وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الأمثال في نهج البلاغة – باب الكاف واللام

باب الكاف

الكاف مَعَ اللاّم

٣٠ـ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ[١].

من كتاب له (عليه السّلام) إلى أهل البصرة أوّله: (وقَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وشِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ... ولَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لأوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ...).

شقاق أهل البصرة مع أمير المؤمنين معروف وجاء ذمّهم على لسانه (عليه السّلام) غير مرّة، وكفى شقاقاً يوم الجمل. والكلام تهديد لتكرير الشقاق والخلاف منهم أنّه (عليه السّلام) يوقع وقعة هي أمّر وأدهى من يوم الجمل، بل لا يكون القياس إلى الوقعة المتوّقعة إلاّ بمثل لعقة لاعق.

قال الشارح: (كَلَعْقَةِ لاعِقٍ: مثل يضرب للشيء الحقير التافه، ويروى بضّم اللام، وهي ما تأخذه الملعقة)[٢].

في الحديث: (الويل لمَن باع معاده بلعقة لم تبق). اللعقة (بالفتح) المرة، من لعِقتُ الشيء (بالكسر) ألعقه لعقاً، أي لحسته، ومنه الأصابع.

ومن كلام له (عليه السّلام) في أمر الخلافة وتأخيره عنها: ( وهل هي إلاّ كلعقة الآكل ومذقة الشارب وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات)، ومثله قوله (عليه السّلام): (مصادرين أحدكم لعقة على لسانه، صنيع من قد فرغ من عمله وأحرز رضى سيّده)، ومثله قوله (عليه السّلام) في خلافة مروان (إنّ له إمرةً كلعقة الكلبِ أنْفَهُ) لأنّ خلافته كانت ستة أشهر من ذلك كلّه عرف أنّ المثل المذكور يضرب للأمر التافه وللقلّة. وقد يأتي من لفظه لما لم يكن له حقيقة ثابتة، كقول الإمام الحسين (عليه السّلام) في كلام له: (الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الدّيانون)[٣].

الكاف مَعَ الميم

٣١ـ كَما تَدِينُ تُدانُ[٤].

من خطبة له (عليه السّلام) أوّلها: (وهُو فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ... وضَعْ فَخْرَكَ، واحْطُطْ كِبْرَكَ، واذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ...).

عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قال: (كانت امرأة‌ على عهد داود يأتيها رجل يستكرهها على نفسها فألقى الله (عزّ وجلّ) في قلبها فقالت له: إنّك لا تأتيني مرّة‌ إلاّ وعند أهلك من يأتيهم، قال: فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلاً، فأتى به داود (عليه السّلام) فقال: يا نبيّ الله، وجدت هذا الرجل عند أهلي، فأوحى الله إلى داود قل له: كما تدين تدان)[٥].

وعنه (عليه السّلام) أنّ الله أوحى إلى موسى (عليه السّلام) (لا تزنوا فتزني نسائكم، ومن وطئ فراش امرئ وُطِئ فراشُه: كما تدين تدان)[٦].

من هنا يعلم أنه مثل سماويّ، وأثبتناه نحن في الأمثال النبويّة[٧].

وأثبته الأدباء عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: (كان ملك من ملوك غسّان ينقدر النساء، لا يبلغه عن امرأةٍ جمالُ إلاّ أخذها، فأخذ ابنة يزيد بن الصعق وكان أبوها غائباً، فلمّا قَدِم أُخبّر، فوفد على الملك فصادفه منتدياً، وكان الملك إذا تبدّى لم يحجب عنه أحد، فوقف منذ تحيّته يسمع كلامه، فقال: يا أيّها الملك المقيت، أما ترى ليلاً وصبحاً كيف يختلفان ؟! هل تستطيع الشمس أن تؤتى بها ليلاً وهل لك بالمليك يدان ؟! واعلم وايقن أنّ ملكك زائل ! واعلم بأنّ كما تدين تدان، فأجابه الملك:

إنّ الّتي سلبت فؤادك خطّة

 

مرفوضة فاصبر لها ابن كلاب

فارجع بحاجتك التي طالبتها

 

والْحَق بقومك في هضاب إراب

ثم نادى: إنّ هذه سنة مرفوضة.

