وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الجانب الأخلاقي في شخصية الشريف الرضي

بقلم : السيد أحمد الفهري

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم العلم والفضيلة اقدم شكري لمؤسس هذا المؤتمر العلمي وللأفاضل المشاركين فيه بمناسبة مرور ألف عام على رحلة علم من أعلام النبوة وغصن من أغصان شجرة الرسالة وهو بين أقرانه وأمثاله كعبة العلم ومناره ولجة الفضل وتياره العالم العفيف والعنصر الطيف السيد الشريف أبوالحسن محمد بن أبي أحمد الملقب بالرضي أخو سيدنا المرتضى علم الهدى.

ولا عتب على اليراع إن وقف عن الافاضة حول شخصية عظيمة اعتنى أرباب التراجم والسير والتاريخ ببيان فضائله الجمة بعلومه الغزيرة وأدبه الزاهي وشعره الرائق وباخلاصه للأئمة عليهم السلام.

فلنذكر بعض ما قيل في حقه : قال سيدنا الشريف النسابة أحمد بن علي بن الحسين الحسني في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب بعد ذكر أبيه ابي أحمد وأخيه الأجل المرتضى محمد بن أبي أحمد .

 فهو الشريف الأجل الملقب بالرضي الحسيني يكنى أبا الحسن نقيب النقباء ببغداد وهو ذرالفضائل الشاهية والمكارم الزاهية كانت له هيبة وجلالة وفقه وورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة إلى آخر ما أثنى عليه وليس ما ذكره نسابة ال أبي طالب خصيصاً به بل وصفه بذلك كل من تصدى ترجمته كما أن سيدنا المترجم ذات أبعاد وجوانب في حياته الكريمة ولا يمكن الاحاطة بكل جانب من جوانبها فنحن نقف حول ناحية خاصة من كرائم حياته ألا وهي فضائل أخلاقه ومنهج سلوكه حتى تجتنى القيم الاخلاقية العالية من تلك الشجرة الطيبة فان خلقه وسلوكه بين أقرانه وأماثله بين بيته ودرسه يجسم الادب الاسلامي الحقيقي الذي ينبغي ان يتحلى بها كل مؤمن فنبدأ كلامنا يقضية مشهورة في حياته.

ولكن اشتهار القضية لا يمنعنا عن تحليلها وهي على ما نقل المؤرخون أن أبا اسحاق ابراهيم بن هلال بن ابراهيم بن هارون صابئي المذهب حراني النسيبة بغدادي المنشأ والمدفن كان من اكابر أدباء عصره بارعاً في الشعر والأدب وكاتباً بليغاً ويعدّ من اساتذة الانشاء في عصره ومن اصحاب الخطوط الحسنة وكان استاذا في الرياضيات وعلى كل تقدير فقد كان بين السيد الشريف وهاذا الصابئي صلة اوجبت تداول الرسائل والكتب وقد جمعت في ثلاثة مجلدات ولم تكن هذه الصلة بين الشريف والصابئي في ايام حياته فحسب بل الموت ايضا لم يستطع أن يقطع هذه الصلة وامتدت إلى ما بعد الموت فإنه لما مات الصابئي قام الرضي بانشاء قصيدة تبلغ ثمانين بيتا في غاية الفصاحة ورقة المعاني حتى قال اهل الشعر والادب فيها ما رُثي أحد بشعر احسن ما رُثي أبو اسحاق الصابئي بقصيدة الشريف الرضي فنرى أن الشريف الرضي هاجت احاسيسه ويقول في ذلك:

أَعَلمْتَ مَنْ حَمَلُوا عَلى الأعْوادِ ***** ارَأيْتَ كَيْف خَبَا ضِيَاءُ النّادي

جَبَلُ هَوَى لوخَرَ في البحر اغتدى ***** مِنْ وَقْعِهِ مُتتابِعَ الإزبادِ

ما كنتُ أعلَمُ قبل حطّك في الثَرى ***** أنَ الثرى تعلوعلى الأطوادِ

بُعداً ليومِك في الزمانِ فإنه ***** أقذى العُيُون وفتّ في الأعضادِ

ولم يكتف الشريف بانشاد هذه القصيدة بل كان يحترمه ما دام الشريف يتمتع بالحياة .

فكلما مر على مرقده يترجل عن مركوبه قبل أن يصل إلى مدفنه ويسلم على قبره ثم لا زال يمشي راجلاً إلى أن يتجاوز عن حريم قبره فيركب راحلته وعند ذلك نرى أن العوام الذين يضيق عليهم رثي كافر يعبد النجوم والكواكب مكان عبادة الله سبحانه بهذه القصيدة الرنانة، نرى أنهم يضيق عليهم ذلك التعظيم وربما يعيبون الرضي على ذلك ولكنّه يجيب عليهم بسعة صدره وبما أدّبه الاسلام بان الرثاء والمدح والتعظيم ليس لاجل أنَه من عبدة الكواكب بل لأجل فضله وكماله وسمو مقامه من العلم . فليس لي أن أنكر أن دفن هذا الرجل في اطباق الثرى دفن للعلم فيها.

