العلامة الأميني (قدس سره)
قال ابن أبي الحديد ج ٢ ص ٥٤٦ بعد ذكر خطبة ابن أبي الشحماء العسقلاني الكاتب: هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب وهي كما تراها ظاهرة التكلف بينة التوليد، تخطب على نفسها، وإنما ذكرت هذا لأن كثيرا من أرباب الهوى يقولون: إن كثيرا من (نهج البلاغة) كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بينات الطريق ضلالا، وقلة معرفة بأساليب الكلام، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط فأقول: لا يخلو إما أن يكون كل (نهج البلاغة) مصنوعا منحولا أو بعضه، والأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم والمؤرخون كثيرا منه وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك، والثاني يدل علي ما قلناه لأن من قد أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط فلا بد أن يفرق بين الكلامين ويميز بين الطريقين، ألا ترى ؟ إنا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصايد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام ونفسه وطريقته ومذهبه في القريض، ألا ترى ؟ أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصايد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئا كثيرا لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء، ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة، وأنت إذا تأملت (نهج البلاغة) وجدته كله ماء واحدا ونفسا واحدا وأسلوبا واحدا كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الابعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه وأوسطه كآخره، وكل سورة منه و كل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور، ولو كان بعض (نهج البلاغة) منحولا وبعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام واعلم أن قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به لأنا متى فتحنا هذا الباب وسلطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله أبدا وساغ لطاعن أن يطعن ويقول: هذا الخبر منحول، وهذا الكلام مصنوع، وكذلك ما نقل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغير ذلك، وكل أمر جعله هذا الطاعن مستندا له فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الراشدين والصحابة والتابعين والشعراء والمترسلين والخطباء، فلنا صري أمير المؤمنين عليه السلام أن يستعد إلى مثله فيما يروونه عنه من (نهج البلاغة) وغيره وهذا واضح. ا ه.
وقال في ج ١ ص ٦٩ في آخر الخطبة الشقشقية: حدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب (المتوفى ٥٦٨) هذه الخطبة (يعني الشقشقية) فلما انتهيت إلى هذا الموضع (يعني قول ابن عباس: فوالله ما أسفت.
إلخ) قال لي: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له: وهل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد ؟ ! والله ما رجع عن الأولين ولا عن آخرين ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال مصدق: وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل قال: فقلت له: أتقول إنها منحولة ؟ ! فقال: لا والله وإني لأعلم أنها كلامه كما أعلم أنك مصدق: قال: فقلت له: إن كثيرا من الناس يقولون: إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى، فقال: أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب ؟ ! قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور وما يقع من هذا الكلام في خل ولا خمر.
قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي، قلت: وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة، ووجدت أيضا كثيرا سها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب " الانصاف " وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا. ا ه.
وقد أفرد العلامة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء كتابا في ٦٦ صحيفة حول الكتاب ودفع الشبهات عنه بعد نقلها، وقد جمع فأوعى وتبسط فأجاد[١] وألقي الشيخ محمد عبدة حول الكتاب كلمات ضافية في شرحه، وأطال البحث عنه وعن اعتباره الأستاذ حسين بستانه أستاذ الأدب العربي في الثانوية المركزية [ سابقا ] تحت عنوان (أدب الإمام علي ونهج البلاغة) وتعرض الأوهام الحائمة حول النهج، نشر في العدد الرابع من أعداد السنة الخامسة من مجلة (الاعتدال) النجفية الغراء، وللعلامة السيد هبة الدين الشهرستاني تأليف حول اعتبار ما في النهج ومحله من الرفعة والبذخ عند العالمين تحت عنوان (ما هو نهج البلاغة) طبع في صيدا، وترجمه إلى الفارسية أحد فضلاء ايران في عاصمتها (طهران) وزاد عليه بعض الفوايد.
ومن تآليف سيدنا الرضي:
١ - خصائص الأئمة ذكره مؤلفه في صدر (نهج البلاغة) وأطراه، وعندنا منه نسخة وقد شرح فيه بعض كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وذكر اسمه في غير موضع واحد، والعجب عن العلامة الحلي وكلامه حوله قال: توجد في العراق نسخ باسمه تشبهه في المنهج لكن لم تصح نسبتها.
٢ - مجازات الآثار النبوية طبع ببغداد سنة ١٣٢٨.
