




منتجب الدين بن بابويه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحكاية الاولى:
أنا الشيخ أبو علي تيمان [١] بن حيدر بن الحسن بن أبي عدي الكاتب فيما [٢] أذن له: أنا الشيخ المفيد عبد الرحمان بن أحمد بن الحسين الواعظ، إملاءا: أنا محمد بن علي بن محمد النحوي، بقراءتي عليه في داري: أنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي الفقيه: أنا محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب: نا أبو علي الحسن بن العباس الكرماني: نا أبو الحسن محمد بن يعقوب: نا محمد بن إسحاق: نا حاتم بن الليث: نا عبد الله بن عمرو الجشمي: نا أبو سعيد مضر القاري عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: كنت حاجا إلى بيت الله الحرام، فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين واقفتين عند الركن اليماني، إحداهما تقول لاختها: لاوحق المنتجب بالوصية، والحاكم بالسوية، العادل في القضية، العالي البنية الصحيح النية، بعل فاطمة المرضية، ماكان كذا وكذا.
قال عبد الواحد: وكنت أسمع، فقلت: يا جارية من المنعوت بهذه الصفة ؟ فقالت: ذاك والله علم الاعلام: وباب الاحكام، وقسيم الجنة والنار، وقاتل الكفار والفجار، ورباني الامة ورئيس الائمة، ذاك أمير المؤمنين وإمام المسلمين الهزبر الغالب، أبو الحسن علي بن أبي طالب.
قلت: من أين تعرفين عليا ؟ قالت: وكيف لا أعرف من قتل أبي بين يديه في يوم صفين، ولقد دخل على امي ذات يوم، فقال لها: كيف أصبحت يا ام الايتام ؟ فقالت له [ امي ] [٣] : بخير يا أمير المؤمنين، ثم أخرجتني واختي هذه إليه، وكان قد أصابني من الجدري ما ذهب [ به ] [٤] - والله - بصري، فلما نظر إلي تأوه، ثم طفق يقول:
ما إن تأوهت من شيء رزيت به ***** كما تأوهت للاطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم ***** في النائبات وفي الاسفار والحضر
ثم أمر بيده المباركة على وجهي، فانفتحت عيناي لوقتي وساعتي، فوالله يا ابن أخي إني لانظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء، كل ذلك ببركة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم أعطانا شيئا من بيت المال، وطيب قلبنا، ورجع، قال عبد الواحد: فلما سمعت هذا القول قمت إلى دينار من نفقتي فأعطيتها وقلت: خذي يا جارية هذا واستعيني به على وقتك.
قالت: إليك عني يارجل فقد خلفنا خير سلف على خير خلف، نحن والله اليوم في عيال أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام. [ فولت ] [٥] وطفقت تقول:
ما نيط حب علي في خناق فتى ***** إلا له شهدت بالنعمة النعم
ولا له قدم زل الزمان به ***** إلا له أثبتت من بعدها قدم
ما سرني أن أكن من غير شيعته ***** لو أن لي ما حوته العرب والعجم [٦]
الحكاية الثانية:
أنا السيد الاصيل أبو حرب المجتبى بن الداعي بن القاسم الحسني رحمه الله بقراءتي عليه.
نا الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمان بن أحمد الواعظ: أنا الحسن بن أحمد بن الحسن الخطيب، بقراءتي عليه في ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
نا الشريف أبو عقيل محمد بن علي بن محمد العلوي العباسي: نا محمد بن أحمد بن جعفر الصولي ببغداد نا أبو على محمد بن موسى الانباري: نا ابن أبي غرزة [٧] عن وكيع عن الاعمش، قال: كنت حاجا إلى بيت الله الحرام، فنزلت في بعض المنازل فإذا أنا بامرأة محجوبة البصر وهي تقول: يا راد الشمس على علي بن أبي طالب بيضاء نقية بعد ما غابت، رد علي بصري قال الاعمش: فأعجبني كلامها، فأخرجت دينارين وأعطيتها فلمستهما بيدها ثم طرحتهما في وجهي وقالت: يارجل أذللتني بالفقر، اف لك إن من تولى آل محمد لا يكون ذليلا.
قال الاعمش: فمضيت إلى الحج، وقضيت مناسكي، وأقبلت راجعا إلى منزلي وكانت المرأة من أكبر همي حتى صرت إلى ذلك المكان، فإذا أنا بالمرأة لها عينان تبصر بهما.