فنحن من هذه القصة ومن هذا السلوك لتلميذ عظيم من تلامذة مدرسة الاسلام نلمس حقيقة المترجَم الذي اقيمت له هذه الذكرى الالفية، أحد الاعاظم الذين يقل وجودهم في المجتمع فيقومون بتحليل القضايا  تحليلاً عقلانياً ولا يتأثرون من الاحاسيس الجاهلية يؤتون كل  شيء حقه ويضعون كل شيء في محله ولا يمزجون الحق بالباطل والحسنة بالسيئة. فَأَبواسحاق بما أنه كفر بالله سبحانه في عبادته أو اشرك به مستحق للذم والتنديد وبما أنه عالم رياضي وكاتب ألمعي ومنِشئ بليغ خدم المجتمع بعلمه وقلمه عظيم تجب حرمته ولا يمكن أن ينكر أن اضاعته اضاعة شيء ثمين ينبغي أن يبكى عليه ويقال بعداً ليومك في الزمان فإنه اقذى بعيون وقت في الاعضاد.

فعلينا أن نقتدي بهؤلاء العظماء ونتخذهم أسوة ونرى من الخلق محاسنهم ايضاً ولا نقف على عيوبهم ومساويهم ولمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام هنا كلمة ذهبية قال عليه السلام : الاشرار يتتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح.

ومن ملامح حياة مترجمنا الراحل هو سمو طبعه وعلو نفسه أنه عاش قرابة خمسين سنة ولم يقبل هدية طيلة حياته وعمره لا من والده ولا من اخيه ولا من شرفاء قومه وسلاطين عصره.

غير أنه لما حفظ القرآن بجودة حفظه وبلغ الذروة بين اقرانه اهدى استاذه له شيئاً فلم يقبله أولاً معتذراً بأنه لم يقبل من احد هدية حتى من والده وقال المعلم اني احق عليك من والدك فإن لي عليك حق الحياة المعنوية فتنبه الرضي بخطورة المقام وقبل منه لاجلها.

جناية التاريخ

نرى أن يد التاريخ جنت على حياة الاخوين الشريفين اللذين نَبَتَا في ارض نبوية وشابا في دوحة علوية فارادو تشويه سمعة احد الاخوين بالثناء على الاخ الآخر. ويروي قصة خرافية يأبى الفكر الحر عن نسبتها إلى أخ الشريف الرضي المرتضى صاحب كتاب الامالي وغيره عن الآثار الثمينة.

والقصة على ما حكاها ابواسحاق بن ابراهيم بن هلال الصابي الكاتب قال : كنت عند الوزير ابي محمد المهلبي ذات يوم فدخل الحاجب فاستأذن للشريف المرتضى فأذن له فلما دخل قام اليه واكرمه واحله معه في دسته واقبل عليه يحدثه حتى فرغ من حكايته ومهماته ثم قام فقام اليه وودعه وخرج فلم تكن ساعة حتى دخل الحاجب واستأذن للشريف الرضي وكان الوزير قد ابتدأ بكتابة رقعة فألقاها وقام كالمدهش حتى استقبله من دهليز الدار واخذ بيده واعظمه واجلسه في دسته ثم جلس بين يديه متواضعاً واقبل عليه بمجامعه.

فلما خرج الرضي خرج معه وشيعه إلى الباب ثم رجع فلما خف المجلس قلت ايأذن الوزير اعزه الله أن أسأله عن شيء قال نعم وكأني بك تسأل عن زيادتي في اعظام الرضي على اخيه المرتضى والمرتضى اسن واعلم فقلت نعم ايد الله الوزير فقال اعلم انّا أمرنا بحفر النهر الفلاني وللشريف المرتضى على ذلك النهر ضيعة فتوجّب عليه من ذلك مقدار ستة عشر درهماً أو نحو ذلك فكاتبني بعدة رقاع  يسألني في تخفيف ذلك المقدار عنه واما اخوه الرضي فبلغني ذات يوم أنه ولد له غلام فأرسلت اليه بطبق فيه الف دينار فرده وقال قد علم الوزير اني لا اقبل عن احد شيئاً فرددته اليه.

