السيد صدر الدين القبانچی
مقدمة :
لا شك ان الظروف السياسية المعقّدة التي عاشها الامام علي عليه السلام سواء في زمن خلافته أو فيما سبقها تجعل عملية اكتشاف نظرية الامام علي عليه السلام ومنهجه في التعامل مع مسألة (الوحدة الاسلامية) عملية صعبة ومعقدة، وخاصة ان تلك الظروف لم تكن من لون واحد ولا مع طرف واحد.
لحقيقة ان تلك الظروف المتعددة الجوانب والمختلفة الالوان هي ظروف تأسيسية لوضع الرؤية المتكاملة لمسألة "الوحدة الاسلامية" وهو أمر كان الامام علي عليه السلام وحده ـ ومن خلال ما يمتلكه من استيعاب كامل للاسلام جعله باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا منازع ـ هو القادر على النهوض بأعباء هذه المسؤولية في مسألة هي من أخطر المسائل حساسيّة تجاه مستقبل التجربة الاسلامية وواقعها المعاصر يومئذ، رغم أن أصل النظرية أعني نظرية (الوحدة الاسلامية) لم تكن غائبة عن النص القرآني أو تجربة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، بل كانت مطروحة وبشكل واضح على مستوى خطوطها العريضة وآفاقها العامة. الا ان تفاصيل تلك النظرية وتحديد كامل معالمها وفي ظل الموازنات المختلفة كان بحاجة الى عملية تأسيس.
ومن هنا فقد إعْتُبرَ الامام علي عليه السلام مؤسساً لنظرية "القتال على التأويل" بعد أن كان المسلمون قد عرفوا تجربة "القتال على التنزيل" فيما قبل، كما اعتُبر الامام علي عليه السلام مؤسساً لنظرية "التعايش مع حكومات الخط الآخر من أجل تحقيق مصالح اسلامية كبرى".
إنَّ هاتين القضيتين أعني "التعايش مع حكومات الخط الآخر" و"القتال على التأويل" هما من القضايا الكبرى والخطيرة للغاية والتي لم يكن للمسلمين فيها تجربة سابقة وكان على الامام علي عليه السلام أن يرسم معالم التحرك الصحيح والشرعي فيهما معاً.
لقد كانت التحولات والعقد والمستجدات السياسية السريعة التي عاشها المسلمون منذ وفاة الرسول الأكرم صلى اللهعليه وآله وسلم وحتى تسلّم الامام علي عليه السلام لقيادة التجربة الاسلامية تفرض على الامام أن يقوم بموازنات دقيقة للغاية بين كبريات القضايا الاسلامية والتى تقف في صدارتها مسألة "وحدة الامة المسلمة"، وهذا هو ما صنعه عليه السلام وفي غاية من الروعة، والصبر، والدّقة، الأمر الذي يسمح لنا بالقول أن الامام علي عليه السلام هو الشارح الاول لنظرية الوحدة الاسلامية وواضح حدودها ليس من خلال النصوص التي قدّمها فقط وانما من خلال التجربة السياسية العملاقة التي خاضها.
ان هذا الواقع يجعل دراسة الموضوع أعني "الوحدة الاسلامية" في منهج الامام علي عليه السلام بحاجة الى شمولية واستيعاب لكل المواقف، وكذلك بحاجة الى دقّة في استخلاص النتائج واكتشاف النظرية، وليس يسيراً أن نصير الى استنتاج سريع ربما يغفل بعض مفردات تلك التجربة وظروفها المحيطة.
ولهذا فاني مضطر للقول ان دراستي هذه هي دراسة تمهيدية قد تساهم في وضع خطوط عريضة للنظرية بانتظار من يتقدم لدراسات اخرى حول نفس الموضوع ربما تكون أكثر شمولية وسعةً.
وقد يحسن أن أضيف في المقدمة أن عظمة الامام علي عليه السلام والعظمة للّه وحده ـ لا تكمن في وضع أصول النظرية وحدودها وإنما النقطة الأكثر أهمية والأروع عطاءاً هي الكفاءة السياسية والبطولية النادرة التي تمكّن الامام علي عليه السلام من خلالها أن ينجح في ايجاد التطابق الدقيق بين النظرية وبين الممارسة السياسية بحيث لا تحيد عن النظرية قيد أنملة رغم ما فرضه ذلك من معاناة يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير كما كان يعبّر عليه السلام [١].
نظرية إجمالية عن الوحدة في القرآن والسنّة :
وقبل أن نستعرض منهجيّة الامام علي عليه السلام ونظريته في الوحدة الاسلامية يحسن أن نقدم صورة موجزة عن الوحدة فيما عرضه القرآن الكريم ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم .
لا شك ان القرآن الكريم هو أول من طرح وأكد فكرة "وحدة الامة الاسلامية" عبر نصوص قرآنية عديدة كما في: قوله تعالى : "إن هذه امتُكُم امةً واحدة وانا ربكم فاعبدون" [٢] .
وقوله تعالى: "انما المؤمنون اخوة " [٣] .
وقوله تعالى : "واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا... " [٤].
ضوابط للوحدة :
الا ان الوحدة الاسلامية في منطق النص القرآني ومفهومه ـ ودون ان ندخل في تفاصيل لا يتسع لها البحث كما لم نكن بصددها ـ ليست هدفاً مطلقاً، ولا تحتل أولوية منفردة في مسار العمل السياسي بحيث تصعد وتتفوق على كل الأولويات والاهتمامات الاسلامية.
