




جعفر مرتضى العاملي
وهناك كتاب كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل مصر, أرسله إليهم مع قيس بن سعد بن عبادة, لما بعثه أميراً عليهم وحاكماً.
فقد روى الثقفي (رحمه الله) في كتاب الغارات [١] قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان الثقفي, قال: حدثني علي بن محمد بن أبي سيف, عن الكلبي:
أنه لما ولي علي (عليه السلام) الخلافة, قال لقيس بن سعد بن عبادة ـ وكان من شيعته ومناصحيه ـ: سر إلى مصر فقد وليتكها, واخرج إلى ظاهر المدينة, واجمع ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتي مصر ومعك جند, فإن ذلك أرعب لعدوك، وأعزّ لوليّك.
فإذا أنت قدمتها إن شاء الله, فأحسن إلى المحسن, واشدد (واشتد) على المريب, وارفق بالعامة والخاصة, فالرفق يمن.
فقال قيس: رحمك الله يا أمير المؤمنين, قد فهمت ما ذكرت.
[أما قولك: اخرج إليها بجند: فوالله إن لم أدخلها بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبداً] فأما الجند فإني أدعه لك, فإذا احتجت إليهم كانوا قريباً منك, وإن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كان لك عدة, ولكني أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي.
وأما ما أوصيتني به من الرفق والإحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك.
قال: فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتى دخل مصر, فصعد المنبر, وأمر بكتاب معه (من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن) يقرأ على الناس [وكان فيه]:
بسم الله الرحمن الرحيم, من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين, سلام عليكم. فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.
أما بعد.. فإن الله بحسن صنعه وقدره وتدبيره اختار الإسلام ديناً لنفسه، وملائكته، ورسله. وبعث به أنبياءه إلى عباده, وخص من انتجب من خلقه, فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة، وخصهم به من الفضل، أن بعث محمداً (صلى الله عليه وآله)، فعلمهم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنة [٢]، وأدبهم لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرقوا [٣] ، وزكاهم لكيما يتطهروا [٤] .
فلما قضى من ذلك ما عليه، قبضه الله إليه، فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه إنه حميد مجيد.
ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أمرأين منهم صالحين، [عملا بالكتاب، و] [٥] أحسنا السيرة [٦]، ولم يعدوا السنة.
ثم توفيا فولي من بعدهما من أحدث أحداثاً [٧]. فوجدت الأمة عليه مقالاً فقالوا، ثم نقموا عليه فغيروا، ثم جاؤوني فبايعوني، وأنا أستهدي الله الهدى، وأستعينه على التقوى.
ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، والقيام بحقه، والنصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا ونعم الوكيل.
وقد بعثت لكم [٨] قيس بن سعد الأنصاري أميراً، فوازروه وأعينوه على الحق [٩] . وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدة إلى مريبكم [١٠] ، والرفق بعوامكم وخواصكم.
وهو ممن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصحه. نسأل الله لنا ولكم عملاً زاكياً, وثواباً جزيلاً [١١]، ورحمةً واسعةً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع, في صفر سنة ست وثلاثين [١٢] .
ونقول:
يبدو: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يكتب نصاً واحداً ويرسله إلى عماله..
ويبدو أيضاً: أن بعض الرواة قد حاولوا التصرف في هذا النص كما سيظهر هنا بالنسبة لبعض الفقرات.
منقول من كتاب الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام - ج ٢١