وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
نهج البلاغة في الميزان بين الفاخوري وضيف والرد على الشبهات

الدكتور صادق سياحي [١]

وسمير پوریان پور [٢]

الملخص:

قد جمَع الشريف الرضي بعض كلِم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في كتاب سمّاه نهج البلاغة واتّهمه البعض بصُنعه وجعلِه ، منهم أصحاب تواريخ الأدب ، وكذلك شكّوا هل هو الواضع أو أخوه المرتضى؟ ، فالكتاب عندهم لا أصل له ولا مصدر قديم يعتمد عليه ، وقد أوردوا شبهات ولا يرونه  مِن كلام الإمام عليه السلام بينما قد ذكر المعاصورن للرضي ومَن بعدهم من العلماء والمؤرخين بأنّ الكتاب من جمع الرضي وكلّ كلم الإمام عليه السلام قد ذُكر في مصادر كثيرة قديمة قبل الرضي بمائتي عام أو أكثر مِن طرق الروائية لأبناء العامة والشيعة ، والمنابع في غاية الإستناد وهناك من اهتمّ بجمع كلما الإمام عليه السلام قبل الرضي .

قد سعيتُ في هذا المقال أن أدرس آراء المخالفين والدافع الذي أدّى بهم إلى ذلك العناد رغم التواتر الروائي الموجود حول أسناد نهج البلاغة ، وأن أقارن بين آراء حنا الفاخوري صاحب (الجامع في تاريخ الأدب العربي) وشوقي ضيف صاحب (تاريخ الأدب العربي) وأن أدخلَ في ضمن البحث إلى دلائل رفضهم لنهج البلاغة كلّه أو بعضه وأن أجيب على هذه الشبهات مِن طرق علمية وروائية خارجة عن النزعات القومية والعصبيات المذهبية وفي كلّ ذلك إتكلتُ على الله على أن يهديني إلى فهم الصواب.

التمهيد:

العصبية والإعتدال ظاهرتان نفسيتان تؤثران على جميع آراء المرء ، سواء العلمية منها أو الغير علمية ، أو الدينية منها أو الغير دينية وغير ذلك.

أما العصبية الدينية هي الغالبة على أكثر ظواهر الإنسانية والأسوأ الفاعلية على العلوم بحيث نجد عالما يصدر آراءه تحت ظل هذه الحالة بغض النظر على الحق ومن دون إنصاف ، فمن ثمة بما أنه صادر من شخصية علمية فراح يضل به جمهور كثير فتارة نرى العالم المسيحي ينكر فضائل الإسلام أو يفتي بحرق كتابه ، وتارة نرى العالم السني يطعن في ذخائر الشيعة من كنوز أدبية أوغيرها ، وما ذلك إلا للتخلص من القلق ومشاعر الإثم المرتبطة بنقائص يدركها في شخصيته أو سلوكه أو دينه أو علمه فيلجأ إلى إسقاط هذه النقائص على الآخرين .

فمن تلك ، العنصرية العدوانية التي نجدها عند بعض المتأخرين أو المستشرقين حيث شككوا في بعض معالم الأدب العربي، الجاهلي منها أو الإسلامي ، ومن أهمها كتاب (نهج البلاغة) الذي جمع فيه الشريف الرضي بعض خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهو كنز حافل من بلاغة الأدب العربي في العصر الإسلامي الذي يكون بمثابة قنديل كلما أخذت منه يفيض فيفيض .

لهذا من واجباتنا الأساسية المحافظة على تراثنا الغني والإهتمام به ، ولو كنا حافظين عليه حقا  لما سنحت الفرصة لهؤلاء المستشرقين أو المتأثرين من الغرب للتلاعب والتشكيك في حقائقنا.

إن أول المتأخرين الذين شككوا في التراث العربي هو المستشرق (مرغليوث) [٣]  D.S.margoliouth  وذلك في سنة ١٩٢٥ م ولم يدر حولاً كاملاً إلا واقتدى به (طه حسين) الذي درس في الغرب وتأثر بالمنهج الديكارتي وهو طريق الشك إلى اليقين، كما يبين في مقدمة كتابه (الشعر الجاهلي) الصادر سنة ١٩٢٦ م قائلا: {فلست أريد أن أقول البحث وأنما أريد أن أقول الشك، أريد ألا نقبل شيئا مما قال القدماء في الأدب وتاريخه إلا بعد بحث وتثبت إن لم ينتهيان إلى الرجحان} فأدت شكوكه إلى أن ألحده مصطفى صادق الرافعي وقال عنه الدكتور صلاح الدين المنجد: {إنه عجيب في كل شىء لأنه كان يكره الإعتدال وكان عجيبا في عماه الذي أعطاه الذكاء المتوقد في خصامه العنيف مع جميع ذوي الشأن من أدباء مصر}، ثم حذى حذوه تلميذه الدكتور شوقي ضيف في المنهج الديكارتي وجعل الشك أساسا لبعض دراساته وجرى مجرى النقاد الفرنسيين من مثل (سانت بوف).

عندما تمت دراستي في البكالوريوس من فرع الأدب العربي وأقبلت على الماجستير، حصلت على كتاب للدكتور شوقي ضيف وهو(الفن ومذاهبه في النثر العربي) حيث ينكر فيه صحة نهج البلاغة فآلمني رأيه ألما شديدا ، بعد ذلك أخذت كتابه الآخر وهو(تاريخ الأدب العربي) وإذا به يكرر ما قاله هناك بعيدا عن الإنصاف والحيادة حيث يرى الدكتور شوقي ضيف أن نهج البلاغة منحول فيه وهو من عمل (الشريف الرضي) وصنعه ولا يصلح الإعتماد على هذا الكتاب وإن كثيرا من أرباب الهوى فصحاء الشيعة أضافوا خطبا وأقوالا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

فصرت من ذي وذا ، أبحث عن جميع آراء التواريخ ، وإذا بي وجدت أن الدكتور شوقي ضيف لم يكن هو وحده من المتأخرين الذين شككوا في صحة نهج البلاغة ، بل هناك عدد من ذوي الشأن ساروا على ما قاله ، فمنهم: عباس محمود العقاد ، أحمد أمين ، جرجي زيدان، أحمد حسن الزيات وحنا الفاخوري.

ولكني رأيت أن نظرية الدكتور شوقي ضيف في غاية العصبية بينما رأي الفاخوري في الإعتدال وبعيد من العناد الجاهلي .

فلهذا التخالف في الآراء, أجمعت أمري على أن أدرس آرائهم ومنهم (ضيف) و(الفاخوري) بمستندات تاريخية ثم أصل إلى نتائج عادلة خارجة عن الطائفية وأرد شبهاتهم وفي ذلك كله أتوكل على الله لأكون مأجورا و«مَن يَّتَوكل عَلى اللهِ فهوحسبهُ إِنَ اللهَ بالِغُ أمرِه قد جَعلَ اللهُ لِكُلِ شيئٍ قَدراً». [٤]

حياة أحمد شوقي

أحمد شوقي عبد السلام ضيف ، المعروف بشوقي ضيف ، أديب وعالم لغوي والرئيس السابق لمجمع اللغة العربية المصري ، قد ولد في ١٣ يناير سنة ١٩١٠ م في قرية (أولاد حمام) في محافظة (دمياط) شمالي مصر.

فقد كان علامة في الثقافة العربية وألف ٥٠ مؤلفا من أهمها سلسلة (تاريخ الأدب العربي) التي استغرقت منه ثلاثين عاما شملت مراحل الأدب العربي من شعر ونثر وأدباء منذ الجاهلية حتى عصرنا الحديث .

كان الدكتور شوقي ضيف عضوا في مجمع اللغة العربية في سوريا وعضو شرف في مجمع الأردن والمجمع العراقي ونال جائزات ومنح دروعا من عدة جامعات إلى أن توفي سنة ٢٠٠٥ م في ١٤ مارس عن عمر يناهز ٩٥ عاما.

من هو الفاخوري؟

الفاخوري هو الأب حنا الفاخوري أديب مسيحي ، لغوي عربي ومؤرخ لبناني قد ولد سنة ١٩١٦ م في (زحلة) إحدى مدن اللبنانية في محافظة (البقاع) وبعد ما أنهى الدراسة الفلسفية في القدس سنة ١٩٣٦ م إنضم إلى جمعية المرسلين البولسيين وانتقل إلى (حريصا) ومنذ تلك الفترة بدأ نشاطه الثقافي فكتب أكثر من ١٠٠ كتاب في اللغة والأصول والإنشاء والأدب والفلسفة والدين.