٣ - تلخيص البيان عن مجاز القرآن، ذكره في مواضع من كتابه المجازات النبوية ص ٢، ٣، ٩، ١٤٥.
٤ - حقايق التأويل في متشابه التنزيل، وهو تفسيره ذكره في كتابه (المجازات النبوية) يعبر عنه تارة بحقايق التأويل. وأخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن، وعبر عنه النجاشي بحقايق التنزيل، وصاحب عمدة الطالب بكتاب المتشابه في القرآن.
٥ - معاني القرآن، وهو كتابه الثالث في القرآن ذكره له ابن شهر آشوب في (المعالم) ص ٤٤ وقال يتعذر وجود مثله، وقال النسابة العمري في (المجدي) شاهدت له جزؤا مجلدا من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن، يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر، وقال ابن خلكان: يتعذر وجود مثله دل على توسعه في علم النحو واللغة. ولعل الممدوح هو تفسيره السابق.
٦ - تعليق خلاف الفقهاء.
٧ - تعليقه على إيضاح أبي علي الفارسي.
٨- الحسن من شعر الحسين انتخب فيه شعر ابن الحجاج المترجم له في شعراء القرن الرابع.
٩ - الزيادات في شعر ابن الحجاج المذكور.
١٠ - الزيادات في شعر أبي تمام المترجم له في شعراء القرن الثالث.
١١ - مختار شعر أبي إسحاق الصابي.
١٢ - ما دار بينه وبين أبي إسحاق من الرسائل شعرا. * [٢] (وذكر له في عمدة الطالب) *
١٣ - كتاب رسائله في ثلاث مجلدات، ولأبي إسحاق الصابي المتوفى قبل سنة ٣٨٠ كتاب مراسلات الشريف الرضي كما ذكره ابن النديم في الفهرست ص ١٩٤.
١٤ - أخبار قضاة بغداد.
١٥ - سيرة والده الطاهر ألفه سنة ٣٧٩ وذلك قبل وفاة والده بإحدى و عشرين سنة. * (وذكر له في تاريخ آداب اللغة) *
١٦ - كتاب انشراح الصدر في مختارات من الشعر.
أقول: هو لبعض الأدباء اختاره من ديوان المترجم له كما في (كشف الظنون) ج ١ ص ٥١٣.
١٧ - طيف الخيال: مجموعة تنسب إليه.
أقول: هو من تآليف أخيه الشريف المرتضى لا له.
١٨ - وله ديوان شعره الساير المطبوع، قال ابن خلكان: وقد عني بجمع ديوان الرضي جماعة وآخر ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الخبري[٣] ا ه.
المجد يعـــــلم أن المجـــد من أربي | ولـــــو تمـــــاديت فـي غي وفي لعب | |
إنـــــي لمـن معشر إن جمعوا لعلى | تفـــــرقوا عـــــن نبـي أو وصي نبي | |
إذا هممت ففـــــتش عن شبا هممي | تجـــــده فـــي مهجات الأنجم الشهب | |
وإن عزمت فعزمي يستحــــيل قـذى | تـــــدمي مسالـــــكه في أعين النوب | |
ومعــــرك صافحـت أيدي الحمام به | طلى الرجال على الخرصان من كثب | |
حـــلت حبــــاها المنـــــايا في كتائبه | بالضرب فاجتـــثت الأجساد بالقضب | |
تلاقت البيض في الأحشاء فاعتنقت | والسمهـري من الماذي واليلب[٤] | |
بكــت على الأرض دمعا من دمائهم | فاستعـربت من ثغور النور والعشب |
وأنفذ الصاحب ابن عباد (المترجم له في شعراء القرن الرابع من كتابنا) إلى بغداد من ينسخ له ديوانه وكتب إليه بذلك سنة ٣٨٥ (وهي سنة وفاته) وعندما سمع المترجم له به وأنفذه مدحه بقصيدة منها قوله:
بيـــــني وبــــينك حرمتان تلاقتا | نـــثري الذي بك يقتدي وقصيدي | |
ووصائل الأدب التي تصل الفتى | لا باتصـــــال قبـــــائل وجـــــدود | |
إن أهـــــد أشعــاري إليك فإنها | كالســـــرد أعـــــرضه علي داود |
وأنفذت (تقيه) بنت سيف الدولة التي توفيت سنة ٣٩٩ من مصر من ينسخ ديوان الشريف الرضي لها وهي لا ترى هدية أنفس منه يوم حمل إليها، ويعرب ذلك عن عناية الشريف بشعره وجمعه في حياته ولعل جمعه كجمع أخيه الشريف المرتضى لديوان كان على ترتيب سني نظمه المتمادية.