قال أبو عبيدة: ما أنشدت هذه الأبيات ملكاً ظالماً إلاّ كفته عن غربه ومعنى المثل كما تفعل يفعل بك)[٨].

٣٢ ـ كَمْ مِنْ أكْلَةٍ تَمنَعُ أَكلاتٍ[٩].

من كلمات الإمام القصار المعدودة من الأمثال جاءت بلفظ(ربّ أكلة تمنع أكلات) في كتب الأمثال.

قال المفضّل:

(أوّل من قال ذلك عامر بن الظرب العدواني، وكان من حديثه أنّه كان يدفع النّاس في الحج، فرآه ملك من ملوك غسّان فقال: لا أترك هذا العدواني حتّى أذلّه. فلمّا رجع ذلك الملك إلى منزله أرسل إليه: أحبّ أن تزورني فأحبوك وأكرمك وأتخذّك خليلاً. فأتاه قومه فقالوا: تفد ويفد معك قومك فيصيبون في جنبك ويتجيهون بجاهك. فخرج وأخرج معه نفراً من قومه، فلمّا قدم بلاد الملك أكرمه وأكرم قومه، ثم انكشف له رأى الملك، فجمع أصحابه وقال: الرأي نائم والهوى يقظان، ومن أجل ذلك يغلب الهوى الرأي. عجلتُ حين عجلتم، ولن أعود بعدها. إنّا قد تورّطنا بلاد هذا الملك فلا تسبقوني بريث أمر أقيم عليه، ولا بعجلة رأي أخفّ معه، فإنّ رأيي لكم. فقال قومه: قد أكْرَمَنا كما ترى، وبعد هذا ما هو خير منه. فقال: لا تعجلوا فإنّ لكلّ عام طعاماً وربّ أكلة تمنع أكلات...)[١٠].

والميداني: (يضرب في ذمّ حرص الطعام...) وسَرَدَ القصة[١١].

والعسكري: (يضرب مثلاً للخصلة من الخير تنال على غير وجه الصواب فتكون سبباً لمنع أمثالها) ثم أشار إلى ما تقدّم من قول المفضّل[١٢].

من وجوه منع الأكلة الأكلات عدم مضغها كما ينبغي، والمضغ مما يمري الطعام الذي لا يجّر مرضاً معه. إذا الطاعم أكل عند الجوع ورفع اليد عنه وهو يشتهي،وأجاد المضغ، لم يشتك وجعاً.

ومنها: كبر اللقمة. ومنها: العجلة في الأكل وسرعة الابتلاع. ومنها عدم التعّهد لما يأكل (ربّ أكلة هاضت الآكل ومنعته مآكل):

كم أكلةٍ خامرتْ حشا شرهٍ

 

فأخرجت روحَه من الجسدِ[١٣]

الكاف مَعَ النّون

٣٣ ـ كَناقِشِ الشَّوكَةِ بِالشَّوْكَةِ[١٤].

من كلام له (عليه السّلام) وقد قام إليه رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها ! فما ندري أي الأمرين أرشد. فصفق (عليه السّلام) إحدى يديه على الأخرى ثم قال: (هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ. أَمَا واللَّهِ لَو أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ، حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً: فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ، وإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ، وإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ، لَكَانَتِ الْوُثْقَى، ولَكِنْ بِمَنْ وإِلَى مَنْ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وأَنْتُمْ دَائِي «كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ» وهُو يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا !!).

أثبتنا صدر الكلام لربط التمثيل.

قال المعتزلي:

(وهذا مثل مشهور: (لا تنقش الشوكة بالشوكة، فإنّ ضلعها معها) والضلع الميل، يقول: لا تستخرج الشوكة الناشبة في رجلك بشوكة مثلها فإنّ إحداهما في القوة والضعف كالأخرى، فكما أنّ الأولى انكسرت لمّا وطئتها فدخلت في لحمك فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها تنكسر وتلج في لحمك)[١٥].

قال الزمخشري بعد المثل:

(ويروي: فإنّ (ألبها). والمعنى ميلها: يضرب في النهي عن الاستعانة بمن هو للمطلوب منه الحاجة أنصح منه للطالب)[١٦].

أوردناه في الأمثال النبوّية[١٧].

