع الحفاظ على الخصوصية الوطنية والإقليمية دون الالتفاف مع قطب على قطب وإنما الأخذ بالحسبان أن دوام الحال من المحال.

إن هذه النظرة ليست غريبة أو جديدة وإنما مستوحاة من خلال الاطلاع على المستجدات الفلسفية لبناء منظومة قيمية عالمية نادي بها بعض من المفكرين «برز من بين هذه الدعوات بيان الستين مثقفاً ومفكراً أمريكياً الذي حمل عنوان من أجل ماذا نحارب؟ رسالة من أمريكا، وكان من أبرز الموقعين عليه فرانسيس فوكوياما وصاموئيل هنتغنتون وصومائيل فريدمان وتوماس كوهلر ونيل جيلبرت وهارفي مانسفليد وروبرت بوتمان وغيرهم، ورعاه بشكل رئيسي معهد القيم الأمريكية الذي يرأسه ديفيد بلانكنهورن، ويدافع بشكل رئيسي عن القيم الأمريكية في المجتمع والأسرة والدين والاقتصاد ويقود حواراً مهماً حول جميع هذه القضايا في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، يمكن القول إن هذا البيان قد أطلق حواراً من نوع فريد حول معنى ومفهوم "القيم الكونية" أو"اليونيفرسال" كما يجري تداولها الآن في الفلسفة الفرنسية والأمريكية بشكل كبير»، ولقد أوضح هذا البيان مبادئ قيمية عالمية يمكن أن تكون بداية لمنظومة قيمية عالمية وهي  كالأتي :

١- إن البشر يولدون متساوين في الكرامة كما في الحقوق.

٢- الشخصية الإنسانية هي العنصر الأساسي في المجتمع، وتكمن شرعية دورالحكم في حماية هذه الشخصية والمساعدة في تأمين فرص التفتح الإنساني لها.

٣- يرغب البشر بطبيعتهم في البحث عن غاية الحياة ومقاصدها.

٤- حرية الضمير والحرية الدينية من الحقوق التي لا يمكن انتهاكها في الشخصية الإنسانية.

٥- القتل باســم الله مخالف للإيمان بالله، وهو يشكل خيانة عظمى لكونية الإيمان الديني» .

إن النقاط الواردة في أعلاه تشير بوضوح إلى فكرة عالمية القيم وان بالإمكان الخروج بمنظومة قيمية إنسانية لان المبادئ أعلاه لها قاسم مشترك عند كل الشعوب ولايختلف مفكر عن آخر فيها بغض النظر عن الجنسية أو اللون أو العرق، وهذه المبادئ نفسها نجدها في الفكر الإسلامي وعلى وفق  الأتي :

 ١- الإنسان من حيث كينونته هو مخلوقٌ مكرم، فلا يجوز أن يُعتدى عليه مهما كان لونه أو عرقه أو دينه، قال تعالى ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾.

٢- تحريم قتل النفس الإنسانية بغير حق، بل قتل نفس واحدة ظلماً عند الله كقتل الناس جميعاً، وحماية نفس واحدة من القتل كإحياء الناس جميعاً.

٣- كما لا يجوز إكراه أحد في دينه، قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾، بل إن الإسلام نفسه لا يصح مع الإكراه.

٤- إقامة العلاقات الإنسانية على الأخلاق الكريمة أساسٌ في رسالة الإسلام.

٥- المسؤولية في الجنايات الخاصة فردية فلا أحد يؤخذ بجريرة غيره، كما أن العدل بين الناس حقٌ لهم و الظلم محرّم فيما بينهم مهما كانت أديانهم أو ألوانهم أو قومياتهم، قال تعالى: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى﴾.

٦ـ أما الحواروالدعوة فَإِنَّمَا يتمان بالحسنى، قال تعالى:﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾.

يصطدم هذا الاتفاق على شكل المنظومة القيمية العالمية عند كل المفكرين الإنسانيين في إيجاد آلية لتطبيق هذه المنظومة القيمية، بمعنى كيف نطبق ذلك في ارض الواقع ؟ لان هناك من يعتبر إن «هذه القيم ليست كونيةً البتة، بل هي تنحدر بالأخص من حضارة الغرب المسيحي وهم يحاجُّون بأن الإقرار بكونية هذه القيم يُلغي خصوصية الثقافات الأخرى».