شعره وشاعريته:
من الواضح أن الواقف على نفسيات سيدنا الشريف (المترجم) ومواقفه العظيمة من العلم والسودد والمكانة الرفيعة يرى الشعر دون قدر الشريف، ويجد نفسه أعلا من أنفس الشعراء وأرفع، ويرى الشعر لا يمهد لشريف كيانا على كيانه، و لا يأثر في ترفعه وشممه، ولا يولد له العظمة، ولا يأخذ بضبعه إلى التطول، وقد نظم وشعر في صباه وهو لم يبلغ عمره عشر سنين.
ويحدثنا شعره أنه ما كان يعد الشعر لنفسه فضيلة ومأثرة بل كان يتخذه وسيلة إلى غرضه فيقول:
وما الشعر فخري ولكنما | أطـــــول به همة الفاخر | |
أنــزهه عن لقاء الرجال | واجعـــله تحــــفة الزائر | |
فما يتهـــدى إليه الملوك | إلا مـــن المثــــل السائر | |
وإني وإن كنت من إهله | لتنكر في حرفة الشاعــر |
ويقول:
ومـــــا قولــي الأشعار إلا ذريعة | إلـــــى أمـــــل قـد آن قود جنيبه | |
وإنـــــي إذا مـــــا بلغ الله غــاية | ضمنت له هجر القريض وحوبه |
ويقول:
ما لك ترضى أن يقال: شاعر ؟ | بعـــــدا لهــــا من عدد الفضايل | |
كفـــــاك مــا أروق من أغصانه | وطــــال مــــن أعلامه الأطاول | |
فكـــــم تكـــــون ناظمـــــا وقائلا | وأنـــت غب القول غير فاعل؟! |
وهو في شعره يرى نفسه أشعر الأمم تارة، ويرى شعره فوق شعر البحتري ومسلم بن الوليد أخرى، ويتواضع طورا ويجعل نفسه زميل الفرزدق أو جرير، ويرى نفسه ضريبا لزهير، ومرة يتفوه بالحق وينظر إلى شعره بعين الرضا ويرى كلامه فوق كلام الرجال، وقد أجمع الأكثرون إنه أشعر قريش قال الخطيب البغدادي في تاريخه ٢ ص ٢٤٦: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ وكان أحد الرؤساء يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: الرضي أشعر قريش.
فقال ابن محفوظ: هذا صحيح وقد كان في قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضي.
وحمل الثناة على أدبه وشعره كبقية مآثره وفضائله وملكاته الفاضلة متواترة في المعاجم يضيق عن جمعها المجال، فنضرب عنها صفحا روما للاختصار، ونقتصر بذكر نبذة يسيرة، منها:
١ - قال النسابة العمري في (المجدي ): إنه نقيب نقباء الطالبيين ببغداد وكانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل وغيرة عليهم وعسف بالجاني منهم، وكان أحد علماء الزمان قد قرأ على أجلاء الرجال وشاهدت له جزءا مجلدا من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر، وشعره أشهر من أن يدل عليه، وهو أشعر قريش إلى وقتنا، وحسبك أن يكون قريش في أولها الحرث بن هشام والعبلي وعمر بن أبي ربيعة، وفي آخرها بالنسبة إلى زمانه محمد بن صالح الموسوي الحسني، وعلي بن محمد الحماني[٥] وابن طباطبا الاصبهاني[٦].
٢ - قال الثعالبي في (اليتيمة ): هو اليوم أبدع أبناء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلى مع محتده الشريف، ومفخره المنيف، بأدب ظاهر، وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين كالحماني وابن طباطبا وابن الناصر وغيرهم، ولو قلت: إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القدح، الممنع عن القدح، الذي يجمع إلى السلاسة متانة، وإلي السهولة رصانة، ويشتمل على معان يقرب جناها، ويبعد مداها، وكان أبوه يتولى نقابة نقباء الطالبيين ويحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده الرضي سنة ٣٨٨ وأبوه حي.