عرف من اللغات الكثير إضافة إلى لغة الأم لا سيما الفارسية والروسية وترجم بنفسه بعض كتبه إلى الفارسية ويحمل أوسمة مختلفة من لبنان وإيران وبرازيل.

النظريات حول نهج البلاغة:

لم يكن الدكتور شوقي ضيف أو حنا الفاخوري أول من شكا في نهج البلاغة ، أو كما زعم البعض ومنهم ضيف أن صاحب كتاب (وفيات الأعيان) وهو(ابن خلكان) أول من طرق هذا الموضوع بل إن هذا التشكيك كان موجودا قبل ابن خلكان المتوفي سنة ٦٨١ هـ ق حيث يقول في كتابه (وفيات الأعيان) في ترجمة (الشريف المرتضى) أخ الشريف الرضي:

{ قد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل هو جمعه أو جمع أخيه الرضي ، وقد قيل إنه ليس من كلام على وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه }. [٥]

فبغض النظر عن شكوكه ، نراه يقول: { قد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة } [٦] حيث يبين لنا أن هذا الشك كان موجودا قبله وهذا رد على الذين زعموا أنه أول من طرحه وإنما نستطيع أن نقول: هوأول من كتبه ودونه.

وأيضا (ابن أبي الحديد المعتزلى) شارح نهج البلاغة المتوفي سنة ٦٥٥ هـ ق يقول مستنكرا في شرحه:

{ كثير من أرباب الهوى يقولون: إن كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن أوغيره } [٧].

فبما أن ابن خلكان وابن أبي الحديد كانا معاصرين وهما يصرحان بوجود هذه الشبهات ، نستنتج كما قلنا آنفا أن هذه الشكوك قديمة من قبل المغرضين والمنحرفين وليست كما زعم شوقي ضيف.

بعد ذلك يأتي الدور إلى (اليافعي) المتوفي سنة ٧٨٦هـ ق كما في (رياض العلماء) نقلا عن كتابه (مرآة الجنان) ، حيث يكرر ما قاله ابن خلكان ويقول في ترجمة السيد المرتضى:

{ وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب هل هو جمعه أو أخوه الرضي؟ وقيل: أنه ليس من كلام علي بن أبي طالب وإنما أحدهما هو الذي وضعه ونسبه إليه } [٨].

وكذلك يذكر هذا ، القاضي نورالله الشهيد في كتابه (مجالس المؤمنين) عند ترجمة شريف المرتضى . أما الفرق بينهما ؛ أنّ القائل بالوضع على عبارة اليافعي، فالواضع هو المرتضى أو أخوه الرضي، وأما على ما في الوفيات فيمكن أن يكون الوضعُ غيرهما. [٩]

هذا و(الذهبي) صاحب (ميزان الإعتدال) المتوفي سنة ٧٤٨ هـ ق أيضا يشكك في نهج البلاغة ويؤكد أن الشريف المرتضى هو الذي وضعه [١٠].

ويكرر هذا في كتابه الآخر (تذكرة الحفاظ ج٣) وكذلك في (سير أعلام النبلاء ج٣٤).

ثم يأتي (ابن حجر العسقلاني) المتوفي سنة ٨٢٥ هـ ق ويقول في كتابه (لسان الميزان):

{ من طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضى الله عنهما، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل } [١١].

أيضا لا يخفى أن صاحب (شذرات الذهب) وهو(ابن العماد) كذلك يشكك في صحة نهج البلاغة ويتهمه  [١٢] وكذلك (الزركلي) يكرر ما قالوه من تهم وشكوك [١٣].

و{ كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول } [١٤]: «مِنَ الذينَ هادوُا سمّاعونَ لِلكَذِبِ سَمّاعونَ لِقَومٍ آخرينَ»٤ { بلى والله سمعوها ووعوها ولكنهم }٥ عميت العصبية قلوبهم كما يصرح بذلك إبن أبي الحديد المعتزلي وسنصل إلى ذلك إن شاء الله تعالى.

أما من المستشرقين، (ليونارد نيكلسون) في كتابه (تاريخ الأدب العربي) عند ما يذكر خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول:

He excelled in poetry and in eloquence. His verses and sayings are famous throughout the mohammadan east. Though few of them can be considered authentic.

الترجمة:

(كان علي عليه السلام ماهرا في الشعر وكان فصيحا بليغا وأن شعره وكلامه معروف بين المسلمين لكن قليلا من ذلك أصيل «وأكثره منحول») . [١٥]

أيضا وهذا (كارل بروكلمان) المستشرق الالماني يعبر عن أدب الإمام عليه السلام (بأدب علوي منحول) [١٦] .

وكذلك نجد المستشرق الفرنسي (الموسيو ديمومبين) Demombynes على هذه العقيدة السخيفة. [١٧]

فالدكتور شوقي ضيف ومَن بَعده ومنهم حنا الفاخوري ، إقتدوا بهؤلاء حبط عشواء وقد أغفلوا البحوث والدراسات حول أسانيد نهج البلاغة وأن الباحثين أثبتوا أنه في نهاية الإتقان والإستناد.

من هنا نستطيع أن نقسم الشبهات الواردة على قسمين:

الأولى منهما: هل نهج البلاغة من الشريف الرضي أو المرتضى؟

والثانية : قضية الوضع والإنتحال في نهج البلاغة.

الشبهة الأولى: هل نهج البلاغة من الشريف الرضي أو المرتضى؟

فنقول في جواب الشبهة الأولى: أن كون نهج البلاغة مِن جمع الرضي أوضح من الشمس، ألا ترى أن الشريف الرضي يقول في خطبة الكتاب وفي ترجمة بعض كلمات نهج البلاغة (قال الرضي كذا وكذا...) وهذا صاحب (رياض العلماء) عندما يذكر شبهة اليافعي يجيب عنه ويقول:

{ وأمّا ما في كلام اليافعي من التأمل: أولا في كون نهج البلاغة لأي الأخوين السيدين ثم احتمال كونه من اختراعات أحدهما ، فهو من سخيف القول، فإن تلاميذ السيد الرضي بل فضلاء الشيعة الإمامية ولا سيما العلماء في إجازاتهم حتى عظماء العامة أيضا خلفاً عن سلف ، انتسبوا جمع هذا الكتاب إلى السيد الرضي، وهو متواترة من زماننا هذا – وهوعام ثمانية ومائة ألف – إلى زمن السيد الرضي فضلا عن زمان اليافعي من غير شكٍ ولا ارتياب، وأهل البيت أدرى بما فيه } [١٨]، وكذلك النجاشي المعاصر للرضي، يصرّح في (رجاله) بأنّ مؤلف الكتاب هو السيد الرضي [١٩]، والنجاشي هو الذي غسّل سيد المرتضى مع الفقيهين: محمد بن الحسن الجعفري وسلار الديلمي [٢٠]، ويقول عنه العلامة السند السيد بحر العلوم: { هو أحد مشايخ الثّقات العدول الاثبات، مِن أعظم أركان الجرح والتعديل وأعلم علماء هذا السبيل } [٢١]، وكذلك يقول عنه العلامة السبحاني: { نقًادُ الفن، ومن أجلائه وأعيانه ، ومَن حاز السبق في ميدانه... وكان متحرزاً في الرّواية عن الضعفاء والمتهمين ، ذا مكانة عند شيوخ عصره } [٢٢].

فعلى هذه الشهادات بحق النجاشي لا يجوز أن يكون قد أخطأ في اختياره الرضي مؤلفأً لنهج البلاغة ، فضلاً على كونه معاصراً للأخوين.

أيضا الرضي نفسه يصرح بأنه هو الذي سمّاه باسم نهج البلاغة [٢٣] ، ويكرر ذلك في كتابه الآخر وهو(مجازات الآثار النبوية) [٢٤] الذي اختصره (الشيخ الزاهد إبراهيم الكفعمي) وسمّاه (إختصار المجازات النبوية).

هذا وإننا لم نجد في تآليف المرتضى رغم كثرتها إشارة منه إلى أنّه جمع نهج البلاغة ولم نرى أحداً من المحدّثين أوالرجّالة ذكروا له هذا التاليف بل أجمعوا قاطبة على أن نهج البلاغة من جمع الرضي، فمن أراد التفصيل فليراجع المصادر من أصحاب الرجال فلهم السعي الشافي في هذا الباب.

