




العلامة المجلسي (رحمه الله)
١ - ب : أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليه السلام عن مروان بن الحكم قال : لما هزمنا علي بالبصرة رد على الناس أموالهم من أقام بينة أعطاه ومن لم يقم بينة على ذلك حلفه فقال له قائلون : يا علي أقسم الفئ بيننا والسبي قال : فلما كثروا عليه قال : أيكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه فسكتوا .[١]
٢ - ع : أبي عن سعد عن الحميري عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام مثله .[٢]
٣ - ع : أبي عن سعد عن النهدي عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إنما أشار علي عليه السلام بالكف عن عدوه من أجل شيعتنا لانه كان يعلم أنه سيظهر عليهم بعده فأحب أن يقتدي به من جاء بعده فيسير فيهم بسيرته ويقتدي بالكف بعده . [٣]
٤ - ع : علي بن حاتم عن محمد بن جعفر الرازي عن ابن أبي الخطاب عن ابن بزيع عن يونس عن بكار بن أبي بكر الحضرمي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : لسيرة علي بن أبي طالب عليه السلام في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس إنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم سبيت شيعته قال : قلت : فأخبرني عن القائم عليه السلام يسير بسيرته ؟ قال : لا إن عليا سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم وإن القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لانه لا دولة لهم . [٤]
٥- ع : أبي عن سعد عن ابن عيسى عن ابن معروف عن حماد عن حريز عن زرارة . [٥]
عن أبي جعفر عليه السلام قال : لولا أن عليا عليه السلام سار في أهل حربه بالكف عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما ثم قال : والله لسيرته كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشمس .
٦ - ع ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن الربيع بن محمد : عن عبدالله بن سليمان قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام إن الناس يروون أن عليا عليه السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم فقال : إن دار الشرك يحل ما فيها ودار الاسلام لايحل ما فيها فقال : إن عليا عليه السلام إنما من عليهم كما من رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل مكة وإنما ترك علي عليه السلام أموالهم لانه كان يعلم أنه سيكون له شيعة وأن دولة الباطل ستظهر عليهم فأراد أن يقتدي به في شيعته وقد رأيتم آثار ذلك هوذا يسار في الناس بسيرة علي عليه السلام ولو قتل علي عليه السلام أهل البصرة جميعا وأخذ أموالهم لكان ذلك له حلالا لكنه من عليهم ليمن على شيعته من بعده .
وقد روي أن الناس اجتمعوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام يوم البصرة فقالوا : يا أميرالمؤمنين اقسم بيننا غنائمهم قال : أيكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه . [٦]
٧ - ع ما أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الحسن بن علي فضال عن ثعلبة بن ميمون : عن الحسن بن هارون قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام جالسا فسأله المعلى بن خنيس أيسير القائم بخلاف سيرة أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم وذلك أن عليا عليه السلام سار فيهم بالمن والكف لانه علم أن شيعته سيظهر عليهم عدوهم من بعده وإن القائم عليه السلام إذا قام سار فيهم بالبسط والسبي وذلك أنه يعلم أن شيعته لن يظفر عليهم من بعده أبدا . [٧]
٨ - ف : سأل يحيى بن أكثم عن علة اختلاف سيرة أميرالمؤمنين عليه السلام في أهل صفين وفي أهل الجمل : فكتب أبوالحسن الثالث عليه السلام وأما قولك : إن عليا عليه السلام قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم وأنه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم نكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين رضوا بالكف عنهم فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام يجمع لهم السلاح : الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء ويهيئ لهم الانزال يعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض على السيف أن يتوب من ذلك .
بيان : الانزال : جمع النزل وهو ما يهئ للنزيل والحاسر : الذي لا مغفر عليه ولادرع . [٨]
٩ - قب : في ليلة الهرير لم تكن صلواتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادتها .
وكان عليه السلام لايتبع موليهم ولا يجيز على جريحهم ولم يسب ذراريهم وكان لايمنع من مناكحتهم وموارثتهم .
