وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                

Search form

إرسال الی صدیق
الإمام علي عليه السلام وتنمية ثقافة أهل الكوفة – العاشر

المراحل الثقافية

الأعمال الصالحة والخطب والمواعظ الكثيرة التي ألقاها الإمام (عليه السلام) بين أهل الكوفة إنّما هي كما عبّر عنها بقوله: (دواء دائكم، ونظم ما بينكم)[١].

وقد كانت هناك مرحلية ثقافية في عملية التطوير الثقافي نراها واضحةً من خلال هذه الرواية الشريفة، حيث جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: (أيّها السائل، استمع، ثمّ استفهم، ثمّ استيقن، ثمّ استعمل، واعلم أنّ الناس ثلاثة: زاهدٌ وصابرٌ وراغبٌ)[٢].

المراحل الثقافية هي:

١. التوجيه

التوجيه في اللغة من وجه، (وجّهت الشيء أرسلته في جهةٍ واحدةٍ )[٣].

مقصودنا من التوجيه هو تسيير النّاس على الجادة الصحيحة غير تعليمهم وتربيتهم وحسب حاجة الناس إليها، (إنّ النّاس إلى صالح الأدب أحوج منهم إلى الفضّة والذهب)[٤].

قد بدأ توجيه الإمام للناس وصقل آدابهم عبر تعليمهم حدود الإسلام والإيمان الذي به يهتدون إلى صراط الله، (على الإمام أن يعلّم أهل ولايته حدود الإسلام والإيمان)[٥].

ممّا شرع به تعليمه للناس التوبة وكيفية العودة إلى الله تعالى، (عجبت لمَن يقنط ومعه الاستغفار)[٦].

وحكى عنه الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنّه قال: (كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رُفع أحدهما، فدونكم الأخر فتمسّكوا به، أمّا الأمان الّذي رُفع فهو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار)[٧].

كان التوجيه من قِبَل الإمام ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، لا يصرفه عنه جهاد ولا يقعده عنه سبب، روي أنّه (عليه السلام) كان إذا فرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم الناس والقضاء بينهم[٨].

تجدر الإشارة إلى أنّ التوجيه يقع عبئه الثقيل على الإمام (عليه السلام) والنّاس دورهم فيه دور المستمع والمتلقّي، وهو (استمع) كما في الرواية عن الكافي.

٢. التأهيل

التأهيل في كتب اللغة بمعنى (رآه له أهلاً)[٩] مقصودنا من التأهيل هو أن يترشّح الأفراد ويتقدّمون على غيرهم بعد وضوح علامات الفهم والتعلّم عليهم.

هذه المرحلة تكون مشتركة بين الإمام (عليه السلام)، وأفراد من الرعية ممّن أخذ من  التوجيه ؛ حيث إنّ التأهيل يعدّ مرحلةً متأخرة عن التوجيه، والأشخاص عندما يتأهلون إلى مرحلة أعلى يلاحظ ذلك عليهم من خلال تفاعلهم، ومن نوع الأسئلة التي تنقدح في أذهانهم والقضايا التي تهمهم، ذلك يختلف حسب أفهام الناس ودرجاتهم، وقد سُئل (عليه السلام) عن الخير ما هو ؟ فقال: (لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ، وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ)[١٠].

إنّ نوع بعض الأسئلة التي وجهت إلى الإمام عادية، وربّما كانت هناك أسئلة أهم منها، لكن أليس من وظيفة الإمام (عليه السلام) تعليمهم وتوجيهم إلى الأسئلة الضرورية حتى يتأهلوا أو يصلوا إلى درجة أرفع ؟ نعم لقد ألقى الإمام على مسامعهم وعرّفهم الأسئلة التي لها علاقة بهم، والتي هي واقعية وحقيقية عن غيرها، (لا تَسْأَلْ عَمَّا لا يَكُونُ فَفِي الَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ)[١١].

لذا كان البعض ممّن تأهل إلى المعرفة والعمل نجده قد استفاد من توجيهات أمير المؤمنين وأخذ يسأله عن قضايا عقائدية ضرورية، سئل عن التوحيد والعدل، فقال (عليه السلام): (التَّوْحِيدُ أَلاّ تَتَوَهَّمَهُ وَالْعَدْلُ أَلاّ تَتَّهِمَهُ)[١٢].

