وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                

Search form

إرسال الی صدیق
نبذة عن كتاب (الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي)

هذا الكتاب الذي بين يديك هو أحد تلك الشروح المشار إليها لكتاب نهج البلاغة ألفه الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الحسيني عليه السلام المتوفى سنة ٧٤٩ه‍، وأسماه (الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي) (ليكون -كما قال- اسمه موافقاً لمسماه، ولفظه مطابقاً لمعناه، حيث كانت العلوم درراً وهو تاجها، وحللاً وهو ديباجها).

ويعتبر واحداً من شروح النهج المهمة، والمبسوطة الشرح لألفاظ وعبارات كل خطبة وكتاب وحكمة وردت فيه، والمشتملة على الفوائد الجمّة في شتى العلوم والمعارف، والكاشفة عن سعة أفق كتاب (نهج البلاغة) في شموليته واستيعابه لنواحي الحياة العلمية والعملية والفكرية المترامية الأطراف والجوانب.

انتهى المؤلف من تأليفه في شهر ربيع الآخر من شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وأوضح في مقدمة الكتاب دوافع التأليف وهي: (إيضاح ما وقع في كلام أمير المؤمنين من تفسير ألفاظه الغريبة، وإظهار معانيه اللطيفة العجيبة، وبيان أمثاله الدقيقة، ولطائف معانيه الرشيقة وغير ذلك مما يشتمل عليه كلامه عليه السلام، إذ كان كلامه قد رقى إلى غايتي الفصاحة في لفظه والبلاغة في معناه؛ إذ هو منشأ البلاغة ومولدها، ومشرع الفصاحة وموردها، وعليه كان تعويل أربابها وضالة طلابها، فلا وادٍ من أودية الفصاحة إلا وقد ضرب فيه بحظ وافر ونصيب، ولا أسلوب من أساليب البلاغة إلا وله فيه القدح المعلا والتؤم والرقيب) إلى أن قال: وكان فيه غرضان:

أحدهما: الإبانة عن عظيم قدر أمير المؤمنين حيث كان سابقاً لمن تقدمه، وفائتاً لمن تأخر عنه، فعلى مثاله حذا كل خطيب مصقع، وعلى منواله نسج كل واعظ أروع.

وثانيهما: ما يكون في ذلك من مذخور الأجر من الانتفاع بالزواجر الوعظية، والحكم الأدبية، والحجج القاطعة، والبراهين النافعة، وجواهر اللغة العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، بحيث لا يلقى مجتمعاً في كلام من جميع السلف الأولين، ولا متسقاً في نظام من الخلف الآخرين، خاصة في علوم التوحيد والحكمة وتنزيه الله تعالى عن مشابهة الممكنات، وذكر المعاد الأخروي، بل إنما يؤثر عنهم القليل النادر، والشاذ الشارد، إذ كان كلامه عليه السلام عليه مسحة من الكلام المعجز السماوي، وفيه عبقة من رائحة الكلام النبوي.

حرص المؤلف في المقدمة على ذكر المنهج الذي التزمه وسلكه في كتابه هذا، فقال: (واعلم أني قد سلكت فيه أحد مسلكين:

المسلك الأول: أن أقتطع من كلامه عليه السلام قطعة، ثم أعقد عليها عقداً يكون محيطاً بأسرارها وغرائبها، ويحتوي على جميع معانيها وعجائبها، وهذه هي طريقة جيدة، وفائدتها هو إيضاح معاني الكلام بالعقود اللائقة، والترتيبات الفائقة، وهي طريقة يسلكها كثير من النَّظار فيما يريدونه من إبانة معاني الكلام، ولها آفة وهو الإسهاب في الكلام الذي يورث الملل وسآمة الخواطر.

المسلك الثاني: أن أذكر اللفظة المركبة من كلام أمير المؤمنين ثم أكشف معناها وأوضح مغزاها، من غير التزام عقد لها ولا إشارة إلى ضابط، وهذه طريقة يسلكها الأكثر من النَّظار، فهذان مسلكان يمكن ذكر أحدهما، وكل واحد منهما لا غبار عليه في تحصيل المقصد وتقرير البغية، لكن أرى المسلك الثاني هو أعجب، وإلى الاختصار والتحقيق أقرب لما ذكرناه من حصول التكثير في سلوك الطريقة الأولى، خاصة في مثل هذا الكتاب فإن شجونه كثيرة، ونكته غزيرة، فلا جرم كان التعويل عليها هو الأخلق.

