وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون ونهج البلاغة

الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

نُقل عن المستشرق الفرنسي ( لويس ماسينيون )[١] انتقادات وجهها لكتاب ( نهج البلاغة ) منها قوله : ( أن فيه حشواً )[٢] .

وقد رد عليه السيد ( محسن الأمين )[٣] في كتاب ( أعيان الشيعة ) بقوله : ( ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر ـ ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه و سقيمه ـ عن الأستاذ المستشرق المسيو ماسينيون الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي و انه لا يمكن ان يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها .

فهو يعتقد ان الكتب التي أخذ عنها الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الامامية لأسباب أهمها ان الامامية لا يعترفون بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وان كان علي أحق منهما بتولي أمور المسلمين فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض المؤرخين بل ان عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب ان يحتذي و صاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد و طريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما كان مثل هذه الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو امامهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيدية " اه " وهو اعتقاد فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد و طريقه في الحكم والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة الامامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الامامية تعتقد ان قوله وفعله و تقريره حجة.

وتعليله ذلك بان كتاب الامامية هو امامهم الذي يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فالإمامية لا فرق عندهم بين امامهم الذي يعيش في عصرهم وغيره في ان كلام الجميع و فعلهم و تقريرهم حجة وان كان علي أفضلهم. والزيدية وان قال البترية منهم بإمامة الشيخين الا ان الباقين و البترية بعد الشيخين يشترطون في الامام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه الجهة وبين الامامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم تصل اليه معلوماته .

وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشيء الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أهو الذوق الادبي أم النزعة الامامية وزعم ان النزعة الامامية كان لها أثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود خطب اخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف ببعض الخطب وحذف و قصر فيها وضمنت بعض الحشو .

ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف بان كلام علي ظل في الكتاب محترما لم يمس .

وهذا أيضا غير صواب فالذي كان يقود الشريف في اختياره لنصوص النهج هو الذوق الادبي والبلاغة والفصاحة لا النزعة الامامية كما توهم واستدلاله بوجود خطب تنسب لعلي قبل عصر الرضي لم تدخل في الكتاب لمخالفتها للعقيدة الامامية غير صحيح ؛

( أولا ) : لجواز ان يكون الرضي لم يطلع عليها فلا يطلع على جميع الأمور الا علام الغيوب .

( ثانيا ) : لعل تلك الخطب التي لم يذكرها مما لم يقع عليه اختياره فإنه لا يذكر كلما وجده من كلام أمير المؤمنين ( ع ) بل ينتخبه انتخابا .

( واما قوله ) بل ربما دخل في النهج إلخ فلعله يشير به إلى ما اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيره مما أجبنا عنه .

( واما ) الحذف من الخطب فقد بين الرضي انه لا ينقل جميع كلامه بل ينتخبه انتخابا ومن كان دأبه كذلك لا بد له من التصرف بحذف البعض .

واما الحشو الذي يزعمه فكان عليه ان يبينه فانا لا نرى في نهج البلاغة شيئا من هذا الحشو المزعوم )[٤] .

يعد ( لويس ماسينيون ) من أكبر مستشرقي فرنسا ، والي تسنم مناصب حساسة كان لها الدور الكبير في خدمة المشروع الاستشراقي والاستعماري والتبشيري الفرنسي ، فقد شغل منصب مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية ، وكان الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر[٥] .

إن من أهم أساليب ( لويس ماسينيون ) والتي دبّج لها المقالات الطوال هي ضرورة تشجيع الشرقيّين للدراسة في أوربا وأميركا ، وذلك للتأثير عليهم عن طريق ضخّهم في أجواء وأساليب الحياة الأوربية في التفكير والعلم والسلوك ليكون ذلك أرضية مناسبة لتطويعهم للفكر الاستعماري الأوربي ، وبالتالي توظيفهم في خدمة أهدافهم في تطويع بلدانهم الشرقية لأوربا المستعمرة ، وفي هذا يقول ماسينيون لنظرائه الأوربيين : إنّ الطلاب الشرقيّين الذين يأتون إلى فرنسا يجب أن يلوّنوا بالمدنيّة المسيحيّة .

ولعلّ من أبرز آثار هذا التوجّه لدى ماسينيون هو عنايته الفائقة ببعض هؤلاء الطلبة مثل ( ميشيل عفلق ) مؤسس حزب ما يسمى بـ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) ومنظّره الفكري و الذي قال عنه ماسينيون : ( إنّه أنبغ وأعزّ تلميذ في حياته ) .

