د. عبدالله حميد العتابي
الإمام علي عليه السلام الذي بدأ حياته مبصراً النور في الكعبة العظيمة,وهي أول بيت لله سبحانه وتعالى, وانتهت حياته الشريفة في بيت من بيوت الله, وما كان بين الولادة والشهادة من مآثر عظيمة, لهو إمام يعجز اللسان أو القلم عن وصفه والإحاطة به وبعظمته سواء كان ذلك القلم إسلامياً أم مسيحياً."
نستعرض في هذه المقالة آراء المستشرقين في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فهذه الآراء لاتزيد هذه الشخصية الرائعة إلا مجدا ورفعة وعلوا.
قال المستشرق (بوير) عنه ما نصه :
«توفي علي في الستين من عمره وكانت مدة خلافته أربع سنوات وتسعة أشهر كلها معارك ومتاعب، وقد كان في شبابه من أعظم الأبطال في حروب الإسلام ولكنه بعد وفاة النبي لم يشترك في موقعة من المواقع، ولم يتزوج على فاطمة ابنة النبي، وبعد وفاتها تعددت زوجاته وكان علي أبا رقيق العواطف وقد ولدت له في كبره ابنة كان يتسلى بمداعبتها ويضعها على ركبتيه ويخصها بمحبته، وهو آخر الخلفاء الراشدين، وأول الأئمة الإثني عشر، وكان لين الجانب كريما متحملا للشدائد صابرا، ولم يظهر الحقد على الخوارج الذين ثاروا عليه وأتعبوه، وكان عاقلا في مشورته، وقد نسب إليه كثير من الأمثال السائرة».
أما الأستاذ (واشنطن أيرفنج) فقد قال عنه :
«إننا لا نعلق على خلق علي الشريف الكريم ذلك الخلق الذي يتجلى في جميع أدوار حياته، لقد كان أجدر رجال الإسلام السابقين الذين أشربوا روح الحمية الدينية من صحبة النبي، واقتدوا بأخلاقه الكريمة، وهو أول خليفة كان له شأن في العناية بالآداب والفنون، وقد نظم الشعر، وحفظ عنه كثير من الحكم والأمثال التي ترجمت إلى لغات عدة وكان نقش خاتمه الملك».
هذا بعض ما قاله المستشرقون عن أمير المؤمنين الإمام علي ابن عم رسول رب العالمين وزوج سيدة نساء العالمين وأبو السبطين ووالد المسلمين وخير الصحابة المنتجبين رضي الله عنهم أجمعين.
وبالعودة إلى جوهر موضوعنا ثانية ، نرى أن (غوته) يصف الإمام علي عليه السلام في كتابه ( الشعر والحقيقة ) بالمؤمن الأول بالرسالة السماوية إلى جانب السيدة خديجة زوجة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويصف غوته ذلك الإيمان المبدئي من الإمام علي عليه السلام بأنه الانحياز الكلي والمطلق إلى رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
يقول ( يان ريشار ) :
(( والحق ان المسلمين، سليمو النية ، يتخذون من علي نموذجاً ، كما لو أنه حتى في القرن العشرين ، لا يزال أمثل صورة للنظام الإسلامي السياسي )) .
ويؤكد الباحث ( ريشار ) ان نهج الإمام علي ورسالته الأخلاقية النبيلة قد استمرا بعده من خلال ابنه الإمام الحسين عليه السلام ، ولذلك ، فإن (ريشار) يرى أن : (( الإمام علي والإمام الحسين حاربا الظلم والعنف لدى الأمويين ، الذين كانوا ينسون الفضائل الاجتماعية والأخلاقية للرسالة الإسلامية ، ويمارسون التحيُّز والمحاباة للأقرباء والأنصار، ممارسة شاملة )) ." "(( إنسانية التفكير وخيرية العمل وديمقراطية الحكم وإباحة الأرزاق للشعب وحده دون الوجهاء والزعماء والمنتفذين والمترهلين )) ، في حين كان الأمويون (( من أبرز من يمثلون الملوك في التاريخ وميلهم إلى الحكم الفردي الاستبدادي وخصائصهم في الاستئثار والاحتكار وجعل الأرض والناس منهبة لهم وعبيداً )) .