فقلت لها: يا إمرأة ما فعل بك حب علي بن أبي طالب ؟ فقالت: يارجل إني أقسمت به على الله ست ليال، فلما كان في الليلة السابعة وهي ليلة الجمعة، فإذا أنا برجل قد أتاني في نومي فقال [ لي ] [٨]: يا إمرأة أتحبين علي ابن أبي طالب ؟ [ قالت ] [٩] : قلت: نعم.
قال: ضعي يدك على عينيك وقال: [ اللهم ] [١٠] إن تكن [١١] هذه المرأة تحب علي بن أبي طالب من نية صادقة، فرد عليها عينها.
ثم قال: نحي يدك.
فنحيتها فإذا أنا برجل في منامي.
فقلت: من أنت الذي من الله بك علي ؟ قال: أنا الخضر، أحبي علي بن أبي طالب، فان حبه في الدنيا يصرف عنك الآفات، وفي الآخرة يعيذك من النار [١٢] .
الحكاية الثالثة:
أنا السيد العالم الصفي أبو تراب المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسني (ره): أنا المفيد عبد الرحمان بن أحمد النيسابوري، إملاءا من لفظه: أنا السيد أبو المعالي إسماعيل بن الحسن بن محمد الحسني النقيب بنيسابور قراءة عليه، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الحيري الكرامي [١٣] قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، إجازة: أنا أبو بكر أحمد بن كامل [١٤] بن خلف القاضي: نا علي بن [ عبد ] [١٥] الصمد، لفظا: نا يحيى بن معين: نا أبو حفص [١٦] الابار: نا إسماعيل بن عبد الرحمان وشريك عن إسماعيل بن أبي خالد [١٧] عن حبيب ابن [١٨] أبي ثابت، قال: لما بويع معاوية خطب وذكر عليا عليه الصلاة والسلام فنال منه (ونال من) [١٩] الحسن، فقام الحسين عليه السلام ليرد عليه، فأخذ الحسن عليه السلام بيده فأجلسه، ثم قام الحسن عليه السلام وقال: أيها الذاكر عليا، أنا الحسن، وأبي علي، وأنت معاوية، وأبوك صخر، وامي فاطمة، وامك هند، وجدي رسول الله، وجدك حرب، وجد تي خديجة، وجد تك قتيلة.
فلعن الله أخملنا ذكرا، وألامنا حسبا، وشر نا قدما، وأقدمنا كفرا ونفاقا.
فقال طوائف أهل المسجد: آمين.
قال: فقال ابن معين: وأما أقول آمين.
قال ابن عبد الصمد: وأنا أقول آمين.
قال لنا القاضي: وأنا أقول آمين.
فقولوا: آمين.
وقال محمد بن عبد الله الحافظ: وأنا أقول آمين، آمين.
قال السيد والحيري: ونحن نقول آمين، آمين، آمين.
قال الشيخ المفيد عبد الرحمان: وأنا أقول آمين، آمين، فان الملائكة تقول آمين.
قال السيد الصفي: وأنا أقول آمين، اللهم آمين.
قال ابن بابويه: وأنا أقول آمين، ثم آمين، ثم آمين، ثم آمين [٢٠] . [٢١] .
الحكاية الرابعة:
أنا أبو علي تيمان [٢٢] بن حيدر بن الحسن بن أبي عدي البيع: نا الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمان بن أحمد بن الحسين الحافظ: نا السيد أبو الفتح عبيد [٢٣] الله بن موسى بن أحمد بن الرضا عليه السلام: إن أبا محمد جعفر بن أحمد حدثهم.
نا أحمد بن عمران: نا عبد الله بن جعفر النحوي، عن الحارث بن محمد التميمي عن علي بن محمد قال: رأيت ابنة أبي الاسود الدؤلي وبين يدي أبيها خبيص فقالت: يا أبه أطعمني فقال: افتحي فاك.
[ قال: ] [٢٤] ففتحت فوضع فيه مثل اللوزة، ثم قال لها: عليك بالتمر فهو [٢٥] أنفع وأشبع.
فقالت: هذا أنفع وأنجع ؟ فقال: هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حب علي بن أبي طالب عليه السلام.
فقالت: قبحه الله، يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر، تبا لمرسله وآكله، ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه، وأنشأت تقول باكية:
أبالشهد المزعفر يا ابن هند ***** نبيع إليك إسلاما ودينا
فلا والله ليس يكون هذا ***** ومولانا أمير المؤمنينا [٢٦]
الحكاية الخامسة:
أنا [ أبو ] [٢٧] العلاء زيد بن علي [ بن ] [٢٨] منصور الاديب.