والغرض من التمثيل به هنا يعرف من قبله، حيث قال (عليه السّلام): (أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وأَنْتُمْ دَائِي) فأصحابه يزيدون في علّته بدل أن يرفعونها؛ لأنّ حادثة التحكيم لم تحدث إلاّ من قبلهم فكيف يعمل في رفعها بسبب هؤلاء وهم قد أوجدوها، فحالهم وحال الإمام (عليه السّلام) كمعالجة إخراج الشوكة أخرى تزيدها ولوجاً.

٣٤ ـ كَناقِلِ التَّمْرِ إلى هَجَرَ[١٨].

مثل سائر. من كتاب له (عليه السّلام) جواباً إلى معاوية، وهو من محاسن الكتب، أوّله:

(أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّداً...).

ثم قال (عليه السّلام):

(فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا، ونِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَو دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ...).

وإنّما تمثّل الإمام (عليه السّلام) في جواب معاوية المعدِّد لنعم الله تعالى على أهل البيت (عليهم السّلام)، ردّاً له بأنّ: (أهل البيت أدرى بما فيه) و(أهل مكّة‌ أعرف بشعابها)، وليس معاوية في بيان نعم الله على آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعدادها إلاّ كمستبضع التمر إلى بلدة‌ (هجر)، التّي ينقل منها التمر لا إليها كما عبّر بعض عن المثل الجاري بـ (كمستبضع التمر إلى هجر).

قال النيسابوري بعد المثل بلفظه الأخير: قال أبو عبيد: هذا من الأمثال المبتذلة ومن قديمها، وذلك أنّ (هجر) معدن التمر، والمستبضع إليه مخطئ... قال النابغة الجعدي:

وإنَّ امرأً أهْدَى إلَيْكَ قَصَيْدةً

 

كَمُسْتَبْضِع تَمْرَاً إلَى أرضِ خَيْبَرَ[١٩]

قال المعتزلي: (مثل قديم. وهَجَر اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتأنيث. وقيل: هو اسم مذكّر مصروف... والنسبة: هاجريّ، على غير قياس. وهي بلدة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها، قال الشاعر في هذا المعنى:

أهدى له طَرَفَ الكلامِ كما

 

يُهدَى لواليِ البصرةِ التمْرِ

 (قوله (عليه السّلام): (أَو دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ) أي معلّمه الرمي، وهذا إشارة‌ إلى قول القائل الأوّل:

أعلّمه الرماية كلّ يوم = فلمّا استدّ ساعده رماني)[٢٠]

من كلمة السديد لا الشديد.

 باب اللاَّم

اللاّم مَعَ الألف

٣٥ ـ لا رَأيَ لِمَنْ لا يُطاعُ[٢١].

من خطبة له (عليه السّلام) في الجهاد أوّلها:

(أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ... نَهَضْتُ فِيهَا ومَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ، ولَكِنْ «لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ»).

أول من قاله عتبة بن ربيعة حين اجتمعت قريش للمسير إلى بدر، وهو مأخوذ من قول الشاعر:

أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِوى

 

وَلا أَمرَ لِلمَعصِيِّ إلاّ مُضَيَّعا[٢٢]

والمراد من نفي الرأي عند عدم الطاعة الغرض المترتّب على اتّباعه لا نفيه رأساً. وكلمة‌ (لا) النافية للجنس تقتضي النفي رأساً، ولكن لأجل القرينة الخارجيّة من عقل أو نقل يصرف ظهورها عن اقتضائها في ذلك كما قال الفقهاء في: (لا صلاة‌ لمن جاره المسجد) أنّ المنفي فيها الكمال، لا الصلاة رأساً حتى يحكم عليها بالبطلان إذا صلاّها المصلّي في غير المسجد. فكأنّ الذي لم يتّبع رأيه ولم يطع، فاقد له رأساً. وكان (عليه السلام) في طوال خمس وعشرين سنة جليس بيته لم يُطع رأيه، وهو (عليه السّلام) واجد له بالذات، فالمثل جاء من باب المبالغة في عدم تحقّق الأهداف السامية عند تركهم طاعة الإمام (عليه السّلام) من أمرهم بجهاد العدوّ الألدّ كمعاوية بن أبي سفيان ومن يحذو حذوه، وفي جميع الأدوار والعصور لم تحصل للأنبياء من أممهم الطاعة على سبيل العموم. وهكذا أوصياهم (عليهم السّلام)، وإلاّ لازدهرت الأيّام ولعمّت السعادة، فقد جرى في هذه الأمّة ما جرى في السلف (القّذة بالقّذة) كما جاء الحديث في تفسير قوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)[٢٣]، فلا جرم أنّ صاحب الخلافة الكبرى أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال هذه المقالة تحسّراً عليهم من قلب ملؤه حبّ وحنان، وعن يقين أنّ في الطاعة نجاتهم وفي الخلاف هلاكهم. ولا يقول قائل هذا الكلام إلاّ تحسّراً على فوت الهدف الأفضل بالعصيان، وعلماً منه بالعاقبة المحمودة بالطّاعة.

