وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الشريف الرضي وماقاله في نهج البلاغة

الشريف الرضي(ت٤٠٦هـ)[١]

فإني كنت في عنفوان السن وغضاضة الغصن ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمة(عليه السلام) يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب وجعلته أمام الكلام، وفرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين علياً(عليه السلام) وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الأيام ومماطلات الزمان، وكنت قد بوّبت ما خرج من ذلك أبواباً وفصّلته فصولاً، فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نُقل عنه(عليه السلام) من الكلام القصير في المواعظ والحكم والأمثال والآداب دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة، فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدّم ذكره معجبين ببدائعة ومتعجبين من نواصعه، وسألوني عند ذلك أن ابتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) في جميع فنونه ومتشعبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وأدب، علماً أنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجى مجتمعاً في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب، إذ كان أمير المؤمنين(عليه السلام) مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه(عليه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصّروا وتقدم وتأخّروا؛ لأنّ كلامه(عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي، فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر واعتمدت به أن أبين عن عظيم قىر أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدثرة والفضائل الجمّة وأنه(عليه السلام) انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد فأما كلامه فهو البحر الذي لا يساجل والجم الذي لا يحافل وأریت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به(عليه السلام) بقول الفرزدق:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

                       

إذا جمعتنا يا جرير المجامع[٢]

ورأيت كلامه(عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة أولها الخطب والأوامر وثانيها الكتب والرسائل وثالثها الحكم والمواعظ فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب ثم محاسن الكتب ثم محاسن الحكم والأدب مفرداً لكل صنف من ذلك باباً ومفصلاً فيه أوراقاً؛ لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عنّي عاجلاً ويقع إليّ وإذا جاء شيء من كلامه(عليه السلام) الخارج في أثناء حوار أو جواب سؤال أو غرض آخر من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها وقررت القاعدة عليها نسبته إلى أليق الأبواب به وأشدها ملامحة لغرضه وربّما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متسقة ومحاسن كلم غير منتظمة لأني أورد النكت واللمع ولا أقصد التتالي والنسق .

ومن عجائبه(عليه السلام) التي انفرد بها وأمن المشاركة فيها أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر إذا تأمّله المتأمل وفكر فيه المتفكر وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه لم يعترضه الشك في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة ولا شغل له بغير العبادة قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل لايسمع إلا حسّه ولا يرى إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه فيقط الرقاب ويجدل الأبطال ويعود به ينطف دماً ويقطر مهجاً وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد وألف بين الأشتات وكثيراً ما أذاكر الإخوان بها وأستخرج عجبهم منها وهي موضع للعبرة بها والفكرة فيها.

وربّما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردّد والمعنى المكرّر والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافاً شديداً فربما اتفق الكلام المختار في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافاً شديداً فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه ثم وجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعاً غير موضعه الأول إما بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة فتقتضي الحال أن يعاد استظهاراً للاختيار وغيره على عقائل الكلام وربما بعد العهد أيضاً بما اختير أولاً فأعيد بعضه سهواً أو نسياناً لا قصداً واعتماداً ولا أدعي مع ذلك أني أحيط بأقطار جميع كلامه(عليه السلام) حتى لا يشذّ عنّي منه شاذ ولا يندّ ناد بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إلي والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي وما عليّ إلا بذل الجهد وبلاغة الوسع وعلى الله سبحانه وتعالى نهج السبيل وإرشاد الدليل إن شاء الله .

ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب بـ(نهج البلاغة) إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها ويقرب عليه طلابها فيه حاجةالعالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلّة وشفاء كل علّة و جلاء كل شبهة[٣].

وله أيضاً:

إنه لو كان كلام يلحق بغباره، أو يجري في مضماره ـ بعد كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ لكان ذلك كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)؛ إذ كان منفرداً بطريق الفصاحة، لاتزاحمه عليه المناكب، ولا يلحق بعقوه[٤]  فيها الكادح والجاهد؛ ومن أراد أن يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك، فلينعم النظر في كتابنا الذي ألفّناه وسميناه بنهج البلاغة، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) في جميع الأنحاء والأغراض والأجناس والأنواع من خطب وكتب ومواعظ وحكم، وبوّبناه أبواباً ثلاثة، ليشتمل على هذه الأقسام مميّزة مفصّلة، وقد عظم الانتفاع به، وكثر الطالبون له، لعظيم قدر ما ضمنه من عجائب الفصاحة وبدائعها، وشرائف الكلم ونفائسها، وجواهر الفقر وفرائدها[٥].

----------------------------
 
[١] . محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أبو الحسن الرضي، نقيب العلويين ببغداد، أخو السيد المرتضى علم الهدى، حاله أشهر من أن يخفى، من اعلام القرن الخامس الهجري و كان ميلاده سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وتوفي في السادس من المحرم سنة ست وأربعمائة (ينظر: رجال ابن داود: ١٧٠).
[٢] . ديوان الفرزدق: ١/٤١٨ .
[٣] . مقدمة نهج البلاغة .
[٤] . أي بسموه وارتفاعه .
[٥] . حقائق التأويل : ٢٨٧ .
****************************