فقد نلاحظ على سبيل المثال لا الحصر ان القرآن الكريم أشار الى ضابطين لهذه الوحدة :
أحدهما : التزام القرار السياسي الصادر عن القيادة الشرعية.
وثانيهما : عدم التجاوز على الآخرين والمعبّر عنه في المصطلح القرآني بـ (البغي)ففي الضابط الاول نلاحظ قوله تعالى : "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا" [٥].
وذلك بعد أن فرض عليهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم الهجرة الى المدينة المنورة.
حيث اضحت قضية الطاعة لقرار الرسول الاكرم صلى اللهعليه وآله وسلم وهو قرار الامامة والقيادة الشرعية شرطاً في الانضمام لدائرة الامة الاسلامية الواحدة، ومن دون ذلك تختل هذه الوحدة وتسقط كل استحقاقاتها.
بينما نلاحظ في الضابط الثاني قوله تعالى :"وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر اللّه".
حيث اعتبرت عملية البغي والعدوان اسقاطاً لاستحقاقات الوحدة أيضاً.
وفي ضوء ذلك نستطيع أن نفهم أن الوحدة لاتمثل قيمة مطلقة، وانما تمثّل أحد الاولويات الكبرى في مسارات التحرك السياسي الى جانب اولويات واهداف اخرى ذكرها القرآن الكريم في مجالات عديدة.
معنى الوحدة :
وحينما نريد أن نستنطق القرآن الكريم في المقصود بوحدة الامة الاسلامية التي دعا لها فاننا سنكتشف أن الوحدة في المفهوم القرآني هي عبارة عن وحدة الهوية الشخصية لابناء الامة الاسلامية ثم وحدة الكيان السياسي الذي ينتمون اليه. بما يفرضه ذلك من حقوق وواجبات.
والقرآن الكريم يصطلح على ما نسمّيه بوحدة الهوية الشخصية بعنوان "الاخاء" كما في قوله تعالى : "إنما المؤمنون إخوة " [٦].
ويصطلح على ما نسمّيه بوحدة الكيان السياسي واستحقاقاته بعنوان "الولاء" كما في قوله المكرّر في أكثر من آية شريفة : "المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " [٧].
ان معاني "المودّة" و"النصرة" و"التعاون" وغيرها مما تتحدث عنها الكثير من الآيات القرآنية هي جميعاً من استحقاقات وحدة الهوية والكيان بين أبناء الامة الاسلامية وهو ما تحدثت عنه عشرات من نصوص السنّة الشريفة عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم من قبيل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" [٨] .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "المسلمون يد واحدة على من سواهم" [٩].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "المؤمنون في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى" [١٠].
وغير ذلك في تفاصيل عديدة تشرح الدلالات العملية لوحدة الهوية والكيان.
ومعنى ذلك أن تعدّد اللغات والقوميات والمواقع الجغرافية وتعدّد التقاليد والتراث لا تخلّ بالوحدة الاسلامية كما لا تهدف الوحدة الاسلامية الى الغائها بمقدار ما تهدف الى ضمّها جميعاً في اطار اسلامي شامل. واهتمامات اخلاقية وفكرية مشتركة تجعل تلك الفوارق والتمايزات في مرتبة متأخرة من التأثير على السلوك الشخصي والسياسي للفرد والجماعة.
استحقاقات الوحدة :
كما أنَّ وحدة الكيان السياسي للامة الاسلامية لا ترفض حالة التعددية في الشعوب الاسلامية أو حتى الدول الاسلامية ـ على بحث أوسع تحتاجه هذه المسألة بالذات ـ وانما تفرض وحدة الكيان السياسي للامة الاسلامية أموراُ ثلاثة :
الاول : ان لا تتقاطع تلك الشعوب أو الدول في قراراتها السياسية.
الثاني : ان لا تنصهر في همومها الاقليمية بعيداً عن الهموم المشتركة لعامة المسلمين. أو المختصة ببعض الشعوب الاسلامية الاخرى.
الثالث : أن لا تتصارع فيما بينهما ضمن معارك داخلية بعيدة عن المعركة مع العدو المشترك للامة الاسلامية كلها.
كيف تعامل الإمام علي عليه السلام مع قضية الوحدة :
لدى دراسة شاملة لتجربة الامام علي عليه السلام السياسية التي استغرقت ثلاثين عاماً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سوف نكتشف ان الامام كان يتعامل مع قضية "الوحدة الاسلامية على اساس منهج خاص وأولويات محددة مرسومة تستطيع ان تفسر كل التعددية الملحوظة في مواقفه عليه السلام، وكانت قضية "وحدة الأمة" أحد المفردات الفاعلة والمؤثرة في ذلك المنهج.
ويمكن ان تقرأ له عليه السلام نصوصاً عديدة في هذا الشأن مثال قوله عليه السلام : "والزموا السواد الاعظم، فان يد اللّه مع الجماعة، وأياكم والفرقة فان الشاذ من الناس للشيطان كما ان الشاذ من الغنم للذئب" [١١].
وقوله عليه السلام: "ليس رجلٌ أحرص على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وألفتها مني ابتغي بذلك حسن الثواب، وكرم المآب، وسأفي بالذي وأيت على نفسي" [١٢].