وقد أظهرت عناية ماسينيون بميشيل عفلق بوضوح آراء التلميذ الفلسفية ومواقفه الخاصة ومدى انتمائه للفكر الأوربي الصليبي ، وترجمته الحرفية لتعاليم الدين الكنسي ومضامينه الفلسفية ، ولعلّ أبرز وأخطر ما طرحه عفلق وأسّس عليه فكر حزب البعث هو مقولته المعروفة : ( الإيمان قبل المعرفة ) . وهي مقولة نصرانية محضة أفرزتها المدرسة الكنسية ، وتوصّل إليها عقلها اللاهوتي بناءً على قواعد وأسس ( القدّيس أوغسطين ) ، التي جاءت لسدّ الثغرة الفكرية القائمة بين فكرهم اللاهوتي والعقل المتمثلة بمسألة التعقيد والنقص في إدراك الثالوث المقدس .

وينظّر عفلق مقولة : ( الإيمان قبل المعرفة  ) التي استقاها من استاذه ماسينيون مكوّنا منها الفكر القومي الذي بنا عليه إيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي فيقول : ( ... إننا نريد أن نعرف مَن قَبِل بنا ويؤثر على غيرنا من مجرد سماع نبرات صوتنا ومشاهدة حركتنا العادية وسلوكنا اليومي ، نريد أن نعرف الذين يدركوننا بالغريزة ، أيّ هواء صاف نستنشق ، أي جوّ نزيه نحيا ، دون أن نحتاج للبراهين والعلم والإثبات والأرقام ... )[٦] .

لويس ماسينيون وكديدن غيره من المستشرقين المشككين والحاقدين على الإسلام ، يتعكز بسبب ومن غير سبب على شبهات أثيرت على الإسلام عموماً وعلى كتاب ( نهج البلاغة ) بشكلٍ خاص .

لقد شكلت الشبهات التي أثارها أمثال ( ابن خلكان ) و ( ابن تيمية ) و ( الذهبي ) و ( العسقلاني ) على كتاب ( نهج البلاغة ) الأساس الذي انطلق منه كل المشككين بهذا السفر الخالد ، فنجد ان لويس ماسينيون ـ مثلاً ـ يعتمد على شبهات أثارها قبله كُتّاب ومستشرقون سبقوه ، أما هو فقد تلقفها جاهزة و انطلق بها كونها تخدم الايديولوجيا التي يتبع لها .

وقد قال ماسينيون ان في كتاب نهج البلاغة ( حشو ) ، والحشو : هو الزيادة التي لا فائدة فيها .

فقوله هنا هو تشكيكٌ عام ، إذ لم يبين لنا ماسينيون أين يقع هذا ( الحشو ) ، والهدف من وراء هذا الطرح هو التشكيك بكل نهج البلاغة لأن ( الحشو ) مشاع في كل الكتاب .

وهذا كلام في قمة التجني ، ولا اساس له ، ولا يوجد دليل واحد يدل عليه مطلقاً . نعم ، أُثير و يثار لكن ولحد الآن لم يأت أحد بمقطع واحد يتفق على انه من ( الحشو ) الزائد .

بل ، هي شبهات أثارها الحاسدون و الحاقدون ، هدفها الطعن بمصداقية كتاب ( نهج البلاغة ) وبالتالي أثارة الشكوك حول شخصية الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) .

------------------------------------------------------------
[١] : لويس ماسينيون: (١٨٨٣ ـ ١٩٦٢م) مستشرق فرنسي من مؤسسي دائرة المعارف الإسلامية في مصر, والتي كان هدفها تشويه الإسلام ونشر المسيحية, وكان ماسينيون من كبار المنصرين والطاعنين في الإسلام والقران, وصف بأنه من المستشرقين الخطرين .
[٢] : شروح نهج البلاغة ٢١٠ شرح ، الشيخ حسين جمعة العاملي ، ص ٣٣ .
[٣] : آية الله العظمى السيد محسن الأمين الحسيني العاملي ( ١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م ) .
[٤] : أعيان الشيعة ، ج١ ، ص ٥٤٣ .
[٥] : يراجع : كتاب الإسلام و شبهات المستشرقين ، ص ١٨٨ .
[٦] : في سبيل البعث ، ميشيل عفلق ، ١ .
****************************