٣ - قال ابن الجوزي في (المنتظم) ٧ ص ٢٧٩ كان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا وكان عالما فاضلا وشاعرا مترسلا، عفيفا عالي الهمة متدينا، اشترى في بعض الأيام جزازا من امرأة بخمسة دراهم فوجد جزءا بخط أبي علي بن مقلة فقال: للدلال أحضر المرأة فأحضرها فقال: قد وجدت في الجزاز جزءا بخط ابن مقلة فإن أردت الجزء فخذيه وإن اخترت ثمنه فهذه خمسة دراهم. فأخذتها ودعت له وانصرفت، وكان سخيا جوادا.
٤ - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: حفظ الرضي القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدة يسيرة وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا، وكان عالما أديبا، وشاعرا مفلقا، فصيح النظم ضخم الألفاظ قادرا على القريض، متصرفا في فنونه إن قصد الرقة في النسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشق فيه غباره، وإن قصد في المراثي جاء سابقا والشعراء منقطع أنفاسها على أثره، وكان مع هذا مترسلا ذا كتابة، وكان عفيفا شريف النفس عالي الهمة مستلزما بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة حتى أنه رد صلات أبيه.
٥ - قال الباخرزي في (دمية القصر) ص ٦٩: له صدر الوسادة بين الأئمة و السادة وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاء: ما أنورك، ولحضارة: ما أغررك، وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه، وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب انتسب رقة الهواء إلى نسيبه، وفاز بالقدح المعلى في نصيبه، حتى إذا انشد الراوي غزلياته بين يدي الفرهاة، لقال له من العز: هات، وإذا وصف فكأنه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف، وإن مدح تحيرت فيه الأوهام بين مادح وممدوح، له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابق مروح، وإن نثر حمدت منه الأثر، ورأيت هناك خرزات من العقد تنفض، وقطرات من المزن ترفض، ولعمري أن بغداد قد أنجبت به فبوأته ظلالها، وأرضعته زلالها، وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتى شرق، وانغمس فيها حتى كاد يقال: غرق، فكلما أنشدت محاسنه تنزهت بغداد في نضرة نعيمها، واستنشقت من أنفاس الهجير بمراوح نسيمها.
٦ - قال الرفاعي في (صحاح الأخبار) ص ٦١: كان أشعر قريش وذلك لأن الشاعر المجيد من قريش ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد والرضي جمع بين فضلي الإكثار والإجادة، وكان صاحب ورع وعفة وعدل في الأقضية وهيبة في النفوس.
-----------------------------------------
[١] . طبع مع كتابه (مستدرك نهج البلاغة) في النجف الأشرف.
[٢] . ذكرت هذه الكتب له في فهرست النجاشي.
[٣] . قال الأميني: قال العلامة الشيخ عبد الحسين الحلي في ترجمة الشريف الرضي في مقدمة الجزو الخامس من (حقائق التأويل) المطبوع: لا نعرف من هو أبو الحكيم ومتى كان وما اسمه. ا ه. وهذا مما يقضى منه العجب، فإن أبا حكيم أعرف من أن يخفى على أي مترجم، فهو أبو الحكيم المعلم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن حكيم الخبري (بفتح الخاء وسكون الموحدة) أحد أساتذة العلوم العربية كن معلما ببغداد حسن الخط تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وبرع في الفرايض والحساب: وصنف فيهما، وشرح الحماسة وديوان البحتري وعدة دواوين، وسمع الحديث من أبي محمد الجوهري وجماعة، توفي يوم الثلاثا الثاني والعشرين ذي الحجة سنة ٤٧٦. وكانت له بنتان محدثتان: الكبرى (رابعة) سمعت أبا محمد الجوهري شيخ والدها، والصغرى (أم الخير فاطمة) سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد المعدل وجمع آخر وقرأ عليها السمعاني صاحب الأنساب) ببغداد أكثر كتاب الموفقيات للزبير بن بكار ماتت في رجب سنة ٥٣٤، وسبط أبي الحكيم من كريمته الكبرى أبو الفضل محمد بن ناصر بن علي السلامي الحافظ يروي عن أبي محمد الجوهري. راجع أنساب السمعاني، ومعجم الأدباء، وبغية الوعاة.
[٤] . الماذي: الدرع اللينة السهلة والسلاح كله. واليلب: الدروع من الجلود.
[٥] . أحد شعراء الغدير في القرن الثالث مرت ترجمته ج ٣ ص ٥٧ - ٦٩.
[٦] . أحد شعراء الغدير في القرن الرابع مرت ترجمته ج ص ٣٤٠ - ٣٤٧.
يتبع ...