وكان ذلك في جوابة الى أبي موسى الاشعري حين رأى خلع عليّ ومعاوية من الخلافة توحيداً لجماعة المسلمين!!.
أن أحداً لا يشك في ان الامام علي عليه السلام كان أبعد الناس عن السياسة النفعية "الميكافيليّة" في التعامل مع القضايا، وهو حين يدعو الى الوحدة ويطلب الدخول في صفوف الجماعة لم يكن يهدف الى تدعيم حكومته أو تقوية سلطانه، بل قد رأيناه يدعو الى الوحدة حينما كانت القيادة السياسية له.
والجماعة معه، ورأيناه يدعو الى الوحدة يوم كانت القيادة السياسية بيد غيره ـ ممن اختلف معهم واختلفوا معه ـ وذلك حفاظاً على الكيان الاسلامي من التمزق والانهيار امام عواصف الفتن الداخلية والخارجية، ويمكن أنْ نقرأ له هنا قوله وهو يشرح موقفه بعد تسلّم أبي بكر للخلافة : "فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جَذّاء، أو أصبر على طَخِيَّةٍ عَمْيَاءَ.. فرأيت أن الصبر على هَاتَا أحْجَى، فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تُراثي نهباً.." [١٣].
ويقول في ذلك أيضاً : "فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون الى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي انما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب فنهضت في تلك الاحداث حتى راح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه" [١٤].
كما أن احداً لا يشك أيضاً أنَّ قضية استلام الحكم والوصول الى السلطة لم تكن هي القضية الاولى التي كان ينطلق منها الامام في رسم مواقفه وسياسته رغم أنها قضيّة ذات أهمية خاصة حينما ينظر اليها من زاوية دورها في الحفاظ على نجاح التجربة الاسلامية وتحقيق أهدافها [١٥].
وعلى خلاف عدد آخر من الذين عاصروا الامام علي عليه السلام وخالفوه فقد كانت سياساتهم محكومة لدوافع ذاتية، ومنهجيّة نفعيّة بعيدة عن القيم والاهداف الاسلامية الكبرى.
ولسنا حالياً بصدد الحديث عن سياسة الامام علي عليه السلام فان بحثنا يختص بموضوع "الوحدة الاسلامية" من وجهة نظرالامام علي عليه السلام وحركته السياسية.
غير ان من الحق الاعتراف بان مسألة استلام الحكم لم تكن خارجه عن اهتمامات الامام علي عليه السلام فقد سمعناه يقول : "لنا حقّ فأن اعطيناه والاّ ركبنا أعجاز الابل" [١٦] وشهدناه يدخل الشورى السداسيّة التي عينها عمر بن الخطاب ويعمل جاهداً على كسب الاصوات لصالحه، وقد سجّل له التاريخ قوله في الرد على من اتهمه بأنه طالب رئاسة : "وقد قال قائل : انك على هذا الامر يابن ابي طالب لحريص، فقلت بل أنتم لأحرص وأبعد، وانا أخص واقرب، وانما طلبتُ حقاً لي وانتم تحولون بيني وبينه" [١٧].
الاّ ان ما يجب معرفته هو ان مسألة استلام الحكم لم تكن هي الاولى في سلم اهتمامات الامام السياسية ولا كانت هي الهدف لديه بمقدار ما كان الهدف هو المحافظة على الكيان الاسلامي حالياً وسلامة التجربة مستقبلياً كما سوف نشير اليه، وقد أثر عنه قوله لابن عباس : ما قيمة هذا النعل؟ فأجابه : لا قيمة لها، فقال عليه السلام : "واللّه لهي أحبّ اليّ من إمرتكم الا أن اقيم حقاً أو أدفع باطلاً" [١٨].
الاهداف الكبرى لمسيرة الامام علي عليه السلام :
ما هي الاهداف الكبرى التي رسمها الامام علي عليه السلام لمسيرته وتحديد مواقفه؟
وما هو الموقع الذي احتلته قضية "الوحدة الاسلامية" قياساً لتلكَ الاهداف؟
قد نستطيع ان نُجمل ثلاثة اهداف وضعها الامام علي عليه السلام في مقدمة اهتماماته وأعطاها الاولوية القصوى في تحركه :
الهدف الاول :
المحافظة على أصل الوجود الاسلامي، والكيان السياسي للامة الاسلامية.
وفي هذا الهدف يمكن ان نسجّل للامام علي عليه السلام مبايعته للخلافة الحاكمة بعد ان كان قد سجّل موقفه تجاهها أولاً، الاّ أن استحقاقات الحالة السياسية وتطوراتها، والمخاطر التي تعرّض لها أصل الوجود الاسلامي من خلال مواقف الردّة، او تربّص المجموعات الحاقدة على الاسلام مثل موقف أبي سفيان وطلبه من الامام علي عليه السلام أن ينهض ضد الجماعة الحاكمة ويتعهد له بأن يحشد أكبر قوات لصالحه، كل ذلك دعا
الامام علي عليه السلام وحفاظاً على الكيان السياسي للمسلمين أن يتنازل عن حقّه المغتصب [١٩] .
الهدف الثاني :
المحافظة على نقاء التجربة الاسلامية من خلال احقاق الحق وابطال الباطل ورسم النموذج الصحيح لحركتها قدر الامكان، سواءاً على مستوى الدولة أو الأمة.