والسيد أبو تراب المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسني، قالا: نا الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد الواعظ [ الحافظ ] [٢٩] ، املاءا: أنا محمد بن زيد بن علي الطبري أبو طالب بن أبي شجاع البريدي [٣٠] بآمل بقراءتي عليه: أنا أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني: نا السيد أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني: أنا عبد الرحمن بن الحسن الخاقاني: نا عباس بن عيسى: نا الحسن بن عبد الواحد الخزاز [٣١] عن الحسن بن علي النخعي، عن رومي بن حماد المخارقي [٣٢] قال: قلت لسفيان بن عيينة: أخبرني عن (سأل سائل) [٣٣] فيمن انزلت ؟ قال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني [٣٤] عنها أحد قبلك، سألت عنها جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد [ من ] [٣٥] قبلك حدثني أبي، عن آبائه عليهم السلام قال: لما حج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع، فنزل بغدير خم، نادى في الناس فاجتمعوا فقال: يا أيها الناس ألم ابلغكم الرسالة ؟ قالوا: اللهم بلى.
قال: أفلم أنصح لكم ؟ قالوا: اللهم بلى.
قال: فأخذ بضبع علي عليه السلام فرفعه حتى رؤي بياض إبطيهما، [ ثم ] [٣٦] قال: أيها الناس من كنت مولاه فهذا علي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
قال: فشاع ذلك [ الخبر ] [٣٧] فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأقبل يسير على ناقة له حتى نزل بالابطح، فأناخ راحلته وشد عقالها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو في ملا من أصحابه، فقال: يا رسول الله والله الذي لاإله إلا هو، إنك أمرتنا أن نشهد أن لاإله إلا الله فشهدنا، ثم أمرتنا أن نشهد أنك رسوله [٣٨] فشهدنا، ثم أمرتنا أن نصلي خمسا فصلينا، ثم أمرتنا أن نصوم شهر رمضان فصمنا، ثم أمرتنا أن نزكي فزكينا، ثم أمرتنا أن نحج فحججنا، ثم لم ترض حتى نصبت ابن عمك علينا فقلت من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
هذا عنك ؟ أو عن الله تعالى ؟ ! قال النبي صلى الله عليه وآله: لا، بل عن الله.
قال: فقام الحارث بن النعمان مغضبا وهو يقول: أللهم إن كان ما قال محمد حقا فأنزل بي [٣٩] نقمة عاجلة.
قال: ثم أتى الابطح فحل عقال ناقته واستوى عليها فلما توسط الابطح رماه الله بحجر، فوقع وسط دماغه وخرج من دبره، فخر ميتا فأنزل الله تعالى: " سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ".
وقد أورد أبو إسحاق الثعلبي إمام أصحاب الحديث في تفسيره هذه الحكاية بغير إسناد [٤٠] .
الحكاية السادسة:
أنا أبو سعد يحيى بن طاهر بن الحسين المؤدب السمان، بقراءتي عليه: نا السيد أبو الحسين يحيى بن إسماعيل الحسني النسابة الحافظ، إملاءا بالري: أنا أبو أحمد محمد بن علي بن محمد المكفوف، بقراءتي عليه باصبهان: أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان: نا أحمد بن علي بن عيسى بن ماهان الرازي: نا محمد بن عبد الملك بن زنجويه: [٤١] نا العباس بن بكار، عن عبد الواحد بن أبي عمر والاسدي [٤٢] عن محمد بن السائب [٤٣] عن أبي صالح، قال: دخل ضرار بن ضمرة [٤٤] الكناني على معاوية، فقال له: صف [ لي ] [٤٥] عليا.
قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين ؟ قال: لااعفيك: قال: إذا لابد، فانه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، ينفجر العلم من فيه، وتنطق الحكمة من نواجذه [٤٦] يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس [٤٧] بالليل وظلمته.
وكان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن.
كان والله كأحدنا، يدنينا، إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه.
وكان مع قربه منا لا نكلمه هيبة له، فان تبسم [٤٨] فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله وغارت نجومه ما ثلا في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الواله الحزين، وكأني أسمعه الآن وهو يقول: ربنا ربنا - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: أبي تعرضت ؟ ! أم لي تشوقت ؟ ! هيهات هيهات هيهات غري غيري، لاحان حينك، قد أبنتك ثلاثا فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك يسير آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، وخشية الطريق.
قال: فوكفت دموع معاوية على لحيته، ما يملكها وجعل ينشفه بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء فقال: كذا كان والله أبو الحسن، فكيف وجدك عليه يا ضرار ؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقي دمعتها ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج [٤٩].
