إن السيد الشريف الرضي بماله من غرام بالأدب عموما و بكلام الإمام (ع) خصوصا، كان ينظر إلى كلامه (ع) من ناحية البلاغة و الأدب، و لذلك كان ينظر في اختياره من كلامه (ع) إلى هذه الخصوصية، أي أن الذي كان يجلب انتباهه من كلامه (ع) هو ذلك القسم الذي يمتاز ببلاغة خاصة و من هنا سمي مجموعة منتخباته: (نهج البلاغة).
و لهذا أيضا لم يول إهتماما بذكر مآخذه و مداركه، اللهم إلّا في موارد محدودة يذكر فيها بمناسبة خاصة إسم الكتاب الذي ذكرت فيه تلك الخطبة أو الرسالة.
نعم، إن المجاميع التاريخية و الحديثية يجب- في الدرجة الأولى- أن تكون الأسانيد و المصادر فيها معلومة واضحة، و إلّا فلا إعتبار لها، و لكن إعتبار الآثار الأدبية إنما هو في جمالها و حلاوتها و لطفها.
وفي الوقت نفسه لا نستطيع القول بأن السيد الرضي (ره) كان في غفلة عما لهذا الأثر الشريف من إعتبارات تاريخية و غيرها، و أنه إنما كان متوجها إلى إعتباره الأدبي فحسب.
و من حسن الحظ أن تعهّد بجمع أسانيده و مصادره رجال آخرون من المتأخرين و لعل أجمعها و أوسعها كتاب بإسم (نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة) يقوم بإنجازه في العهد الحاضر فضيلة العلامة الحاج الشيخ محمد باقر المحمودي الدشتي، و قد جمع في كتابه هذا جميع ما للإمام (ع) من كلام أعم من الخطب و الأوامر و الكتب و الرسائل و الوصايا و الأدعية و الكلمات الحكمية القصار، فهو يشتمل على كتاب (نهج البلاغة) و أقسام أخرى لم تقع في ما إختاره السيد الرضي (ره) أو لم تكن تحت إختياره. وقد طبع لحد الآن من هذا الكتاب أجزاء ثمانية، ظفر فيها المؤلف بمصادر جميع ما جمعه مما كان في نهج البلاغة أو لم يكن،اللهم إلّا قسما من كلماته القصار[٢].
و لا يفوتنا هنا أن نقول: إن تأليف مجموعة من كلمات الإمام (ع) لم يكن منحصرا بالسيد الرضي (ره) فحسب، فقد ألف رجال آخرون كتبا أخرى أسموها بمختلف الأسماء، منها- و أشهرها- كتاب (غرر الحكم و درر الكلم- للآمدي)[٣].
الذي شرحه المحقق السيد جمال الدين الخوانساري (ره) المتوفي ١٢٢٥ ه- بالفارسية، و طبعته أخيرا جامعة طهران بعناية الفاضل المتتبع القدير السيد جلال الدين المحدث و الارموي.
و يذكر الدكتور علي الجندي رئيس كلية العلوم بجامعة القاهرة، في مقدمته على كتاب: (علي بن أبي طالب: شعره و حكمه) بعض النسخ و الكتب من هذا القبيل، بقي بعضها مخطوطا لم يطبع إلى الآن، و هي:
١- دستور معالم الحكم للقضاعي صاحب الخطط[٤].
٢- نثر اللالي- ترجمة مستشرق روسي و نشره في مجلد كبير[٥].
٣- حكم سيدنا علي (ع)- نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية[٦].