وفي هذا الهدف يمكن أن نسجّل للامام عليه السلام مواقف عديدة بدءاً من اعتراضه على حكومة السقيفة، ومحاولة شرح الحقيقة للامة واعادة الحق لاهله، وحتى اصراره على عدم قبول البيعة له ـ في الشورى السداسيّة ـ على كتاب اللّه وسنّة رسوله وسيرة الشيخين.
ويدخل في اطار هذا الهدف موقفه عليه السلام تجاه ولاية معاوية حين طلب منه البعض أن يبقي معاوية على ولاية الشام حتى اذا استتب له الامر عزله، وكذلك موقفه في مسألة التسوية بالعطاء بين العَرب والموالي فقال عليه السلام في هذا الشأن حين عوتب على ذلك :
"أتأمروني ان أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه، واللّه لا أطور به ما سَمَر سمير، وما أمَّ نجمٌ في السماءِ نجماً، لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنَّما المال مال اللّه، ألا وإنَّ اعطاءَ المالِ في غيرِ حقِّهِ تبذيرٌ واسرافٌ" [٢٠].
ولقد كان الامام شديداً للغاية في التزام الحق وعدم تقبّل أي نوع من أنواع التسامح على حساب الحق ومقاييسه، حتى رأيناه يكتب الى بعض عماله وقد غدر به ونَهَب بيت المال في البصرة قائلاً له : "فاتق اللّه واردد الى هؤلاء القوم أموالهم فانك ان لم تفعل ثم امكنني اللّه منك لاعذّرن الى اللّه فيك، ولاضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً الا دخل النار. وواللّه لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفراً مني بارادة حتى آخذ الحق منهما.." [٢١] .
الهدف الثالث :
المحافظة على سلامة العقيدة الاسلامية والدفاع عنها.
وفي هذا الهدف يمكن أن نسجّل عكوفه على جمع القرآن الذي عرضه في خلافة عثمان بن عفّان فردّوه عليه.
كما يمكن أن نقرأ له عليه السلام عشرات الدفاعات عن العقيدة حين كان علماء اليهود والنصارى يجابهون الخلافة الحاكمة باسئلة واثارات وما كان بوسعهم الاجابة عليها الاّ من خلال الامام علي عليه السلام فكان عليه السلام هو الملجأ في الردّ على تلك الشبهات ودفع تلك الاثارات حين لم يكن للحكومات الا ان تستسلم لتلك الاثارات أو تقمع اصحابها بالسيف وكلاهما غير مجدٍ.
ولقد استطاع الامام من خلال تلك الدفاعات الصادقة والقوية ان ينتزع من عمر بن الخطاب مقولته المعروفة "لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن".
الوحدة مشروع متحرك مع كل الاهداف :
هذه هي الاهداف الثلاثة التي وضعها الامام علي عليه السلام في مجمل حركته السياسية والفكرية :
الاول : المحافظة على أصل الوجود الاسلامي.
الثاني : المحافظة على نقاء التجربة الاسلامية.
الثالث : المحافظة على العقيدة الاسلامية.
وقد نستطيع أن نعتبر الوحدة الاسلامية هدفاً آخر من اهداف التحرك لدى الامام علي عليه السلام [٢٢]، الاّ أننا نعتقد ان الوحدة الاسلامية ليست هدفاً في عرض الاهداف الأخرى بل هي مشروع يتحرك مع كل الاهداف الأخرى، وهي قبل ذلك ليست هدفاً في حد ذاته بمقدار ما هي ضرورة تفرض نفسها أحياناً في الطريق نحو تحقيق الاهداف الأخرى، فضلاً عن كونها طموحاً يعبّر عن مدى الانصهار بالفكر والقيم الاسلامية.
وعلى اساس ذلك وجدنا الامام علي عليه السلاميقترب من الوحدة احياناً ويبتعد عنها احياناً اخرى بمقدار ما يفرض عليه الموقف تجاه الاهداف الاخرى وقياساً للجماعات الاخرى وطبيعة حركتها.
نحن نعتقد ان الامام عليه السلام استطاع ان يرسم الصورة الصحيحة للوحدة الاسلامية بعيداً عن جعلها مبرراً لتمرير سياسة المساومة والاستئثار على حساب الحق والامة من أجل كسب الاصوات وشراء الاصدقاء، وهذا ما سنشرحه لاحقاً ان شاء اللّه.
التوازن بين "الوحدة" و "الأهداف الاسلامية" :
لم تكن "الوحدة" في منهج الامام علي عليه السلام ذات قيمة مطلقة تتعالى بها فوق الاهداف الاسلامية الكبرى، بل كانت تأخذ موقعها المناسب من خلال ما تساهم في تحقيق تلك الاهداف، وهذا ما لاحظناه في سياسة الامام علي عليه السلام ومواقفه طوال ثلاثين عاماً من تجربته السياسية الغنيّة بالعطاء.
لقد اقترب الامام من الوحدة واعطاها الاولوية في مواقع عديدة، بينما وجدناه إبتعد عنها وخاض حروباً داميةً في داخل الصف الاسلامي ورفض كل عروض الصلح المطروحة عليه في مواطن اخرى.