فهذا أمر بسيط لا شكّ فيه بأن الشريف الرضي هو الجامع لكلام الإمام عليه السلام لا أخوه المرتضى.

فالشريف الرضي: السيد الأجل أبوالحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام [٢٥] ، هو أخ الشريف المرتضى ، مولده سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ، وكان أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر، عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه ولقب بالطاهر ذي المناقب وخاطبه بهاء الدولة أبونصر بن بويه: (بالطاهر الأوحد).

أما أمه فاطمة بنت الحسين بن الحسن الناصر الأصم صاحب الديلم بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام. من المتواتر أن الشيخ المفيد أبوعبد الله محمد بن النعمان ، شيخ الإمامية وهوالذي يخاطبه الإمام الحجة عجل الله فرجه في إحدى توقيعاته الشريفة: (للأخ الأعز السديد الشيخ المفيد) رأى في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها: الحسن والحسين عليهما السلام. صغيرين، فسلمتهما إليه وقالت له: علِمهما الفقه، فانتبه متعجبا من ذلك ، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إلى مسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها: محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين ، فقام إليها وسلم عليها، فقالت له: أيها الشيخ ، هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه ، فبكى الشيخ المفيد وقص عليها المنام وتولى تعليمهما الفقه ، فأنعم الله عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا ، فكان الرضي عالما فقيها ورعا تقيا جليلا، فاضلا أديبا . شاعرا  مفلقا ، فصيح النظم ، ضخم الألفاظ ، قادرا على القريض ، متصرفا في فنونه، وكان عفيفا ، شريف النفس ، عالي الهمة، حافظا للقرآن ، ملتزما بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة ، حتى إنه ردّ صِلاتِ أبيه ، فلما كمل بدره وبلغ سبعا وأربعين من عمره اختار الله له دارَ بقائه وذلك في بكرة يوم الأحد لستٍ خلون من المحرم سنة ستٍ وأربعمائة ( ٤٠٦ هـ) [٢٦].

هذا هو الشريف الرضي جامع كتاب نهج البلاغة وسوف ندرس الدافع الذي أقبل به على تأليف ذلك وأما قبل الخوض في البحث لابدّ أن أسأل الذين قالوا هو مِن جمع المرتضى، ما الفرق إن كان نهج البلاغة مِن جمع المرتضى دون الرضي؟ أحينئذٍ يكون نقصاً على الكتاب أو زيادة ؟ وما هو الدافع أن يغيروا المؤلف من شخص إلى آخر؟ فكليهما عالمان فقيهان مِن نسبٍ واحد وأمٍ واحدة ، بل ربما نستطيع أن نقول بأن المرتضى زاد فقاهةً على أخيه، فالقاصد كالنفس الواحدة والمقصود واحدٌ وهو كلمات الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

الشبهة الثانية : الوضع والإنتحال في نهج البلاغة

فأما الشبهة الثانية: هي قضية الوضع والإنتحال التي كانت من قديم الزمان من قبل المغرضين ثم كتبها ابن خلكان، فهم يزعمون أنّ نهج البلاغة ليس من كلام الإمام علي عليه السلام وإنما صنعه وجعله بعضٌ من الشيعة ونسبوه إليه، وهو كلام منحولٌ موضوعٌ ليس للإمام، وسنصل إلى مزعوماتهم وأدلتهم إن شاء الله تعالى، والحقّ أن (ابن تيمية) أوصل هذه الإدعاءات إلى ذروتِها ، وقلده شوقي ضيف في كتابَيه (تاريخ الأدب العربي والفن ومذاهبه في النثر العربي) حيث يؤكد ويستدل ويصرُّ عليها وكأنما «يَسمَع آيات الله تُتلى عليه ثم يُصِرُّ مستكبرا» [٢٧].

أما ابن تيمية وهو(إمام الطائفية) بحقَّ فإنه يصرّح في كتبه بلفظ (الرافضي) بدلا عن الشيعي و(الرافضة) بدلا عن الشيعة «ويُشهِدُ اللهَ عَلى ما في قلبِه وهو ألّدُّ الخِصامِ» [٢٨]، فكيف به يرى كتابا لإمام الرافضة ويتنحى عنه جانبا ؟ هذا ونراه حينما يذكر الإنتحال والوضع في نهج البلاغة يأتي بأدلة يسخر بها خصامه حتى يحسبهم غيرعقلاء، كأن لم يقرأ«لا يَسخَر قومٌ مِن قومِ عسَى أن يكونوا خيراً منهم» [٢٩]، فمن أقواله عندما يذكر (الخطبة الشقشقية): {قال الرافضي..: (لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى) فنقول: أولا أين إسناد هذا النقل بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلا إليه وهذا لا يوجد قط وإنما يوجد مثل هذا في كتاب نهج البلاغة وأمثاله وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ولا إسناد معروف ، فهذا الذي نقلها من أين نقلها؟ ولكن هذه الخطب بمنزلة مَن  يدعي أنه علوي أوعباسي ولا نعلم أحدا من سلفه ادعى ذلك قط ولا ادعي ذلك له فعلم كذا به فإن النسب يكون معروفاً مِن أصله حتى يتصل بفرعه وكذلك المنقولات لابد أن تكون ثابة معروفة عمن قال عنه حتى تتصل بنا ...

وفي هذه الخطب ويصرّح معاندا ومغرضا بأن النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام كلاهما مخلوقان فلا فرق بينهما وبين باقي المخلوقين! والموجود في كلام الإمام عليه السلام تجده في كلام غيره من الخلق! والشريف الرضي جاعلٌ وضُاع! فإليك النص:

{ فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب نهج البلاغة كذبٌ على علي وعليّ رضي الله عنه أجل وأعلى قدرا مِن أن يتكلم الكلام ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدحٌ فلا هي صدقٌ ولا هي مدحٌ ومَن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه وكلاهما مخلوق... وأيضا فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في  كلام غيره لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من كلام علي ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي  وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي ومن كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصَنَف، منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا ، علم أن هذا كذب وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبيين صدقها من كذبها ، علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها } [٣٠]، فياترى كيف بك وبهذه الإهانات البعيدة من الأخلاق الإسلامية حيث يحسب الشريف الرضي وباقي الشيعة { من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها }؟ ولا فَرق َ بين كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وكلام علي عليه السلام مع باقى الناس؟ فكلاهما مخلوقان!، أقول فأين هذه الآية : «وما يَنطقُ عنِ الهوى إن هو إلا وحي يوحى» [٣١] ؟

فهل يوحى إلى باقى الناس كما أوحى الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله ؟ فعلى قول ابن تيمية لا فرقَ بين كلام الرسول وباقي المخلوقين ، فما الفائدة مِن نقل أحاديث النبي وأن الناس قادرين على التفوّه بذلك ؟! إن صدقت هذه الآية فكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وحي من الله تعالى وفوقَ كلام المخلوقين وأن ابن تيمية مفترٍ وكذاب و«إنّ الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذاب» [٣٢]، اللهم إلا أنّ الشيعة دسّوا هذه الآية في القرآن وهي منحولة كما نحلوا نهج البلاعة فحينئذ علينا أن نكذب آية «إنا نحن نزلّنا الذكر وأنا له لحافظون» [٣٣]، وأن ابن تيمية منزّه عن الإفتراء معاذ الله .

أما أن شبهات ابن تيمية وعداوته مع الشيعة وسُخره منهم من المشهورات «فَحاقَ بالذينَ سَخِروا منهم ما كانوا بهِ يَستهزؤن» [٣٤]، حيث ملأ كتبه بهذه الأقوال ونحن لسنا بصدد ذلك وإنما ذكرنا نبذة من إنحرافه عن الحق فيما يخصنا بالبحث.

ولا يخفى عليك أن (محمد بن عبد الرحمن العاصمي) في كتابه ينتحل الفقرة الأولى من قول ابن تيمية ويقول:

{ وأكثر الخطب التي ينقلها صاحب نهج البلاغة كذب على عليّ... فلا هي صدق ولا هي مدح } [٣٥].

فإذا لاحظنا تهم ابن تيمية مع شكوك الدكتور شوقي ضيف وجدناه واحداً و«تَشَابَهت قلوبُهم» [٣٦] وأنما غيّر أسلوب القول فقط وإتهاماته لم تتغيّر، بينما أن الفاخوري المسيحي بعدَ ذكر الإنتحال وبراهين المعتقدين به لا يرى الأدلة كافية ويشكّ في قضية الإنتحال.

