وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
موقعة الجمل ونهج البلاغة

لبيب بيضون

( قرب مدينة البصرة )

مدخل :
ذكرنا سابقا انه بعد مقتل عثمان ، هرع الناس الى الامام علي ( ع ) ليبايعوه على الخلافة فأبى ، ولكنهم أصروا عليه لعلمهم بأنه لا يقوم بأمرها غيره ، فقبل . وبايعه المسلمون بأجمعهم خلا نفر معدود منهم . وكان أول من بايعه ( ع ) طلحة والزبير ، ثم ما عتما ان نقضا البيعة ، لأنهما أرادا أن يكونا شريكين له في الخلافة فرفض .
وقاما مع عائشة يوهمون الناس بأن عليّا ( ع ) قتل عثمان ، مع أنه كان أول المدافعين عنه ، ولكنهم أرادوا أن يبعدوا تهمة قتله عنهم .
ولقد سار طلحة والزبير الى مكة فلقيا فيها عائشة وقد أمرها اللّه بلزوم بيت النبوة ، فسارا بها نحوالبصرة لإثارة الفتنة والحرب ، وجمع الرجال والاموال لقتال الامام ( ع ) ولما أحس علي ( ع ) بذلك سار بجيش الى البصرة ، ونصح الناكثين كثيرا وناشدهم اللّه أن لا يقوموا بفتنة في الاسلام يقتل فيها المسلمون بعضهم بعضا ، فلم يجد ذلك نفعا .
وطلب الامام أن يجتمع بالزبير بين الصفين ، وناجاه مذكرا اياه بقول النبي ( ص ) له : « تقاتله يا زبير وأنت له ظالم » . فما كان من الزبير الا أن اعتزل الجيشين وتركهما يقتتلان ، فلما كان في بعض الصحراء لحقه ابن جرموز فقتله . وسميت هذه الموقعة بالجمل لان عائشة كانت تقود الجيش على جمل ، والرجال تقاتل من حوله .
وكان من نتيجة هذه الحرب مقتل طلحة والزبير ، وتشتت جيشهما ، وانتصار علي ( ع ) . أمّا عائشة فبعد أن عقر جملها وكادت تهلك ، أخذها الامام ( ع ) وأحسن معاملتها وأرجعها الى بيتها في المدينة ، كرامة للنبي ( ص ) .

عائشة بنت أبي بكر
قال الامام علي ( ع ) :
وأمّا فلانة ( أي عائشة ) فأدركها رأي النّساء ، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين ( أي الحداد ) . ولودعيت لتنال من غيري ، ما أتت إليّ ( أي ما فعلت بي ) ، لم تفعل ( أي ان حقدها كان منصبا على الامام خاصة ) . ولها بعد حرمتها الأولى ، والحساب على اللّه تعالى . ( الخطبة ١٥٤ ، ٢٧٣ )
وقال ( ع ) عن طلحة والزبير واصحاب الجمل : فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها ( أي عائشة ) إلى البصرة . فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهما ولغيرهما . ( الخطبة ١٧٠ ، ٣٠٧ )
وقال ( ع ) عن موقف عائشة من عثمان قبل موته : وكان من عائشة فيه فلتة غضب ( وذلك أن أم المؤمنين أخرجت نعلي رسول اللّه ( ص ) وقميصه من تحت ستارها ، وعثمان على المنبر وقالت : هذان نعلا رسول اللّه وقميصه لم تبل ، وقد بدّلت من دينه وغيرت من سنته . وجرى بينهما كلام المخاشنة . فقالت عائشة : أقتلوا نعثلا ، تشبهه برجل اسكافي من اليهود كان مشهورا بالضعة ) . ( الخطبة ٢٤٠ ، ٤٤٢ )
من كتاب له ( ع ) الى عائشة : أمّا بعد فإنّك خرجت من بيتك تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين النّاس ؟ فخبّريني ، ما للنّساء وقود العساكر ولعمري إنّ الّذي عرّضك للبلاء وحملك على المعصية ، لأعظم ذنبا . وما غضبت حتّى أغضبت ، ولا هجت حتّى هيّجت . فاتّقي اللّه وارجعي إلى منزلك ، واسبلي عليك سترك ، والسّلام . ( مستدرك ١١٨ )
ومن كتاب له ( ع ) الى طلحة والزبير وعائشة : . . . وأنت يا عائشة ، فإنّك خرجت من بيتك عاصية للّه ولرسوله ، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ، وتزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين النّاس . فخبّريني ، ما للنّساء وقود الجيّوش ، والبروز للرّجال . وطلبت على زعمك دم عثمان ، وعثمان رجل من بني أميّة ، وأنت من تيم . ثمّ أنت بالأمس تقولين في ملإ من أصحاب رسول اللّه اقتلوا نعثلا ، قتله اللّه فقد كفر ، ثمّ تطلبين اليوم بدمه ؟ فاتّقي اللّه وارجعي إلى بيتك ، واسبلي عليك سترك ، والسّلام . ( مستدرك ١٣٦ )

