الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
الراهب الفرنسي ( م . فيغالي )[١] هو المشرف على اطروحة الطالب ( جميل سلطان ) حول نهج البلاغة المعنونة ( دراسة حول نهج البلاغة ) .
فعندما ظهرت أول اطروحة جامعية عن كتاب ( نهج البلاغة ) في أوربا سنة ( ١٩٤٨ م ) ، كتب المشرف الفرنسي و هو الراهب( م . فيغالي )في مقدمتها كلمات تشجيع قائلاً : ( انه إذا كان الحديث النبوي مشكوك فيه ، فالشك فيما نسب لعلي في النهج أمر أكيد ... )[٢] .
إذ قد زعم ( فيغالي ) : ان جميل سلطان قدم اكتشافاً جديداً عندما اثبت ان النهج ليس من كلام علي[٣] .
كلام جديد قديم ، و مكرور ، اساسه توجيه الانتقادات إلى أسس الإسلام الأصيل .
إن التشكيكات التي أثارها ( ابن خلكان ) و امثاله ، كانت الباب الذي ولج منه كل اعداء الإسلام ، و بالخصوص ـ منهم ـ ثلة المستشرقين و اتباع الكنيسة الأوربية المعادين للإسلام .
يصرح ( فرانز روزنتال )[٤] عن ذلك قائلاً : ( و بتعلم اللغة العربية باعتبارها لغة العلوم و الفلسفة و الفكر آنذاك , و بالاطلاع على القرآن و ترجمته إلى اللاتينية بهدف وحيد هو الوصول إلى فهم عميق للتفكير الديني الكلامي عند المسلمين , أملاً في أن يصبح الرهبان أقدر على التعرف على هذا التفكير , و استغلال ما كانوا يتصورون أنه مواطن الضعف فيه )[٥] .
و تشكيكات ( فيغالي ) ليست جديدة ضد الإسلام و كامل منظومته التشريعية ، فهي تحاكي العقلية الصليبية الحاقدة على الإسلام ، و التي لا زالت تطالعنا كل يوم باتهامات جديدة ، هدفها النيل من الإسلام و رموزه . فعلى سبيل المثال يقول القس المسيحي ( سهيل قاشا ) : ( وأنه لابد من الإستناد إلى وثائق مشبوهة متخذة من صلب الأحاديث والروايات. ومن المعلوم أن هذا الذي يدعوه المسلمون ( حديثاً ) إنما هو مجموعة من الأخبار المتناقلة شفهياً ... سوادها الأعظم إنما هو مما أستنبطته مخيلات العصور اللاحقة )[٦] .
و ( فيغالي ) و ( سهيل قاشا ) إنما يحاكون آراء من سبقهم من رجال دين مسيح ، ويهود ، ومستشـرقين كانت لهم دوافعهم الخاصة لتوجيه النقد للدين الإسلامي .
فمثلاً نجد المستشرق ( جولدتسيهر ) يقول وبحسب رأيه عن تعارض الأحاديث مع نص القرآن : ( فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في نص القرآن )[٧] .
وكذلك نجد أن الكاتب الأمريكي ( كارل إيرنست ) يقول : ( وقد أخذ المفكرون المسلمون يتأملون في مسألة شرعية محمد لسنوات عديدة ، فمن ناحية قال في حديثه : " اختلاف أمتي رحمة ". ولكن من ناحية أخرى فقد نص على أنه : " لا تجتمع أمتي على ضلالة ". وفي مسعى لحل عدم التطابق تم اللجوء إلى وسيلة فنية مختصرة ترفض هذه الأحاديث من منطق الجرح التقليدي برواة هذه الأحاديث )[٨] .
[١] : ميخائيل فيغالي ، أحد اساتذة كلية بوردو ، له مؤلفات لغوية عديدة .
[٢] : Jamil Sultan , Etude sur Nahj AL – Balagha , Paris , ١٩٩٤ .
[٣] : مقال : حول اصالة نهج البلاغة ، اياد الحسيني ، موقع نهج البلاغة ( WWW.BALAGHAH.NET ) .
[٤] : فرانز روزنتال ( ١٩١٤ ـ ٢٠٠٣ م ) .
[٥] : تاريخ حركة الاستشراق , يوهان فوك , ص ١٥ .
[٦] : القرآن بحث ودراسة، سهيل قاشا، ص ١٣ .
[٧] : مذاهب التفسير الإسلامي، جولدتسيهر، ص ٤ .
[٨] : على نهج محمد، كارل إيرنست، ص ٢٦١ .