وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
نبذة من أوصاف المنافقين في بيان أمير البيان الإمام علي عليه السلام

الخطبة (١٩٤) من النهج الشريف

قال سماحة الاستاذ: ان الإمام علي(عليه السلام) بييّن في اول خطبة صلاة جمعة بعد توليه زمام أمور الخلافة مسألة النفاق، من أجل إنقاذ ولاته وأصحاب المسؤوليات من هذه الصفة السيئة، هذا أولاً؛ وثانياً: تحذير عامة الناس من الوقوع في فخ أفكار المنافقين، وإرشادهم بان النفاق ليس له عاقبة حسنة.

الخطبة (١٩٤) من نهج البلاغة حول المنافقين أن القرآن والعترة أحدهما يشكل عِدل الآخر، والقرآن يعتبر في هذا المجال الثقل الأكبر، والمساعد في فهمه الثقل الأصغر وهم العترة.

أن القرآن الكريم قسم الناس في سورة البقرة إلى ثلاثة أصناف: المؤمن، والكافر، والمنافق، وجعل من تلك الأصناف الثلاثة عناوين مهمة لمعظم الآيات الكريمة، وفيما بعد تطرق إلى كل من تلك الأوصاف بإسهاب كبير كما في سورة "المؤمنون" وسورة "المنافقون" وسورة "الكافرون" هذا إضافة إلى ما تضمنته بعض الآيات من السور القرآنية فيما يخص هذه الأصناف الثلاثة.

إن هذا التقسيم موجود بعينه في كتاب نهج البلاغة للأمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) حيث صنّف الإمام(عليه السلام) في مطلع احد خطبه النورانية الناس إلى منافق ، ومؤمن، وكافر، ثم فصّلَ وخصص لكل صنف من الأصناف الثلاثة خطبة سميت بأسمائهم، فنجد في النهج الشريف خطبة بعنوان " خطبة الـمتّقين" وخطبة أخرى تحمل عنوان "خطبة الـمنافقين" وخطبة ثالثة تتحدث عن الكفّار وأوصافهم بشكل مفصل.

المتتبع يجد شرح آيات الذكر الحكيم في الكلام النوراني لأهل البيت العصمة (عليهم السلام) وخصوصا في كلام أمير البيان الإمام علي(سلام الله عليه) خُطب الإمام (سلام الله عليه) بمنزلة السور القرآنية، لكنّها في الحقيقة تُفسر السور، وتُحلل الآيات، وتُحرر المفردات، وتَشرح الجُمل. إذا كان الذات الأقدس الإلهي في كتابه الحكيم تطرق بصورة كُلّية إلى الخطوط العريضة لمعنى النفاق وأوصاف المنافقين، فإننا نجد أن الإمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) خاض بإسهاب كبير في تفسير معنى مفردة النفاق، وأوصاف وخصائص المنافقين.

تجميع الخطب البلاغية لأمير المؤمنين(سلام الله عليه) في كتاب نهج البلاغة الخطبة (١٩٤)  من نهج البلاغة خاصة بأوصاف المنافقين، والإمام (عليه السلام) تفوه بها في أول جمعة من استلامه زمام أمور الخلافة والحكومة، وقد تحتوي هذه الخطبة ما يقارب العشرة صفحات أو أكثر، أما ما موجود من هذه الخطبة في كتاب نهج البلاغة صفحة واحدة فقط.

وفي هذا المقام ملاحظة صغيرة يجب أن نشير إليها هنا، وهي أن كلام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) ككلام باقي الأئمة (عليهم السلام) يتفاوت من حيث الفصاحة والبلاغة، فان ما نجده في كتاب نهج البلاغة يختلف عن ما موجود مثلاً في كتاب تحف العقول من حيث الفصاحة والبلاغة،  أي  له صعود وهبوط لو صح التعبير، والسيد الرضي (رحمة الله عليه) اختيار الخطب ذات البلاغة والفصاحة العالية وجمعها في كتاب سمّاه بنهج البلاغة، وقد ترك الكثير من خطب أمير المؤمنين (سلام الله عليه) التي حسب رأيه ـ وهو أديب ـ لا تستوي مع الخُطب المختارة من حيث الفصاحة والبلاغة.

فمثلاً عهد أمير المؤمنين (سلام الله عليه) إلى مالك الأشتر نجده في كتاب تحف العقول ـ الذي هو سابق على نهج البلاغة ـ أكثر مما في النهج، ونجد الكثير من كلام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) الذي ليس فيه صبغة أدبية وبلاغية رفيعة، لا ترتقي إلى ما جَمعه السيد الرضي في نهج البلاغة، وكثيرا ما يشبه روايات كتاب "الوسائل" الموجودة في تُحف العقول فقط.