ومن خلال هذا المنهج الذي التزمه المؤلف عليه السلام واستقراء الكتاب من أوله إلى آخره على ضوئه، نجده قد أتى في شرحه لكلام أمير المؤمنين علي عليه السلام الوارد في كتاب نهج البلاغة، بطراز رائع ونموذج جميل، وأداء تميز به عن غيره من شروح نهج البلاغة، فهو لا يقسم كلام أمير المؤمنين إلى فصول بحيث يشتمل كل فصل على قطعة كبيرة من الكلام المزمع شرحه ثم يردف كل فصل بشرحه، كما أنه أيضاً لم يقتصر على تفسير بعض الألفاظ ويترك بعضها، بل على العكس من ذلك يفسر ويشرح مفردات كل خطبة أو كتاب أو حكمة قصيرة من أولها إلى آخرها شرحاً دقيقاً، فهو أولاً يورد عنوان كل خطبة أو كتاب، ثم يورد على إثره النص والشرح، مراعياً في طريقته لتقسيم نصوص كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى فقرات أو عبارات غالباً ما تكون قصيرة أو كلمات مفردة، فيردف كل جزء منها بالشرح، وذلك بشكل منتظم ومتتابع من أول النص إلى آخره، فيبتدئ من أول النص بأن يورد منه قطعة أو لفظة مركبة -كما قال- فيشرحها حتى إذا انتهى من شرحها انتقل إلى التي تليها مباشرة فيوردها ثم يشرحها، وهكذا في جميع مراحل الكتاب من أوله إلى آخره، وكذا بنفس الطريقة في شرح الحكم القصار.

وهو في طريقته في الشرح يذكر ما عنده في ذلك، ملتزماً بمسلكه ومنهجه الذي أوضحه، واعتمد في شرحه على ناحيتين اثنتين هما: الأولى العقلية، والثانية النقلية، فمن الناحية الأولى نجده شأنه في ذلك شأن أئمة أهل البيت" وشيعتهم رضي الله عنهم في كون العقل مناط التكليف وبه يقع التمييز بين حقائق الأشياء وفهم أدلة الأحكام ومقاصدها، وهو العامل الرئيسي في سلامة البحث والنظر والتفكر والاجتهاد وغير ذلك، وتظهر الصبغة العقلية أكثر وضوحاً عند أهل البيت وشيعتهم وبشكل خاص من خلال الاطلاع على مؤلفاتهم الأصولية أو الكلامية أو المباحث النظرية والاحتجاجية والتي شاركهم في ذلك المعتزلة إلا في بعض المسائل خالف المعتزلة فيها، ولذا نجد أن تلك النزعة العقلية التي ورثها من طريقة أسلافه من أهل البيت قد اتخذت طابعاً خاصاً على كتابه هذا في كلامه على المباحث الكلامية والأصولية، إلا أنه يكاد يقترب في منهجه الاستدلالي في بحث ما أو قضية معينة من المعتزلة، فيسلك طريقتهم، والذي يبدو أن المؤلف قد تأثر بهم وبمذهبهم في مسائل معينة فشايعهم في ذلك، لكنه في الأصول المهمة كما حكاه العلامة الكبير مجد الدين المؤيدي في لوامع الأنوار ٢/٧٤ على منهاج أهل بيته، كما ذكر فيه أنه قد صرَّح بخلاف ما روي عنه من المخالفة. (انظر المرجع المذكور٢/٧٤-٨٢).