[ قال ] أبوعلي الجبائي في كتاب الحكمين : الذي روي أنه عليه السلام سبا قوما من الخوارج أنهم كانوا قد ارتدوا وتنصروا . وكان عليان المجنون مقيما بالكوفة وكان قد ألف دكان طحان فإذا اجتمع الصبيان عليه وآذوه يقول : قد حمي الوطيس وطاب اللقاء وأنا على بصيرة من أمري ثم يثب ويحمحم وينشد :
آريني سلاحي لا أبا لك إنني ***** أرى الحرب لاتزداد إلا تماديا
ثم يتناول قصبة ليركبها فإذا تناولها يقول : أشد على الكتيبة لا أبالي * أحتفي كان فيها أو سواها قال فينهزم الصبيان بين يديه فإذا لحق بعضهم يرمي الصبي بنفسه إلى الارض فيقف عليه ويقول : عورة مسلم وحمى مؤمن ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين ثم يقول : لاسيرن فيكم سيرة أميرالمؤمنين لا أتبع موليا ولا أجيز على جريح ثم يعود إلى مكانه ويقول :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ***** خشاش كرأس الحية المتوقد
إيضاح : قال في النهاية : في حديث حنين ( الآن حمي الوطيس ) الوطيس شبه التنور .وقيل هو الضراب في الحرب وقيل : هو الوطئ الذي يطس الناس أي يدقهم .
وقال الاصمعي : هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطؤها .ولم يسمع هذا الكلام من أحد قبل النبي صلى الله عليه وآله وهو من فصيح الكلام عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق انتهى .والحمحمة : صوت الفرس . والحتف : الموت . والحمى : مايمنع منه أي حرمة المؤمن وقال الجوهري : الضرب : الرجل الخقيف اللحم قال طرفة : ( أنا الرجل) البيت . وقال : قال أبوعمرو : رجل خشاش بالفتح وهو الماضي من الرجال ثم ذكر البيت أيضا .[٩]
١٠ - كا : علي عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عذافر عن عقبة بن بشير عن عبدالله بن شريك عن أبيه قال : لما هزم الناس يوم الجمل قال أميرالمؤمنين عليه السلام لاتتبعوا موليا ولاتجهزوا على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن .
فلما كان يوم صفين قتل المقبل والمدبر وأجاز على الجريح .
فقال أبان بن تغلب لعبدالله بن شريك : هذه سيرتان مختلفتان فقال : إن أهل الجمل قتل طلحة والزبير وإن معاوية كان قائما بعينه وكان قائدهم . [١٠]
٦٥٨ - كا : العدة عن سهل عن جعفر بن محمد الاشعري عن ابن القداح : عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دعا رجل بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه فقال له أمير المؤمنين : ما منعك أن تبارزه ؟ قال : كان فارس العرب وخشيت أن يغلبني فقال له أميرالمؤمنين : فإنه بغى عليك ولو بارزته لغلبته ولو بغى جبل على جبل لهد الباغي .
وقال أبوعبدالله عليه السلام إن الحسين بن علي عليهما السلام دعا رجلا إالى المبارزة فعلم به أميرالمؤمنين عليه السلام فقال لئن عدت إلى مثل هذا لاعاقبنك ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لاعاقبنك أما علمت أنه بغى .
بيان : الهد : الهدم الشديد والكسر ولعله كان لتعليم الغير مع أنه مكروه بدون إذن الامام كما ذكره الاصحاب وليس بمحرم . [١١]
١٢ - كا : علي عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي حمزة عن عقيل الخزاعي أن أميرالمؤمنين كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول : تعاهدوا الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد علم ذلك الكفار حين سئلوا : ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) وقد عرف حقها من طرقها وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زين متاع ولاقرة عين من مال ولا ولد يقول الله عزوجل : * ( رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ) * [ ٣٧ / النور : ٢٤ ] . [١٢]
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله منصبا لنفسه بعد البشرى له بالجنة من ربه فقال عزوجل : * ( وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) * الآية [ طه : ٢٠ ] وكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه .
ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لاهل الاسلام على أهل الاسلام ومن لم يعطها طيب النفس بها يرجو بها من الثواب ما هو أفضل منها فإنه جاهل بالسنة مغبون الاجر ضال العمر طويل الندم بترك أمر الله عزوجل والرغبة عما عليه صالحوا عبادالله يقول الله عزوجل : * ( ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) * من الامانة فقد خسر من ليس من أهلها وضل عمله .