آراء ضيف والفاخوري

قلنا آنفاً أن اهتمامَنا بنهج البلاغة مِن حيث أنه كنزٌ أدبي مِن العصر الإسلامي لا مثيلَ له ولهذا ذكره أصحاب تواريخ الأدب في كتبهم فمِن مؤيّدِ له ومِن رادٍ، وقد ذكرنا بعض الآراء والعجب مِن مثل شوقي ضيف رغمِ مكانتهِ السامية في الادب العربي يصدر آراءً غير علمية ولم يراع المنهجية في ذلك فإليك بعض ما كتبوا:

أما الفاخوري يقول:

{نُسب إلى علي بن أبي طالب نثرٌ وشعرٌ ولكن أكثرهما منحول ومرجع أدبه إلى نهج البلاغة } [٣٧].  

ويقول ضيف: {ينبغي أن نقفَ موقف الحذر ممّا ينسب إليه مِن خطبٍ في الكتب المتأخرة وخاصة نهج البلاغة فإن كثرته وضعت عليه وضعاً} [٣٨]، أيضا في موضع آخر يقول: {وقد أثرت عنه خطب كثيرة ولا نقصد الخطب التي يحتويها بين دفتيه كتاب نهج البلاغة فأكثره مصنوع ومحمول عليه} [٣٩]، ثم يذكر أقوال المتقدمين حول الإنتحال في كتابه ويمضي على رأيه ولكن الفاخوري بعد ذكر أدلة المنكرين لصحة نهج البلاغة يأخذ عصا الإحتياط ويستدرك قائلاً : {ولكن هذه البراهين غير كافية وإن دلت على أن هنالك قسماً منحولاً لا تصحّ نسبته إلى الإمام} [٤٠].

مِن ناحية أخرى أن الفاخوري جازمٌ بأن الكتاب مِن جمع الرضي حتى أنه لم يطر ذكر من حاروا بين الأخوين ولم يقل بأن الرضي وضعه أو صنعه أو انتحله بل يراه الجامع للكتاب ويقول مصرّحاً: { نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي وانتهى مِن جمعه سنة ٤٠٠ هـ ق/ ١٠٠٩م} [٤١] بينما ضيف له تشتّت في الآراء فتارة في كتابه (الفن ومذاهبه في النثر العربي) الذي فرغ مِن تأليفه سنة ١٩٤٦ م يقول: {إختلفوا هل هو من عمل الشريف المرتضى المتوفي سنة ٤٣٦ للهجرة أو من عمل الشريف الرضي المتوفي سنة ٤٠٦ للهجرة } [٤٢] ثم يبدأ بذكر الأقوال الواردة في ذلك ويستنتج أخيراً بهذا : { فالكتاب مِن عمل الشريف الرضي وصنعِه ويظهر أنه لم يؤلفه جميعا فقد أضاف قبله كثير مِن أرباب الهوى وفصحاء الشيعة خطباً وأقوالاً إلى علي بن أبي طالب} [٤٣]، بعد ذلك يأتي الدور إلى كتابه (تاريخ الأدب العربي) الذي تمّ تأليفه في سنة ١٩٦٣م ، أي ١٧ عاماً بعد رأيه الأول وكأنه رجع القهقرى وزاده عناداً حيث يقول فيه : {واختلفوا في واضعها هل هو الشريف المرتضى أو الشريف الرضي}٥، فالفارق بيّن على ذوي اللبّ ، منها:

ألف: أن الفاخوري يجزم بأنّ الجامع هو الرضي لا المرتضى ولا غيره.

ب: أما ضيف تارة يتردد بين الرضي والمرتضى مَن منها الواضح؟ وتارة يرى الكتاب مِن عمل الشريف الرضي وصنعِه ولكنه لم يؤلفه جميعاً بل بعضه مِن صنعه وبعضه مِن صُنعِ غيره.

ج: يصّرح الفاخوري بأن الرضي جمَع الكتاب فقط ولم يصنعه وليس بجاعل ، فنستنبط مِن كلامه ؛ لو كان هناك وضعٌ وانتحالٌ لم يكن مِن قِبل الرضي بل غيره.

د: لا يرى شوقي ضيف هناك جمعا بل هو وضعٌ وصنعٌ فلا اعتماد على الكتاب ويجب {أن لا نعوّل على شىءٍ منها إلا إذا جاء في المصادر القديمة} [٤٤]، فلا يعتمد عليه لأنه ليس هناك واقعية حتى تجمع بل كلام مجعول وضعوه.

مِن جانبٍ آخر نجد ضيف عندما يذكر خطب أبي بكرٍ وعُمر رغمَ قلتها حتى أنها لم تكن إلا بضع صفحات ، يشيد بهما ويقول في أبي بكر : {وهو خير من يمثّل المسلم... فإذا لسانه يتدفق تدفق السيل بما استشعر مِن معاني الإسلام وقيمه الروحية، وقد أثرت عنه خطب كثيرة تدل دلالة واضحة على شدة شكيمته في الدين ويقظته وصدق حسه وأنه حقاً كان أجدر أصحاب رسول الله بخلافته... وأخذت تتجلى مواقفه العظيمة ومآثره الكريمة ... إنما مِن صواب رأيه وصحة فراسته اختياره عمر خليفة مِن بعده وكان على شاكلته نفاذ بصيرة وصدق عزم  وبلاغة لسان كما كان صفيّ رسول الله وقد أعز الله به الإسلام في مكة... والرسول يقربه منه ويتخذه موضع مشورة... وكان بيانه في مقدرا عقله قوة وسداداً إذ كان في مرتبة رفيعة من البلاغة والفصاحة حتى قالوا أنه كان يستطيع أن يخرج الضاد مِن أي شدقيه شاء} [٤٥].

وقفه تأمل:

إن مَن كانت له خبرة في الأدب والدين ، عندما يقرأ ما كتبه ضيف في هذا الباب ، يستنبط عدمَ صدق النية من كلامه وقد فاحت رائحة التفرقة والطائفية من عباراته ، فنسأل القارئ أولاً:

إن كان ضيف يتكلم حول الأدب العربي وقد سمّى كتابه بذلك فكان عليه أن يتنحى من الخوض في أمور تهيج الصراعات المذهبية والسياسية وغيرهما، لأنه إن لم يراعِ المنهجية في ذلك وما راعَ كما نرى، حينئذٍ تكون آرائه غير أدبية ، على هذا نجده يتكلم حولَ فصاحة أبي بكرٍ وفي حيِنه يذكر موضوع خلافته ويجده أجدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بخلافته ويميل عن البحث ثم يذكر قرابته من الرسول ومشورة الرسول إياه ، فما كان يليق أن يمر على قضية ساخنة تفرق المسلمون على إثرها وقد شبت نيرانُ حروب ونزاعاتٍ حولها ، أما الأدب العربي بما فيه القرآن فهو للبشرية كلها وليس من الإنصاف عند البحث فيه أن ندخل في التحزب والنفاق ، أيضاً عندما يريد الكلام على بلاغة عمر نجده يكرّر كلامه المضمر ويقول (كان مِن صواب رأي أبي بكر وصحة فراسته اختياره عمرَ خليفة مِن بعده...) فالباحث المتأمل لا يرى حيادةَ في سطوره وإنما الشعوبية والقومية ، فلا صلة بالأدب ومهمة الخلافة التي ناقشها العلماء في مجالها فهذه وقفة تأمل وحذر.

ثانياً: أين هذه الخطب الكثيرة الباقية مِن أبي بكر وعمر؟ فلو جمعها جامعٌ لم يجد إلا القليل ثم القليل، بينما لعلي خطب وكلمات كثيرة في نفس المصادر التي يذكرون كلمات أبي بكر وعمر ، فأين الإشادة ببلاغة علي؟

بينما الفاخوري يتكلم حول فصاحة وبلاغة الإمام عليه السلام ما يقارب ١٢ صفحةً ويراه الخطيب الديني الذي يعالج خطبه نظرياً وعلمياً وفقهياً وأخلاقياً مِن طريقَي الوحي والعقل والفلسفة اللاهوتية في منطق سديد وعصف شديد ودقة كلامٍ قلّما تستقيم لغيره وهو الخطيب السياسي والعسكري الذي يلهب القلوب ويبعث الشجاعة الحماسة في الصدور بأسلوبي الترغيب والترهيب بإخلاص وصدق لهجة وحماسة وسلطان بلسان الحكمة والتجربة الحربية، وهو رجل الإجتماع الذي له الإدارة بفكرة دينية مرجعها التقوى والواجب ومحورها العدل والحق وحب الحقيقة والصبر على تطلبها وتوخي أهل التجربة والحياء والقدم وفي الإسلام وكان يتوسل إلى الإقناع بعقل نير بعيد الأغوار وثقافة دينية ولسان ذرب تمرس بأساليب القرآن وعاطفة حارة وفكر حارة وفكر ثاقب وصراحة وبلاغة أداء وسلامة ذوق وتصرف عجيب بوجوه الكلام وتنقل من أسلوب، وهو الحكيم الذي تتجلى حكمته في شخصية قوية تنصب في كل لفظة تجمع المتانة والصمود إلى اللين والسهولة والبساطة إلى الروعة [٤٦].