طلحة بن عبيد اللّه والزبير بن العوام
لما أشير على الامام ( ع ) بأن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال ، قال : واللّه لا أكون كالضّبع ، تنام على طول اللّدم ، حتّى يصل إليها طالبها ، ويختلها راصدها . ولكنّي أضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه ، وبالسّامع المطيع العاصي المريب أبدا . حتّى يأتي عليّ يومي . فواللّه ما زلت مدفوعا عن حقّي مستأثرا عليّ منذ قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى يوم النّاس هذا . ( الخطبة ٦ ، ٤٩ )
وقال ( ع ) عن الزبير : يزعم أنه قد بايع بيده ، ولم يبايع بقلبه ، فقد أقرّ بالبيعة ، وادّعى الوليجة ( أي الدخيلة ) فليأت عليها بأمر يعرف ، وإلاّ فليدخل فيما خرج منه . ( الخطبة ٨ ، ٥٠ )
وقال ( ع ) لما انفذ عبد اللّه بن عباس الى الزبير يستفيئه الى طاعته قبل حرب الجمل : لا تلقيّن طلحة ، فإنّك إن تلقه تجده كالثّور عاقصا قرنه ، يركب الصّعب ويقول هوالذّلول . ولكن الق الزّبير ، فإنّه ألين عريكة ، فقل له : يقول لك ابن خالك : عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق ، فما عدا ممّا بدا . ( الخطبة ٣١ ، ٨٤ )
وقال ( ع ) في شأن طلحة والزبير وفي البيعة له : واللّه ما أنكروا عليّ منكرا ، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا ( أي انصافا ) . وإنّهم ليطلبون حقّا هم تركوه ، ودما هم سفكوه . فإن كنت شريكهم فيه ، فإنّ لهم نصيبهم منه ، وإن كانوا ولّوه دوني فما الطّلبة ( أي الاخذ بالثأر ) إلاّ قبلهم . وإنّ أوّل عدلهم للحكم على أنفسهم . إنّ معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس عليّ . وإنّها للفئة الباغية فيها الحمأ والحمة ( يقصد الزبير وعائشة ) والشّبهة المغدقة ( أي الساترة للحق ) . وإنّ الأمر لواضح . وقد زاح الباطل عن نصابه ، وانقطع لسانه عن شغبه . وأيم اللّه لأفرطنّ لهم حوضا أنا ماتحه ( أي ليملأن لهم حوضا للموت هويسقيهم منه ) ، لا يصدرون عنه بريّ ، ولا يعبّون بعده في حسي ( أي لا يشربون بعده من حفرة فيها ماء ) . ( الخطبة ١٣٥ ، ٢٤٨ )
ويتابع الامام كلامه عن طلحة والزبير قائلا : اللّهمّ إنّهما قطعاني وظلماني ، ونكثا بيعتي ، وألّبا النّاس عليّ . فاحلل ما عقدا ، ولا تحكم لهما ما أبرما . وأرهما المساءة فيما أمّلا وعملا . ولقد استثبتهما قبل القتال ، واستأنيت بهما أمام الوقاع ( أي قبل الحرب ) ، فغمطا النّعمة ، وردّا العافية . ( الخطبة ١٣٥ ، ٢٤٩ )
وقال ( ع ) في ذكر طلحة والزبير : كلّ واحد منهما يرجوالأمر له ، ويعطفه عليه دون صاحبه . لا يمتّان إلى اللّه بحبل ، ولا يمدّان إليه بسبب . كلّ واحد منهما حامل ضبّ ( أي حقد ) لصاحبه . وعمّا قليل يكشف قناعه به . واللّه لئن أصابوا الّذي يريدون لينتزعنّ هذا نفس هذا ، وليأتينّ هذا على هذا . ( الخطبة ١٤٦ ، ٢٦٠ )