اللاّم مَعَ الباء

٣٦ـ لَبِّثْ قَليْلاً يَلْحَقِ الهَيْجا حَمَلُ[٢٤].

تمثّل (عليه السّلام) بالرجز لكلام له في جواب معاوية من فقرة: (وذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي ولِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ السَّيْفُ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ، مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الأعْدَاءِ نَاكِلِينَ وبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ ؟!

«فَلَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ» =.................................)

والرجز لحمل بن بدر القشيري صاحب الغبراء ـ أغير على إبله في الجاهليّة فاستنقذها وقال:

فَلَبِّثْ يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ

 

لا بَأسَ بالمَوْتِ إذا الموتُ نَزَلْ [٢٥]قَلِيلاً

وفي لفظ:

.................................

 

ما أحسَنَ الموتَ إذا حَانَ الأجَلْ

 (قالوا في (حمل) هو اسم رجل شجاع كان يُستظهر به في الحرب. ولا يبعد أن يراد به: حمل بن بدر صاحب الغبراء، يضربه من ناصِرُه وراءه)[٢٦].

لم يرْتَب اثنان من البشر في شجاعة أمير المؤمنين (عليه السّلام)، تشهد لها حروبه ومواقفه الجبّارة في حياة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وبعد مماته. وكيف لا وهو معلّم الشجعان فنون الحرب ؟! ومعاوية يقول هذه المقالة وهو يعلم أن لا مقاومة له ولا لجنوده وعشيرته للمقتولين بيد الإمام (عليه السّلام)، بل ولا العرب كلّها عند ضربة عليّ (عليه السّلام)، وهو القائل: (واللَّهِ، لَو تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا ولَو أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا...)[٢٧].

وإنما قالها لتخذير أفكار أصحابه المغفّلين، بل معاوية يدري أنّ صاحب أمير المؤمنين (عليه السّلام) مالك الأشتر مبيد له وما يملك من أهل الشام، وكان الأمر كذلك لولا حادثة التحكيم من جهلة الأصحاب من زهاء عشرين ألف نهرواني.. والحديث ذو شجون. وقد شابهت محنته (عليه السّلام) محنة هارون حيث طلب أصحاب موسى (عليه السّلام) منه أن يجعل العجل لهم إلهاً كما لهم آلهة... ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

اللاّم مَع‌َ الجيم

٣٧ـ لَجَمَلُ أَهْلِكَ، وشَسْعُ نَعْلِكَ، خَيْرٌ مِنْكَ[٢٨].

تمثّل الإمام (عليه السّلام) بالمثل المذكور من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي، وقد كان استعمله على بعض النواحي، فخان الأمانة في بعض ما وّلاه من أعماله: (... ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً، «لَجَمَلُ أَهْلِكَ وشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ»...).

قال الشريف الرضي (طاب ثراه):

(المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) (إنّه لنَظَّارٌ في عَطْفَيْه، مُخْتَالٌ في بُرْدَيْه، تَفّالٌ في شِرَاكَيه).

استعرض جمع من أرباب التراجم ترجمته، ولئن لم يكن في قدحه إلاّ ما جاء في كلام الإمام (عليه السّلام) لكفى. ولا يهّمنا الترجمة. وكلّ من كان على صفته وشاكلته شملَه القدحُ المذكور: أنّ جَمَل أهله، وشسع نعله، خير منه.

ونظيره المثل النبوّي المروّي: (رُبَّ مَرْكُوْبٍ خَيْرٌ مِن رَاكِبِه)[٢٩] فخائن الأمانة، الراكب الجمل أو النعل، مركوبه خير منه؛ لأنه لم يخن.