قلت اني أنما ارسلته للقوابل فرده ثانياً وقال قد علم الوزير أنه لا تقبل نساؤنا غريبة وانما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا ولسن ممن يأخذن اجرة ولا يقبلن صلة فرددته اليه وقلت يفرقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم فلما جاءه الطبق وحوله طلاب العلم ألهاهم حضور فليأخذ كل احد ما يريد فقام رجل منهم واخذ ديناراً فقرض من جانبه قطعة وامسكها ورد الدينار إلى الطبق فسأله الشريف من ذلك قال اني احتجت إلى دهن السراج ليلة ولم يكن الخازن حاضراً فاقترضت من فلان  البقال دهنا للسراج فاخذت هذه القطعة لا دفعها اليه عوض دهنه إلى آخر القصة وقال في آخرها فكيف لا أعظم من هذا حاله.

فإن تلك القصة مضافا إلى أن كلّها أشبه بالخرافة يكذبه التاريخ فإنّا نرى أن المرتضى كان من اصحاب الثروة العلمية والمالية قد وقف قرية من امواله على قرطاس كتب الفقهاء ومع ذلك كان يجري الرزق من صميم ماله على تلاميذه فهذا هو التاريخ يصرَّح بأنه كان يجري الرزق على تلميذه الطوسي في كل شهر اثني عشر دينارا وعلى تلميذه الآخر ابن البراج الطرابلسي ثمانية دنانير وهلم جرا بهذا الميزان على سائر تلاميذه بل نرى أن رجلاً هذا بذله وبذيله وهذا سخاؤه وعطاؤه هل يضيق صدره على ستة عشر درهماً رخيصاً يكاتب الوزير برقاع كراراً!!

شلُّت يد العصيان والتعدي على حياة العلم والعلماء كيف نصدق هذه الخرافة ونرى إنه رُوي أنه اشترى كتباً بعشرة آلاف دينار فلما حملت اليه تصفحها رأى في ظهر كتاب لها مكتوياً: «وقد تحوج الحاجات يا ام مالك ببيع أوراق بهن ظنين». فأمر بارجاع الكتب إلى صاحبها ووهبه الثمن.

أترى أن صاحب هذه الهمّة العالية يكاتب الوزير في ستة عشر درهماً ؟ ما هكذا تورد يا سعد الإبل.

عشت اراك الدهر عجبا نرى أن هذا الكاتب يحط من مقام المرتضى والآخر يجيئ على خلاف ذلك فيحطّ من مقام الرضي بقصة خرافية اخرى في حياة الرضي .

نقل الكاتبون أن الرضي  ينسب إلى الافراط اعقاب الجاني ومما ينقل عنه في ذلك أن امرأة علوية شكت اليه زوجها وأنه قدم بمؤنتها بما يتحصل له من حرفة يعانيها نزرة الفائدة وأن له اطفالاً في هو وعيلة وحاجة وشهد لها من حضر بالصدق فيما ذكرت فاستحضره الشريف وأمر به ببطح (أي القى على وجهه) وأمر بضربه فضرب والمرأة تنظر أن يكف والآمر يزيد حتى ضربة مائة خشبة فصاحت المرأة وأيتم اولادي أي ضمنتم، كيف يكون حالنا إن مات هذا فكلمها الشريف بكلام فظ.

فبئس المسكين جاعل هذه القصة الخرافية ان الرضي لم يكن قاضياً طول حياته ولم يكن جالساً في دست القضاء حتى ترفع اليه الشكوى فسلِّم كونه قاضيا خاصا للمرأة العلوية فاني للرضي أن يحكم على خلاف حكم الاسلام من تعزيره رجلاً لم يقدر على مؤنة عياله حرفة نزرة الفائدة ثم أنى له أن يتجاوز عن الحد الذي عينه الشارع للتعزير وأنه لا يتجاوز عن اقل الحد وهو خمسة وسبعين سوطاً فكيف يقول هذا الجاهل والآمر يزيد حتى ضرب مائة خشبة.

امهل ترى أن المراة الشاكية تتأثر والرضي الجامع لدرر الكلم من جده أمير المؤمنين لا يتأثر كيف والذي ينقل في نهجه عن علي عليه السلام والله لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت افلاكها على أن اعطي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت.

فنحن نستنج من هذه القصص في حياة الاخوين أنه يجب علينا تحليل التاريخ تحليلا منهجيا ينطبق على الاصول المسلمة وأن اكثر شيء لعب فيه الهوى هو تاريخ الاعاظم والكبراء من اسلاف هذه الأمّة الإسلامية.

فكم من عظيم حطّوه من مقامه وسلبوه حقّه وكم من حقير حلّوه مقام العظماء وكالوا له بصاع واعطوه ما لم يستحقه ولم يكن اهلاً له وهذا يبعثنا على وضع اصول ترجع اليها المؤرخ في تحاليله وقضائه عصمنا الله واياكم من الزلل وآمننا وإيّاكم من الفتن والسلام عليكم  ورحمة الله.

منقول من مجلة العرفان  السنة ١٩٩٦م العدد / ٧٣٦ و٣٣٧

****************************