من كلام له ( ع ) كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة ، وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما : لقد نقمتما يسيرا ، وأرجأتما كثيرا . ألا تخبراني ، أيّ شي‏ء كان لكما فيه حقّ دفعتكما عنه ؟ أم أيّ قسم استأثرت عليكما به ؟ أم أيّ حقّ رفعه إليّ أحد من المسلمين ضعفت عنه ، أم جهلته ، أم أخطأت بابه ؟ واللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة ، ولكنّكم دعوتموني إليها ، وحملتموني عليها . فلمّا أفضت إليّ نظرت إلى كتاب اللّه وما وضع لنا ، وأمرنا بالحكم به فاتّبعته ، وما استسنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فاقتديته . فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ، ولا رأي غيركما . ولا وقع حكم جهلته ، فأستشيركما وإخواني من المسلمين ، ولوكان ذلك لم أرغب عنكما ، ولا عن غيركما . وأمّا ما ذكرتما من أمر الأسوة ( أي التسوية في العطاء بين المسلمين ) فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ، ولا وليته هوى منّي ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ اللّه من قسمه ، وأمضى فيه حكمه فليس لكما واللّه عندي ، ولا لغيركما في هذا عتبى .أخذ اللّه بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ ، وألهمنا وأيّاكم الصّبر . ( الخطبة ٢٠٣ ، ٣٩٧ )
من كتاب له ( ع ) الى طلحة والزبير ( مع عمران بن الحصين الخزاعي ) ذكره ابوجعفر الاسكافي في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : أمّا بعد ، فقد علمتما ، وإن كتمتما ، أنّي لم أرد النّاس حتّى أرادوني ، ولم أبايعهم حتّى بايعوني ، وإنّكما ممّن أرادني وبايعني . وإنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب ، ولا لعرض حاضر ( أي طمعا في مال حاضر ) . فإن كنتما بايعتماني طائعين ، فارجعا وتوبا إلى اللّه من قريب . وإن كنتما بايعتماني كارهين ، فقد جعلتما لي عليكما السّبيل بإظهاركما الطّاعة ، وإسراركما المعصية . ولعمري ما كنتما بأحقّ المهاجرين بالتّقيّة والكتمان ، وإنّ دفعكما هذا الأمر ( أي الخلافة ) من قبل أن تدخلا فيه ، كان أوسع عليكما من خروجكما منه ، بعد إقراركما به . وقد زعمتما أنّي قتلت عثمان ، فبيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة ، ثمّ يلزم كلّ امري‏ء بقدر ما احتمل . فارجعا أيّها الشّيخان عن رأيكما ، فإنّ الآن أعظم أمركما العار ، من قبل أن يتجمّع العار والنّار ، والسّلام . ( الخطبة ٢٩٣ ، ٥٤٠ )
وقال ( ع ) وقد قال له طلحة والزبير : نبايعك على أنّا شركاؤك في هذا الامر: لا ، ولكنّكما شريكان في القوّة والاستعانة ، وعونان على العجز والأود ( بلوغ الامر من الانسان مجهوده لشدته وصعوبة احتماله ) .( ٢٠٢ ح ، ٦٠٣ )
ومن كتاب له ( ع ) الى معاوية جوابا : وذكرت أنّي قتلت طلحة والزّبير ، وشرّدت بعائشة ، ونزلت المصرين وذلك أمر غبت عنه فلا عليك ، ولا العذر فيه إليك . ( الخطبة ٣٠٣ ، ٥٥١ )
بعث ( ع ) أنس بن مالك ، وقد كان بعثه الى طلحة والزبير لما جاء الى البصرة يذكرهما شيئا مما سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم في معناهما [ يقصد بذلك قول النبي ( ص ) لطلحة والزبير : انكما تحاربان عليا وأنتما له ظالمان ، وقد كان أنس في ذلك المجلس ] ، فلوى أنس عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال أنس : إنّي أنسيت ذلك الأمر . فقال عليه السّلام : إن كنت كاذبا فضربك اللّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة ( فأصابه البرص فيما بعد في وجهه ، فكان لا يرى الا مبرقعا ) . ( ٣١١ ح ، ٦٢٨ )
ما زال الزّبير رجلا منّا أهل البيت ، حتّى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه . ( ٤٥٣ ح ، ٦٥٧ )