نفس هذه الخطبة الشريفة للأمام (سلام الله عليه) التي كان محورها تبيين وتعريف المنافق وأوصافه، نجدها كما أسلفنا أكثر من عشرة صفحات في كتاب تحف العقول واقل من صفحة واحدة في نهج البلاغة، وربما استقطع السيد الرضي الجُمل ذات المضامين البلاغية واستغنى عن البعض الآخر، لكن من يريد أن يَقف على معنى النفاق وأوصاف المنافقين، فعليه مراجعة الخطبة كاملة.

النفاق يُسبب للحكومة الإسلامية مشاكل ثلاث يرى الأمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) أن هناك ثلاثة مشاكل أساسية تشكل خطرا جسيما على الحكومة الإسلامية، والتي يكون منشئها النفاق، وهي:

أولا: المنافقون أنفسهم.

ثانيا: الخُلق الخفي والمستور الذي يَضمره الكثير من الولاة، وأصحاب الرأي والمسؤولية في الحكومة.

ثالثاً: صفة النفاق السيئة التي عشعشت في صدور بعض الناس في الأمة الإسلامية.

وهذا المثلث هو الذي دعا الإمام (عليه السلام) في أول صلاة جمعة بعد تسلمه زمام أمور الأمة الإسلامية، التركيز على معنى النفاق، وما تُخلفه هذه الصفة من أضرار جسمية في جسد الحكومة الإسلامية.

الإمام علي (سلام الله عليه) يشكر الله تعالى على توفيق الطاعة وترك المعاصي، مشيرا إلى ما تحمله النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تبليغ رسالته إن الإمام (سلام الله عليه) يَشكر الذات المقدسة في مطلع هذه الخطبة لأمرين:

الأول: توفيق الطاعة.

الثاني: ترك المعصية.

حيث قال (عليه السلام): «نحمدُهُ على ما وَفَّقَ له مِنَ الطَّاعَةِ وَ ذادَ عنه مِنَ المعصيةِ» أي : الهي نَشكرك على مَنك علينا بتركنا المعصية، ونَشكرك على التوفيق في إطاعة أوامرك.

واما «ذاد» بالـ «ذال» يعني دَفَع؛ ففي بعض الأدعية النورانية الخاصة بشهر رجب مفردة نجد عبارة (اذواد) يعني: مدافعون؛ إذن (ذاد) تعني: دفع وترك.

قال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): الهي أمرتنا ( وهذه نعمة)، ثم قال وفقتنا لإطاعة أوامرك (وهذه نعمة ثانية)، ثم نهيتنا ( وهذه نعمة ثالثة)، ووفقننا لترك المعصية (وهذه نعمة رابعة). فنشكرك على هذه النعم ونشهد بصدق رسالة النبي الذي«خاضَ الى رضوانِ الله كلَّ غَمْرَة»؛ وتَحمل كل المصاعب والمصائب والآلام، من الضرب والجرح والتعبيد من اجل رضا الله تعالى.

اعتماد معظم شرّاح نهج البلاغة على شرح ابن أبي الحديد مُعظم شرّاح نهج البلاغة في الحقيقة هم مدينون في شروحهم لكلام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) في نهج البلاغة على شرح ابن أبي الحديد المعتزلي. ويجب أن نذكر بان ابن أبي الحديد إضافة إلى أنه أديب بارع ، كان إلى جانب ذلك مؤرخ وخبير مقتدر في تحليل الأحداث التاريخية أيضا، فقد نقل لنا هذا الرجل الكثير من الأحداث المريرة، والمصائب الأليمة التي حدثت في سيرة أمير المؤمنين (سلام الله عليه) التي كان الصبر فيها هو الصفة البارزة للأمام (سلام الله عليه) قبال تلك الأحداث حفاظاً منه على الإسلام والوحدة الإسلامية.

ونرى بان أول الشرّاح الذين اعتمدوا على شرح ابن أبي الحديد هو ابن ميثم البحراني، وبعد ذلك أصبح الشرّاح واحدا تلو الآخر يعتمدون في شرحهم على ابن أبي الحديد. ويقول ابن أبي الحديد: إن من يراجع كتب السيرة يدرك ما لاقاه وما تحمله الإمام علي(سلام الله عليه) من المشاكل وهتك لحرمته، كل ذلك من أجل الاسلام.

