الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
ما أورده الأستاذ ( زكي مبارك ) عن المستشرق الفرنسي ( ديمومبين ) الذي أشرف على أطروحته الجامعية ( النثر الفني في القرن الرابع ) بمرحلة الدكتوراه في جامعة باريس ، فقد أراد ( ديمومبين ) أن يقلل من قيمة كتاب ( نهج البلاغة ) مستنداً إلى ما شاع من أن الشريف الرضي هو الواضع لكتاب نهج البلاغة[١] .
إن شبهة كون الشريف الرضي ( رحمه الله ) هو الذي وضع نهج البلاغة ثم نسبه إلى الإمام علي ( ع ) ليست من عند ( ديمومبين ) بالأساس ، انما هي شبهة من شبهات ( ابن خلكان ) و ( اليافعي ) و ( ابن تيمية ) و ( ابن العماد الحنبلي ) و ( الذهبي ) و ( ابن حجر العسقلاني ) و ( القنوجي ) تلقفها أمثال ( ديمومبين ) و طبلوا لها كثيراً .
إن كل تلك الشبهات أثيرت طعناً و نقداً لما في كتاب ( نهج البلاغة ) من حقائق ، و علوم ، و بلاغة ، و تشريعات ، و سنن ، و اخلاقيات ، و مناهج إنسانية راقية .
بل و بما في هذا الكتاب من دليل واضح على تميز أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) بما حمله هذا الكتاب من فنون انعدم نظيرها ، فهو ( ع ) أمير البلاغة ، و رائد الفصاحة ، و ابو الإنسانية .
قال ( ابو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي )[٢] عن كتاب نهج البلاغة : ( ... أنه فوق كلام المخلوقين ، دون كلام الخالق ، قد اعتنق مرتبة الإعجاز ، و ابتدع أبكار الحقيقة و المجاز )[٣] .
إن التشكيكات ـ من قِبل ثلة من المستشرقين ـ لم تقف عند نهج البلاغة فقط ، بل وصلت إلى التشكيك و الطعن بشخصية الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) .
فنجد أن المستشرق الألماني ( يوليوس فلهاوزن ) ـ مثلاً ـ يقول عن الإمام علي ( ع ) و بكل صلافة ، و من دون ادنى وازعٍ علمي أو اخلاقي ما نصه : ( أما علي فقد كان لاصقاً به أن مصدر خلافته يرجع إلى الثورة ، و لم يكن لديه لا الزمن الكافي و لا المقدرة على التغلب على هذا النقص بصفات شخصية ممتازة . و لم ينس أهل العراق أنهم هم الذين رفعوه إلى منصبه و كانوا أبعد عن روح النظام ، أو هم كانوا أكثر تديناً من أن يطيعوا خليفتهم حيثما يوجههم )[٤] .
[١] : النثر الفني في القرن الرابع ، ج١ ، ص ٦٩ ، ط٢ ، مصر .
[٢] : أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي ( ١٢١٧ ـ ١٢٧٠ هـ ) .
[٣] : الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ، ص ١٢٤ .
[٤] : تاريخ الدولة الإسلامية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية ، يوليوس فلهاوزن ، ترجمة : عبد الهادي أبو ريدة ، ص ٥٧ .