الحكاية السابعة :
أنا أبو سعد يحيى بن طاهر بن الحسين المؤدب الزاهد، بقراءتي عليه: نا السيد الامام أبو الحسين يحيى بن الحسين بن إسماعيل الحسني، إملاءا من لفظه: أنا أبو الفضل عبد الله [٥٠] بن أحمد بن علي المقري ابن الكوفي، بقراءتي عليه: أنا أبو حفص [٥١] عمر [٥٢] بن إبراهيم بن أحمد الكتاني المقرئ: أنا أبو الحسين عمر بن الحسن القاضي الاشناني [٥٣] : أنا إسحاق [٥٤] بن الحسن الحرمي: نا محمد بن منصور الطوسي، يقول: كنا عند الشيخ أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا عليه السلام قال: (أنا قسيم الجنة والنار) ؟
فقال: ما ننكر من ذا، أليس قد روينا أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق) ؟ قلنا: بلى.
قال: فأين المؤمن ؟ قال: في الجنة: قال: فأين المنافق ؟ قال: في النار.
قال: فإذا علي قسيم الجنة والنار [٥٥] .
الحكاية الثامنة:
أنا أبو سعد بن طاهر، نا السيد يحيى بن الحسين الحسيني، إملاءا: أنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد المقرئ ابن الكوفي، بقراءتي عليه في منزله ببغداد: نا أبو حفص عمر الكتاني: نا أبو الحسين عمر القاضي الاشناني: نا إسحاق: نا محمد بن منصور، قال: سمعت الشيخ أحمد بن حنبل يقول: ما روي لاحد من الفضائل أكثر مما روي لعلي بن أبي طالب عليه السلام [٥٦] .
الحكاية التاسعة:
أنا أبو سعد بن طاهر، هذا: نا السيد يحيى هذا: نا الشريف أبو طاهر إبراهيم بن محمد بن عمر الحسيني الزيدى، قراءة عليه: وأبو الحسن [٥٧] محمد بن محمد بن علي الشروطي، بقراءتي عليه:
قال الشريف: أخبرنا، وقال الشروطي: نا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني: نا عبد الوهاب بن أبي حية: نا الشروطي صاحب الجاحظ، قال: سمعت الجاحظ عمرو بن بحر، قال: سمعت النظام يقول: على عليه السلام محنة على المتكلم إن وفاه حقه غلا، وإن بخسه حقه أساء وقلى والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن حادة اللسان صعبة الترقي إلا على الحاذق الذكي [٥٨] .
الحكاية العاشرة:
نا شيخنا الفقيه الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الحاستي رحمه الله من لفظه، إملاءا: نا السيد الرئيس العالم تاج الدين أبو جعفر محمد ابن الحسين بن محمد الحسني الكيسكي رحمه الله تعالى، إملاءا من لفظه، سنة سبع وسبعين وأربعمائة: نا السيد الرئيس جدي أبو محمد زيد بن علي ابن الحسين الحسني: نا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه رضي الله عنه: نا حمزة بن محمد بن أحمد الحسيني: نا عبد العزيز بن محمد الابهري: نا محمد بن زكريا: نا العباس بن بكار: نا أبو بكر الهذلي وعبد الله بن سليمان عن قتادة أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية بالمدينة وهي عجوز كبيرة، فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك يا خالة، كيف أنت بعدي ؟ قالت: كيف أنت يا ابن أخي ؟ لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك بلا بلاء كان منك، ولا من آبائك في ديننا ولا سابقة كانت لكم مع نبينا صلى الله عليه وآله، بل كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله، فأتعس الله منكم الجدود، وصعر منكم الخدود حتى يرد الله الحق إلى أهله، فكانت كلمتنا هي العليا، ونبينا محمد صلى الله عليه وآله هو المنصور على من ناواه، فو ثبت قريش علينا من بعده حسدا لنا وبغيا علينا.
فكنا بحمد الله أهل بيت محمد فيكم بعد نبينا صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار.
فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز، الضالة، واقصري من قولك من ذهاب عقلك، فلاتجوز شهادتك وحدك.
فقالت: وأنت يا ابن الباغية [٥٩] تتكلم وامك أشهر بغي [٦٠] بمكه، واقلهن اجرة، إدعاك خمسة من قريش فسئلت امك عن ذلك فقالت: قل قد أتاني فانظروا أشبههم به فألحقوه [ به. ] [٦١] فغلب عليك شبه العاص بن وائل السهمي جزار قريش.