بينما يرى آخرون «نحن نخالف ذلك. نحن نعترف بالطابع الناجز لحضارتنا، لكننا نؤمن بأن الناس جميعهم خلقوا متساويين. كما نؤمن بالحرية الإنسانية، كإمكانية كونية ورغبة، وبأن هناك حقائق أخلاقية أساسية معينة يشترك كلُّ العالم في الإقرار بها لا غبار - بكل تأكيد- على أن الحرية الإنسانية والكرامة هي محط تبجيل من قبل الثقافات جميعها.

بيد أننا نعود للقول مجدداً أن فهم هذه الثقافات للحرية يختلف من ثقافةٍ إلى أخرى، وهو ما استدعى السعودية والصين، كمثالين فقط يعبران عن ثقافتين مختلفتين، للتحفظ على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨ بحجة أنه يناقض في عددٍ من بنوده القوانين المرعية في كلا البلدين التي تؤكد على الخصوصية الثقافية لكلٍّ منهما».

وكمثال على ذلك هو الاختلاف بين الأمريكيين والأوربيين «فالأمريكيون على سبيل المثال ميّالون لأن يروا لأية شرعية ديمقراطية وجوداً يفوق ما تتمتع به الدولة القومية من شرعية، أما الأوروبيون فعلى العكس تماماً، إذ يرون أن الشرعية الديمقراطية إِنَّمَا تنبع من إرادة المجتمع الدولي، أكثر من كونها مستمدة من أية دولة قومية منفردة على الأرض، يعود الخلاف في الرؤى حول الشرعية الديمقراطية إلى الخلاف حول دور القانون الدولي وأوّلها انعدام توازن القوى بين الولايات المتحدة الأمريكية وأية دولة أخرى سواها. مِـمَّا يدفع الدولة العظمى الوحيدة في العالم للانفلات من القيود وإلى تحرير قدرتها على الفعل.

كما أن الأوروبيين يعتبرون أن سلوكهم في مواجهة المشكلات أكثر براعةً وتنوعاً بحكم خبرتهم التاريخية، وخبرتهم تلك هي التي دفعتهم إلى اتخاذ موقفٍ سلمي من الحرب على العراق، مِـمَّا شكّل تناقضاً جذرياً مع الثقافة الإستراتيجية التي سادت في أوروبا طوال أربعة قرون، وهكذا فقد تبادل الأمريكيون والأوروبيون مواقفهم ووجهات نظرهم، فالانكفاء الأمريكي عن التدخل أصبح جموحاً بعد قرنٍ من الزمان، أما الحماسة الأوروبية للصراع والتدخل فقد قلمت أظافرها، وأصبحت تنشد السلام أكثر من رغبتها في الحرب.

غير أن أوروبا اليوم لا تستطيع أن تكبح جناح الولايات المتحدة في حروبها المتكررة، فهي لم تستطع مثلاً أن تمنعها عن خوض الحرب على العراق، لكنها تسعى وباستمرار إلى السيطرة على الوحش من خلال إيقاظ ضميره وتذكيره بماضيه.

لكن المحافظين الجدد الذين يسيطر معظمهم على المواقع الحساسة في الإدارة الأمريكية الحالية يؤكدون بما لا يقبل الشك، أن أمريكا وأوروبا قد أصبحتا منتميتين إلى عالمين مختلفين، أحدهما منحدر من الزهرة، وثانيهما من المريخ، وأنهما، تالياً، لا يؤمنان بالقيم نفسها.

فمن الصحيح كما قلنا أكثر من مَرَّة: إِنَّ  القيم الكونية تكاد تكون هي ذاتها، إلا أن طرق تطبيقها يزداد تبايناً حتى ضمن الثقافة نفسها، كما نجد في الثقافة الغربية، فالأوربيون والأمريكيون يمتلكون قيماً أساسيةً مشتركة، لكنهم لا يشتركون في فهمٍ واحدٍ لهذه القيم المشتركة.

