في آخر النسخة المخطوطة وجدت بعض الصحائف بخط الكتاب نفسه، وهي تتعلق بكتاب ( خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ) وكأن الكاتب وقف على نسخة مخطوطة أخرى جاءت فيها هذه الزيادات فكتبها وجعلها في آخر الكتاب، وقد اثبتناها أيضا هنا وهي:
منها الرعية[١]
وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك، إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووف ما تقربت به إلى الله من ذلك، كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ، وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة، قد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن كيف اصلي بهم فقال: صل بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيما.
وأما بعد هذا، فلا تطولن إحتجابك من رعيتك، فإن إحتجاب الولاة عن الرعية، شعبة من الضيق، وقلة علم بالامور. والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير ويقبح الحسن، و يحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل، إنما الوالي بشر لا يعرف ما تواري عنه الناس به من الامور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما أنت أحد رجلين، إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم إحتجابك من واجب حق تعطيه، أو فعل كريم تسديه، أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة.
ثم أن للوالي خاصة وبطانة فيهم إستئثار وتطاول، وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاحوال، ولا تقطعن لاحد من حاشيتك وخاصتك قطيعة، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة.
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبة ذلك محمودة.
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنهم ظنونهم بإصحارك، فان في ذلك إعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق.
ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى، فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك، وأمنا لبلادك وليكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن، وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالامانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله شيء في الناس أشد عليه اجتماعا مع تفريق أهوائهم، وتشتيت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر، ولا تغدرن بذمتك ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي، قد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعه، ويستفيضون إلى جواره، ولا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه..
والعين بالوكاء، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء. وهذا القول في الاشهر الاظهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه قوم لامير المؤمنين عليه السلام، وذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب، في باب اللفظ بالحروف، وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم به ( المجازات والآثار النبوية )[٢].
وقال عليه السلام في كلام له: ووليهم وال، فأقام واستقام، حتى ضرب الدين بجرانه[٣].
وقال عليه السلام: يأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر فيه على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك، قال الله سبحانه: ( ولا تنسؤا الفضل بينكم )[٤] تنهد فيه الاشرار، وتستذل الاخيار، ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى عليه وآله وسلم عن بيع المضطرين[٥].
وقال عليه السلام: يهلك في رجلان، محب مفرط وباهت مفتر. وهذا مثل قوله: يهلك في محب غال، ومبغض قال[٦].
وسئل عليه السلام عن التوحيد، والعدل، فقال: إن التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه[٧].
وقال: لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل[٨].
وقال في دعاء استسقى به: اللهم اسقنا ذلل السحاب دون صعابها[٩].
وهذا من كلام العجيب الفصاحة، وذلك أنه ـ عليه السلام ـ شبه السحاب ذوات الرعود، والبوارق، والرياح، والصواعق بالابل الصعاب التي تقص بركبانها، وشبه السحاب خالية من تلك الروائع بالابل الذلل التي تحتلب طيعة، وتقتعد مسمحة.
وقيل له عليه السلام، لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: الخضاب زينة، ونحن قوم في مصيبة ( يريد مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم )[١٠].
وقال عليه السلام: القناعة مال لا ينفد[١١]. وقد روى بعضهم هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عليه السلام لزياد بن أبيه وقد استخلفه لعبد الله بن العباس على فارس وأعمالها في كلام طويل، كان بينهما، نهاه فيه عن تقديم الخراج: استعمل العدل، واحذر العسف، والحيف فان العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف[١٢].
وقال: أشد الذنوب ما استخف به صاحبه[١٣].
وقال: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا[١٤].
وقال: شر الاخوان من تكلف له[١٥].
وقال: إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه[١٦].
إنتهت الزيادة بحمد الله ومنه وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين وفرغ من كتبه العبد المذنب عبد الجبار بن الحسين بن أبي العم الحاجي الفراهاني يوم الاربعاء التاسع عشر من جمادي الاولى من سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة في خدمة مولانا الامير الاجل السيد ضياء الدين تاج الاسلام أبي الرضا فضل الله بن علي ابن عبيد الله الحسني أدام الله ظله وقد آوى إلى قرية جوسقان راوند متفرجا. من نسخته بخطه حامدا لله ومصليا على النبي وآله أجمعين والسلام.