هذه المرحلة هي (استفهم ثمّ استيقن) من رواية الكافي.

٣. التنمية

(نما الشيء نماءً: زاد وكثر)[١٣] المقصود من التنمية هي استعمال العلم.

هذه المرحلة تقع مسؤوليتها على عاتق أفراد الأمّة (أهل الكوفة) حيث إنّ استعمال العلم يعدّ المرحلة الأخيرة، (ثمّ استعمل) كما في الرواية.

لقد ظهرت ثمرات جهود الإمام (عليه السلام) على جزء من أفراد الأمّة في وقعة صفين ؛ ذلك من خلال الأشعار التي أنشدوها في مدح أمير المؤمنين وذمّ معاوية وجنوده.

قال النجاشي يمدح علياً:

إنيّ أخال عليّاً غير مرتدعٍ   *****     حتّى يؤدّى كتابُ اللهِ والذّممُ

حتى ترى النّقع معصوباً بأئمته *****   نقع القبائل في عرنينه شَممُ

قال حجر بن عديّ الكندي:

يـا  ربّـنا سـلّم لنا عليّا   *****   سـلِّم لـنا الـمهذّب النقيّا

المؤمن المسترشد المرضيّا  *****    واجـعله  هادي أمّةٍ مهديّا

لا أَخـطلَ الرّأي ولا غيباً  *****    واحفظه ربّي حفظَك النّبيّا

فـإنّـه  كـان لـه ولـيّا *****     ثمّ ارتضاه بعده وصيّا[١٤]

امتدح أبو أسماء العبدي عليّاً (عليه السلام) بصفّين فقال:

وجـدنـا عـلياً إن بـلونا فـعالَه  *****    صبوراً على اللأواء صلب المكاسر

هـو  الـليث إن حـاربته وندبته *****     مشى  حاسراً للموت أو غير حاسر

فلمّا أنشدها أبو أسماء عليّاً قال: (رحمك الله يا أبا أسماء، وأسمعك خيراً [ إنّي ] وإن أكن [ كذلك ] فإنّك من قومٍ نجباء، أهل حبّ ووفاء) ووهب له مملوكاً كان لعلي (عليه السلام)[١٥].

كذلك يمكن ملاحظة التنمية الثقافية من خلال المواقف الولائية في نصرة الحق من قِبَل بعض الأصحاب، مثل جندب بن زهير الأزدي والحارث الأعور الهمداني وعمرو بن الحمق وحجر بن عدي.

نذكر من باب الشاهد موقف عمرو بن الحمق الخزاعي حيث إنّه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام):

(فو الله لو كُلّفت نقل الجبال الرواسي ونزح البحار الطوامي أبداً حتى يأتي عليّ يومي في شيء أوهن به عدوّك، وأقوّي به وليّك، ويعلي الله كعبك،

 ويفلج الله عليّ به حجّتك، ما ظننت أنّي أدّيت كلّ الّذي [ يحق ] عليّ من حقّك)  فقال عليّ: (الّلهمّ نوّر قلبه باليقين واهده الصراط المستقيم، ليت في جندي مِئة مثلك)[١٦].

---------------------------------------------------------
[١] . نهج البلاغة: الخطبة ١٥٨.
[٢] . الأصول من الكافي: ٢/٤٥٥.
[٣] . مفردات ألفاظ القرآن: ٥٨٥.
[٤] . موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): ٤/١٥٩.
[٥] . نفس المصدر.
[٦] . نهج البلاغة / الحكمة: ٨٧، العقد الفريد: ٣/١٤٠.
[٧] . نفس المصدر / الحكمة: ٨٨.
[٨] . موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): ٤/١٦٠.
[٩] . لسان العرب: ١/٢٥٤.
[١٠] . نهج البلاغة / الحكمة: ٩٤ ؛ موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): ٤/١٦١.
[١١] . نفس المصدر / الحكمة: ٣٦٤.
[١٢] . نفس المصدر / الحكمة: ٤٧٠.
[١٣] . المعجم الوسيط: ٢/١٠٥٢.
[١٤] . وقعة صفين: ٣٧٢، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ١/١٤٥.
[١٥] . مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) / الحافظ محمد بن سليمان الكوفي: ٢/٢٨٣.
[١٦] . المعيار والموازنة: ١٢٨.
****************************