فعلى سبيل المثال كلا الطرفين يمجدان الكرامة الإنسانية، إلا أن الأوربيين يرون في عقوبة الإعدام انتهاكاً لها، لكن الأمريكيين يستمرون في تطبيقها، كما أن أوروبا تتحول أكثر فأكثر إلى تبني العلمانية، في حين يمثل الدين مكانة مهمة في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية، والرئيس بوش نفسه يفاخر بتدينه العميق.

والولايات المتحدة تنزع نحو تفردٍ أكثر فأكثر وضوحاً في القرار والقيادة، معتبرةً أن المعاهدات الدولية ليست سوى قيود غير مبررة تكبل السيادة الأمريكية، أما الأوروبيون فيدعون، اقتناعاً وتركيباً وحاجةً، كما يقول باسكال بونيفاس، إلى تعددية قطبية؛ لأنهم مقتنعون بأن قواعد الحق تحمي الجميع ولا سيما الأضعف.

إن الأوربيين وعلى رأسهم الفرنسيين ينتهون إلى القول بأن "العالم الغربي الذي طالما وقف صفاً واحداً إلى جانب الولايات المتحدة بمواجهة التهديد السوفيتي، يميل اليوم إلى التصدع. وما عاد مؤكداً أننا نشترك بالعزم نفسه في تبني القيم نفسها والتصور نفسه للتهديدات والمخاطر وأساليب المواجهة. لم يعد من المجدي التغافل عن هذا الواقع متذرعين بوازع التضامن الغربي، والأحرى بنا، إذا أردنا أن نقيم علاقة عبر أطلسية جديدة، أن نقيمها على أسس جديدة وواضحة، وليس على أسس مفترضة مسبقاً وبعيدة كل البعد عن الواقع.

أما الأمريكيون فيعلنوها صراحة: "علينا أن نكف عن التظاهر بأن للأمريكيين والأوروبيين رؤية مشتركة عن العالم، لا بل عن الادعاء بأنهم يعيشون على الكوكب نفسه.

فإذا كان التصدع قد أصاب الثقافة الغربية ذات الأصل التاريخي المشترك، والهوية المسيحية اليهودية الواحدة، والتحالف السياسي الاقتصادي الاستراتيجي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإنه من الأسهل علينا القول إذاً: إِنَّ الثقافة الكونية" التي يبشر بها البعض، أكثر بعداً ونأياً مِـمَّا نتخيله.

فالصراع على القيم في جوهره هو اختلافٌ على المصالح والرؤى وامتلاك الأفضلية، وأن التفوق الحضاري الذي يشمل تفوقاً فكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً سيفرض حتماً تفوقاً قيمياً لصالحه، هذا ما يعلّمنا إياه التاريخ، والواقع المعاصر لا يبدو أنه يشذُّ عن تاريخه، لا بل إِنَّهُ يصدقه ويؤكده.

بيد أن ذلك يجب أن لا يعني بأي حالٍ من الأحوال انغلاق الثقافات وراء متراس خصوصياتها، إذ في ذلك انتحارٌ لها، وَإِنَّمَا انفتاحٌ على الآخر المختلف بما فيه إغناءٌ لها وبها، وسعيٌ حثيث باتجاه الإنساني المشترك منعاً ومحاصرةً للأصوليات التي لا تهدد "القيم الكونية" فحسب، وَإِنَّمَا تفجر الخصوصيات الثقافية ذاتها وتدمرها».

المبحث الثالث: دراسة موازنة

إن أول مايطالعنا في المنظومة القيمية هي استنادها إلى المفهوم الأخلاقي، هذا المفهوم الذي نجده واضحا تمام الوضوح فيما أثبتنا من نصوص من نهج البلاغة في المبحث الأول وأول مصادقيه لأجل ترسيخ ثقافة أو مفهوم التسامح هو الصبر على الأذى وترك الحق الشخصي من اجل سلامة المجموع، يقول الإمام علي في ذلك (لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَـــكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ).

