وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الإمام علي عليه السلام والرأي الاخر(في عهد الخلافة الراشدة)

فلم يمضِ إلاّ وقت قصير على رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، حتّى استجدّت أمور وأحداث خطيرة تتهدّد الإسلام وأمّته بالفناء ، فقد قوي أمر المتنبئين بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) واشتدّ خطرهم في الجزيرة العربية من أمثال : مسيلمة الكذّاب ، وطلحة بن خويلد الأفّاك ، وسجاح بنت الحرث الدجّالة . . وغيرهم ، وصار وجودهم يشكِّل خطراً حقيقياً على الدولة الإسلامية . واشتد ساعد المنافقين وقويت شوكتهم في داخل المدينة ، وكان الروم والفرس للمسلمين بالمرصاد . هذا عدا ظهور التكتلات السياسية في المجتمع الإسلامي على أثر بيعة السقيفة .

ولقد تعامل الإمام(عليه السلام) مع الخلافة حسب ما تحكم به المصلحة الإسلامية حفظاً للإسلام وحماية للجامعة الإسلامية من التمزّق والضياع ، وتحقيقاً للمصالح العليا الإسلامية التي جاهد من أجلها .

وللإمام علي(عليه السلام) كتاب جاء فيه ـ بهذا الصدد ـ ما نصّه : « . . . فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ،يدعون إلى محق دين محمّد(صلى الله عليه وآله) ، فخشيت إنْ لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ،يزول منها ما كان ، كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب ،فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق ، واطمأن الدين وتنهنه» .

بيد أنَّ صوت علي(عليه السلام) كان يعلو عندما يستشار ويجهر عندما يستفتي ، وقد تصدّى ـ في هذا المضمار ـ لتوجيه الحياة الإسلامية ، وفقاً لما تقتضيه رسالة الله تعالى في الحقول التشريعية والتنفيذية والقضائية .

ومن أجل ذلك فإنّ الباحث التاريخي في حياة الإمام علي(عليه السلام) لا يلبث إلاّ أن يلتقي مع مئات المواقف والأحداث ـ في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ـ التي لا تجد غير علي(عليه السلام) مدبّراً لها ومعالجاً وقاضياً بأمر الشريعة فيها[١] .

وطيلة هذا العهد مارس الإمام مهمّة النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم المشورة ـ رغم اختلافه مع الحاكمين ـ حتّى في ذروة الثورة على الخليفة الثالث عثمان بن عفان[٢] .

والخلفاء الثلاثة لم يروا بداً من استشارته إذا التبست عليهم الأمور ، وهكذا نجده ـ مرّةً ـ مرشداً إلى الحكم الإسلامي الصحيح في أمر ما ، ومرّةً نجده قاضياً في شأن من شؤون الأمّة ، وأخرى موجِّهاً للحاكم الوجهة التي تحقّق المصلحة الإسلامية العليا .

وبمقدورنا أن نلمس دوره الرسالي ذلك إذا طرحنا بعض مفردات منهجه المتبنى أيّام الخلفاء الذين سبقوه :

* فكّر أبو بكر بغزو الروم ، فاستشار جماعة من الصحابة فقدّموا وأخّروا ، ولم يقطعوا برأي ، فاستشار عليّاً(عليه السلام) في الأمر فقال(عليه السلام) : «إن فعلت ظفرت» .

فقال أبو بكر : بشّرت بخير . وأمر الناس بالخروج ، بعد أن أمّر عليهم خالد بن سعيد[٣] .

* أراد أبو بكر أن يقيم الحدّ على شارب خمر . . . فقال الرجل : إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها ، فأرسل إلى الإمام يسأله في ذلك ، فقال(عليه السلام) : «مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على المهاجرين والأنصار وينشدانهم; هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدّ عليه ، وإنْ لم يشهد أحد بذلك ، فاستتبه وخلِّ سبيله»[٤] .

* قدم جاثليق النصارى يصحبه مائة من قومه ، فسأل أبا بكر أسئلة ، فدعا عليّاً(عليه السلام) فأجابه عنها . . وأرسل ملك الروم رسولا إلى أبي بكر يسأله أسئلة محيّرة . . لم يجد غير علي حريّاً بالإجابة عنها .

