بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
من الاشكالات التي اثارهاصالح الدرويش-العالم السلفي-حول كتاب نهج البلاغة في كتابه تاملات في نهج البلاغة ان عليا لم يذكر نصا على امامته في كتاب نهج البلاغة وقد احسن الشيخ السبحاني حفظه الله في الرد على جميع شبهه في كتابه حوار مع الشيخ صالح الدرويش، ج١، ص: ٣٤
نذكر الشبهه مع جواب الشيخ السبحاني عنها تعميما للفائدة:
الشبهة:
فبالرغم من مكانة هذا الكتاب عند الشيعة والمكانة الّتي يُعطونها لعلي لكن النهج خالٍ عن التنصيص بالإمامة، فلو كان الإمام علي- عليه السَّلام- منصوصاً من جانب اللَّه سبحانه لاستدلّ به الإمام في خطبه ورسائله.
المناقشة:
يبدو أن فضيلة الشيخ لم يمعن النظر في «نهج البلاغة»، أو لم يقرأ منه إلّاصحائف قليلة، ولو طالع الكتاب برمّته لما تسرّع في هذا الحكم، فإنّ في خطب الإمام احتجاجاً على إمامته وإمامة أهل البيت- عليهم السَّلام- بالوصاية، ونحن نذكر فقرات من خطبه وكلماته في مواطن مختلفة:
١- (يقول في حق آل النبي: لا يُقاسُ بآل محمد من هذه الأُمّة أحد، ولا يسوَّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين وعماد اليقين. إليهم يَفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة. الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونُقل إلى منتقله) «١».الخطبة الثانية
فقوله: «فيهم الوصية» دليل على أنّ النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أوصى بخلافتهم وإمامتهم، كما أنّ قوله «فيهم الوراثة» دليل على ميراث المال، وياللأسف فإن الأُمّة- لا كلّها- تركت كلا الأمرين وراء ظهرها. والدليل على أنّ المراد من الوصاية هو الخلافة، قوله في ذيل الخطبة «الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله» فما هو المراد من الحق الّذي كان خارجاً ثم رجع إلى أهله؟ أليس هو الإمامة والخلافة الّتي غُيِّب عنها الإمام طيلة ٢٥ سنة ثم رجعت إليه بعد تلك الفترة؟
٢- أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا، كذبوا بغياً علينا أن رفعنا اللَّه ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى. إنّ الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم. «٢»الخطبة١٤
وأيّة كلمة أوضح من قوله «إن الأئمة من قريش»؟ وبما أن قريشاً كانت ذات بطون، حدّد الإمام البطن الّذي غُرست فيه الإمامة بقوله: «غرسوا في هذا البطن من هاشم».
وفيه تصريح بأنّ الإمامة لا تصلح إلّافي قريش من بطن هاشم خاصة، ولم يدّع أحد من بني هاشم الإمامة إلّاأمير المؤمنين- عليه السَّلام-.
ولمّا كان هذا الكلام صريحاً في التنصيص على الإمامة لم يجد ابن أبي الحديد شارح كتاب نهج البلاغة بدّاً من الإذعان به، حيث قال: وإنْ صحّ أن عليّاً- عليه السَّلام- قاله، قلتُ كما قال، لأنّه ثبت عندي أنّ النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: «إنّه مع الحق وإن الحق يدور معه حيثما دار» «٣».شرح نهج البلاغة ج٩ص٨٨
٣- فو اللَّه مازلت مدفوعاً عن حقّي مستأثراً عليّ، منذ قبضَ اللَّه نبيَه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حتّى يوم الناس هذا «٤».الخطبة الخامسة
ما هو الحق الّذي استأثره الناس على علي- عليه السَّلام- منذ أن قبض اللَّه نبيه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حتّى يوم الناس هذا؟ فلو كان المراد من الحق، هو الحق الناتج عن بيعة الناس فلم يكن هناك أيّة بيعة عامّة لعلي يوم ذاك حتّى يكون الإمام ذا حق من تلك الجهة، فيتعيّن أن يكون هو الحق الّذي حبا اللَّه به علياً في غير واحد من المواضع، كحديث يوم الدار، وغزوة خيبر، وغزوة تبوك، وغدير خم إذ نصّبه إمامابمرأى ومسمع جموع غفيرة من الناس.