فهنا إشارة واضحة المعنى على أن الخلافة هي حق للإمام، ولامنة لأحد عليه في ذلك إلا الله ورسوله، وانه (عليه السلام) ينظر إلى أمور المسلمين بالدرجة الأساس، ولا أهمية تعلو عليها حتى أمر الخلافة نفسه، وهو مااكده الإمام في أكثر من نص بالإضافة إلى سيرته العملية مع الخلفاء.

ذكرنا في تعريف التسامح اصطلاحا مانصه (هو كلمه دارجة تستخدم للإشارة إلى الممارسات الجماعية كانت أم الفردية تقضي بنبذ التطرف أو ملاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء ) هنا ليس فقط كان الإمام لايوافق على الذي جرى في أمر الخلافة في السقيفة وإنما كان يراها خروجا عن الالتزام بطاعة الله والرسول بدليل قوله في النص الرابع من المطلب الأول(قالوا: لمّا انتهت إلى أميرا لمؤمنين (عليه السلام) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال (عليه السلام) : ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال (عليه السلام): فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهمْ، وَيُتَجَاوَزَعَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟ فقال (عليه السلام): لَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ. ثم قال: (عليه السلام): فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله، فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الَّثمَرَةَ ).

وقد أكد الإمام ذلك بأوضح صورة في الخطبة الشقشقية وهي النص الأول في المطلب الأول بقوله :

(أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها  فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ! فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذًى، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أَرَى تُرَاثي  نَهْباً) – الخطبة طــويلة نقلنا منها موضع الحاجة.

تحدث الشيخ مغنية عن المعنى الوارد في الخطبة الشقشقية قائلا:«ما هذا ؟هل هو حرقة وتلهف على الخلافة، كما يتراءى للأغبياء ؟ حاشا لمن قال:  إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها.

وكلنا يعلم أن عليا يفعل ما يقول، ولا يقول ما لا يفعل، وإذن فما هو السر لهذه الشكوى وهذا التظلم ؟ السر واضح، لا إبهام فيه..

انه نفس الشي‏ء الذي أشعر به أنا و أنت، وكل إنسان حين ينتهب ثوبه عن بدنه ناهب أو غاصب، نقول هذا مع الإيمان والعلم بأن عليا أحرص على مصالح الناس من الناس أنفسهم، وانه لا يرضى و يغضب إلا للّه وحـــده.. هذا، إلى أنها نفثة مصدور هدرت ثم قرت، كما قال ( ع ) :( ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير ).

وكفى شاهدا قول الرسول الأعظم ( ص ) : أنا مدينة العلم، وعليّ بابها : (فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا ).

وعطف الجملة الثانية على الأولى للتوضيح والتفسير، والمعنى انه ( ع ) أعرض عن الخلافة، ولم يلتفت اليها، ثم بيّن السبب الموجب لذلك بقوله : (وطفقت أرتإي بين ان أصول بيد جذاء، أو أصبــر على طخية عمياء ).

بعد أن بويع أبو بكر بالخلافة فكر الإمام (ع): ماذا يصنع ؟ وانتهى به التفكير إلى انه واقف بين محذورين : إما أن يصر وينهض مطالبا بحقه من غير جدوى إلا إراقة الدماء لعدم الناصر، وتفتيت وحدة الإسلام و المسلمين، وإما أن يسكت ويصبر حرصا على هيبة الدين وصالحه، فاختار الصبر».

وهذا الكلام واضح المعنى في أن الإمام ( ع ) لم يعلن الحرب من أجل الخلافة، يقول محمد جواد مغنية « و لكنه لم يسكت عن حقه، بل استمر في الدعوة إلى نفسه هو ومن شايعه كسلمان وأبي ذر، وعمار، والمقداد» هذه الدعوى السلمية فيها إشارة واضحة لما نريد التأسيس له من مفهوم التسامح وكذلك فيها إشارة واضحة لما يسمى اليوم بالاحتجاج السلمي والمطالبة المتحضرة بالحقوق.

سئل الإمام علي عن أمر الخلافة كما أورده الشيخ مغنية قائلا: « قال لي قائل: انك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص، فقلت له: بل أنتم واللّه أحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقي، وتحولون بيني وبينه..

فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به» وعلق الشيخ مغنية عن هذا المعنى قائلا «وهذا الكلام يدل بظاهره انه كان مع أحد الخلفاء الذين تقدموا على الإمام، وانه (ع) قد طالبه، واحتج عليه فهزمه وأفحمه، فهل بعد هذا يقال : ان عليا أقر بخلافة الخلفاء، ورضي بما كان فيه ؟ أجل، لا يشك مسلم انه قد تعاون معهم ومع غيرهم على إقامة العدل والصالح العام».

وقد يثار تساؤل هنا، هل هذا الفهم لحق علي في الخلافة هو منحصر في فهم الأمامية وتصوراتهم أم يوجد ذكر له عند بقية المذاهب الإسلامية ؟

وللإجابة عن هذا التساؤل اذكر النص الآتي الذي ذكره الإمام البخاري (ت ٢٥٦هـ ) وهو اصح صحيح بعد القران كما ورد عن أئمة المذاهب الإسلامية جميعا باستثناء الامامية، ذكرالامام البخاري قول علي (عليه السلام) :« يا أبا بكر، فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة عليك، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا، فاستبددت به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله، فلم يزل يذكر حتى بكى أبو بكر، فقال أبو بكر : لقرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي».

نقل ابن قتيبة في الإمامة والساسة مقترحا قدم لعلي (عليه السلام) مفاده «فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق، في فضلك ودينك، وعلمك وفهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك» .

فكان جواب علي (عليه السلام) « فقال علي كرم الله وجهه : الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فو الله يا معشر المهاجرين، لنحن أحق الناس به.

لانا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رســول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحق بعدا».

فأجاب بشير بن سعد الأنصاري معلقا « لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان».

أردت التأكيد على هذا المعنى وهو انعدام فرصة إعادة أمر الخلافة إلى علي (عليه السلام) فلم يتبقى له إلا الصبر وانتظار ماتؤول إليه الأيام المقبلة بل قل السنين الطويلة وهو عين ماحصل كما ورد في عبارات الإمام (عليه السلام) في مختلف المواقف، وهنا نسال هل هناك تلازم مابين الصبر والإيمان ؟ لنترك الشيخ مغنية يجيبنا عن ذلك «إن الصبرمن شؤون العقل لامن شؤون الدين، لأنه نتيجة لعملية الموازنة بين ضررين لا مفر من أحدهما، يجريها الإنسان بنفسه..

وليس من شك إن العاقل يختار ما هو أخف وطأة، وأقل ضررا، والدين بدوره يقرالعقل على حكمه و اختياره، أمـا الأحاديث التي تقول : لا إيمـان بلا صبر، فمعناها في واقع الأمر أنه لا إيمان بلا عقل سليم يختار الأجدى والأصلح، ومن البداهة إن اللّه سبحانه يجزي العباد بعقولهم تمـاما كمـا يجزيهم بإيمانه».

وآنا اذهب إلى القول به أيضا لأننا لو تتبعنا العبارة الأخرى من الخطبة الشقشقية لوجدنا عبارة ( أرى تراثي نهبا )المقصود بالتراث هنا الخلافة «كنى عن الخلافة بالتراث لأنها حق له تماما كالميراث الذي هو حق خاص بالقريب دون البعيد، وليس المراد إن الخلافة إرث كالمتاع».

ونحن هنا نحتاج إلى تحرير جدلية النص والتعيين لنرى أن موقف الإمام علي منها يجب أن يكون الموقف المتبنى من قبل المسلمين جميعا وهو الاعتراف إن الخلافة حق لعلي سكت هو عنها حفاظا على المسلمين وهو الموقف الذي يدخلنا إلى بناء المنظومة القيمية الإسلامية تمهيدا للحكم المدني الإسلامي لحين عصر الظهور.