البصرة وأهل البصرة
قال الامام علي ( ع ) :
في ذم أهل البصرة : كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ( الجمل ) ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم . أخلاقكم دقاق وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق . والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشّاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه . كأنّي بمسجدكم كجؤجوء سفينة ، قد بعث اللّه عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها . ( الخطبة ١٣ ، ٥٣ )
بلادكم أنتن بلاد اللّه تربة : أقربها من الماء وأبعدها من السّماء ، وبها تسعة أعشار الشّرّ ، المحتبس فيها بذنبه ، والخارج بعفواللّه . كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه قد طبّقها الماء ، حتّى ما يرى منها إلاّ شرف المسجد ، كأنّه جؤجؤ طير في لجّة بحر . ( الخطبة ١٣ ، ٥٤ )
أرضكم قريبة من الماء ، بعيدة من السّماء . خفّت عقولكم ، وسفهت حلومكم ، فأنتم غرض لنابل ، وأكلة لآكل ، وفريسة لصائل . ( الخطبة ١٤ ، ٥٤ )
فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم اللّه لا رهج له ولا حسّ . وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر ، والجوع الأغبر . ( الخطبة ١٠٠ ، ١٩٦ )
وقال ( ع ) في وجوب اتباع الحق عند قيام الحجة ، وذلك ان قوما من اهل البصرة بعثوا برجل الى الامام ( ع ) يستعلم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم . فبيّن له ( ع ) من امره معهم ما علم به انه على الحق . ثم قال له : بايع . فقال : اني رسول قوم ولا أحدث حدثا حتى ارجع اليهم .فقال( ع ) : أرأيت لوأنّ الّذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلإ والماء ، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب ، ما كنت صانعا ؟ قال : كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلإ والماء . فقال عليه السّلام : فامدد إذا يدك . فقال الرّجل : فواللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ ، فبايعته عليه السّلام . ( الخطبة ١٦٨ ، ٣٠٤ )
من كتاب له ( ع ) الى عبد اللّه بن عباس عامله على البصرة ، وكان قد اشتد على بني تميم لأنهم كانوا مع طلحة والزبير يوم الجمل : واعلم أنّ البصرة مهبط إبليس ، ومغرس الفتن . فحادث أهلها بالإحسان إليهم ، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم . وقد بلغني تنمّرك لبني تميم ( أي تنكرك ) وغلظتك عليهم . وإنّ بني تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع لهم آخر . وإنّهم لم يسبقوا بوغم ( أي حقد ) في جاهليّة ولا إسلام . وإنّ لهم بنا رحما ماسّة وقرابة خاصّة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها . فاربع ( أي ارفق ) أبا العبّاس ، رحمك اللّه فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشرّ . فإنّا شريكان في ذلك ، وكن عند صالح ظنّي بك . ولا يفيلنّ ( أي يضعف ) رأيي فيك . والسّلام . ( الخطبة ٢٥٧ ، ٤٥٦ )
ومن كتاب له ( ع ) الى أهل البصرة : وقد كان من انتشار حبلكم ( أي تفرقكم ) وشقاقكم ما لم تغبوا عنه ( أي تجهلوه ) . فعفوت عن مجرمكم ، ورفعت السّيف عن مدبركم ، وقبلت من مقبلكم . فإن خطت بكم الأمور المردية ، وسفه الآراء الجائرة ، إلى منابذتي وخلافي ، فهأنذا قد قرّبت جيادي ، ورحلت ركابي . ولئن الجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلاّ كلعقة لاعق . مع أنّي عارف لذي الطّاعة منكم فضله ، ولذي النّصيحة حقّه . غير متجاوز متّهما إلى بريّ ولا ناكثا إلى وفيّ . ( الخطبة ٢٦٨ ، ٤٧٢ )