إنّ الإمام يذكر في هذه الخطبة الّتي أخذنا منها ذلك المقطع، عصيان طلحة والزبير عليه وهو يضرب بالمقبل إلى الحق، المدبرَ عنه، ثم خروجهما يقول: ليس هذا أوّل مرة هُضم فيها حقه، بل هُضمَ منذ أن قبض نبيه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
٤- وقد قال قائل: إنّك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص، فقلت: بل أنتم واللَّه لأحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه، فلمّا قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين، هبَّ كأنه بُهت لا يدري ما يجيبني به.
اللهم إني استعينك على قريش ومن أعانهم؟ فإنهم قطعُوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هُوَ لي، ثم قالوا: ألا إنَّ في الحق أن تأخذه، وفي الحقّ أن تتركه «٥».الخطبة ١٦٧
إنّ الإمام يذكر في هذه الخطبة ما جرى في يومالسقيفة، حيث قال له أبو عبيدة بن الجراح: إنك على هذا الأمر لحريص، فأجابه الإمام بقوله: (بل أنتم واللَّه لأحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب).
ثم يقول «وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه»، فما هو الحق الّذي كان الإمام يطلبه وأصحاب السقيفة يحولون بينه وبينه ويضربون وجهه دونه؟! أليس هو التنصيص من اللَّه سبحانه عن طريق نبيه على خلافته وقيادته، وإلّا لم يكن هناك حق حتّى يطلبه علي- عليه السَّلام-، بل كان عليه أن يصبر حتّى يتم أمر البيعة فعندئذ يتبيّن صاحب الحق عن غيره.
هذا غيض من فيض ممّا صرح به الإمام على خلافته وإمامته بالحق الثابت له، ولو أنّ فضيلة الشيخ يتأمّل هذه الفقرات وغيرها لأذعن بأنّ الإمام يعرِّف نفسه وصياً للرسول في أمر الخلافة، وإماماً للمسلمين بعد رحيل الرسول، وكونه ذا حق ثابت وقد حيل بينه وبين حقه، وها نحن نذكر مقاطع أُخرى على وجه الإيجاز،وربّما سبق ذكره في بعض ما تقدم أيضاً تاركين التفصيل إلى وقت آخر.
قال ابن أبي الحديد: واعلم أنّه قد تواترت الأخبار عنه- عليه السَّلام- بنحو من هذا القول، نحو قوله:
(مازلت مظلوماً منذ قبض اللَّه رسوله حتّى يوم الناس هذا).
وقوله: (اللّهم أخز قريشاً، فإنّها منعتني حقي، وغصبتني أمري).
وقوله: (فجزى قريشاً عنِّي الجوازي، فإنّهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أُمّي).
وقوله، وقد سمع صارخاً ينادي: أنا مظلوم، فقال: (هلمّ فلنصرخ معاً، فإنّي مازلت مظلوماً).
وقوله: (وانه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى).
وقوله: (أرى تراثي نهبا).
وقوله: (أصغيا بإنائنا، وحَمَلا الناسَ على رقابنا».
وقوله: «إنّ لنا حقاً إن نُعْطَه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الأبل وإن طال السُّرى).
وقوله: (مازلت مستأثراً عليّ، مدفوعاً عمّا أستحقه واستوجبه). «٦»شرح نهج البلاغة ج٩ص٣٠٦
ولعلّ هذا المقدار يكفي في إقناع الشيخ ومن على طريقته بأنّ الإمام احتجّ على إمامته وخلافته في مواضع مختلفة من النهج.
وهنا نكتة أُخرى وهي أنّ «نهج البلاغة» ليس كتاباً عقائدياً يشرح كل عقيدة ويبرهن عليها، وانّما هو مجموع خطب ورسائل وكلم، انتخبها الرضي من كثير من خطبه ورسائله وكلمه.
وكتاب كهذا لا يمكن أن نتوقع منه أن يلج في كل صغير وكبير- وإن كانت الولاية الإلهية لعليّ من مهامّ الأُمور.