إن أمر الخلاف في الخلافة جرى بين الشيعة والسنة «قال الشيعة: إن النبي (ص) نص على علي بالخلافة، و قال السنة: بل تركها شورى بين المسلمين وسألهم الشيعة: هل نص النبي ( ص ) على إن الخلافة شورى بين المسلمين ؟ ثم قال الشيعة: وإذا ادعى مدع إن وجوب الشورى من الواضحات، ولا يحتاج إلى نص وبيان هذا، إلى أن اللّه سبحانه قد نص عليها بقوله : وأمرهم شورى بينهم إذا ادعى هذا مدع أجبناه: لو كان الأمر واضحا لما وقع الخلاف، و لو كان المراد بهذه الآية الخلافة لكان أبو بكر في نصه على عمر مخالفا للّه و رسوله، و لا قائل من السنة بذلك، وإذن فلا دلالة في الآية على الخلافة».

ولدى البحث عن الأدلة نجد الآتي :

« يتلخص دليل الشيعة على وجود النص بأن اللّه سبحانه قد أكمل الدين لأمة محمد ( ص ) كما جاء في الآية ٣ من سورة المائدة :اليوم أكملت لكم دينكم ولا يكمل الدين من غير النص على الخلافة، لأنها من أهم الأمور، وعليها قوام الحياة، والدين الذي بيّن حكم العصفور المذبوح بلا تسمية لا بهمل ما عليه مدار الحياة بشتى جهاتها.. هذا، بالإضافة إلى أنها خلافة عن اللّه ورسوله، ثم قال الشيعة : إن النص موجود وثابت بالفعل في حق علي بن أبي طالب بالذات، وقد تتبع الشيعة كتب السنة وآثارهم، وجمعوا مفردات النص بالخلافة على الإمام، جمعوا من كتب السنة في الحديث والتاريخ والتفسير بل والأدب أيضا، بل تخصص كثيرون من علماء الشيعة في هذا الموضوع بالذات، وألّفوا فيه المجلدات، منها « الشافي» للمرتضى،«ودلائل الصدق» للعلامة والمظفر، وآخرها فيما أعلم فضائل الخمسة من الصحاح الستة  في ثلاثة مجلدات كبار للفيروز آبادي.

ويمتاز هذا السفر عن غيره بالحياد التام، لأنه مجرد عرض و نقل عن كتب السنة بلا فلسفات و تعليقات، بل يدع المؤلف القاري‏ء و شأنه، يستخلص بعقله و فهمه ما شاء و أراد، ولا يحاول إقناعه بشي‏ء.

ولكي يبرهن المؤلف على تثبته في النقل ذكر اسم الكتاب والجزء ورقم الصفحة، كما ذكــــر في آخــر الجزء الثالث تاريخ الطبع ومكانه، واسم المطبعة أوالمكتبة التي نشرته».

ولدى تتبعي لتحـرير محل الخلاف وجـدت أيضا إشارات واضــحة عند الماوردي (ت ٤٥٠هـ ) في كتابه الأحكام السلطانية لموضوع الإمامة والخلافة، فقد ذكر الماوردي مانصه «ن الله جلت قدرته ندب لأمة زعيما خلف به النبوة، وحاط به الملة، وفوض إليه السياسة، ليصدر التدبير عن دين مشروع وتجتمع الكلمة على رأي متبوع فكانت الإمامة أصلا عليه استقرت قواعد الملة وانتظمت به مصالح الأمة».

تابع الماوردي في توصيف الإمامة قائلا «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب الإتباع» ولم يدعي احد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أن النبي قد أوصى له بالخلافة باستثناء علي (عليه السلام) ولو حصل لنقل إلينا في الحوارات التي دارت في سقيفة بني ساعده والتي نقلها المؤرخون بل كان الفصل هو الاحتجاج بالقرابة القبلية التي أكدها المؤرخون والتي أجاب عنها الإمام علي (عليه السلام) عندما استفسر عن إجابة المهاجرين للأنصار (ثم قال: (عليه السلام): فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله. فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الَّثمَرَةَ ).

استعرض الماوردي موضوع الخلافة والإمامة من خلال الآراء التي تناولت وجوبها، هل وجبت بالعقل أم الشرع ؟ ولم  يرجح رأيا منها.

ثم تحدث عن وجوبها على الكفاية وتناول الطرق التي من خلالها تم اختيار الخلفاء بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم تناول الشروط المعتبرة في أهل الإمامة، بعدها تناول كيفية انعقاد الإمامة وحصرها بطريقين الأول منها اختيار أهل العقد والحل والثاني بعهد الإمام من قبل. 