عرضت على السموات المبنية والاض المهاد والجبال المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم لو امتنعن من طول أو عرض أو عظم أو قوة أو عزة امتنعن ولكن أشفقن من العقوبة .
ثم إن الجهاد أشرف الاعمال بعد الاسلام وهو قوام الدين والاجر فيه عظيم مع العزة والمنعة وهو الكره [١٣] فيه الحسنات والبشرى بالجنة بعد الشهادة وبالرزق غدا عند الرب والكرامة يقول الله عزوجل : *(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ) * الآية .
لاحظ بيان المصنف الآتي .
ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمتوازرين على الضلال ضلال في الدين وسلب للدنيا مع الذل والصغار وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال يقول الله عزوجل : * ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ) * فحافظوا على أمر الله عزوجل في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة ونجاة في الدنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة فإن الله عزوجل لا يعبأ بما العباد مقترفون ليلهم ونهارهم لطف به علما وكل ذلك * ( في كتاب لايضل ربي ولا ينسى ) * فاصبروا وصابروا واسئلوا النصر ووطنوا أنفسكم على القتال واتقوا الله عزوجل : * ( فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) * .
وفي حديث يزيد بن إسحاق عن أبي صادق : قال : سمعت عليا صلوات الله عليه يحرض الناس في ثلاثة مواطن الجمل وصفين ويوم النهر يقول :
عباد الله اتقوا الله وغضوا الابصار واخفضوا الاصوات ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمبارزة والمناضلة والمنابذة والمعانقة والمكادمة واثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) *
١٣- كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن إسماعيل بن يزيد عن أبي صادق [ عن ] الحضرمي مثله وزاد في آخره اللهم الهمهم الصبر وانزل عليهم النصر وأعظم لهم الاجر . ١٤[١٤]
١٤ - كا : وفي حديث عبدالرحمان بن جندب عن أبيه إن أميرالمؤمنين عليه السلام كان يأمر في كل موطن لقينا فيه عدونا فيقول : لاتقاتلوا القوم حتى يبدؤكم فإنكم بحمدالله على حجة وترككم إياهم حتى بدؤكم حجة أخرى لكم فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا لهم مدبرا ولاتجيزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل . [١٥]
بيان : روى ابن أبي الحديد الخبر الثاني من كتاب نصر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن إسماعيل بن يزيد عن أبيه عن أبي صادق : وروى السيد الرضي رضي الله عنه الحديث الاول في النهج [١٦] هكذا - بعد ما ساق أول الخطبة إلى قوله : ( كتابا موقوتا ) - : ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا * ( ما سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نكن من المصلين ) * وإنها لتحت الذنوب حت الورق وتطلقها إطلاق الربق .
وشبهها رسول الله صلى الله عليه وآله بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدرن وقد عرف حقها .
[ وساقه ] إلى قوله : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة لقول الله سبحانه : * ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) * فكان يأمر بها أهله ويصبرعليها نفسه . ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لاهل الاسلام فمن أعطاها [ وساق الكلام ] إلى قوله عليه السلام :
ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الانسان إنه كان ظلوما جهولا . إن الله سبحانه لايخفى عليه ما العباد مقترفون في ليلهم ونهارهم لطف به خبرا وأحاط به علما ، أعضاؤكم شهوده وجوار حكم جنوده ، وضمائركم عيونه وخلواتكم عيانه انتهى .
قوله عليه السلام ( من طرقها ) لعله من الطروق بمعنى الاتيان بالليل أي واظب عليها في الليالي وقيل أي جعلها دأبه وصنعته من قولهم هذا طرقة رجل أي صنعته . ولا يخفى ما فيه ولا يبعد أن يكون تصحيف طوق بها على المجهول أي ألزمها كالطوق بقرينة ( أكرم بها ) على بناء المجهول أيضا .
وفي النهج : ( وقد عرف حفها رجال من المؤمنين الذين لايشغلهم عنها زينة متاع ولاقرة عين من ولد ولا مال ) .
وقال الجوهري : نصب الرجل - بالكسر - نصبا : تعب وأنصبه غيره قوله عليه السلام : ( على أهل الاسلام ) الظاهر أنه سقط هنا شئ .