معنى كلام النبي (صلى الله عليه واله) في قوله ان أذيته فاقت أذية الأنبياء (عليهم السلام)

ربما يتبادر سؤال إلى الذهن وهو: إن حديث النبي (صلى الله عليه واله) الذي قال فيه: 

(ما أوذي نبي كما أوذيت)، كيف ينسجم مع ما مر على بعض الأنبياء من مصائب والآلام  ومتاعب من قبل قومهم، أمثال نوح (عليه السلام) الذي لبث بين قومه تسعة قرون ونصف،  وتحمل من أجل رسالته أنواع المصائب من قبل قومه.

 الجواب هو: إن الأذية التي تحملها النبي(صلى الله عليه واله) لا تنحصر فقط في مدة نبوته فحسب، وإنما الأذية والإهانة لشخصه المقدس مستمرة إلى يومنا هذا، كما نشاهد اليوم الإساءات والإهانات التي تصدر من بعض المتطرفين في الدنيمارك وهولندا بحق النبي (صلى الله عليه وآله)، من قبيل الرسوم المسيئة والكلام البذيء، لم تصدر بحق احد من الأنبياء (عليه السلام)، وان جميع هؤلاء وجهوا سهامهم نحو الذات المقدسة للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)؛ وهذا الحديث: «ما اُوذِيَ نبيٌ كما اوذيتُ» غير مقيد بزمان معين، و يعني هذا إن الأذية الموجه إلى الساحة الناصعة للنبي (صلى الله عليه واله) غير مقيّدة أو منحصرة بزمان ما، بل هي مستمرة؛ لذلك لا يمكن قياس ما مر على النبي (صلى الله عليه واله) ويَمر عليه في وقتنا الحالي وربما في الأزمنة القادمة، بما جرى على الأنبياء (عليهم السلام) أمثال نوح وإبراهيم .

تحمّل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لهجمات عرب الجاهلية المترامية الأطراف قال الإمام علي (عليه السلام): «خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ» أي إن النبي (صلى الله عليه وآله) تحمل جميع الصعاب والمصائب في تلك الفترة من اجل رضا الله تعالى.

فمع انه كان ينحدر من اشرف قبائل العرب ، مع ذلك فإنهم تآمروا عليه وهتكوا حرمته؛ وقالوا عنه (صلى الله عليه وآله) أنه ساحر، وقالوا كذلك أنه شاعر، وقالوا أنه مجنون، وأمثال هذه؛ وما اكتفوا بذلك حتى شهروا سيوفهم بوجه، وكان الهجمة عليه من فئتين: الفئة الأولى: وهم الأدنون أي القريبون إليه (صلى الله عليه وآله) كما يقول الإمام : «قد تَلَوَّنَ لَهُ الْأَدْنَوْنَ»، والفئة الثانية: وهو البعيدون عنه (صلى الله عليه وآله)، حيث قال (عليه السلام): «خَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ إِلى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَها مِنْ أَبْعَدِ الدَّارِ وَأَسْحَقِ الْمَزَارِ» يقول الإمام (عليه السلام): إن حركة الفرس التي يطلق لها العنان سريعة جدا، لذلك يطلق العرب على الرجل السريع في الركض بأنه مطلق العنان، فالفرس مادام عنانها بيد الخيال فهي تحت سيطرته التامة، ولكن نفس تلك الفرس لو أطلق عنانها فتجدها تسرح وتمرح بما تشتهي غرائزها، ولذا فأن الإمام (سلام الله عليه) يقول: إن هؤلاء العرب الذين كانوا مطلقي العنان تحالفوا عليه (صلى الله عليه وآله)؛ «خَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا» «وَ ضَرَبَتْ إِلي مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رواحِلِها»؛  أي  أنهم شدوا عليه (صلى الله عليه واله) من جهتين الجهة الأولى: من الداخل وهم الذين كانوا بجواره مطلقي العنان ، والجهة الثانية: هم الذين جهزوا أنفسهم من الخارج لمحاربته .

والمعروف أن الفارس يضرب على بطن راحلته أو فرسه ليسرع في حركته؛ لان هذا المكان حساس بالنسبة للفرس، فوكزها فيه يجعلها تعدو بسرعة فائقة؛ ولذا وصف الإمام (سلام الله عليه) الفئة الثانية بأنهم كالذين يضربون على باطن رواحلهم للوصل إلى النبي(صلى الله عليه واله) والقضاء على مهامه، وأما الذين في جوار النبي (صلى الله عليه واله) فعبر عنهم بمطلَقي العنان؛ لم يبلغ احد ما بلغه هؤلاء من محاولة الوقيعة والمكر به (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن الوجود المبارك للنبي (صلى الله عليه واله) تحمل كل تلك الأذية من اجل الحفاظ على الإسلام.