أما من الناحية الثانية وهي الناحية النقلية فقد اعتمد المؤلف عليه السلام على ذلك كثيراً في كتابه هذا، فنقل الكثير من مواد العلوم المختلفة في القرآن الكريم والحديث والفقه واللغة والنحو والصرف والبلاغة والسيرة والتأريخ والأحداث والوقائع والطب والفلك والمواعظ والحكايات وأقوال الرجال والملل والنحل وغير ذلك. فهو في تناوله لموضوعات نهج البلاغة قد اعتمد على كتب اللغة ففسر الألفاظ اللغوية موضحاً للغريب منها، مستعيناً بإيراد الشواهد على ذلك من كلام العرب سواء كانت نثراً أم شعراً مبيناً لمعاني كل ذلك يسلك فيه طريقة اللغويين في الاستدلال والتوضيح والاحتجاج بأقوالهم، وفي شرحه للشواهد الشعرية التي تمثل بها أمير المؤمنين عليه السلام، يهتم بتوضيح المعنى والإعراب وموضع الشاهد منه كما يوضح ما عساه يشتبه من الناحية الإعرابية أو التصريفية، ولا يفوته في كثير من مواضيع الكتاب أن يبرز ما اشتمل عليه كلام الإمام علي عليه السلام من الأساليب البلاغية في علمي البيان والمعاني، والبديع، كل ذلك يفعله بمقدرة فائقة تكشف عن غزارة علمه وتبحره في اللغة وعلومها المختلفة.

وأورد في شرحه كثيراً من آيات كتاب الله العزيز والأحاديث النبوية التي تعضد استدلالاً ما، وحكى كثيراً من المواعظ والأمثال والحكم والأبيات الشعرية، وساق في طوايا شرحه عدداً جماً من الروايات في السيرة والتأريخ والأحداث والوقائع ومسائل كلامية وفلسفية، وهو بذلك يحتج ويستدل أو ينقد ويقيم أو يوافق أو يناقض أو يناقش ويحاور إلى جانب ذلك كله يهتم بكشف معاني كلام أمير المؤمنين وإيضاح مقاصدها ومراميها، وتبيين أسرارها وحقائقها.

وقد أورد في أثناء شرحه وفي مواضع كثيرة من الكتاب عدداً من السؤالات وإجاباتها في مختلف الأغراض، والتي تعطي المزيد من إيضاح المعنى وتكشف بدورها عن إشكالية ما قد ترد حول المعنى، فاستخدم في ذلك صيغة: سؤال، فيذكر السؤال ثم يردفه بقوله: وجوابه أو والجواب، وهذه طريقة نراها في كثير من المؤلفات.

وتعقب المؤلف عليه السلام بالنقد وفي مواضع عدة من الكتاب الشريف علي بن ناصر الحسيني رحمه الله مؤلف (أعلام نهج البلاغة) وهو كتاب شرح فيه مؤلفه كتاب (نهج البلاغة) شرحاً مختصراً جداً، ويعتبر أول (شروح النهج)، فتعقب المؤلف بعض آرائه التي أوردها فيه وناقضه فيها.

ورتَّب شرحه هذا، لكتاب (نهج البلاغة) على ترتيب الشريف الرضي رحمه الله حيث رَتَّبَه على أقطاب ثلاثة، وهي:

١) الخطب والأوامر.

٢) الكتب والرسائل.

٣) الحكم والمواعظ.

فابتدأه باختيار محاسن خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم محاسن كتبه، ثم محاسن حكمه ومواعظه، وكذا رتب المؤلف شرحه هذا على ذلك الترتيب المشار إليه، فابتدأ بشرح القطب الأول وهو الخطب والدلائل، ثم بشرح القطب الثاني وهو الكتب والرسائل، ثم بشرح القطب الثالث وهو الحكم والمواعظ القصيرة، وأضاف في نهاية الكتاب زيادة لم ترد في كتاب (نهج البلاغة) وأشار عليه السلام إلى ذلك، وقد تضمنت نقوش خواتيم أمير المؤمنين علي عليه السلام وما كتب فيها من الأذكار، وهي أربعة خواتيم: الأول للصلاة، ومكتوب فيه: (لا إله إلا الله، عدة للقاء الله)، والثاني: للحرب، ومكتوب فيه قول الله تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}[الصف:١٣]، والثالث: للقضاء، ومكتوب فيه: (الله الملك)، والرابع: للختم، ومكتوب فيه: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فذكر تلك الخواتيم ومن أي معدن هي، والأذكار المكتوبة عليها موضحاً في ذلك ما اشتملت عليه من الفوائد.

وكان أسلوبه في جميع مراحل الكتاب بليغاً، ارتفع عن الركة في التعبير والخلل في اللفظ، فجاءت عباراته قوية وبلفظ عربي فصيح وأصيل، متوخياً فيه الجزالة والمتانة والدقة والفصاحة، مراعياً في ذلك التوضيح والسهولة والسلاسة.

****************************