وفي النهج : قربانا لاهل الاسلام فمن أعطاها طيب النفس بها فإنها تجعل له كفارة ومن النار حجازا ووقاية فلا يتبعنها أحد نفسه ولا يكثرن عليها لهفه فإن من أعطاها غير طيب النفس بها يرجو بها ما هو أفضل منها فهو جاهل بالسنة مغبون الاجر ضال العمل طويل الندم .
ثم أداء الامانة فقد خاب من ليس من أهلها إنها عرضت على السموات المبنية والارضين المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلا ولا أعظم منها ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة إلى آخر ما مر .
قوله عليه السلام : ( من الامانة ) لعله بيان لسبيل المؤمنين أي المراد بسبيل المؤمنين ولاية أهل البيت عليهم السلام وهي الامانة المعروضة والاصوب ما في والاصوب [ هو ] ما في النهج .
وقال ابن ميثم : ذكر كون السموات مبنية وغيرها تنبيه للانسان على جرأته على المعاصي وتضييع هذه الامانة إذ أهل لها وحملها وتعجب منه في ذلك .
وقوله : ( ولو امتنع شئ ) الخ إشارة إلى أن امتناعهن لم يكن لعزة وعظمة أجساد ولا استكبار عن الطاعة وأنه لو كان كذلك لكانت أولى بالمخالفة لاعظيمة أجرامها بل إنما ذلك عن ضعف وإشفاق من خشية الله وعقلهن ما جهل الانسان .
قيل : إن الله تعالى عند خطابها خلق فيها فهما وعقلا وقيل : إن إطلاق العقل مجاز في سببه [١٧] وهو الامتناع عن قبول هذه الامانة .
قوله عليه السلام : ( وهو الكرة ) أي الحملة على العدو وهي في نفسها أمر مرغوب فيه أو ليس هو إلا مرة واحدة وحملة فيها سعادة الابد .
ويمكن أن يقرأ ( الكره ) بالهاء أي هو مكروه للطباع فيكون إشارة إلى قوله تعالى : * ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) * ولعله أصوب .
وقال الجوهري : زحف إليه زحفا : مشى .والزحف : الجيش يزحفون إلى العدو .
قوله عليه السلام : ( لطف به ) الضمير راجع إلى الموصول في قوله : ( ما العباد مقترفون ) وكدم الصيد : طرده .والفشل : الجبن .
١٥- نهج : في حديثه عليه السلام أنه شيع جيشا يغزيه فقال : ( أعذبوا عن النساء ما استطعتم ) . [١٨]
[ قال السيد الرضي : ] ومعناه اصدفوا عن ذكر النساء وشغل القلب بهن وامتنعوا من المقاربة لهن لان ذلك يفت في عضد الحمية ويقدح في معاقد العزيمة ويكسر عن العدو ويلفت عن الابعاد في الغزو ، وكل من امتنع عن شئ فقد أعذب عنه ، والعاذب والعذوب : الممتنع عن الاكل والشرب .
١٦ - كا : أحمد بن محمد الكوفي عن ابن جمهور عن أبيه عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر عن أبي عبدالله عليه السلام .
وعن [ عبدالله بن ] عبدالرحمان الاصم عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام لاصحابه : إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام واذكروا الله عزوجل ولا تولوهم الادبار فتسخطوا الله تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه وإذا رأيتم من إخوانكم المجروح ومن قد نكل به أو من قد طمع عدوكم فيه فقوه بأنفسكم . [١٩]
١٧ - كا : العدة عن سهل عن جعفر بن محمد عن ابن القداح عن أبيه الميمون عن أبي عبدالله عليه السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام كان إذا أراد القتال قال هذه الدعوات : أللهم إنك أعلمت سبيلا من سبلك جعت فيه رضاك وندبت إليه أولياءك وجعلته أشرف سبلك عندك ثوابا وأكرمها لديك مآبا وأحبها إليك مسلكا ثم اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقا فاجعلني ممن اشترى فيه منك نفسه ثم وفى لك ببيعه الذي بايعك عليه غير ناكث ولا ناقض عهد ولا مبدل تبديلا بل استيجابا لمحبتك وتقربا به إليك ، فاجعله خاتمة عملي وصير فيه فناء عمري وارزقني فيه لك وبه مشهدا توجب لي به منك الرضا وتحط به عني الخطايا وتجعلني في الاحياء المرزوقين بأيدي العداة والعصاة تحت لواء الحق وراية الهدى ماضيا على نصرتهم قدما غير مول دبرا ولا محدث شكا .