فقال مروان بن الحكم: كفي أيتها العجوز، واقصري لما جئت له.
قالت: وأنت يا ابن الزرقاء تتكلم ؟ والله لانت بشعر مولى الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم بن أبي العاص، ولقد رأيت الحكم سبط الشعر، مديد القامة ما بينكما قرابة إلا قرابة الفرس الضامر من الاتان المقرف [٦٢] فسل عما أخبرتك امك فانها ستعلمك بذلك.
ثم التفتت إلى معاوية فقالت: ما جرأ هؤلاء علي غيرك، وإن امك القائلة في قتل عمنا حمزة رضي الله عنه:
نحن جزيناكم بيوم بدر ***** والحرب بعد الحرب ذات سعر
ماكان عن عتبة لي من صبر ***** ولا [٦٣] أخي وعمه وبكر
سكن وحشي غليل صدري ***** فشكر وحشي علي دهري
حتى ترم أعظمي في قبري
فأجابتها ابنة عمي [ تقول] [٦٤] :
خزيت في بدر وغير بدر ***** با ابنة وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة النحر ***** بالهاشميين الطوال الزهر
حمزة ليثي وعلي صقري ***** ونذرك الشر فشر نذر
هتك وحشي ضمير صدري ***** هتك وحشي حجاب ستري
ما للبغايا بعدها من فخر
فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وقال: ما جرأها علي غيركما، ثم قال لها: يا خالة اقصدي لحاجتك، ودعي عنك أساطير الاولين.
قالت: تعطيني ألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار.
قال: وما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أشتري بها عينا خرارة في أرض خوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب.
قال: هي لك.
قال: فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: ازوج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطلب [ من أكفائها ] [٦٥] قال: فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أستعين بها على شدة الايام، وزيارة بيت الله الحرام.
قال: هي لك، أما والله لو كان [ إبن عمك ] [٦٦] علي حيا لما أمر لك بهذا ؟ قالت: صدقت، إن عليا حفظ لله أمانته، وضيعتها، وخنت في ماله.
ثم قالت: اترك [٦٧] عليا، فض الله فاك، واجهد بلاك.
ثم علا نحيبها وبكاؤها، وأنشدت شعر أبي الاسود الدؤلي، وقيل: إنه لها:
ألا يا عين [٦٨] ويحك اسعدينا ***** ألا فابك أمير المؤمينا
رزينا خير من ركب المطايا ***** وجربها، ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال، ومن حذاها ***** ومن قرأ المثاني والمبينا [٦٩]
إذا استقبلت وجه أبي حسين ***** رأيت البدر رأي [٧٠] الناظرينا
ألا أبلغ معاوية بن حرب ***** فلا قرت عيون الشامتينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا ***** بخير الناس [٧١] طرا أجمعينا
نعي بعد النبي - فدته نفسي [٧٢] ***** أبو حسن وخير الصالحينا
كأن الناس إذ فقدوا عليا ***** نعام ضل في بلد عزينا [٧٣]
فلا والله لا أنسى عليا ***** وحسن صلاته في الراكعينا
لقد علمت قريش حيث كانت ***** بأنك خيرهم حسبا ودينا
قال: فبكى معاوية وقال: كان والله أبو الحسن يا خالة، كما قلت [ وأفضل] [٧٤] . وأمر لها بما سألت [٧٥].
الحكاية الحادية عشر:
أنا السيد الزاهد أبو الحسين علي بن القاسم بن الرضا الحسني، بقراءتي عليه: أنا السيد أبو الفضل ظفر بن الداعي بن مهدي العلوي العمري الاسترابادي: نا القاضي أبو أحمد إبراهيم بن المطرف بن الحسين المطر في: نا أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي، أن محمد بن الحسن بن زياد المقرئ حدثهم: نا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي: نا عبد الله بن يحيى: نا محمد بن سليمان: نا أبي - وكان ممن شهد الصحب الاول - قال: سمعت زر بن حبيش يقول: لما استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أتى الناعي المدينة فضجت المدينة بالبكاء والنحيب، كاليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله.