لماذا؟ وما هو المنهج؟
لقد اندمج الامام مع الخلافة الحاكمة بعد رسول اللّه صلىاللهعليه وآله وسلم وقف الى جانب أبي بكر وبايعه بعد انقطاع وامتناع.
وقف الى جانب عمر بن الخطاب وكان ناصحاً له.
وقف الى جانب عثمان بن عفان وكان مدافعاً عنه.
وهو في كل هذه المواقف لا يمتنع أن يسجّل رأيه القاطع والصريح في تلك الحكومات ومواقفها السياسية أو الفكرية.
لماذا ـ اذن ـ وقف الى جانبها واندمج معها وتجرّع مرارة الألم، وحرارة اللوعة، وصبر على حقٍ مضيَّع، كما كان يقول عليه السلام : "فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمرِّ من العلقم، وآلم للقلب من وخز الشفار" [٢٣].
هناك تفسيران لهذا الموقف :
التفسير الاول :
هو أن الامام لم يكن قادراً على التغيير، وسوف تكون عملية الثورة والمواجهة عملية انتحاريّة غير ذات جدوى.
وربما كانت بعض تصريحات الامام عليه السلام تشير الى هذا المعنى كما في قوله عليه السلام.
"اللهم إني استعيذك على قريش ومن أعانهم، فأنهم قد قطعوا رحمي، واكفؤوا إنائي، واجمعوا على منازعتي كنت أولى به من غيري...فنظرت فاذا لي ليس رافد وذاب ولا مساعد الا اهل بيتي فظننت بهم عن المنيّة" [٢٤] .
ولكن هذا التفسير ـ رغم واقعيته ـ وكما تدلل عليه نصوص اخرى للامام عليه السلام الاّ انه وحده لا يشرح الموقف بالكامل، فان الامام في معركته ضدّ معاوية كان يقرأ النتيجة نفسها وكان يتنبأ بشهادته وغلبة معاوية وآل أمية على الحكم ومع ذلك لم يكن مستعداً للابقاء على معاوية او شراء ضمائر اصحاب المطامع الذين ثاروا عليه فيما بعد.
الامام غير قادر على التغيير هنا وهناك معاً، فلماذا صالح هناك وقاتل هنا، صالح الخلافة الحاكمة بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصالح الناكثين والقاسطين والمارقين ايام خلافته. الانحراف هو نفس الانحراف، بل هذا الانحراف الثاني هو امتداد للانحراف الاول وعلي لم يكن قادراً على التصحيح هنا كما لم يكن قادراً هناك ايضاً، فلماذا اختلف الموقف؟
التفسير الثاني :
هو أن الاهداف الاسلامية الكبرى هي التي فرضت على الأمام ان يتعايش مع الخلافة الحاكمة وهي نفسها التي فرضت عليه أن يقاتل خطوط الانحراف ايام حكومته وخلافته.
المحافظة على الكيان الاسلامي، ورسم النموذج الصحيح للاسلام، والدفاع عن العقيدة الاسلامية هذه الاهداف الثلاثة كانت تفرض اختلاف الموقف في الحالين.
فالوجود السياسي للاسلام، وأصول المعتقد الاسلامي كان معرضاً للخطر بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وكان على الامام من أجل ذلك أن يصبر عن حقه ويتنازل عن موقعه، وهذا هو ما عبّر عنه في كتابه الى اهل مصر : "فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون الى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر الاسلام واهله أن ارى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم" [٢٥].
نفس هذا الوقع هو الذي جعله يقدّم النصح لعمر بن الخطاب حين استشاره في الخروج مع النفير الاسلامي العام ضد التحشد الفارسي قائلاً له : "فكن قطباً، واستدر الرَحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب فانك إن شخصت من هذه الارض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمَّ اليك مما بين يديك.." [٢٦] .
نفس هذا الواقع ايضاً هو الذي جعله يدافع عن حكومة عثمان بن عفان ويحاول تصحيح مسارها قدر المستطاع، ثم هو الذي جعله يعتذر عن قبول البيعة لنفسه بعد مقتل عثمان قائلاً : "دعوني والتمسوا غيري، فانّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول.. وانا لكم وزير خير لكم مني أمير.." [٢٧].
وخلاصة القول ان المخاطر التي تعرّض لها الوجود الاسلامي نظاماً وعقيدة ومجتمعاً هي التي سمحت للامام أن يعيش في الظل ويعمل على تصحيح مسار التجربة الحاكمة قدر المستطاع أيام الخلافة الراشدة ويطلق مقولته المعروفة "سأصبر ما لم أخف على جماعتكم" [٢٨].
بينما وقوفه على رأس الهرم ايام خلافته، ونظر الناس اليه باعتباره النموذج الصحيح والشارح الكامل للاسلام لم يكن يسمح له بالتنازل أو المداهنة مع انحرافات كان يرى نفسه مسؤولاً عن مواجهتها ورد خطرها حيث لا خوف على اصل الوجود الاسلامي من خارج.
ان الخوف هذه المرة ينبع من انتصار الانحراف الداخلي واكتسابه الشرعية التي ستجعله نموذجاً صحيحاً الى الابد وكان ذلك كفيلاً ـ لو حدث ـ بانهيار المجتمع الاسلامي كله على المدى القريب.