هذا هو صفة الباحث السليم البعيد من النزعات، وهو أن يرى الحقيقة ويتكلم به.

الرد على شكوك ضيف

قد قسمنا الشبهات إلى شبهتين وأجبنا عنهما وكذلك قلنا آنفاً أن الشكوك كانت موجودة من قبل المائلين عن الحق إلا أن ابن تيمية زادها أغصانا وخَطراً، أما ما يهمنا هو أن الدكتور ضيف قد نقل آرائهم معتقدا بها دون تفحص وأي تمحص فقسمنا شكوكه إلى شكين رئيسيين ولم نطر ذكر ما أورده كلها سردا لأقوال المتقدمين:

الف – منها كلامه حيث يقول: {فالكتاب من عمل الشريف الرضي وصنعه  ويظهر أنه لم يؤلفه جميعا فقد أضاف قبله كثير مِن أرباب الهوى وفصحاء الشيعة خطباً وأقوالاً إلى علي بن أبي طالب } [٤٧] والعجب أنه يستدل على رأيه هذا ، بما قاله المسعودي في مروج الذهب وهو: {الذي حفظ الناس عن علي مِن خطَبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة ، تداول الناس ذلك عنه قولاً وعملاً} [٤٨]، فإن كلام المسعودي هذا يناقض رأي ضيف، وذلك أنه يصرح على كثرة خطب الإمام عليه السلام وتداول الناس عليها قولا وعملا وليس فيه شىء يدلّ على الوضع أو مما قاله ضيف في وضع أرباب الهوى له وإنما فيه الدلالة على أهمية هذه الخطب فكيف يستعين بها؟! فإن جمعنا بين الكلامين يكون بمثابة اجتماع النقيضين وذلك محال فليس هناك صلة بين القولين وهذه مغالطة واضعحة من ضيف أضف إلى هذا أن الرضي مع قرب عهده من المسعودي أتى بخطب الإمام عليه السلام ما يبلغ عددها إلى نصف ما نصّ به صاحب المروج أو أقلّ منه وقد توفي المسعودي قبل ولادة الرضي بثلاث عشرة سنة.

هذا يرجع إلى ما قاله الرضي في النهج بأنه أراد أن يجمع أبلغ كلِم الإمام عليه السلام حيث يقول في المقدمة: {وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه ومتشعبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وأدب علماً أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنياوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا مجموع الأطراف في كتاب إذ  كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها...} [٤٩] .

وهذا الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً ، يقول في شرحه على اختيار الرضي: {جمع (الرضي) متفرقه وسمّاه بهذا الإسم (نهج البلاغة) ولا أعلم اسماً أليق بالدلالة على معناه منه وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دلّ عليه اسمه ولا أن آتي بشئٍ في بيان مزيته فوق ما أتى به صاحب الإختيار كما نرى في مقدمة الكتاب ولولا أن غزائر الجبلة وقواضي الذمة تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه وشكر المحسن على إحسانه لما احتجنا إلى التنبيه على ما أودع نهج البلاغة من فنون الفصاحة وما خص به مِن وجوه البلاغة} [٥٠] .

أيضاً أن ابن أبي الحديد قد أجاب ضيف قبل مئات السنين في شرحه قائلاً: {كثيرٌ من أرباب الهوى يقولون: إن كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قومٌ مِن فصحاء الشيعة وربما عَزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن أوغيره ، هؤلاء أعمت العصيبةُ أعينهم فضلّوا عن النهج الواضح وركبوا بُنياتِ الطريق ضلالاً وقلة معرفة بأساليب الكلام} [٥١]، هذا هو المعتزلي الذي يقول: {إتفق شيوخنا كافّة المتقدمون منهم والمتأخرون والبصريون والبغداديون على أنّ بيعة أبي بكر الصديق بيعة صحيحة شرعية} [٥٢]، والواقع أن كلامه حول ما في نهج البلاغة ثمرة عقل أديب يعرف فصيح الكلم عن بليغه وقد تبين له أن الخطب للإمام عليه السلام والفضل ما شهدت به الأعداءُ ولا يقدر أي شخص أن يأتي بمثلها إلا أن كان قد ترعرع في ظل الوحي الإلهي وألهم مِن فيوضات قدس النبوة.

فالحاصلُ أنّ من له الخبرة بفصيح الكلام يعلم أن ما جاء في نهج البلاغة مِن خطب وأقوال ليس ما يتفوهه كل إنسان ساذج العقل وإنما ذلك بأس وصولة يتشعشع مِن وحي الله المبين الذي يأخذ بالأعناع ويجرّ بأسماع قارئه وسامعيه وأنّى لأرباب الهوى وفصحاء الشيعة وغيرهم أن يأتوا بمثل هذا الكلام؟! وما أجمل التعبير من الدكتور زكي المبارك: {لا مفرّ من الإعتراف بأن نهج البلاغة له أصلٌ وإلا فهو شاهدٌ على أن الشيعة كانوا من أقدر الناس على صياغة الكلام البليغ}. [٥٣]

ب- يذكر ضيف كثرة خطب الإمام عليه السلام ويقول نجد منها أطرافاً في البيان والتبيين وعيون الأخبار والطبري ثم يقول : {ولعل ذلك ما يدل على وجوب التحرّز والتثبت فيما يضاف إليه من خطب وأن لا نعوّل على شيءِ منها إلا إذا جاء في المصادر القديمة التي أشرنا إليها} .[٥٤]

نقول في جوابه: أولاً لم يكن الرضي أول من اهتمّ في جمع كلم الإمام عليه السلام بل اهتمّ المؤلفون بذكر خطبه وجاءوا بها قبل أن يولد الرضي كالبيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي سنة ٢٥٥هـ ق والكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد المتوفي سنى ٢٨٥ هـ ق والكتاب المعروف بالتاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب المتوفي سنة ٢٤٦ هـ ق وكتاب تاريخ الأمم والملوك المعروف بالتاريخ الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الآملي المتوفي سنة ٣١٠ هـ ق وغيرذلك من المصادر القديمة التي ذكرت كلٌ منها طرفاً من كلام الإمام عليه السلام ومن ثمة اهتم الباحثون في تعيين المصادر والمراجع التي إستند الرضي عليها في كتابة النهج، فمن ذلك كتاب (إستناد نهج البلاغة) للمرحوم امتياز عليخان العرشي الهندي حيث يذكر الخطب والكلم واحداً تلو الآخر مع ذكر مصدر كل واحد على حدة، أيضا كتاب (مصادر نهج البلاغة) للسيد عبدالزهراء الحسيني وكتاب (مدارك نهج البلاغة) للشيخ هادي  آل كاشف الغطاء وكتاب (ماهو نهج البلاغة) تأليف سيد هبة الدين الشهرستاني وكتاب (جامعو كلام علي عليه السلام) لعزيز الله العطاردي وكتاب (دراسة في أسناد نهج البلاغة) تأليف محمد مهدي الجعفري وكتاب (منهاج البحث في أسناد نهج البلاغة) تأليف محمد دشتي وكتاب (مصادر نهج البلاغة) للشيخ عبدالله نعمة وكتاب (مدارك نهج البلاغة) تأليف رضا الأستادي وغير ذلك من كتب أجهد العلماء أنفسهم في تأليفها وتدوينها وكل منها يذكر مصدر كل خطبة أو كلام جاء في نهج البلاغة أو كما يقول ضيف في المصادر القديمة.

العجب من مثل ضيف يشكك في النهج ويزعمه من صنع الوضّاعين رغم هذه الجهود التي تحملها المحققون في إثبات صحة رواية وإسناده، ولعلّ كل ذلك العناد يرجع إلى الخطبة الشقشقية وما شابهها لأنه عليه السلام يشكوا فيها حقه المغصوب فيئه المهدور ، إذن أصبح فيها تعريض لبعض الصحابة على زعمهم الباطل ورأيهم البَهرج ، وما ذلك إلا عداوة مع آل البيت عليهم السلام ممّن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.