مقتطف من كلام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) في أوصاف المنافقين بعد العبارة المتقدمة قال الإمام علي (عليه السلام): (أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ) .

يجب على رئيس الدولة أو الخليفة أو القائد أو القائم على تدبير شؤون الناس أن يُعَرّفُ بشكل تام صفة النفاق وأوصاف المنافقين، لأصحاب المناصب والقائمين على شؤون السلطة والنظام، وكذلك الشعب، ويُحذرهم من الوقوع في فخ هذا السلوك السيئ .

لذا قال الإمام(عليه السلام) إني اُعرِّف لكم معنى النفاق ، ومن هو المنافق، لتحذروا من سريان هذه الخصلة السيئة إلى نفوسكم.

ثم يشرح أوصاف المنافقين فيقول:« لهم بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ وَ إِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ وَ لِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ ولِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً».

أي لهؤلاء في كل مكان مساكين أوقعوهم في الهلكة (هذا أولا)، ولكل مصاب لهم دموع حاضرة (ثانيا)، ولكل ظلام، مصباح مهيأ (ثالثا)، ولهم للنفوذ إلى كل بيت وقلب شفيع، ووسيط في قلوب ناس (رابعا).

وإذا التقى احدهم الآخر«يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَيَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ»؛ يعني كل منهم يمدح الآخر قرضاً؛ لان الآخر ينتظر هذا العمل من صاحبه ، عند ما يدخل احدهم في مجلس ما، يقوم الذي كان جالسا في شرق المجلس له، ليس احتراما وإنما لإحساسه بتعلق الدين في رقبته، أو لأجل أن يقوم الآخر بمثل ما فعل في مجلس آخر ، وبعبارة أوضح أن المنافق يقوم بهذا العمل ليس لوجه الله بل ينتظر المقابل بأن يُقدم له هذا الفضل أو الاحترام في مجلس آخر لذلك يقول الإمام (عليه السلام): «يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ».

هؤلاء هم في الحقيقة «حَسَدَةُ الرَّخَاءِ» و«مُقنِّطُوا الرَّجَاءِ» و«مُؤَكِّدُوا الْبَلاَءِ» ؛ «قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ... قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ»؛ كلامهم جميل وجذاب يقع في مسامع القلوب لما يظهرون من تحنّن وشفقة على الآخرين، لكن قلوبهم مريضة؛ يقول الإمام (عليه السلام) لا يوجد دواء لمثل هذه القلوب المريضة، قولهم وكلامهم شفاء وجذاب، وفعلهم وباء يجلب الأمراض، ومرضهم يسري بسرعة إلى جسد الإنسان.

نقرأ في الكتب الحوزوية من أمثال كتاب المنظومة مفردة "الـداء العُضال"، والعُضال هو المُعضِل، والمُعضِل يعني المشكل. يقول (سلام الله عليه) بان هذا المرض والألم غير قابل للعلاج ، وهو الذي يوقع الإنسان في المشاكل وبالتالي يُتعبه كثيرا، فهو في الظاهر يطلب معالجته ويستقبل المعالج، لكن باطنه يرفض ذلك «يَمْشُونَ الْخَفَاءَ»؛ يأتون خفية ويذهبون خفية، ولا يعطون أي مستمسك لأحد للتعرف على عملهم وخطواتهم .

نماذج من تجلي الآيات القرآنية في الخطبة التي هي محل بحثنا ان معظم الأحاديث النورانية للأمام علي (سلام الله عليه) هي في الحقيقة شرح للآيات القرآنية المباركة؛ فقد ورد في الذكر الحكيم:﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً﴾ فعبّر الإمام بقوله«قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ»؛ هم مرضى يئنون من ألم المرض والداء، ويقول (سلام الله عليه) إذا تحدثوا ﴿تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾؛ لأنهم يتفوهون بكلمات ساحرة، ثم يقول: «وَقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ» فكلامه هنا يشير إلى أن الخطر مخفي، أما في قول آخر يقول«فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ» ـ والـ«عَيّ» يعني التعب كما في قوله تعالى: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأول) أي لم نتَعب ـ فالمعنى افعالهم كالأمراض التي أجهد علاجها الأطباء وأتعبهم، لكن دون جدوى.