لكن بسالة الامام علي عليه السلام، وتشخيصه الدقيق للخطر، وفضحه لخطوط الانحراف، وسلبها الشرعية بالكامل هو الذي جعل الامة تنتظر حكماً كحكم علي عليه السلام على مدى القرون الآتية رغم خسارة علي وشهادته وغلبة خط الانحراف وحكومته.
هذا الواقع هو الذي جعل الامام علي عليه السلام يخوض حروباًبلا هوادة، ويستبسل في القتال دون حراجة وهو يقول : "واللّه لو تظاهرت العرب على قتالى لما ولّيت عنها" [٢٩].
ويقول في موضع آخر حين قيل له : "ان الحرب قد أكلت العرب" فقال : "ألا ومن أكله الحق فالى الجنّة، ومن أكله الباطل فالى النار" [٣٠].
ان الامام وهو يقف على رأس الحكم هذه المرة يجد نفسه مسؤولاً عن رسم النموذج الصحيح لتجربة الحكم الاسلامي والقيادة الاسلامية، ولذا كان يقول : "ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحق، وخابط الغيّ من إدهان ولا إيهان.." [٣١] .
ويقول في موضع آخر : "وان أعظم الخيانة خيانة الامة، وأفظع الغِش غش الائمة" [٣٢] .
هذا هو التفسير الثاني لاختلاف موقف الامام بين مرحلة حكومته ومرحلة ما قبل حكومته. ونحن نعتقد ان كلا التفسيرين صحيح حينما نجمع بينهما معاً.
لاحظوا ان علياً لم ينتصر على الانحراف ايام حكومته ومع ذلك حين قُتل في المحراب قال "فزت ورب الكعبة" ولكنه لم يكن قادراً على اطلاق هذه المقولة لو دخل في مواجهة مسلحة او مقاطعة كاملة مع الخلافة الراشدة نتيجتها أن يُقتل غيلةً أو في ساحة حرب.
ومعنى ذلك ان المواجهة مع خطوط الانحراف التي برزت أيام حكومة الامام علي عليه السلام كانت مواجهة ناجحة بحسب تقدير الامام وتحقق له مقاصده الكبرى أو شيئاً منها، بخلاف المواجهة مع الانحراف فيما قبل حكومته، خصوصاً اذا أخذنا بعين الاعتبار ان الخلافة الراشدة كانت تتمتّع لدى الكثير من الناس يومئذ بشيء غير قليل من القدسية أو الاحترام أو على الاقل هي قادرة أن تظهر بذاك المظهر أمام علي عليه السلام الذي سيبدو كأنه يطالب بحقوق شخصية ومصالح ذاتية.
ولنعد الى مسألة "الوحدة".
الوحدة كما قلنا في منهج الامام علي عليه السلام هي قضية تأخذ قيمتها بمقدار ما تحقق من تقدّم لصالح الاهداف الكبرى.
لقد حقق الامام الوحدة ايام الخلفاء الثلاثة، ولم يحققها أيام خلافته، لماذا؟ لان المطلوب هو وضع الوحدة في مسارها الصحيح وموقعها المناسب قياساً للاهداف الاسلامية الكبرى فهي بذاتها لا تمثل قيمة مطلقة كما شرحنا، بل هي مفردة في آليات التحرك من أجل تحقيق نصر أكبر لاهداف الاسلام، وهذا هو ما عبّرنا عنه بـ "التوازن بين الوحدة والأهداف الاسلامية الكبرى".
التوازن بين الوحدة وقيم (الحق) الأخرى :
وكما كان الامام عليه السلام يجهد لحفظ التوازن بين الوحدة والاهداف الاسلامية الكبرى، كذلك كان يجهد لتحقيق التوازن العادل بين مقتضيات الوحدة الاسلامية ومقتضيات القيم الاسلامية الاخرى، والتي تُجملها وتجمعها كلمة "الحق" فلقد وجدنا الامام يُصرُّ في مختلف مواقفه على ان لا يتجنّب الحق مهما كلفه الامر ولو على حساب الاصدقاء والانصار، وحتى على حساب وحدة الصف، واجتماع الكلمة.
"الحق" هو المقولة التي دافع عنها الامام علي عليه السلام ونذر نفسه لها غير عابئ بمن خالفه، ولا مكترث بمن ناهضه.
"الوحدة" يجب ان نقوم على اساس الحقّ، وفي الطريق نحو إقامة الحقّ، وعبر أساليب الحقّ . طبعاً فان "الحقّ" ليس مقولة مبهمة أو مجملة. الحقُّ مقولة تشرحها القيم وأحكام الشريعة الاسلامية في مختلف المجالات الشخصية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية [٣٣].
لم يقمع الامام "الصوت الآخر" ولا "الموقف الآخر" لان حرية الرأي حقّ والموقف الآخر لا مانع منه سياسياً، اذا لم يَتحول الى تمرّد ونقض للعهود وتهديد لوحدة الامة، وهذا ما يمكن ان نقرؤه في موقفه من طلحة والزبير حين استئذناه للعمرة وهو يعلم "انهما لا يريدان العمرة، بل يريدان الغدرة" كما كان يقول عليه السلام، وكذلك موقفه من عبداللّه بن عمر حين امتنع من البيعة فتركه الامام لحاله.
هذا هو نموذج واحد من منهجية الامام في تحقيق الوحدة.
