وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الإمام علي عليه السلام والرأي الاخر(مع المارقين)

انبثقت ظاهرة خطيرة ولا سابقة لها في المجتمع الإسلامي ، تلك هي تكفير كلّ من ارتضى التحكيم ، رغم أن أقطابهم كانوا في مقدّمة أولئك الذين فرضوا التحكيم! ، ولعلّنا نتحسّس اليوم بصماتهم لدى بعض الجهات التي تبيح دماء المسلمين وتسير على خطى هذا النهج التكفيري .

فالخوارج الذين تحوّلوا إلى مذهب ديني ـ سياسي لاحقاً ، كانوا طائفة من جيش الإمام(عليه السلام) تمرّدت عليه بعد واقعة التحكيم . وبهذا فهم معارضة فكرية ـ سياسية ، طالبوا بالتحكيم أوّلا ، ثمّ رفضوه لاحقاً ، ثمّ جاؤوا يكفّرون الحاكم والمحكومين الذين قبلوا التحكيم بسبب ضغطهم وإلحاحهم . إنّهم بكلّ صراحة حَمَلة فكر ديني ذي مشروع سياسي يعارض شرعية الدولة[١] .

فالخوارج إذن يتّسمون بخصوصية فكرية يفتقرها الآخرون ، وإنْ كانت هذه الخصوصية لا تحول دون القدح في توجّهاتهم ، بيد أنّ هذه النقطة بالذات كانت موضع تقييم خاص من لدن الإمام(عليه السلام) إذ يقول : «ليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه» ، وهو بصدد النهي عن مقاتلة الخوارج[٢] .

وبظهور نتائج التحكيم نادت الخوارج معلنة مبرّرات خروجها تحت شعار : «لا حَكَم إلاّ الله ، لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله ، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم ، وقد كانت منّا خطيئة وزلّة حين رضينا بالحكمين ، وقد تبنا إلى ربّنا ، ورجعنا عن ذلك ، فارجع ـ يقصدون الإمام(عليه السلام) ـ كما رجعنا ، وإلاّ فنحن منك براء» .

بيد أنّ الإمام(عليه السلام) أوضح لهم حينئذ أنّ الخُلق الإسلامي يقتضي الوفاء بالعهد ـ الهدنة لمدّة عام ـ الذي أُبرم بين المعسكرين قائلا : «ويحكم! بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟ أوليس الله يقول : } وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الاْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{[٣] .

إلاّ أنّهم لم يصغوا إلى توجيهات الإمام(عليه السلام) ، ورغم هذا . . لم يوصد الإمام(عليه السلام) باب المحاججة في وجوههم ، ولم يعلن الحرب عليهم . . بل نجده يفسح المجال لحوار مفتوح بينه وبين خصومه السياسيين ، وهذا «الخريت بن راشد الناجي» (وكان قدم مع ثلاثمائة من عمومته من البصرة ، وكانوا قد خرجوا إلى الإمام(عليه السلام) يوم الجمل ، وشهدوا معه صفّين) . . أقبل الخريت إلى الإمام في جمع من أصحابه ، حتى قام بين يديه ، فقال له : «والله يا علي لا أطيع أمرك ، ولا أصلّي خلفك ، وإنّي غداً لمفارقك» .

بهذا الكلام أعلن هذا الرجل انخلاعه عن البيعة رسمياً[٤] فلم يعتقله الإمام ، ولم يأمر بإعدامه ، ولم ينهه عن التحدّث بهذا الاسلوب ، بل قال له : «ثكلتك اُمّك إذن تنقض عهدك ، وتعصي ربّك ، ولا تضرّ إلاّ نفسك . . أخبرني لِمَ تفعل ذلك؟!

قال : لأنّك حكّمتَ في الكتاب ، وضعفتَ عن الحقّ إذْ جدّ الجدّ ، وركنتَ إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم ، فأنا عليك راد وعليهم ناقم ولكم جميعاً مباين .

فماذا كان جواب الإمام علي(عليه السلام)لهذا «المعارض» العنيف ولكلامه الناقد الصريح؟ هل رفع(عليه السلام) العصا أو السيف في وجهه؟ كلاّ ، بل قال له مرّة أُخرى بكلّ هدوء : «ويحك . . هلمّ إليّ أدارسك وأُناظرك في السنن واُفاتحك أموراً من الحقّ أنا أعلم بها منك فلعلّك تعرف ما أنت له منكر ، وتبصر ما أنت الآن عنه عم وبه جاهل» .

فقال الخريت : «فإنّي غاد عليك غداً» . . فقال الإمام : «اغدُ ولا يستهوينّك الشيطان ولا يقتحمنّ بك رأي السوء ، ولا يستخفنّك الجهلاء الذين لا يعلمون ، فوالله إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينّك سبيل الرشاد» . بيد أنّ الخريت غادر الكوفة من ليلته ، ولم يعد إلى أمير المؤمنين[٥] .

وذات مرّة قال لهم الإمام(عليه السلام)بكلّ وضوح : «لكم علينا ثلاث; لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نبدؤكم بقتال ، ولا نمنعكم الفي ما دامت أيدينا معكم» .

ويعقّب باحث معاصر على ما تقدّم بقوله : «إنّ عدم منعهم المسجد يعني تركهم أحراراً في الدعوة لأفكارهم دون مطاردة ، ودون حرمان من الحقوق المالية التي كانت لهم ، وعدم البدء بقتالهم يعني اللجوء إلى أساليب الحوار الفكري والإقناع والمناظرة ، وهو ما فعله الإمام معهم حينما أرسل إليهم عبدالله بن عبّاس محاوراً ومناظراً ، بل تركهم يعلنون أفكارهم بصراحة في حضوره مع المسلمين ، داخل المسجد قاطعين كلامه ، ولم يقاتلهم الإمام إلاّ بعد أن أعلنوا الحرب المسلّحة ، وقاتلوا الوالي الذي عيّنه لهم (عبدالله بن خباب) فقتلوه وزوجته ، وعندئذ طالبهم بتسليم قاتله ، فرفضوا وادّعوا على أنفسهم أنّهم شاركوا جميعاً في قتله[٦] .

يتبع .......

-------------------------------------------------------------
[١] . إبراهيم العبادي; مرجع سابق : ١٧٥ .
[٢] . نهج البلاغة : ٩٤ . . «لا تقاتلوا الخوارج بعدي ، فليس من طلب الحقّ . . . الخ» .
[٣] . نصر بن مزاحم :«وقعة صفّين» ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، ط٢ ،القاهرة ، ١٣٨٢هـ ، ص٥١٧ .
[٤] . يُراجع مقال «نصيحة أئمّة المسلمين : بحث في مرتكزات المشروعية وآليّات التنفيذ» ، لمحمد سروش محلاتي ، ترجمة جواد علي كسّار ، مجلة قضايا إسلامية معاصرة ، العدد الأوّل ، ١٤١٨هـ ـ ١٩٩٨م ، ص : ٧١ .
[٥] . يُراجع المرجع السابق ، وكذلك : زينب الدهوي; «حريّة المعارضة ضرورة اجتماعية أقرّها الإسلام . . كيف طبّقها الإمام علي(عليه السلام)؟» ، مجلة النور (لندن) ـ العدد(٣٤) ، رمضان ١٤١٤هـ ـ آذار ١٩٩٤م ، ص : ٣٥ .
[٦] . مجلة قضايا إسلامية معاصرة ، مرجع سابق ، ١ : ٧٢ .
****************************