الكوفة وأهل الكوفة والعراق
قال الامام علي ( ع ) :
ما هي إلاّ الكوفة أقبضها وأبسطها ، إن لم تكوني إلاّ أنت تهبّ أعاصيرك ، فقبّحك اللّه ( أي إن لم يكن لي من الدنيا ملك الا الكوفة ذات الفتن فأبعدها اللّه ) .

وتمثل بقول الشاعر :

لعمر أبيك الخير يا عمرو*****إنّني على وضر من ذا الإناء قليل ( الخطبة ٢٥ ، ٧٢ )

كأنّي بك يا كوفة ، تمدّين مدّ الأديم العكاظيّ ( كناية عن كثرة الظلم الذي سينزل بها ) ، تعركين بالنّوازل ، وتركبين بالزّلازل . وإنّي لأعلم أنّه ما أراد بك جبّار سوءا إلاّ ابتلاه اللّه بشاغل ، ورماه بقاتل . ( الخطبة ٤٧ ، ١٠٤ )
أيّها القوم الشّاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم أمراؤهم . صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشّام يعصي اللّه وهم يطيعونه . لوددت واللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم . يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين : صمّ ذووأسماع ، وبكم ذووكلام ، وعمي ذووأبصار . لا أحرار صدق عند اللّقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلّما جمعت من جانب تفرّقت من آخر ، واللّه لكأنّي بكم فيما إخالكم : أن لوحمس الوغى ، وحمي الضّراب ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها ( عند الولادة أوعند ما يشهر عليها سلاح ) . وإنّي لعلى بيّنة من ربّي ، ومنهاج من نبيّي . وإنّي لعلى الطّريق الواضح ألقطه لقطا . ( الخطبة ٩٥ ، ١٨٩ )
قال ( ع ) يتنبأ بظهور عبد الملك بن مروان : لكأنّي أنظر إلى ضلّيل قد نعق بالشّام ، وفحص براياته في ضواحي كوفان . . . هذا وكم يخرق الكوفة من قاصف ، ويمرّ عليها من عاصف . ( الخطبة ٩٩ ، ١٩٤ )
أمّا واللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف ( أي الحجاج ) الذّيّال الميّال . يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم . إيه أبا وذحة ( وهي الخنفساء ، التي لدغته فمات بسببها ) . ( الخطبة ١١٤ ، ٢٢٥ )
ومن كتاب له ( ع ) الى أهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة الى البصرة لحرب الجمل : من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار ، وسنام العرب . أمّا بعد فإنّي أخبركم عن أمر عثمان . . . واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها . وجاشت جيش المرجل . وقامت الفتنة على القطب . فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم . إن شاء اللّه عزّ وجلّ . ( الخطبة ٢٤٠ ، ٤٤٢ )