* وحين أراد عمر بن الخطّاب أن يغزو الروم راجع الإمام عليّاً(عليه السلام) في الأمر ، فنصحه الإمام بألاّ يقود الجيش بنفسه مبيّناً علّة ذلك قائلا : « . . فابعث إليهم رجلا مجرّباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة ، فإن أظهره الله فذاك ما تحبّ ، وإن تكن الأخرى كنت ردءاً للناس ، ومثابةً للمسلمين»[٥] .

* بعد أن فتح المسلمون الشام جمع أبو عبيدة بن الجرّاح المسلمين واستشارهم بالمسير إلى بيت المقدس أو إلى قيسارية ، فقال له معاذ بن جبل : اكتب إلى أمير المؤمنين عمر ، فحيث أمرك فامتثله ، فكتب ابن الجرّاح إلى عمر بالأمر ، فلمّا قرأ الكتاب ، استشار المسلمين بالأمر .

فقال علي(عليه السلام): مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلى بيت المقدس ، فإذا فتح الله بيت المقدس،صرف وجهه إلى قيسارية ، فإنّها تفتح بعدها إن شاء الله تعالى، كذا أخبرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

قال عمر : صدق المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وصدقت أنت يا أبا الحسن . . ثمّ كتب إلى أبي عبيدة بالذي أشار به علي(عليه السلام)[٦] .

* ورد إلى بيت مال المسلمين مال كثير من البحرين ، فقسّمه عمر بين المسلمين ، ففضل منه شيء ، فجمع عمر المهاجرين والأنصار واستفتاهم بأمره قائلا : ما ترون في فضل ، فضلَ عندنا من هذا المال؟

قالوا : يا أمير المؤمنين إنّا شغلناك بولاية أمورنا من أهلك وتجارتك وضيعتك ، فهو لك .

فالتفت عمر إلى علي قائلا : ما تقول أنت؟

قال الإمام : قد أشاروا عليك .

قال الخليفة : فقلْ أنت .

قال(عليه السلام) : لِمَ تجعل يقينك ظنّاً؟ ثمّ حدّثه بواقعة مشابهة في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) . . وأخيراً أشار عليه الإمام(عليه السلام) بتوزيعه على الفقراء ، قائلا : «أُشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل وأن تفضّه على فقراء المسلمين» .

فقال عمر : صدقت والله .

* وقد ورد أنّ عمر بن الخطّاب رأى ليلة رجلا وامرأة على فاحشة ، فلمّا أصبح قال للناس : أرأيتم أنّ إماماً رأى رجلا وامرأة على فاحشة ، فأقام عليهما الحدّ ما كنتم فاعلين؟

قالوا : إنّما أنت إمام .

فقال علي بن أبي طالب : «ليس ذلك لك ، اذن يُقام عليك الحدّ ، إنّ الله لم يأمن على هذا الأمر أقلّ من أربعة شهداء» . ثمّ إنّ عمر ترك الناس ما شاء الله ، ثمّ سألهم; فقال القوم مثل مقالتهم الأولى . . وقال علي(عليه السلام) مثل مقالته . فأخذ عمر بقول الإمام(عليه السلام) .

* شاور ابن الخطّاب أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) في سواد الكوفة ، فقال بعضهم : تقسمها بيننا ، ثمّ شاور عليّاً(عليه السلام) في الأمر ، فقال : إنْ قسّمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء ، ولكن تقرّها في أيديهم يعملونها ، فتكون لنا ولمن بعدنا . فقال عمر لعلي : وفّقك الله . . هذا الرأي .

* عن الطبري في تاريخه عن سعيد ابن المسيب ، قال : جمع عمر بن الخطّاب الناس فسألهم: من أي يوم نكتب التاريخ؟

فقال علي(عليه السلام) : من يوم هاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك ، ففعله عمر[٧] ، وهكذا وجد التاريخ الهجري ليؤرّخ به المسلمون .

-----------------------------------------------------------------------
[١]. لجنة التأليف في دار التوحيد ; مرجع سابق; ١: ٥٧.
[٢]. إبراهيم العبادي; م. س: ١٧٤.
[٣]. للمزيد يُراجع; لجنة التأليف في دار التوحيد، مرجع سابق، ١: ٥٨ وما بعدها.
[٤]. نقلا عن المرجع السابق، ١: ٥٩.
[٥]. نهج البلاغة، تبويب د. صبحي الصالح، بيروت، ١٣٨٧هـ، ص: ١٩٢.
[٦]. نقلا عن; «لجنة التأليف في دار التوحيد»، م. س: ١: ٦٥.
[٧]. المرجع نفسه، ١: ٦٥ ـ ٦٦.

يتبع ......

****************************