على  نحو المثال قد ذكر امتياز عليخان الهندي ثمانية مصادر لخطبة الشقشقية فكيف بالرضي أن يصنعه ؟! هذا ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على النهج: {حدثني شيخي أبوالخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة ، قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشاب وكان صاحب دعابة وهزل ، قال فقلت له: أتقول إنها منحولة؟ فقال لا والله وإني لأعلم أنها كلامه كما أعلم أنك مصدق ، قال: فقلت له إن كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى ، فقال: أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب ! قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خلّ ولا خمر ، ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط مَن هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أو أحمد والد الرضي. قلت: وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة ووجدت أيضا كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الأمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب (الإنصاف) وكان أبوجعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجوداً}. [٥٥]

زِد على هذه الأسانيد كلها ، ما اكتشف أخيراً وكتاب (نزهة الأبصار ومحاسن الآثار) تأليف ابوالحسن علي بن محمد الطبري الشافعي حيث توجد منه نسخة خطية يمنية في مكتبة الفاتيكان تحت رقم ١١٤٧، قد ألف هذا الكتاب قبل تأليف النهج بعشرات السنين وقد ذكر فيه المؤلف الخطب والكلمات ورسائل الإمام عليه السلام بطرقه الروائية مستنداً من مشايخه شارحاً بعضه. [٥٦]

فيا ترى أن نهج البلاغة في غاية الإستناد والتواتر وليس أول مجموعة من كلام الإمام عليه السلام فمن المرجح أن هذا العناد وعدم الأنصاف أبقى مؤلفات الدكتور ضيف مهجوراً إلى حدِّ ما ، بينما تآليف حنا الفاخوري في الشهرة والقبول العام لتجرده عن التحزب رغم أنه لم يكن أديبا وقد خلط بين تاريخ الأدب والنقد الأدبي.

الشك لماذا؟

أقول : بعد هذه الأسانيد المتقنة والحجج البليغة ما هو الدافع إلى الشك في كتاب نهج البلاغة؟

لعل هذه المخالفة الصريحة مِن ضيف ترجع إلى بيئته التي عاشها فإنه ترعرع في قصور ودورٍ مجللة وعيشٍ ناعمٍ وهذا كله ينافي ما جاء في النهج من الزهد وترك اللذات والترغيب إلى الآخرة والترهيب من الموت وما بعده والنفار من الدنيا وما فيها ، فمن البديهي أن لا يلائم طبعه ويزجر منه ويقف أمام سطواته وجيوش كلامه الهادمة للذات موقفَ عارضٍ محتجّ ، فالنعومة والخشونة ضدان لا يجتمعان. زد على هذا ، الطائفية المذهبية التي تقلب الحق باطلاً وتميل بالإنسان عن الصراط المستقيم إلى الضلال المبين ، فكما قال الأستاذ مبارك: {إن تلك الشكوك قامت جميعاً على أساس الترعات المذهبية } [٥٧].

فمن الأسف  الشديد أن الدكتور ضيف يأتي بهذا الكلام رغم هذه المصادر الكثيرة المستندة للنهج والشروح الوافية عليه التي بلغت أربعين شرحاً ولعل أقدمها كما يقول آقا بزرك الطهراني هو كتاب (أعلام نهج البلاغة) للعلامة علي بن الناصر المعاصر للسيد الرضي . حيث يراه أقدم الشروح والحواشي عليه وأوثقها وأتقنها وأخصرها. [٥٨]

مستوى البلاغة في النهج:

لا تحتاج هذه الميزة في نهج البلاغة إلى التوضيح لمن كان عارفاً بفنون الكلام وجمال الكلمة فإن الجمال يدرك.

إن للنهج اليوم وبعد أربعة عشر قرنا مِن عهده نفس الحلاوة واللطف الذي كان فيه للناس على عهده بل وأكثر.

لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام خصوصاً مَن كان منهم عارفاً بفنون الكلام مغرمين بكلامهما ، منهم (ابن العباس) الذي كان كما ذكره الجاحظ في البيان والتبيين: {من الخطباء الأقوياء على الكلام} ، وهوالذي قد قال في آخر الخطبة الشقشقية عندما قطع كلام الإمام من ناوله كتابا: {والله ما ندمت (أسفت) على شئ كما ندمت (أسفت) على قطعه هذا الكلام } وكان يقول في كتاب بعث إليه الإمام علي عليه السلام: { ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله كانتفاعي بهذا الكلام} [٥٩].

وكان معاوية وهو ألدّ أعدائه معترفاً بفصاحته وجمال أسلوبه؛ فقد أدبر محفن بن أبي محفن عن الإمام عليه السلام وأقبل على معاوية وقال له: جئتك مِن عند أعيا الناس ! فقال له معاوية : ويحك ! كيف يكون أعيا الناس ؟! فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ! [٦٠]

إن النصّ في النهج يتمتّع بسلطة فائقة محكمة نادرة وهي تحليل القارئ والسامع إلى أنموذج العلاقة بين الأفكار والأسلوب ، فثمة نصّ شكلاني قائم على إبداعية الشكل وهو نصّ إنتاجي مِن عمل الفنان المبدع إلا أنه يتمتع بمزاياه الفنية الخالصة قوي الإتصاف الخارجة عن قدرة البشرية على أن يأتي بمثلها ، وهي مثل اللوحة التي تحاكي الطبيعة والواقع بكل استطاعات التعبير الممكنة وهوعليه السلام في ملاحقته للأفكار ينتهج طرائق وأساليب متباينة في درجة نجاحها فأحياناً يصل إلى الأفكار وأحياناً يتقدم عليها أو يتخلف عنها أو يتماسّ وإياها، قد يعبّر عنها بصراحة أو بإيحاءٍ، بضوح تام أو بإيماء.

في بلاغة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنموذج رفيع لا يصل إليه إدراك البشر وهو يجسد سلطة علي بن أبي طالب عليه السلام على نفسه، تلك السلطة التي ينطلق منها في رؤية العالم الخارجي فيرى ملكوت السماوات ويتفوه بما وراء الدنيا بمعنى أنه يعطي الصورة للبلاغة والبلاغة تأخذ ذاتها مِن جولات أساليبه.

يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده المصري في شرحه على نهج البلاغة وما أجمل تعبيره وما أحسن أقواله:{ تصفّحت بعض صفحاته وتأملت جملاً مِن عباراته مِن موضع مختلفات وموضوعات متفرقات، فكان يخيل إلي في كلّ مقام أن حروباً شنّت وغارات شنّت وأن للبلاغة دولة وللفصاحة صولة وأن للأوهام عرامة [٦١] وللريب دعارة [٦٢] وأنّ جحافل الخطابة وكتائب الذرابة [٦٣] في عقود النظام وصفوف الإنتظام تنافح [٦٤] بالصفيح [٦٥] الأبلج [٦٦] والقويم [٦٧] الأملج وتمتلج [٦٨] المهج برواضع الحجج، فتفل [٦٩] من دعارة الوساوس وتصيب مقاتل الخوانس [٧٠] ، والباطل منكسر ومرج [٧١] الشك في خمود وهرج [٧٢] الريب في ركود وأنّ مدبر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

بل كنت كلما انتقلتُ مِن موضع إلى موضع أحسّ بتغير المشاهد وتحول المعاهد ، فتارة كنت أجد أني في عالم يغمره من المعاني أرواح عالية في حلل من العبارات الزاهية تطوف على النفوس الزاكية وتدنو من القلوب الصافية ، توحي إليها رشادها وتقوم منها مرادها وتنفر بها عن مداحض المزال إلى جواد الفضل والكمال ، وطوراً كانت تتكشف لي الجمل عن وجوه باسرة [٧٣] وأنياب كاشرة وأرواح في أشباح النمور ومخالب النسور قد تحفزت للوثاب ثم انقضت للإختلاب فخلبت القلوب عن هواها وأخدت الخواطر دون رماها واغتالت فاسد الأهواء وباطل الآراء ، وأحيانا كنت أشهد أن عقلاً نورانيا لا يشبهه خلقاً جسدانياً فصل عن الموكب الإلهي واتصل بالروح الإنساني فخلعه عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى ونما به إلى مشهد النور الأجلى وسكن به إلى عمار جانب التقديس بعد استخلاصه من شوائب التلبيس، وآنات كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة وأولياء أمر الأمة، يعرفهم مواقع الصواب ويبصرهم مواضع الإرتياب ويحذرهم مزالق الإضطراب ويرشدهم إلى دقائق السياسة ويهديهم طرق الكياسة ويرتفع بهم إلى منصات الرئاسة ويصعدهم شرف التدبير ويشرف بهم على حسن المصير، ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيد الشريف الرضي رحمه الله من كلام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه} [٧٤] .