قال المعتزلي في الشرح:

(العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان، قال:

لَقَد عَظُمَ البَعيرُ بِغَيرِ لُبِّ

 

وَلَم يَستَغنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ

يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجهٍ

 

وَيَحبِسُهُ عَلى الخَسفِ الجَريرُ

وَتَضرِبُهُ الَوليدَةُ بِالهَراوى

 

فَلا غِيَرٌ لَدَيهِ وَلا نَكيرُ

فأمّا شسع النعل، فضرب المثل بها في الاستهانة مشهور لابتذالها ووطئها الأقدام في التراب)[٣٠].

ثم وجوب ردّ الأمانة، وحرمة الخيانة ثابت بالأدّلة الأربعة: الكتاب والسّنة والعقل والإجماع. ولا فرق في ذلك بين القّلة والكثرة، ولو كان كمثل إبرة أو أقلّ منها. وما قاله (عليه السّلام)[٣١] لابن عبّاس لما بلغه منه أن لو كان من الحسن والحسين (عليهما السّلام) لانتقم منهما، يغني عن البحث.

اللاّم مَعَ العين

٣٨ ـ لِعَمْرِ أَبيكَ الخَيْرُ يا عَمْروُ إِنَّني=عَلى وَضَرٍ مِنْ ذا الإِناءِ قَليلٌ[٣٢].

من خطبة له (عليه السّلام) وقد تواترت عليه الأخبار باستئلاء أصحاب معاوية على البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أرطاة فقام على المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي فقال:

(مَا هِيَ إِلاَّ الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وأَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلاَّ أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللَّهُ).

وتمثّل بقول الشاعر:

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي

 

عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإنَاءِ قَلِيلِ

والبيت من الطويل.

والغرض من التمثّل به يُعرف من كلامه (عليه السّلام) قبله، أي قبل البيت: (مَا هِيَ إِلاَّ الْكُوفَةُ...) أنّها لديه (عليه السّلام) كالوضَرَ القليل في الإناء، وهو غسالة الشيء وبقيّة الدسم، أي لم يبق من البلاد والعباد له سوى الكوفة، وهي مهدّدة بجيش الشام؛ لخذلان أصحابه بنهوضهم للجهاد مع العدّو، واستيلاء ابن أرطاة من قبل معاوية على اليمن وقتل أهلها، وهي من الحوادث الممضّة. وهكذا كان (أرواحنا فداه) أيّام خلافته ممتحناً بالفتن وخذلان صحبه، وأهل الكوفة أهل الغدر والتخذيل، وكثيراً ما كان (عليه السّلام) يستنهضهم لجهاد العدّو فلم ينهضوا بالحرّ والقرّ. كانوا يقولون: حتّى تنقضي حمّارة الحرّ أو قرص البرد. وهو يخوّفهم نار جهّنم وغيرها من ألوان عذاب الله الأكبر فلم يتخوّفوا، فهو (عليه السّلام) أوّل مظلوم في العالم قبل خلافته وبعدها (عليه السّلام).

اللاّم مَعَ الواو

٣٩ ـ لَوْ يُطاعُ لِقصيرٍ أَمْرٌ[٣٣].

من خطبة أولّها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ وإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ).

إلى قوله (عليه السّلام):

(وقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي،ونَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي،«لَو كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ»...).

والمثل من قصّة مشهورة ضربت فيها عدّة أمثال هو منها، ذكرها الأدباء بتفصيل. منها صاحب (رسالة الإسلام)، قال:

(قاله قصير بن سعد اللخمي لجذيمة الأبرش عندما أشار عليه ألاّ يستجيب إلى الزباء ـ ملكة الجزيرة ـ حينما كتبتْ إليه في أن يقبل إليها لتضّم ملكها إلى ملكه، وكانت تنوي من وراء ذلك الغدر به لأنّه كان قد وترها بقتله أباها، فلم يقبل جذيمة مشورة قصير وذهب إليها، فقال قصير: لو يطاع لقصير أمر. وكانت نهاية الأمر أن قتلت الزباء جذيمة وأدركت ثأرها[٣٤].

