العدالة في تقسيم بيت المال
من كلام لأميرالمؤمنين(عليه السلام) كلّم به عبدالله بن زمعة وهو من شيعته وذلك أ نّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا فقال(عليه السلام): «إِنَّ هذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ، فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ» [١] .
وقال عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، قال: شهدت عليّاً(عليه السلام) وقد جاءه مال من الجبل، فقام وقمنا معه، وجاء الناس يزدحمون، فأخذ حبالا فوصلها بيده، وعقد بعضها إلى بعض، ثمّ أدارها حول المال، وقال: لا أحل لأحد أن يجاوز هذا الجبل، قال: فقعد الناس كلهم من وراء الجبل، ودخل هو، فقال: أين رؤوس الأسباع؟ ـ وكانت الكوفة يومئذ أسباعاً ـ فجعلوا يحملون هذه الجوالق إلى هذه الجوالق، وهذا إلى هذا، حتى استوت القسمة سبعة أجزاء، ووجد مع المتاع رغيف، فقال: اكسروه سبع كسر، وضعوا على كل جزء كسرة، ثمّ قال:
هذا جناي وخياره فيه ***** إذ كلّ جان يده إلى فيه
ثمّ أقرع عليها ودفعها إلى رؤوس الأسباع، فجعل كلّ رجل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق [٢] .
وجاء في رواية أُخرى عن ابن نباته أ نّه قال: كان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) إذا أُتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثمّ جمع المستحقين، ثمّ ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء لا تغريني، غرّي غيري.
هذا جناي وخياره فيه ***** إذ كلّ جان يده إلى فيه
ثمّ لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كلّ ذي حق حقه، ثمّ يأمر أن يكنس ويرش، ثمّ يصلّي فيه ركعتين، ثمّ يطلق الدنيا ثلاثاً يقول بعد التسليم: يا دنيا لا تتعرضين لي ولا تتشوقين إليَّ ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي عليك [٣] .
لقد كان(عليه السلام) بهذا أول من اخترع نظام التفتيش، ولقد كان يكتب إلى ولاته: «إنّ أعظم الخيانة خيانة الاُمة» وليس الولاة أعضاء في شركة مساهمة هدفها أن تستغل الاُمة وإنّما هم ككما كان يكتب إليهم «خزان الرعية، ووكلاء الاُمة، وسفراء الأئمة» وكون الأموال العامة هي أموال الاُمة مفهوم لم يأخذ صيغته الحقة إلاّ على لسان الإمام(عليه السلام) وفي أعماله [٤].