فأقبل الناس يهر عون إلى باب منزل عائشة فوجدوا الخبر قد سبق إليها، فخرجوا من عندها فلما كان غداة غد، قالوا: إن ام المؤمنين عائشة غادية إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل الناس يهرعون إليها وهي لا تطيق الكلام [٧٦] ولا ترد الجواب من كثرة الدمعة وشدة العبرة، والناس حولها محدقون، حتى أتت إلى باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذت بعضادتي الباب ونادت: السلام عليك يا سيد الانبياء، السلام عليك يا سيد الشفعاء، السلام عليك يا أحسن من تقمص وارتدى، وأكرم من انتعل واحتذى السلام عليك وعلى صاحبيك وأبي بكر وعمر، أنا والله ناعية أحب الخلق إليك، ونادبة أقرب الناس لديك، قتل والله إبن عمك الذي فضله لا ينسى، قتل والله حبيبك المرتضى قتل والله من زوجته سيدة النساء فاطمة الزهراء، فلو كشف عنك يارسول الله الثرى لرأيتني والهة عبرى، باكية حيرى.
ثم استرجعت وقالت: إنا لله وأنا إليه راجعون.
ثم أمرت أن يضرب بينها وبين الناس حجاب.
ثم قالت: أيها الناس ما لكم ولماذا أنتم مجتمعون وما أنتم قائلون ؟ قالوا: يا ام المؤمنين ما تقولين في علي بن أبي طالب ؟ قالت: معاشر الناس وما عسى أن أقول في علي: كان والله سيد الاوصياء، وابن عم خاتم الانبياء وإمام الاتقياء والاصفياء، وزوج البتول الزهراء، وسيف الله المسلول على الاعداء، أمير البررة، وقاتل الكفرة، وأحد العشرة المبشرة، أقدمكم جهادا وأسبقكم اجتهادا، حليف السهر، ومعدن الفكر، مشيد الدين، ومولى المومنين، والانزع البطين المعقل الركين، القوي في دين الله، القائم [٧٧] بأمر الله.
معاشر الناس، ولقد كان بيني وبين علي هنات، وهنات في ليال مظلمات في محال البصرة، فيا لها من كرة وأية كرة استوسق ظلامها وهجع نوامها، فوطئت الكثبان وركبت القضبان حتى أتيت خلل عسكره، فرأيته بعد كثيبين أحمرين لا يمنعه بعد السفر عن السهر.
فدنوت حتى صرت بين يديه فإذا هو واضح خده على التراب يبكي وينتحب ويتململ تململ الثكلى، وهو يقول: سجد لك وجهي، وخضع لك قلبي، واستسلم لامرك نفسي فكيف المفر غدا من أليم عذابك، وشديد عقابك قالت: فدنوت منه، حتى صرت بين يديه وأخذت رأسه في حجري ومسحت عوارضه من التراب، ثم رجعت من عنده، ولا أحد من خلق الله أحب إلي منه.
قال زر بن حبيش: ثم ألقت نفسها على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله تبكي وتنتحب وهي تقول: بأبي أنت وامي يا نبي الهدى، قتل والله حامل لوائك غدا.
ثم نظرت إلى الناس يبكون، فقالت: أيها الناس إبكوا فاليوم والله طاب البكاء، فاليوم قبض محمد المصطفى وفاطمة الزهراء، ثم رأت الناس يبكون فتنفست الصعداء، ورمت بنفسها على القبر [ فوالله ] [٧٨] ما ظننتها إلا أنها فارقت الدنيا، فحملتها نساء قريش إلى منزلها وهي تقول:
عجبت لقوم يسألوني عن الذى ***** فضائله مشهورة في المشاهد
فجدد حزني والستهلت مدامعي ***** لوجهك يامن يرتجى للشدائد [٧٩]
الحكاية الثانية عشر:
أنا أبو بكر محمد بن عبد الكريم بن محمد القلانسي العدل، أجازة: أنا الامام أبو سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري: أنا جهد [٨٠] بن المأمون: نا محمد أبو علي أحمد بن عبد الله الاصبهاني بالري: نا محمد بن أحمد بن صديق الاصبهاني، ببغداد: نا عبد الله بن عمر بن منصور: نا محمد بن عثمان الكاتب، عن أبي عيسى الناقد، عن إبراهيم بن مهران، قال: كان بالكوفة في جيراننا رجل فامي [٨١] وكان يكني (أبا جعفر)، وكان حسن المعاملة، وكان إذا أتاه إنسان من العلوية يطلب ما عنده لا يمنعه، فان كان معه ثمنه أخذه وإلا قال لغلامه: اكتب ما أخذه على علي بن أبي طالب.
فعاش على ذلك زمانا، ثم إفتقر، وجلس في بيته، فكان ينظر في دفاتر له فان وجد من غرمائه من هو حي يبعث إليه من يقبض منه وإن وجد من قد مات وليس له شيئ ضرب على إسمه.