والقصّة هذه من أحفل القصص في الأمثال التي قيلت خلال حوادثها، فقد بلغت واحداً وعشرين مثلاً:... رأيٌ فاتر وغدرٌ حاضر، رَأْيُكَ في الْكِنِّ لا في الضحِّ، لا يطاع لقصير أمر، ببقَّةَ خَلَّفْتُ الرأي، القول رداف، خطب يسير، لا يشّق غباره، ويل أمّه... خير ما جاءت به العصا...

واستشهد الإمام (عليه السّلام) بالمثل المذكور حيث نصح جماعته بعدم قبول التحكيم في وقعة صفّين وأبوا عليه ذلك[٣٥].

والمحدّث القمّي (رحمه الله) أثبت المثل وقصّته من نصح قصير مولى جذيمة وبعثة الزباء

إليه ليتزّوج بها فخرج في ألف فارس وخلّف باقي جنوده مع ابن أخيه..[٣٦].

وهو مثل يضرب لمن خالف نصح الناصح، وما أكثر من نزول الويل على من ترك نصح ذي الحجى وحلول الندامة عند معصية ذوي الرأي والإشفاق ؟! وهل كان أحد أسدّ من الأمير (عليه السّلام) رأياً وأكثر إشفاقاً على الرعيّة. وإنّ حادثة التحكيم المفروض منهم على الإمام (عليه السّلام) لمن أمرِّ الحوادث وأشدّها على الإسلام والمسلمين من جرّاء العصيان والتمرّد.

يتبع.......

--------------------------------------
[١] . نهج البلاغة الخطبة رقم: ٤٥.
[٢] . نهج البلاغة خطبة المتقين (خطبة همام).
[٣] . حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣: ٩٧.
[٤] . النهج ٩: ١٥٨، ١٥٣/ط.
[٥] . الوسائل ١٤: ٢٦٩.
[٦] . الوسائل ١٤: ٢٣٦. و٢٧١.
[٧] . في حرف الكاف.
[٨] . هامش المستقصي ٢: ٢٣١. [نقل بتلخيص وتصرّف] قوله: ينقدر النساء في نفس المصدر: لعلّه يقذّر النساء. أقول: لعلّه يغدر بالنساء.
[٩] . المهج ١٨: ٣٩٧، ١٧٣/ح.
[١٠] . الفاخر ١٧٤.
[١١] . المجمع ١ / ٢٩٧ حرف الراء.
[١٢] . الجمهرة على هامش مجمع الأمثال ١: ٣١٩.
[١٣] . شرح النهج ١٨: ٣٩٧.
[١٤] . النهج ٧: ٢٩١، ١٣٠/كلام.
[١٥] . شرح النهج ٧: ٢٩٤.
[١٦] . المستقصي ٢: ٢٦٠.
[١٧] . في حرف اللام مع الألف.
[١٨] . النهج ١٥: ١٨١، ٢٨/ك.
[١٩] . مجمع الأمثال ٢: ١٥٢ ـ ١٥٣ حرف الكاف.
[٢٠] . شرح النهج ١٥: ١٨٨ ـ ١٨٩.
[٢١] . النهج ٢: ٧٥، ٢٧/ط.
[٢٢] . الجمهرة على هامش مجمع الأمثال ٢: ٢٧٦ حرف اللام.
[٢٣] . الانشقاق ٨٤: ١٩، تفسير البرهان ٤: ٤٤٣.
[٢٤] . النهج ١٥: ١٨٤، ٢٨/ك.
[٢٥] . رسالة الإسلام: ١٢٦ (عدد ٧ ـ ٨).
[٢٦] . المستقصي ٢: ٢٧٨.
[٢٧] . النهج ١٦: ٢٨٩.
[٢٨] . النهج ١٨: ٥٤، ٧١/ك.
[٢٩] . المجازات النبويّة ٣١٥ رقم ٣٥٥.
[٣٠] . شرح النهج ١٨: ٥٨.
[٣١] . النهج ١٦: ١٦٧ ـ ١٦٨، ٤١/ك.
[٣٢] . النهج ١: ٣٣٢، ٢٥/ط.
[٣٣] . النهج ٢: ٢٠٤، ٣٥/ط.
[٣٤] . مجمع الأمثال حروف الخاء.
[٣٥] . العدد السابع والثمن وسنة ثانية ص ١١٤ ـ ١١٥.
[٣٦] . السفينة ٢: ٤٣١.
****************************