فكانت بلاغة الإمام عليه السلام تتولى وضع الإضافات فوق المعاني وحواليها بألفاظ مدللة على القدرة البيانية اللاهوتية التي قد تبلورت في النص الذي يخرج من رحم اللغة مثل الوليد الجديد وهو في الوقت نفسه يخرج من عالم الأفكار مثل الفكرة الجديدة الباهرة.

كان عليه السلام متّسماً بالصدق التام الذي جعل كلمه مِن أصدق الأقوال وتعدّ كلماته كائنات حية لم تخلق عبثاً بل تدور حول قطب في نظام خاص أعيت البلغاء والفصحاء عن كنه كيفية زحف كلماته.

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي العادل المنصف في قوله هذا: {وأما الفصاحة فهو إمام الفصحاء وسيد البلغاء وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة ، قال عبد الحميد بن يحيى الكاتب: حفظتُ سبعين خطبة مِن خطب الأصلع [٧٥] ففاضت ثم فاضت، وقال ابن نباتة: حفظتُ من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة ، حفظتُ مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب}. [٧٦]

لله درّ العلامة محمد تقي التستري شارح نهج البلاغة حيث يقول:

كتابٌ كان الله رصّع لفظَه ***** بجوهر آيات الكتاب المنزل

حَوى حكمأ كالدر ينطق صادقاً ***** فلا فرق إلا أنه غير منزل

النتيجة :

بعد الجد والبحث نصل إلى أن كتاب نهج البلاغة أثرٌ فني من القرن الرابع الهجري قد جمعه مؤلّفه الشريف الرضي لا المرتضى كما زعم البعض وقد سبق النهجَ مصادر قديمة تذكر كلٌ منها شطراً مِن خطب الإمام عليه السلام وكلماته، ويصل هذا السبق إلى مائتي عام وأكثر قبل كتابة النهج، وليس النهج مِن صُنع الرضي ووضعه أو مِن جعلِ فصحاء الشيعة كما ظنه بعض المنحرفين عن الحق ، فلا يقدر أحد أن يأتي بمثل ما في النهج إلا إن كان متصلاً بمشرع النبوة ونور الوحي الإلهي ، فلِلكَلِم مصدر واحد وهو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المتصل بنور ابن عمه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وقد تغذّى مِن منهله العذب المطهر ففاض مِن الوحي ثم فاض.

أما أنّ الشك في صحة النهج كان موجوداً مِن قديم الزمان مِن قِبَل المعاندين ولكن أول مَن طرأه مِن المتقدمين هو ابن خلكان صاحب (وفيات الأعيان) ثم اقتدى به بعض المغرضين مِن مثل ابن حجر العسقلاني وابن تيمية الدمشقي ، حتى أتى الدور إلى زماننا هذا وتبعهم بعض أصحاب تواريخ الأدب فمِن بين هؤلاء المتأخرين أنّ حنا الفاخوري يتكلم بعدالة ويحتاط في القول على الجعل والوضع ويشيد بقائله وما فيه بينما أن شوقي ضيف رغم تآليفه الكثيرة ومكانته العلمية أخذ طريق الشك واقتدى بالمخالفين خبط عشواء مِن غير تفحص علمي واتهم الرضي بالوضع والجعل، فالكتاب عنده غير مستند ولا يمكن الإعتماد عليه.

فمِن المؤسف مِن مثل ضيف أن يأتي بهذا الرأي السخيف ولا يكون ذلك من العلم بشئ وإنما هوعناد ناشئ مِن العصبية المذهبية ، ولو كان منصفاً وعادلاً لرأى عشرات الكتب التي الّفت في أسناد كلم نهج البلاغة والتي تبحث عن سند كلّ كلام ذُكر في النهج ، فهناك الكثير ممن اهتموا بكلام الإمام عليه السلام قبل أن يكون الرضي موجوداً ، فنهج البلاغة في غاية الإتقان من ناحية الرواية، والشبهات الموجودة كلها اختلافات مضمرة رائحة النزاعات الدينية والأحقاد الجاهلية ، وإلا كلّ مَن له الخبرة بالأدب العربي ولا سيّما ضيف وأمثاله لو وعى ضميره مِن العصبية لَمِن المتيقّن أن يجده كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

--------------------------------------------------------------------------
[١] . استاذ مساعد في جامعة شهيد چمران الاهواز .
[٢] . طالب ماجستير في فرع اللغة العربية .
[٣] . الفاخوري ، حنا، الجامع في تاريخ الدب العربي ، أدب القديم ، ص ١٠١  .
[٤] . سورة الطلاق آية ٣ .
[٥] . ابن خلكان ، ٦٨١ هـ  وفيات الأعيان .
[٦] . نفس المصدر .
[٧] . المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ، ج١ ، ص١٤ .
[٨] . اليافعي، مرآة الجنان، ج٣،ص٥٥، - الأفندي الإصفهاني ،ميرزا عبدا..، رياض العلماء، ج٤ ، ص٥٥ و٥٦ .
[٩] . حسن زاده آملي، حسن: الفوائد المهمة حول اسناد نهج البلاغة، مجلة ميراث جاويدان رقم ١ و٢ ، ص ١٦٣ .
[١٠] . الذهبي ، الحافظ شمس الدين محمد بن احمد، ميزان الاعتدال ، ج٣، ص١٢٤ .
[١١] . العسقلاني، ابن حجر ، لسان الميزان، ج٤، ص٢٥٦ .
[١٢] . ابن العماد، شذرات الذهب، ج٤ ، ص ٢٥٦ .
[١٣] . الزَّرِكلى الدمشقى، خير الدين ، الأعلام .
[١٤] . هذه العبارة من الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام .
[١٥] . المائدة، ٤١ .
[١٦] . هذه العبارة من الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام :
[١٧] . R. A. Nicholson – Literary History Of The Arabs – Chapter ٥ – p ١٩١
[١٨] . كارل بروكلمان، تاريخ الادب العربي، ج١ ، ص٢٤٥ وج٢ ، ص٣٨١ .
[١٩] . زكي المبارك، النثر الفني في القرن الرابع، ج١، ص٦٩ .
[٢٠] . الاصفهاني بالافندي ، ميرزا عبدالله ، رياض العلماء وحياض الفضلاء ، ج٤، ص٥٥-٥٦ .
[٢١] . النجاشي، الرجال، ص١٩٢ – ٢٨٣ .
[٢٢] . الأفندي الإصفهاني ، ميرزا عبدا..، تعليقة أمل الآمل، ص٩٠ .
[٢٣] . السبحاني ، جعفر ، موسوعة طبقات الفقهاء، ج٥، ص ٣٩٦ .
[٢٤] . نفس المصدر .
[٢٥] . الشريف الرضي ، حقائق التنزيل، ص ١٦٧ .
[٢٦] . الشريف الرضي، مجازات الآثار النبوية، ص ٢٢ – ٤١ .
[٢٧] . الشيخ عباس القمي ، الكنى والالقاب ، ج٢، ص٢٦٦ .
[٢٨] . الشيخ عباس القمي، الكنى والألقاب،ج٢- مقدمة شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي ، ج١- أخبار المحمدين من الشعراء - سيد محمد باقر الخوانساري، روضات الجنات – خطيب البغدادي ، تاريخ بغداد، ج٢- يوسف الظاهري الحنفي ، النجوم الزاهرة ، ج٤- الصفدي ، الوافي بالوفيات، ج٢- سيد حسين صدر ، تأسيس الشيعة الكرام لفنون الإسلام .
[٢٩] . الجاثية اية ٨ .
[٣٠] . البقرة  اية ٢٠٤ .
[٣١] . الحجرات  اية ١١ .
[٣٢] . الحراني الدمشقي ، أبن تيمية ، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ، ج٧ ، ص ٨٦ .
[٣٣] . الحراني الدمشقي ، ابن تيمية، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، ج٨، ص٥٥ .
[٣٤] . النجم  اية ٣ و٤ .
[٣٥] . الغافر اية ٢٨ .
[٣٦] . الحجر  اية  ٩ .
[٣٧] . الانعام  اية١٠, الانبياء  اية ٤١ .
[٣٨] . العاصمي الحنبلي، محمد بن عبد الرحمن، أبو بكر الصديق ، ص ٦٢ .
[٣٩] . البقرة اية  ١١٨ .
[٤٠] . الفاخوري ، حنا ، الجامع في تاريخ الادب العربي ، الأدب القديم، ص ٣٤٤ .
[٤١] . ضيف ، شوقي ، تاريخ الادب العربي، العصر الإسلامي، ص ١٢٨ .
[٤٢] . ضيف ، شوقي، الفن ومذاهبه في النثر العربي ، ص ٦١ .
[٤٣] . الفاخوري ، حنا، الجامع في تاريخ الادب العربي، الأدب القديم، ص ٣٤٤ .
[٤٤] . نفس المصدر .
[٤٥] . ضيف ، شوقي، الفن ومذاهبه في النثر العربي، ص٦١ .
[٤٦] . نفس المصدر، ص ٦٢ .
[٤٧] . ضيف، شوقى، تاريخ الأدب العربي، العصر الإسلامي ، ص ١٢٨ .
[٤٨] . نفس المصدر .
[٤٩] . ضيف ، شوقي ، تاريخ الادب العربي ، المصدر الإسلامي، ص١٢٣ و١٢٤ .
[٥٠] . الفاخوري ، حنا الجامع ، ص ٣٤٤ إلى ص ٣٥٦ .
[٥١] . ضيف، شوقي، الفن ومذاهبه في النثر العربي ، ص ٦٢ .
[٥٢] . نفس المصدر .
[٥٣] . المعتزلي ، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ، ج١، ص ٩٠ .
[٥٤] . محمد عبده، شرح نهج البلاغة، ج١ .
[٥٥] . نفس الصدر، ص١٤ .
[٥٦] . نفس المصدر ـ ص ٤٨ .
[٥٧] . المبارك ، زكي النثر افنى في القرن الرابع ، ج ١ ص ٢١٠ .
[٥٨] . ضيف ، شوقي تاريخ الادب العربي ، العصر الإسلامي، ص ١٢ .
[٥٩] . المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة، ج ١ ، ص ٢٧٠ .
[٦٠] . الأنصاري القمي ، حسن ، مجلة نشر دانش ، سنة ١٩ ، رقم ١ ؛ نهج البلاغة بيش از نهج البلاغة ، ص ٦٣ .
[٦١] . المبارك ، زكي ، النثر الفني في القرن الرابع ، ج١ ، ص ٢٠٧ .
[٦٢] . الطهراني ، آقا بزرگ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج ٢ ، ص٢٤١ .
[٦٣] . المعتزلي، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، الرسائل، رقم ٢٢ .
[٦٤] . نفس المصدر ، ج١ ، ص ٦٧ .
[٦٥] . الشراسة .
[٦٦] . سوء الخلق .
[٦٧] . حدة اللسان في الفصاحة .
[٦٨] . تضارب أشد المضاربة .
[٦٩] . السيف .
[٧٠] . اللامع البياض .
[٧١] . الرمح، وهي مجازات عن الدلائل والواضحة والحجج القوية المبددة للوهم وإن خفي مدركها .
[٧٢] . تمتصّ .
[٧٣] . فل الشئ: ثلمه ، فل القوم: هزمهم .
[٧٤] . الخوانس: خواطر السوء تسلك من النفس مسالك الخفاء .
[٧٥] . الإضطراب .
[٧٦] . هيجان الفتنة .