كما لم يسخّر الامام بيت المال لتحقيق المكاسب السياسية بعيداً عن العدالة في التوزيع، وتجاوزاً على حق المسلمين فيه.
وذلك ما عبّر عنه بشكل رائع في موقفه مع أخيه عقيل حين طلب منه مزيداً من العطاء، من بيت المال فرفض عليه السلام ذلك [٣٤] .
هذا نموذج آخر في منهجية الامام لتحقيق الوحدة :
كما أصرَّ الامام على ردَّ القطائع التي كان عثمان بن عفان قد قطعها بغير حق لكثير من ذويه والمقرّبين اليه، فقال عليه السلام: "واللّه لو وجدته قد تزوج به النساء، ومُلِكَ به الاماء لرددته فأن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق" وهذا يعني أنه لا يرتضي كسب الاصوات وتحقيق وحدة شكليّة عن طريق التصرّف اللامشروع باموال المسلمين.
كما اصرّ على التسوية في العطاء بين المسلمين على خلاف ما صنعه السلفُ من التفاضل في العطاء، وحين عوتب على ذلك قال : "لو كان المال لي لسوّيت بينهم فكيف وانما المال مال اللّه" [٣٥] .
لا شك أن كل هذه المواقف كانت تثير المتضررين وتؤلبهم ضدّ الامام علي عليه السلام وربما تجعلهم يلتحقون بالصف الآخر، الاّ ان ذلك كله لم يثن الامام عن التزام جادة الحق، ولم يضطره مشروع الوحدة مع هؤلاء الاقوام ومحاولة كسب ودّهم للتجاوز على حقوق اللّه وحقوق الآخرين، ولذا نراه يقول وهو يضع منهجه السياسي حيث عُرضت عليه البيعة بعد مقتل عثمان : "واعلموا أني إن أجبتكُم ركبتُ بكم ما أعلم، ولم أصغِ الى قول القائل وعتَب العاتب" [٣٦] .
أن عظمة هذه المواقف سوف تتجلى اكثر حينما نقارن بينها وبين مواقف آخرين قمعوا مخالفيهم، واستباحوا دماءهم [٣٧]، وفرضوا الوحدة بالقهر وبحّد السيف. أو أطلقوا العنان لبعض ولاتهم حتى بنوا القصور الحمراء، واغمضوا على كل ذلك أبصارهم من أجل كسب ودهم واتقاء شر أقوامهم [٣٨] أو أهدروا كرامة أصدق الناس لمجرد أنهم خالفوهم [٣٩].
ان الوحدة التي أرادها الامام علي عليه السلام هي وحدة لا تصادر حقوق الآخرين، ولا تفرض نفسها بحدّ السيف، ولا تتسامح في دين اللّه وحدوده، ولا يتفاضل الناس فيها على اساس من مال أو عشيرة أو جاه بعيداً عن تقوى اللّه.
ذلك هو علي عليه السلام القائل :"الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه" [٤٠] .
ويقول مؤكداً هذا المفهوم في كتابه الى مالك الأشتر حين ولاّه مِصْرَ : "إني سمعت رسول اللّه صلىاللهعليه وآله وسلم يقول في غير موطن : "لن تقدس امةٌ لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع" [٤١].
"الحق" و "الاسلام" و"حدود الشرعية" هي المثلّث الذي يؤطر الوحدة بين أبناء الامة الاسلامية وكل وحدة بعيدة عن هذه الاصول هي اضطهاد، ومصادرة حقوق، وفاقدة للشرعية، سواء استخدم فيها أسلوب القمع أو اسلوب شراء الذمم.
ها هو علي عليه السلام يقول : "واعلموا ان الناس في الحقّ أسوة" [٤٢].
"ويقول وهو يكتب لبعض ولاته : "فليكن أمر الناس عندك في الحقّ سواء" [٤٣] .
ويقول في عهده لمالك الاشتر وهو يرشده لكيفية انتخاب أعوانه ومساعديه : "ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك... وتوّلهم محاباةً وأثره فانهما جُماع من شُعَب الجور والخيانة" [٤٤] .
----------------------------------------------------------------
[١] . انظر نهج البلاغة، الخطبة ٣.
[٢] . الانبياء، ٩٢.
[٣] . الحجرات، ١٠.
[٤] . آل عمران، ١٠٣.
[٥] . الانفال، ٧٢.
[٦] . الحجرات، ١٠.
[٧] . التوبة، ٧١.
[٨] . أصول الكافي : ج ٢ باب الاهتمام بامور المسلمين.
[٩] . كنز العمال.
[١٠] . كنز العمال، ج ١ ـ ١٤٣.
[١١] . نهج البلاغة، الخطبة ١٢٧.
[١٢] . نهج البلاغة، الخطبة ٣.
[١٣] . نهج البلاغة، الخطبة ٣.
[١٤] . نهج البلاغة، الكتاب ٦٢ الى أهل مصر بيد مالك الاشتر حين جعله والياً عليهم.
[١٥] . ذكر الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر أن الامام علي عليهالسلام وفي الطريق نحو تحقيق أهدافه الاسلامية الكبرى عمل على عدة خطوط:
"الخط الاول : هو خط تسلّم زمام التجربة وقيادة الحكم الاسلامي، فقد تحرك الامام في هذا الخط حتى قيل عنه أنه اشد الناس رغبة في الحكم والولاية.