فبينا هو ذات يوم جالس على باب داره ينظر في ذلك الدفتر إذ مربه رجل من الناصبة، فقال له [ كالمستهزئ ] [٨٢] ما فعل غريمك الكبير ؟ - يعني علي بن أبي طالب عليه السلام - فاغتم الفامي [٨٣] بذلك وقام، ودخل منزله.
فلما كان من الليل رأى النبي صلى الله عليه وآله في المنام وكأن الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان بين يديه، فقال لهما: أين أبوكما ؟ فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام وكان من ورائه فقال: ها أنا ذا يا رسول الله.
فقال: مالك لا تدفع إلى هذا الرجل حقه ؟ فقال: يا رسول الله هذا حقه في الدنيا قد جئت به.
قال: فأعطه.
فناولني كيسا من صوف، وقال: هذا حقك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خذه، ولا تمنع من جاءك من ولده يطلب ما عندك وامض لافقر عليك بعد [ هذا ] [٨٤] اليوم.
فانتبهت والكيس بيدي، فناديت إمرأتي: يا أمرأة أنائم أنت ؟ أم يقظى ؟ قالت: بل يقظى، قلت: أسرجي: فأسرجت، فناولتها الكيس، فنظرت فإذا فيه ألف دينار.
فقالت: يارجل أشفق لا يكون حملك الفقر على أن خدعت بعض هؤلاء التجار فأخذت ماله.
فقلت: لا، والله ولكن القصة هذه.
فدعا بالدفتر الذي فيه حسابه فإذا ليس فيه مما كتب على علي بن أبي طالب قليل ولا كثير [٨٥] .
الحكاية الثالثة عشر:
أنا السيد المرتضى السعيد شرف الدين أبو الفضل محمد بن علي بن محمد بن المطهر، رفع الله درجته: أنا الامام أبو الفضل محمد بن أحمد الطبسي، في كتابه: نا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن بامويه (٣) [٨٦]الاصفهاني: نا أبورجا محمد بن حامد المدني: بمكة: نا الحسن بن عرفة: نا علي بن قدامة: عن ميسره بن عبد ربه بن عبد الكريم الحريري، عن سعيد بن جبير رحمة الله عليه، قال: مر إبن عباس بنفر من قريش وقد كف بصره ومعه ابن له يقوده فسمع صوتهم، فوقف عليهم وسلم فقاموا، وردوا السلام ومضى فقال [ له ] [٨٧] إبنه: يا أبت أسمعت ما قالوا ؟ قال: لا، وما قالوا ؟ قال: سبوا عليا ونالوا منه، فقال: ردني إليهم.
فرده فقال: أيكم الساب الله تعالى ؟ ! فقالوا: يا ابن عباس من سب الله فقد كفر.
فقال: أيكم الساب رسول الله ؟ ! فقالوا: يا ابن عباس من سب رسول الله فقد أشرك.
فقال: أيكم الساب عليا ؟ فقالوا: أما علي فقد نلنا منه.
فقال ابن عباس: أشهد بالله واشهد الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله فقد كفر.
ثم التفت إلى إبنه، فقال: قل فيهم، فداك أبي وامي فقال الغلام:
نظروا إلي بأعين محمرة ***** نظر التيوس إلى شفار الجازر
قال: زدني يا غلام، فداك أبي وامي.
فقال:
خزر الحواجب خاضعي أعناقهم [٨٨] ***** نظر الذليل إلى العزيز القاهر
قال: زدني [٨٩] - فداك أبي وامي - .
فقال: ما عندي غير ما سمعت.
فقال ابن عباس:
سبوا الاله وكذبوا بمحمد ***** ووصيه الزاكي التقي [٩٠] الطاهر
هم تسعة لعنوا جميعا كلهم ***** والله ملحقهم غدا بالعاشر
أحياؤهم عار على موتاهم ***** والميتون فضيحة للغابر
قال: وكانوا عشرة فلما قال لابنه: قل فيهم قام واحد، فلذلك قال (هم تسعة) [٩١]
الحكاية الرابعة عشر:
أنا الشيخ أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب هموسة الفرزادى قراءة: نا السيد، المرشد بالله، أبو الحسين يحيى بن الحسين الحسني، إملاءا: نا القاضى أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي: نا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي المعروف بالببغا [٩٢] وكتبته باملائه، قال: كنت بصور في سني نيف وخمسين وثلاثمائة عند أبي علي محمد بن علي المستأمن - وإنما لقب بذلك لانه استأمن من عسكر القرامطة إلى أصحاب السلطان با لشام وهو على حماية البلد - فجاءة قاضيها أبو القاسم علي بن ريان - وكان شابا أديبا، فاضلا، جليلا واسع المال، عظيم الثروة - ليلا، فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل عليه قال له: أيها الامير قد حدث الليلة أمر ما لنا بمثله عهد، وهو أن في هذا البلد رجلا ضريرا يقوم كل ليلة في الثلث الاخير ويطوف بالبلد ويقول بأعلى صوته: (يا غافلين اذكروا الله يا مذنبين استغفروا الله، يا مبغضي معاوية عليكم لعنة الله) وأن دايتي التي ربتني كانت لها عادة أن تنتبه على صوته.