اللهم وأعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الاهوال ومن الضعف عند مساورة الابطال ، ومن الذنب المحبط للاعمال فاحجم من شك أو أمضى بغير يقين فيكون سعيي في تباب وعملي غير مقبول .
بيان : قوله عليه السلام : ( وبه ) عطف على فيه ولعله زيد من النساخ .
وفي كتاب الاقبال ( وارزقني فيه لك وبك مشهدا ) وهو أصوب .
وفي الصحاح : قدما بضم الدال : لم يعرج ولم ينثن .وقال : ساوره أي واثبه .وقال حجمته فأحجم أي كففته فكف .وقال : التباب : الخسران والهلاك . [٢٠]
١٨ - كا : علي عن أبيه عن أحمد البزنطي [ عن معاوية بن عمار ] أبي عبدالله عليه السلام قال : كان شعارنا يوم صفين يا نصرالله . [٢١]
١٩ - ع ابن الوليد عن الصفار عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن يحيى بن أبي العلا : عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان علي لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول : تفتح أبواب السماء وتقبل التوبة وينزل النصر ويقول : هو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب ويفلت المهزوم . ٢١
٢٠ - كا علي عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله . [٢٢]
٢١ - نهج وقال لابنه الحسن عليهما السلام : لاتدعون إلى مبارزة وإن دعيت إليها فأجب فإن الداعي باغ والباغي مصروع . [٢٣]
بيان : مصروع أي مستحق لان يصرع ويهلك وبعيد من نصر الله سبحانه .
٢٢ - نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال الحسن بن علي عليهما السلام كان علي عليه السلام يباشر القتال بنفسه ولا يأخذ السلب . [٢٤]
٢٣ - كا : علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس . [٢٥]
٢٤ - كا : علي عن أبيه عن علي بن أسباط عن عمه عن يعقوب بن سالم عن أبي الحسن العبدي عن سعد بن طريف عن ابن نباتة قال : قال أمير المؤمنين ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة : يا أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ألا إن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة ألا وان الغدر والفجور والخيانة في النار . [٢٦]
٢٥ - نهج : ومن كلام له عليه السلام قاله لاصحابه في وقت الحرب :
وأي امرء منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء ورأى من أحد من إخوانه فشلا فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله . إن الموت طالب حثيث لايفوته المقيم ولايعجزه الهارب ، إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لالف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش .
ومنه : وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب لاتأخذون حقا ولا تمنعون ضيما قد خليتم والطريق فالنجاة للمقتحم والهلكة للمتلوم .
ومنه : فقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الاضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للاسنة وغضوا الابصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الاصوات فإنه أطرد للفشل ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الدمار منكم فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها حفافيها ووراءها وأمامها لايتأخرون عنها فيسلموها ولا يتقدمون عليها فيفردوها . [٢٧]
أجزأ امرء قرنه وآسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه .وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لاتسلموا من سيف الآخرة أنتم لهاميم الهرب والسنام الاعظم إن في الفرار مجدة الله والذل اللازم والعار الباقي وإن الفار لغير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه . من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء ؟ الجنة تحت أطراف العوالي اليوم تبلى الاخبار والله لانا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم . اللهم فإن ردوا الحق فافضض جماعتهم وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم إنهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم وضرب يفلق الهام ويطيح العظام ويندر السواعد والاقدام وحتى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر ويرجموا بالكتائب تقفوها الجائب وحتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس وحتى تدعق الخيول في نواحر أرضهم وبأعنان مساربهم ومسارحهم .
قال الشريف [ الرضي ] : الدعق : الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم [ و ] ( نواحر أرضهم ) متقابلاتها يقال : منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل .
تبيين : قوله عليه السلام ( أحس من نفسه ) أي علم ووجد و ( رباطة الجأش ) شدة القلب .والذب : الدفع . والنجدة : الشجاعة ( كما يذب عن نفسه ) أي بنهاية الاهتمام والجد ( لجعله مثله ) أي مثل أخيه في الجبن أو أخاه مثله في الشجاعة . والحثيث : السريع . والمقيم للموت : الراضي به كما أن الهارب عنه الساخط له ( أهون من ميتة ) إما مطلقا أو عنده عليه السلام لما يعلم ما فيه من الدرجات .