استوقفني كباحث الفصل الخاص الذي ذكره الماوردي تحت عنوان ( إذا عهد الإمام بالخلافة إلى من يصح العهد إليه ) فقد ذكر الماوردي مانصه «وإذا عهد الإمام بالخلافة إلى من يصح العهد اليه على الشروط المعتبرة فيه, كان العهد موقوفا على قبول المولى.

واختلف في زمان قبوله فقيل بعد موت المولى في الوقت الذي يصح فيه نظر المولى وقيل وهو الأصح انه مابين عهد المولى وموته لتنتقل عنه الامامه إلى المولى مستقرة بالقبول المتقدم» .

إن هذا الرأي مطابق تماما لشكل الإمامة بالتوارث الذي حصل في دوله بني أمية وبني العباس. إذ ظهر مفهوم ولاية العهد منذ زمن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان إلى سقوط بغداد ٦٥٦ هـ.

وجدت ارتباكا شديدا عند الماوردي عندما روى حكاية ابن إسحاق عن الزهري عن ابن عباس قائلا « وجدت عمر ذات يوم مكروبا فقال ماادري مااصنع في هذا الأمر؟ أقوم فيه واقعد؟ فقلت هل لك في علي؟ فقال انه لها لأهل ولكنه رجل فيه دعابة واني لأراه لو تولى أمركم لحملكم على طريقة من الحق تعرفونها, قال قلت فأين أنت من عثمان؟ فقال لو فعلت لحمل ابن أبي معيط على رقاب الناس ثم لم تلتفت إليه العرب حتى تضرب عنقه، والله لوفعلت لفعل ولو فعل لفعلوا، قال فقلت فطلحة ؟ قال انه لزهو ماكان الله ليوليه أمر امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع مايعلم من زهوه، قال فقلت والزبير ؟ قال انه لبطل ولكنه يسال عن الصاع والمد بالبقيع بالسوق افذاك يلي أمور المسلمين ؟ قال فقلت سعد بن أبي وقاص؟ قال ليس هناك انه لصاحب مقتب يقاتل عليه، فأما ولي أمر فلا، قال فقلت فعبد الرحمن ابن عوف ؟ قال نعم الرجل ذكرته لكنه ضعيف» .

هذا الارتباك منشؤه من وجهة نظري التناقض في وصف من سبق من الصحابة  بنص الحديث الذي رواه في أعلاه وبين تسميتهم ليكون احدهم خليفة، فقد واصل الماوردي سرد قضية الشورى بين الصحابة الستة قائلا «هذا الأمر إلى علي وبإزائه الزبير، والى عثمان وبإزائه عبد الرحمن بن عوف والى طلحة وبإزائه سعد بن أبي وقاص»  وهنا من حقنا أن نسال إذا كان الصحابة الست فيهم عيوب لايصلحون فيها للإمامة أو الخلافة فكيف حصر الأمر بهم فقط ؟ ولماذا لايترك الأمر إلى المسلمين في اختيار الخليفة أو على الأقل أهل الحل والعقد ؟.

إن الأغرب من ذلك هو مانقله الماوردي أيضا في هذا الشأن بقوله «حكي ابن إسحاق إن عمر رضي الله عنه لما دخل منزله مجروحا سمع هده فقال ماشان الناس ؟ قال يريدون الدخول عليك فأذن لهم، فقالوا اعهد ياامير المؤمنين استخلف علينا عثمان : فقال كيف يحب المال والجنة فخرجوا من عنده ثم سمع لهم هدة فقال ماشان الناس ؟ قالوا يريدون الدخول عليك فاذن لهم فقالوا استخلف علينا علي بن أبي طالب. قال إذن يحملكم على طريقة هي الحق، قال عبد الله بن عمر فاتكات عليه عند ذلك وقلت ياامير المؤمنين وما يمنك منه ؟ فقال بابني أتحملها حيا وميتا» وهي إشارة واضحة إلى إن علي بن أبي طالب لو تولى الأمر لقاد الناس إلى طريق الحق. وبالجمع بين الروايتين يكون أصلح الستة للخلافة هو علي بن أبي طالب فلم لم يفعل المسلمون ذلك ؟ 

إن تدقيق النظر فيما تقدم يؤكد بلا ريب إن علي بن أبي طالب ظلم هنا للمرة الثالثة على التوالي في عدم تولي الخلافة التي يعتقدها حقا له ويعتقدها الآخرون أيضا حقا له ومع ذلك فهو يقبل بالأمر حفاظا على إنشاء المنظومة القيمية التسامح حفاظا على الدين وحفظ الإسلام.