الخط الثاني : هو خط تحصين الأمة ضد الانهيار أمام الانحراف، حيث كان يتدخل الامام تدخلاً ايجابياً في سبيل تصحيح مواقف الجهاز الحاكم ولاجل انقاذ التجربة من المزيد من الضياع، وكان يتدخل سلبياً على شكل معارضة لتهديد الحكّام ومنعهم من المزيد من الانحراف.
الخط الثالث : تحديد النموذج الحقيقي والمثل الاعلى للاسلام، للحفاظ على صلة الامة بالاسلام وعلى المدى البعيد"
انظر : اهل لبيت تنوع أدوار ووحدة اهداف - السيد محمد باقر الصدر.
[١٦] . نهج البلاغة، من قصار كلماته، ٢٢.
[١٧] . نهج البلاغة، خطبة ١٧٢.
[١٨] . نهج البلاغة، خطبة ٣٣.
[١٩] . وقد سجّل ذلك بشكل واضح وصريح في خطبته المعروفة بـ "الشقشقية" حيث قال :"أما واللّه لقد تقمصّها ابن ابي قحافة وإنه ليعَلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرَحا، ينحدر عني السيَل ولا يرقى اليّ الطير، فسَدَلت دونها ثوباً، وطوبت عنها كشحاً...
فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لأخر بعد وفاته لشدّ ما تشطّرا ضَرعيها.. فصبرت على طول المدة وشدة المحنة، حتى اذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني احدهم فياللّه وللشورى متى اعترض الريب فيّ مع الاول منهم حتى صرتُ أقرن الى هذه النظائر لكني أسففت إذ اسفّوا وطرتُ إذ طاروا.." نهج البلاغة، الخطبة ٣.
[٢٠] . نهج البلاغة، خطبة ١٢٦.
[٢١] . نهج البلاغة، الكتاب ٤١.
[٢٢] . انظر في ذلك ما كتبه سماحة آية اللّه السيد محمد باقر الحكيم في كتابه "الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين" حيث سجل ثلاث مفردات كانت تتدرج في سلّم الاولويات في نظر أهل البيت .
الاولى : العقيدة الاسلامية.
الثانية : الدولة الاسلامية.
الثالثة : الوحدة الاسلامية.
الصفحة ١١٨ تحت عنوان "الوحدة والاولويات الاسلامية".
[٢٣] . نهج البلاغة، الخطبة ٢١٧.
[٢٤] . المصدر السابق، الخطبة ذاتها.
[٢٥] . نهج البلاغة، الخطبة ١٤٦.
[٢٦] . نهج البلاغة، الخطبة ١٤٦.
[٢٧] . نهج البلاغة، الخطبة ٩٢.
[٢٨] . نهج البلاغة، الخطبة ١٦٩ كما قال عليهالسلام "واللّه لاسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورُ الاّ علىّ خاصة" الخطبة ٧٤.
[٢٩] . نهج البلاغة، الكتاب ٤٥.
[٣٠] . نهج البلاغة، الكتاب ١٧.
[٣١] . نهج البلاغة، خطبة ٢٤.
[٣٢] . نهج البلاغة، الكتاب ٢٦.
[٣٣] . ولقد كان يقول عليهالسلام وهو يعبّر عن شدة التزامه باحكام اللّه وحدود الشريعة :"واللّه لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جُلب شعيرة ما فعلته، وان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، وما لعلّي ولنعيم يفنى، ولذة لا تبقى، نعوذ باللّه من سُبات العقل، وقبح الزلل وبه نستعين" نهج البلاغة، الخطبة ٢٢٤.
[٣٤] . قال عليهالسلام :
"واللّه لقد رأيت عقيلاً وقد املق حتى استماحني من بُركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الالوان من فقرهم، كأنما سوّدت وجوهم بالعظلم، وعاودني مؤكداً، وكرّر عَلَيَّ القول مردداً، فاصغيتُ اليه سمعي، فظنّ أني أبيعه ديني، واتّبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دِنِف من ألمها، وكاد ان يحترق من ميسَمها، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبة، وتجرّني الى نار سجّرها جبارها لغضبه". نهج البلاغة، الخطبة ٢٢٤.
[٣٥] . نهج البلاغة، خطبة ١٥.
[٣٦] . نهج البلاغة، خطبة ٩٢.
[٣٧] . كما نلاحظ ذلك في الموقف من سعد بن عبادة حين تم اغتياله، او الموقف مع مالك بن نويرة لمجرد أنه امتنع من اعطاء الزكاة لخلافة أبي بكر اعتقاداً بان الامام علي عليهالسلام هو الأحق بالخلافة.
[٣٨] . كما نلاحظ ذلك في تولية الخليفة الثاني معاوية بن أبي سفيان الشام.
[٣٩] . كما نلاحظ ذلك في موقف عثمان بن عفان بن أبي ذر الغفاري حين أمر بطرده الى الربذة وقال : "برئت الذمة ممَن خرج لتوديع أبي ذر".
[٤٠] . نهج البلاغة، الخطبة ٣٧.
[٤١] . نهج البلاغة، الكتاب ٥٣.
[٤٢] . نهج البلاغة، الكتاب ٧٠.
[٤٣] . نهج البلاغة، الكتاب ٥٩.
[٤٤] . نهج البلاغة، الكتاب ٥٣.
يتبع .......