وقال النهاية : كشيش الافعى : صوت جلدها إذا تحركت وقد كشت تكش وليس صوت فمها لان ذلك فحيحها ومنه حديث علي عليه السلام : ( كأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب ) .
وقال ابن أبي الحديد : أي كأنكم لشدة خوفكم واجتماعكم من الجبن كالضباب المجتمعة التي تحك بعضها بعضا قال الراجز : كشيش أفعى أجمعت لعض * وهي تحك بعضها ببعض ( واقتحم عقبة أو وهدة ) : رمى بنفسه فيها . والتلوم : الانتظار والتوقف . قوله ( أجزأ امرء ) قال ابن أبي الحديد : من الناس من يجعل هذا أو نحوه أمرا بلفظ الماضي كالمستقبل في قوله تعالى ( والوالدات يرضعن أولادهن ) .
ومنهم من قال : معنى ذلك هلا أجزأ فيكون تحضيضا محذوف الصيغة للعلم بها ( وأجزأ ) أي كفى . وقرنك : مقارنك في القتال ونحوه ( وآسى أخاه بنفسه ) بالهمزة أي جعله أسوة لنفسه ويجوز واسيت زيدا بالواو وهي لغة ضعيفة . والموجدة : الغضب والسخط قوله عليه السلام : ( والذل اللازم ) قيل : يروى ( اللاذم ) بالذال المعجة بمعناه . و ( الرائح ) المسافر وقت الرواح أو مطلقا كما قاله الازهري ويناسب الاول ما مر من أن قتاله عليه السلام كان غالبا بعد الزوال .
قوله عليه السلام : ( تحت أطراف العوالي ) يحتمل إن يكون المراد بالعوالي الرماح قال [ ابن الاثير : ] في النهاية : العالية : ما يلي السنان من الرمح والجمع : العوالي . أو [ المراد منه ] السيوف كما يظهر من ابن أبي الحديد فيحتمل أن يكون من علا يعلو إذا ارتفع أي السيوف التي تعلو فوق الرؤس . أو من علوته بالسيف إذا ضربته به ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله : الجنة تحت ظلال السيوف .
قوله عليه السلام ( تبلى الاخبار ) بالباء الموحدة أي تختبر الافعال والاسرار كما قال تعالى : * ( ونبلو أخباركم ) * وفي بعض النسخ بالياء المثناة التحتانية أي تمتاز الاخيار من الاشرار .
قوله عليه السلام ( إلى لقائهم ) أي الاعداء لقتالهم . والفض : التفريق . وأبسلت فلانا : أسلمته إلى الهلكة .
قوله عليه السلام : ( طعن دراك ) أي متتابع يتلو بعضه بعضا . ( ويخرج منه النسيم ) أي لسعته وروى ( النسم ) أي طعن يخرق الجوف بحيث يتنفس المطعون من الطعنة وروي ( القشم ) بالقاف والشين المعجمة وهو اللحم والشحم . ( الفلق ) : الشق . وطاح الشئ : سقط أو هلك أو تاه في الارض وأطاحه غيره .وأندره : أسقطه .
قال ابن أبي الحديد : يمكن أن يفسر ( النواحر ) بآمر آخر وهو أن يراد به أقاصي رضهم من قولهم لآخر ليلة من الشهر : ناحرة . وقد مر تفسير بعض أجزاء الخطبة في مواضعها .
٢٦ - نهج : من وصيته عليه السلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفين : لاتقاتلوهم حتى يبدؤكم فإنكم بحمدالله على حجة وترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة أخرى لكم عليهم فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا ولا تصيبوا معورا ولا تجهزوا على جريح .
ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم فإنهن ضعيفات القوى والانفس والعقول إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده . [٢٨]
إيضاح : قال ابن ميثم رحمه الله : روي أنه عليه السلام كان يوصي أصحابه في كل موطن يلقون العدو فيه بهذه الوصية وزاد [ في روايته عن نصر بن مزاحم ] بعد قوله : ( ولا تجهزوا على جريح [ قوله : ] ( ولا تكشفوا لهم عورة ولا تمثلوا بقتيل ) فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا إلا بإذن ولا تأخذوا شيئا من أموالهم ولا تهيجوا النساء ) إلى آخر ما مر .