يقول الإمام علي (عليه السلام) (أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اَللَّهُ وَ وَضَعَهُمْ وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ بِنَا يُسْتَعْطَى اَلْهُدَى وَيُسْتَجْلَى اَلْعَمَى إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ وَلاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ منها آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً وَ تَرَكُوا صَافِياً وَ شَرِبُوا آجِناً).

وقوله أيضا (وَلَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللهِ وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَلَقَدْ وَاسَيْتُهُ  بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتي تَنْكُصُ  فِيهَا الْأَبْطَالُ وَتَتَأَخَّرُ الْأَقْدَامُ، نَجْدَةً  أَكْرَمَنِي اللهُ بِهَا وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي، فَأَمْرَرْتُهَا عَلَىُ وَجْهِي وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- وَالْمَلاَئِكُةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والْأَفْنِيَةُ مَلاَ يُهْبِطُ، وَمَلاَ يَعْرُجُ، وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ. فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً؟ فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ ، وَلْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ).

هذا هوعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بسماحته وتسامحه والذي لم يذكر لنا التاريخ ولو لمرة واحدة على كثرة أعدائه انه سلب حقا من احد على الرغم من إن أعدائه سلبوه كل صفاته وأسبغوها على غيره إلا أنهم لم يمتلكوا الشجاعة على سلبه لقب الإمامة في إشارة واضحة منهم للتاريخ - لم يقصدوها - إن الإمامة منصب الهي أودعه النبي صلى الله عليه واله في علي (عليه السلام) وان علي أودعه في اثنا عشر إماما من صلبه مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه واله الذي روته جميع الكتب الحديثية للمذاهب الإسلامية بالفظ تؤدي المعنى نفسه «لا يـــزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش».

الخاتمة

النتائج:

اساس المنظومة القيمية اساسا اخلاقيا ثم اصبح دينبا وفي عصر الحداثة صار مدنيا.

مرت كل المجتمعات المتطورة في منظومتها القيمية بمرحلة العنف العرقي اوالديني وصولا الى المجتمع القيمي.

ان التسامح هو المفهوم الذي استندت اليه المجتمعات المتحضرة في بناء المنظومة القيمية.

ابرز نتيجة لتطبيق مفهوم التسامح هو القبول بالاخر.

ان الامام علي (عليه السلام) من خلال خطبه في نهج البلاغة ضرب اروع الامثلة في بناء منظومة قيمية مدنية من خلال قبوله بالاخر على الرغم من اعلانه بان النص يشير الى انه المستحق الاول لمنصب خلافة النبي (ص).

التوصيات:

اهمية العمل على انشاء منظومة قيمية في المجتمعات الاسلامية تستند الى الفكر الاسلامي من خلال التطبيقات العملية لمفهوم التسامح عند الامام علي (عليه السلام).

اهمية اشاعة مفهوم القبول بالاخر والتداول السلمي للسلطة عبر النظر الى تجربة الامام علي (عليه السلام) من خلال نصوص نهج البلاغة  في بناء المنظومة القيمية المدنية الاسلامية التي تكون اساسا لمفهوم الحكم المدني المعاصر.

تسليط الضوء على المفاهيم القيمية الاخرى المكملة لمفهوم التسامح عند الامام علي (عليه السلام) والائمة من ولده (عليهم السلام)  استكمالا لمشروع الدولة المدنية الاسلامية في مقابل الدولة المدنية الحديثة التي انشاها المجتمع الغربي بكل انواعه وكذلك الاسيوية منها.

****************************