ويضيف قائلا" :
(( علي من أولئك البشر الذين كتب عليهم أن يموتوا لتحيا ، بموتهم ، شعوب وأمم . وأعداء علي من أولئك النفر الذين آثروا الحياة على الموت فأماتوا ،بحياتهم ، كل إباء وشمم )) ."
اما رؤية المفكر إلى التألق الأدبي للإمام عليه السلام والاخر تألقه عليه السلام في المجال السياسي ويذكر لنا في المجال السياسي النظرة التي ينظرها السكرتير العام لكتلة نُوّاب الوسط في مجلس الشيوخ الفرنسي ومدرّس مادة (الإستراتيجيا ) في جامعة السوربون الأستاذ ( فرانسوا توال ) .
وينقل عنه : " أنّ الإسلام بمفاهيمه الرّوحية والعقائدية ، بما في ذلك التوصيات العلمية التي يدعو إليها ، لن يُفهم على حقيقته من قبل الغرب ما لم يقرأ الغربُ الإسلام الحقيقي وينهل من نبعه الأساسي المتمثّل بفكر أهل بيت النبوّة ، ذلك الفكر المعروف في الغرب باسم الفكر الشيعي أو المذهب الشيعي .
وعلاوة على ذلك ، يرى السيد ( توال ) أيضاً أنّ ديناميكية الإسلام وقوّته الحركيّة في مواكبة الحياة والتفاعل مع التّيارات الروحية لأبنائها تمكن بالدرجة الأولى في التيار ( الفكري – الروحي ) الذي يمثّله، بالطبع ، الإمام علي عليه السلام . ولذلك ، فإنّ الأستاذ ( توال ) يؤكد تلك الحقيقة قائلاً :
(( سيبقى هذا العالم الإسلامي غير مفهوم منا سواء كان بشكله السياسي أو بشكله الجيوبوليتيكي أو بشكل حوار الأديان إذا كُنّا لا نعرف التشيُّع )) . فالتشيُّع هو البوّابة الرحبة للحوار السلمي بين الأديان والحضارات ."
ولذلك ، فباستطاعتنا أن نقرأ كيف أن الباحثة ( آرمسترونغ ) قد ذكرت في كتابها ( الإسلام في مرآة الغرب ) أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد أعلن أن الإمام علي عليه السلام هو الوصي والوالي على كل المسلمين منذ انبثاق الخيوط الأولى لفجر الرسالة الإسلامية وذلك في ما يعرف تاريخياً ببيعة الدار حيث عرض الرسول الكريم صلى الله عليه وآله دعوته الجديدة على المدعوين قائلاً :
(( أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ )) ، ولما ساد الصمت المربك ، وقف الإمام علي عليه السلام وقال بجرأةٍ وثبات وبإيمان كامل :
(( أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه )) .
وبعد أن تذكر الباحثة ( آرمسترونغ ) هذا الحدث بدقةٍ وأمانة ،نراها تستمر في عرض المشهد الأخير من ذلك الحدث ،وهو المشهد الذي يصور الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يقف بجانب الإمام علي عليه السلام ويقول علي عليه السلام ويقول على مسمع من الجميع :
(( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا )) .
نعم ، إن الباحثة ( كارين آرمسترونغ ) تذكر هذه الحادثة وغيرها أيضاً من الحوادث المهمة والحاسمة في التاريخ الإسلامي ، ولكنها لا تكتفي بذكر هذه الحادثة أو تلك من منطلق تاريخي فحسب ، بل نراها تعمل فكرها بحثا وتحليلاً في أبعاد تلك الحوادث المهمة وفي نتائجهــا وأصـدائها المستقبلية اللاحقــة .
وانطلاقا من ذلك ، فإن الباحثة ( آرمسترونغ ) تعتبر أن الإمام علي عليه السلام هو من الناحية الفعلية الإمام والوصي الشرعي على كل المسلمين .
وبالتالي ، فإن مخالفته مخالفة للرسول نفسه صلى الله عليه وآله وسلم .
بل يمكننا أن نلاحظ في كتاباتها المتعددة التركيز الواضح على وصاية علي عليه السلام وولايته .
منقول من جريدة الصباح العراقية بتاريخ ٣٠/٧/٢٠١٣