ومن كتاب له ( ع ) الى أهل الكوفة بعد فتح البصرة : وجزاكم اللّه من أهل مصر عن أهل بيت نبيّكم ، أحسن ما يجزي العاملين بطاعته ، والشّاكرين لنعمته . فقد سمعتم وأطعتم ، ودعيتم فأجبتم . ( الخطبة ٢٤١ ، ٤٤٣ )
. . . . وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا ، من أهل العراق على الآخرة . ( الخطبة ٢٥٦ ، ٤٥٥ )
من كتاب له ( ع ) الى أهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة الى البصرة : أمّا بعد ، فإنّي خرجت من حيّي هذا : إمّا ظالما وإمّا مظلوما ، وإمّا باغيا وإمّا مبغيا عليه . وإنّي أذكّر اللّه من بلغه كتابي هذا ، لمّا نفر إليّ ( لما بمعنى إلا ) ، فإن كنت محسنا أعانني ، وإن كنت مسيئا استعتبني . ( الخطبة ٢٩٦ ، ٥٤٣ )
من كتاب له ( ع ) الى أبي موسى الاشعري ، وهوعامله على الكوفة ، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج اليه ، لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل : من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس . أمّا بعد ، فقد بلغني عنك قول هولك وعليك ، فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك ، واشدد مئزرك ( كناية عن التشمير للجهاد ) ، واخرج من جحرك ، واندب من معك . فإن حقّقت فانفذ ، وإن تفشّلت فابعد ( أي ان أخذت بالحق فامض الينا ، وان جبنت فابعد عنا ) وأيم اللّه لتؤتينّ من حيث أنت ، ولا تترك حتّى يخلط زبدك بخاثرك وذائبك بجامدك ( كناية عن الحيرة في الامر ) ، وحتّى تعجل في قعدتك ( أي يحال بينك وبين جلستك في الولاية ) ، وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك ، وما هي بالهوينا الّتي ترجو، ولكنّها الدّاهية الكبرى ، يركب جملها ، ويذلّ صعبها ، ويسهّل جبلها . فاعقل عقلك ، واملك أمرك ، وخذ نصيبك وحظّك . فإن كرهت فتنحّ إلى غير رحب ولا في نجاة ، فبالحريّ لتكفينّ وأنت نائم ( أي انا لنكفيك القتال ونظفر فيه وأنت نائم خامل لا يسأل عنك ، نفعل ذلك بالوجه الحري بنا أن نفعله ) حتّى لا يقال : أين فلان ؟ واللّه إنّه لحقّ مع محقّ ، وما أبالي ما صنع الملحدون . والسّلام . ( الخطبة ٣٠٢ ، ٥٤٩ )