المصادر:

١- القرآن الكريم .

٢- ابن خلكان ، أبي العباس ٦٨١ هـ ق: وفيات الاعيان ، قم ، الطبعة الثانية، منشورا الشريف الرضي .

٣- المعتزلي ، ابن أبي الحديد ٦٥٦ هـ ق: شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمد أبوالفضل ابراهيم ، قم ، انوار الهدى، الطبعة الاولى، ١٤٢٩ هـ ق .

٤- اليافعي، عبد الله ٧٨٦ هـ ق: مرآة الجنان وعبرة اليقظان ، بيروت دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى، ١٩٩٧ م .

٥- الافندي ، ميرزا عبدالله بن عيسى الاصفهاني ١١٣٠ هـ ق: رياض العلماء والفضلاء ، لاط .

٦- الذهبي ، الحافظ شمس الدين محمد بن احمد ٧٤٨ هـ ق: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار الفكر، ١٩٦٣ هـ ق .

٧- الذهبي، الحافظ شمس الدين محمد بن احمد ٧٤٨ هـ ق: سير اعلام النبلاء، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة التاسعة، ١٩٩٣ م .

٨- العسقلاني ، بان حجر ٨٢٥ هـ ق: لسان الميزان ، تحقيق عدة من المحققين بإشراف محمد بن عبد الحمن المرعشلي، بيروت، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الاولى، ١٩٨٦م .

٩- ابن العماد ، عبد الحي بن احمد العكري الحنبلي ١٠٨٩ هـ ق: شذرات الذهب في اخبار من ذهب ، تحقيق عبد القادر الارنؤوط – محمود الارنؤوط ، دمشق، دار ابن كثير ، ١٤٠٦ هـ ق .

١٠- الزركلي ، خير الدين الدمشقي ١٣٩٦ هـ ق: الاعلام ، بيروت ، دار العلم للملايين، ١٩٨٩م .

١١- بروكلمان ، كارل: تاريخ الادب العربي، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار ، مصر دار المعارف ، الطبعة الخامسة ، لات .

١٢- المبارك ، زكي النثر الفني في القرن الرابع ، مصر ، الطبعة الثانية، مطبعة السعادة، لات .

١٣- القمي، عباس ١٣٥٩ هـ ق: الكنى والالقاب، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاولى، ١٤٢٥ هـ ق .

١٤- الخوانساري ، محمد باقر الموسوي ١٣١٣ هـ ق: روضات الجنات في احوال العلماء والسادات، تحقيق أسد الله اسماعيليان، بيروت ، دار الاسلامية، ١٤١١ هـ ق .

١٥- الخطيب البغدادي، ابو بكر حافظ احمد بن علي ٤٦٣ هـ ق: تاريخ بغداد ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت لات .

١٦- الظاهري الحنفي، يوسف بن تغري ٨٧٤ هـ ق: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، مصر،دار الكتب المصرية ، ١٩٣٠ م .

١٧- الصدفي، صلاح الدين خليل بن ايبك ٧٦٤ هـ ق: الوافي بالوفيات، تحقيق محمد بن ابراهيم بن عم – محمد بن الحسين بن محمد ، مصر ، دار النشر، ١٩٨١ م .

١٨- ابن تيمية ، احمد بن عبد الحليم الحراني الدمشقي ٧٢٨ هـ ق: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، تحقيق عبد الله محمود محمد عمر، بيروت ، دارالكتب العلمية ، الطبعة الثانية، ٢٠٠٩ م .

١٩- الفاخوري ، حنا: الجامع في تاريخ الادب العربي، قم، منشورات ذوي القربى ، مطبعة سليمان زاده ، الطبعة الثالثة، ١٤٢٧ هـ ق .

٢٠- النجاشي ، ابو العباس ٤٥٠ هـ ق: الرجال مصر، لا مط .

٢١- السبحاني ، جعفر: موسوعة طبقات الفقهاء ، قم ، مؤسسة الامام الصادق عليه السلام، ١٤٨١ هـ ق .

٢٢- حسن زاده آملي ، حسن: مجلة ميراث جاويدان، الفوائد المهمة حول اسناد نهج البلاغة ، سنة ٧ رقم ١ و٢ ، ١٣٧٨ هـ ش .

٢٣- ضيف ، شوقي ٢٠٠٥م: الفن ومذاهبه في النثر العربي، بيروت ، دار المعارف ، الطبعة الثالثة، لات .

٢٤- ضيف، شوقي ٢٠٠٥م: تاريخ الادب العربي، قم، منشورات ذوي القربى، مطبعة سليمان زاده، الطبعة الثالثة، ١٤٣١ هـ ق .

٢٥- الطهراني، آقا بزرگ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، قم ، مطبعة اسماعيليان، لات .

٢٦- مجلة نشر دانش ، السنة ١٩، ربيع ١٣٨١ هـ ش، رقم ١ ، ص ٦٣: الأنصاري القمي، حسن: نهج البلاغة پيش از نهج البلاغة .

****************************