فجاءتني الليلة وأيقظتني وقالت لي: كنت نائمة فرأيت في منامي كأن الناس يهرعون إلى المسجد الجامع فسألت عن السبب ؟ فقالوا: رسول الله هناك.
فتوجهت إلى المسجد ودخلته فرأيت النبي صلى الله عليه وآله على المنبر وبين يديه رجل واقف وعن يمينه ويساره غلامان واقفان، والناس يسلمون عليه، ويرد عليهم [ السلام ] [٩٣] حتى رأيت الضرير الذي يطوف في البلد ويذكر ويقول كذاوكذا - وأعادت ما يقوله - دخل وسلم فأعرض عنه النبي حتي عاوده ثلاثا، فأعرض عنه، فقال الرجل الواقف: يارسول الله رجل من امتك ضرير يحفظ القرآن يسلم عليك، فلم حرمته الرد عليه ؟ فقال: يا أبا الحسن هذا يلعنك، ويلعن ولديك، منذ ثلاثين سنة.
فالتفت الرجل الواقف، فقال: يا قنبر.
فإذا برجل قد بدر، فقال: اصفعه.
فصفعه صفعة، فخر على وجهه، ثم انتبهت فلم أسمع له صوتا.
وهذا هو الوقت الذي جرت عادته فيه بالصياح والطواف والتذكير.
قال أبو الفرج: فقلت: أيها الامير ننفذ من يعرف خبره.
فأنفذنا في الحال رسولا قاصدا ليخبرنا عن أمره، فجاءنا يعرفنا أن إمرأته ذكرت أنه عرض له في هذا الليلة حكاك شديد في قفاه، فمنعه من الطواف، والتذكير.
فقلت لابي على المستأمن: أيها الأمير هذه آية يجب أن نشاهدها.
فركبنا وقد بقيت من الليل بقية يسيرة وجئنا إلى دار الضرير فوجدناه نائما على وجهه يخور فسألنا زوجته عن حاله، فقالت ابنته.. وحك هذا الموضع وأشارت إلى قفاه - وكان قد ظهر فيه مثل العدسة - وقد اتسعت الآن وانتفخت وتشققت وهو الآن على ما تشاهدونه يخور، ولا يعقل. فانصر فنا وتركناه.
فلما أصبحنا توفي وأكب أهل (صور) على تشييع جنازته وتعظيمه.
قال أبو الفرج: واتفق أنني لما وردت إلى باب عضد الدولة بالموصل سنة ثمان وستين وثلاثمائة لزمت دارخازنه أبي نصر خرشيد بن يزديار وكان يجتمع فيها كل يوم خلق كثير من طبقات الناس، فحدثت بهذه الحكاية جماعة في دار أبي نصر منهم القاضى أبو علي التنوخي وأبو القاسم الحسين بن محمد الجنابي وأبو إسحاق النصيبيني وابن طرخان وغيرهم ؟ وكلهم رد علي واستبعد ما حكيته على أشنع وجه غير القاضى التنوخي، فانه جوزه وشيده وحكى في معناه ما يضاهيه، ثم مضت على هذه مدة يسيرة فحضرت دار أبي نصر هذا على العادة واتفق حضور أكثر الجماعة فلما، إستقر [ بي ] المجلس سلم علي فتى شاب لم أعرفه فاستبنته ؟ فقال ؟ أنا أبو القاسم بن ريان قاضي صور.
فبدأت فأقسمت عليه بالله - يمينا مكررة موكدة مغلظة محرجة - إلا صدق فيما أسأل عنه فقال: نعم عندي أنك تريد أن تسألني عن الضرير المذكر وميتته الظريفة ؟ فقلت: نعم، هو ذاك.
فبدأهم وحدثهم [ بمثل ] ما حدثتهم فعجبوا من ذلك واستظرفوه.
مقتبس (بتصرف) من كتاب (الاربعون حديثا عن أربعين شيخا، من أربعين صحابيا) في فضائل الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام- منتجب الدين بن بابويه