قوله عليه السلام : ( حجة أخرى ) قال ابن ميثم : [ وبيان هذه ] من وجهين : أحدهما أنه دخول في حرب الله وحرب رسوله صلى الله عليه وآله لقوله صلى الله عليه وآله : ( يا علي حربك حربي ) وتحقق سعيهم في الارض بقتلهم النفس التي حرم الله فتحقق دخولهم في عموم قوله تعالى : * ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ) * الآية .
وثانيها دخولهم في قوله تعالى : * ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) * [٢٩] .
قوله عليه السلام : ( ولا تصيبوا معورا ) قال ابن ميثم : أعور الصيد أمكن من نفسه . وأعور الفارس : ظهر فيه موضع خلل للضرب ثم قال : أي لا تصيبوا الذي أمكنتكم الفرصة في قتله بعد إنكسار العدو كالمعور من الصيد .
وقال ابن أبي الحديد : هو الذي يعتصم منك في الحرب بإظهار عورته لتكف عنه ويجوز أن يكون المعور هنا المريب الذي يظن أنه من القوم وأنه حضر للحرب وليس منهم لعله حضر لامر آخر . وأومى بالحجة الاولى إلى قوله تعالى : ( فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمرالله ) [ ٩ / الحجرات ] وظاهر أن هؤلاء [ كانوا ] بغاة على الامام الحق فوجب قتالهم .
وأما [ الحجة ] الثانية : فهي تركهم حتى يبدؤا بالحرب ، وبيان هذه الحجة من وجهين : أحدهما أنهم إذا بدؤا [ الامام أو جيشه ] بالحرب فقد تحقق دخولهم في حرب الله وحرب رسوله لقوله صلى الله عليه وآله : ( يا علي حربك حربي ) وتحقق سعيهم في الارض بالفساد بقتلهم النفس التي حرم الله [ قتلها ] ابتداءا بغير حق ، وكل من تحقق دخوله في ذلك دخل في عموم قوله : * ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أن ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) * [ ٣٣ / المائدة ] : الثاني أن البادي بالحرب ابتداء [ من غير مسوغ ] معتد ، وكل معتد كذلك يجب الاعتداء عليه لقوله تعالى : *( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) * ١٩٤ / البقرة : ٢ ] فوجب الاعتداء عليهم إذا بدؤا بالحرب .
وقال في النهاية : كل عيب وخلل في شئ فهو عورة .
ومنه حديث علي عليه السلام : ( ولا تصيبوا معورا ) أعور الفارس إذ بدا فيه موضع خلل للضرب ( وإن ) في قوله عليه السلام : ( إن كنا ) مخففة من المثقلة وكذا في قوله : ( وإن كان ) والواو في قوله ( وإنهن ) للحال .
والفهر بالكسر : الحجر ملاء الكف . وقيل مطلقا . والهراوة بالكسر : العصا . والتناول بهما كناية عن الضرب بهما وقوله عليه السلام : ( وعقبه ) عطف على الضمير المستكن المرفوع في قوله [ قوله : ] فيعير ) ولم يؤكد للفصل بقوله : ( بها ) كقوله تعالى : * ( ما أشركنا ولا آباؤنا ) * .
٢٧ - نهج : وكان يقول عليه السلام لاصحابه عند الحرب : لاتشتدن عليكم فرة بعدها كرة ولا جولة بعدها حملة وأعطوا السيوف حقوقها ووطنوا للجنوب مصارعها ، واذمروا أنفسكم على الطعن الدعسي والضرب الطلحفي وأميتوا الاصوات فإنه أطرد للفشل .
والذي فلق الحبة وبرء النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه . ٣٠[٣٠]
بيان : ( لاتشتدن عليكم ) أي لا نستصعبوا ولا يشق عليكم فرار بعده رجوع إلى الحرب . والجولة : الدوران في الحرب والجائل الزائل عن مكانه ، وهذا حض لهم على أن يكروا ويعودوا إلى الحرب إن وقعت عليهم كرة أو المعنى إذا رأيتم المصلحة في الفرار لجذب العدو إلى حيث تتمكنوا منه فلا تشتد عليكم ولا تعدوه عارا .