هدف أمير المؤمنين(سلام الله عليه) من إلقاء الخطبة ، الإشارة إلى دور المنافقين في بث القنوط واليأس في قلوب الناس تبيّين الإمام (سلام الله عليه) صفات المنافق والمنافقين في اول خطبة صلاة جمعة، بعد خلافته مباشرة، لم يأتي اعتباطا، وإنّما الإمام (سلام الله عليه) كان يهدف من وراء ذلك إلى إنقاذ ولاته وأصحاب المسؤوليات من هذه الخصلة والصفة السيئة، هذا أولاً، وثانياً: تحذير عامة الناس من الوقوع في فخ أفكار المنافقين، وإرشادهم بان النفاق ليس له عاقبة حسنة.

فقد وصف هؤلاء بأنهم يحسدون الناس على الرخاء والأمل والعدالة وأمثال ذلك؛ كُلما وجدوا الأمل تحدثوا عن اليأس والقنوط لإدخال الغم والهم على قلوب الأصدقاء، والسرور والفرح على قلوب الأعداء.

نقول فی الوقت الذی تهجم المشاكل فيه من كل جانب فهناك حلول لها، فلماذا الضرب على وتر اليأس والقنوط؟

يقول الإمام (سلام الله عليه): «وَ مُقنِطُو الرَّجَاءِ» والقنوط هو اليأس وموت الأمل في النفوس ، أن هؤلاء دأبهم زرع اليأس والقنوط في نفوس الناس من خلال ما يكتبونه أو يتحدثون به، لقد شاهدنا جميعا في الانتخابات الأخيرة كيف عملوا على بث اليأس والقنوط في أوساط العامة، لكن بلطف الله ومنه استطاع الشعب الإيراني الغيور فهم هذا المخطط، وبالتالي طردهم من الساحة.

 وجه تسمية المنافقين بهذا الاسم هذه الفقرة الوجيزة من الخطبة (١٩٤) من نهج البلاغة التي كانت عبارة عن مرسوم حكومي قدمه الإمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه) في بداية خلافته، لأنه لو كان المنافق يعيش في الجبال لكان القول القائل بان أضراره وأفكاره سوف لن تؤثر على المجتمع، صحيحاً، أما إذا كانت هذه الفئة تعيش في اوساط المجتمع فان الخطر لا شك محدقا بمثل هذا الاجتماع وحسب قول ابن أبي الحديد: سمي النفاق نفاقاً من "النافقاء" وهي بيت اليربوع له بابان يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر وكذلك الذي يظهر ديناٌ ويبطن غيره، ومثل هذه الحيوانات من الصعب اصطيادها؛ لان لهما نفقان ومن  أي  جانب يأتي العدو إليها تخرج من النفق أو الجانب الآخر، ولذلك يقال لمثل هذه اليرابيع الصحراوية "نافقاً"؛ وأصل النفاق ورد في القرآن بهذا المعنى أيضا، فقد عبر القرآن الكريم عن "نَفق" و"نفاق" بـه، فقد ورد في قوله تعالى"نَفَقاً فِي الْأَرْضِ" وفي مكان آخر عبر عنه بـ ﴿نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أو سُلَّماً فِي السَّمَاءِ﴾. مسؤولية الفرد عند إدراكه وجودان، أو فقدان علائم النفاق في نفسه ان الإمام علي(عليه السلام) عمل في بداية حكمه على تنزيه حكومته من شوائب النفاق.

إن معرفة أوصاف المنافقين لا يستوجب معايشتهم أو الدخول ضمن كادرهم السياسي أو العسكري؛ بل إن التعرف على أوصافهم يكفي في تشخيص النفاق، فكل شخص عليه مراجعة نفسه، فإذا كان ـ لا سامح الله ـ يضمر مثل هذه الصفة السيئة عليه تطهير نفسه منها، وإذا وجد نفسه نزيها منها عليه أن يشكر الله تعالى على ذلك، كما جاء في مطلع هذه الخطبة الشريفة: «نَسْألُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَ بِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً»؛ فهو(سلام الله عليه) يطلب من الله تعالى إتمام هذه النعمة، والمنّة عليه، هذا من جانب، وان يوفقه في الاعتصام والتمسك بالحبل المتين، من جانب آخر.

وفي الختام نأمل من الولي القدير أن يَمنَّ علينا بادراك وفهم المعارف الإلهية، والاعتقاد بها والتخلّق والعمل بها ونشرها وتبليغها!

منقول من موقع مؤسسة الاسراء العالمية

****************************