أصحاب الجمل وموقعة الجمل
من كلام له ( ع ) في صفة أصحاب الجمل : وقد أرعدوا وأبرقوا ، ومع هذين الأمرين الفشل . ولسنا نرعد حتّى نوقع ، ولا نسيل حتّى نمطر . ( الخطبة ٩ ، ٥١ )
ومن خطبة له ( ع ) : ألا وإنّ الشّيطان قد جمع حزبه ، واستجلب خيله ورجله . ( الخطبة ١٠ ، ٥١ )
لما اظفر اللّه الامام ( ع ) بأصحاب الجمل ، وقد قال له بعض أصحابه : وددت أن اخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك اللّه به على أعدائك فقال له ( ع ) : أهوى أخيك معنا ؟ فقال : نعم . قال : فقد شهدنا . ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرّجال ، وأرحام النّساء ، سيرعف بهم الزّمان ، ويقوى بهم الإيمان . ( الخطبة ١٢ ، ٥٢ )
قالوا : أخذ مروان بن الحكم اسيرا يوم الجمل : فاستشفع الحسن والحسين ( ع ) الى أمير المؤمنين عليه السلام ، فكلماه فيه ، فخلى سبيله . فقالا له : يبايعك يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته . ( الخطبة ٧١ ، ١٢٨ )
من خطبة له ( ع ) عند مسير اصحاب الجمل الى البصرة : إنّ اللّه بعث رسولا هاديا بكتاب ناطق وأمر قائم . لا يهلك عنه إلاّ هالك . وإنّ المبتدعات المشبّهات هنّ المهلكات ، إلاّ ما حفظ اللّه منها . وإنّ في سلطان اللّه عصمة لأمركم فاعطوه طاعتكم غير ملوّمة ولا مستكره بها . واللّه لتفعلنّ أولينقلنّ اللّه عنكم سلطان الإسلام ، ثمّ لا ينقله إليكم أبدا حتّى يأرز الأمر إلى غيركم ( أي يرجع ) . إنّ هؤلاء قد تمالؤوا على سخطة إمارتي . وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم . فإنّهم إن تمّموا على فيالة هذا الرّأي ( أي ضعفه ) انقطع نظام المسلمين ، وإنّما طلبوا هذه الدّنيا حسدا لمن أفاءها اللّه عليه ، فأرادوا ردّ الأمور على أدبارها . ولكم علينا العمل بكتاب اللّه تعالى وسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والقيام بحقّه والنّعش لسنّته . ( الخطبة ١٦٧ ، ٣٠٣ )
وقال ( ع ) في ذكر طلحة والزبير واصحاب الجمل : فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها ( أي عائشة ) إلى البصرة . فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهما ولغيرهما . في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطّاعة ، وسمح لي بالبيعة ، طائعا غير مكره . فقدموا على عاملي بها وخزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها . فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا . فواللّه لولم يصيبوا من المسلمين إلاّ رجلا واحدا معتمدين لقتله ، بلا جرم جرّه ، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه ، إذ حضروه فلم ينكروا ، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد . دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة الّتي دخلوا بها عليهم ( أي قتلوا بعدد جيشهم ) . ( الخطبة ١٧٠ ، ٣٠٧ )
وقال ( ع ) في ذكر السائرين الى البصرة لحربه ( ع ) : فقدموا على عمّالي وخزّان بيت مال المسلمين الّذي في يديّ ، وعلى أهل مصر ، كلّهم في طاعتي وعلى بيعتي . فشتّتوا كلمتهم ، وأفسدوا عليّ جماعتهم ، ووثبوا على شيعتي ، فقتلوا طائفة منهم غدرا ، وطائفة عضّوا على أسيافهم ، فضاربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين . ( الخطبة ٢١٦ ، ٤١٤ )
وقال ( ع ) لما مرّ بطلحة بن عبد اللّه ، وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، وهما قتيلان يوم الجمل : لقد أصبح أبومحمّد بهذا المكان غريبا أما واللّه لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب أدركت وتري من بني عبد مناف ( يقصد به طلحة وكان طلحة ومروان بن الحكم في عسكر عائشة ، فرماه مروان بسهم غيلة انتقاما لعثمان ) . وأفلتتني أعيان بني جمح ( قبيلة عربية كانت مع عائشة ) .لقد أتلعوا ( أي مدّوا ) أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله ( أي الخلافة ) فوقصوا دونه ( أي كسرت اعناقهم دون الوصول اليه ) . ( الخطبة ٢١٧ ، ٤١٤ )
وقيل ان الحارث بن حوت أتاه فقال : أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة ؟ . فقال عليه السلام : يا حارث ، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه . فقال الحارث : فإني اعتزل مع سعيد بن مالك وعبد اللّه بن عمر ، فقال عليه السلام : إنّ سعيدا وعبد اللّه بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا الباطل . ( ٢٦٢ ح ، ٦١٨ )

من كتاب تصنيف نهج البلاغة

****************************