[ قوله عليه السلام : ] ( ووطئوا للجنوب مصارعها ) وفي بعض النسخ : [ ووطنوا ] بالنون أي اجعلوا مصارع الجنوب ومساقطها وطنا لها أو وطيئا لها أي استعدوا للسقوط على الارض والقتل [ والكلام ] كناية عن الهزم على الحرب وعدم الاحتراز عن مفاسدها .
وقال الجوهري : ذمرته ذمرا : حثثته .
وقال ابن أبي الحديد : الطعن الدعسي : الذي يحشى به أجواف الاعداء .وأصل الدعس : الحشو يقال : دعست الوعاء أي خشوته .
[ قوله عليه السلام : ] ( وضرب طلحفى ) - بكسر الطاء وفتح اللام - أي شديد واللام زائدة والياء للمبالغة ( وأميتوا الاصوات ) أي لاتكثروا الصياح . والفضل : الفزع والجبن والضعف .
[ قوله عليه السلام : ] ( ولكن استسلموا ) أي انقادوا خوفا من السيف .
٢٨ - نهج : [ و ] من كلام له عليه السلام وصى به شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام : اتق الله في كل مساء وصباح وخف على نفسك الدنيا الغرور ولا تأمنها على حال واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه سمت بك الاهواء إلى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعا رادعا ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا .٣١[٣١]
بيان : ( سمت بك ) قال ابن أبي الحديد : أي أفضت بك .
وفي النهاية : فلان يسموا إلى المعالي إذا تطاول إليها . والنزوة : الوثبة . والحفيظة : الغضب .
وقال الجوهري : وقمه أي رده .
وقال أبوعبيدة : أي قهره .
٢٩ - وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن نصر بن مزاحم - ووجدته في أصل كتابه أيضا - عن عمر بن سعد بإسناده عن عبدالله جندب عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه [ ف ] يقول : لاتقاتلوا القوم حتى يبدؤكم فهي حجة أخرى لكم عليهم فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولاتكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سرا ولا تدخلوا دارا إلا بإذن ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم . [٣٢]
ولا تهيجوا امرأة بأذى [٣٣] وإن شتمن أعراضكم وتناولن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القوى والانفس والعقول ولقد كنا لنؤمر بالكف عنهن وهن مشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة والحديد فيعير بها عقبه من بعده .
٣٠ - وقال ابن ميثم رحمه الله روي أن أميرالمؤمنين عليه السلام كان إذا اشتد القتال ذكر اسم الله حين يركب ثم يقول : الحمدلله على نعمه علينا وفضله العميم سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .
ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول : اللهم إليك نقلت الاقدام وأفضت القلوب ومدت الاعناق وشخصت الابصار وأنضيت الابدان .
اللهم قد صرح مكنون الشنان ، وجاشت مراجل الاضغان . اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا وتشتت أهواءنا . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . ثم يقول سيروا على بركة الله ثم يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد .
بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كف عنا أيدي الظالمين . وكان هذا شعاره بصفين . [٣٤]
٣١- نهج : [ و ] كان عليه السلام يقول إذا لقي العدو محاربا : ( اللهم إليك أفضت القلوب ) .
[وساق الدعاء] إلى قوله :(وأنت خير الحاكمين ) [و] جعل قوله :( ونقلت الاقدام ) بعد قوله :( وشخصت الابصار ) . [٣٥]
بيان : [ قال ] الخليل في العين : أفضى فلان إلى فلان أي وصل إليه وأصله أنه صار في فضائه .
وقال ابن أبي الحديد : أفضت القلوب أي دنت وقربت ويجوز أن يكون أفضت أي بسرها فحذف المفعول انتهى . ويحتمل أن يكون من أفصيت إذا خرجت إلى الفضاء أي خرجت إلى فضاء رحمتك بسؤالك . وشخص بصره فهو شاخص إذا فتح عينيه وجعل لايطرف وأنضيت الابدان أي أهزلت ومنه النضو ووهو البعير المهزول . وصرح أي انكشف . والشنأن : البعضة . وجأشت القدر أي علت . والمراجل : القدور . وتشتت أهوائنا أي تفرق آرائنا واختلاف آمالنا وقال في النهاية : فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما والفاتح الحاكم .
منقول من بحار الانوار المجلد – ٣٣ (بتصرف)