الدكتور : صالح الورداني
(جمهورية مصر العربية)
قال رسول الله (ص):
الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان، هناك الزلزال والفتن. رواه البخاري
هذه شهادة رسول الله (ص) في نجد منبع الوهابية.
تعرض التراث الإسلامي في العقود الأخيرة لهجمة شرسة من قبل الوهابيين تحت شعار تنقيته من البدع والمخالفات حسب منظورهم.
والهدف من وراء هذه الهجمة هو حذف كل ما يصطدم بمذهبهم وقطع الطريق على خصومهم من أهل السنة والشيعة على السواء.
ومثل هذه الهجمة إنما تضعف التراث وهو ما سوف ينعكس بالتالي على صورة الإسلام.
إلا أن الوهابيين على ما يظهر لا تعنيهم صورة الإسلام وما يعنيهم هو مذهبهم وعقائدهم التي اعتبروها هى الإسلام وما دونه بدع وضلالات.
* منهج التشكيك والهجمة الوهابية على التراث تعتمد على ما يلي:
* القيام بتلخيص كتب التفسير والتاريخ التي تحوي آراء وروايات تسبب حرجاً لهم وحذف الروايات والأقوال التي تثير الشبهات من حولهم.
* استخدام سلاح الإرهاب الفكري.
* رفض محاولات المساس بالتراث من خارج دائرتهم.
* استنفار المؤسسات والرموز النفطية للقيام بدورها في ردع أية محاولة للمساس بالتراث…
* إغراق الأسواق بالكتب التراثية التي تخدم أغراضهم.
* التركيز على كتب ابن تيمية وتلاميذه ابن القيم والذهبي وابن كثير بالإضافة إلى كتب محمد بن عبد الوهاب.
ولما كانت حملات النقد والهجوم عليهم إنما ترتكز على أطروحات تراثية تدور في فلك المذاهب الأربعة والمذاهب الأخرى، وكذلك الأطروحات الأخرى من خارج دائرة أهل السنة مثل أطروحة الشيعة والمعتزلة محل تداول المسلمين، من ثم فقد اتجهوا إلى العمل على التقليل من شان المذاهب الأربعة الأخرى والدعوة إلى نبذها بحجة أن الدين يجب أن يؤخذ من نبعيه الصافيين: القرآن والسنة الصحيحة ومجانية البدع والخرافات ومحدثات الأمور.
وبذلك تم حصر العقل المسلم المعاصر في دائرة محددة مع عزله عن الدوائر الأخرى لينحصر بالتالي مصدر تلقي الدين في حدود فقهائهم وينحصر التراث الإسلامي في حدود الأطروحات التي تخدم خطهم.
وكان شرح البخاري لابن حجر العسقلاني هو أول الضحايا حيث هجم فقيههم ابن باز بالتعاون مع محب الدين الخطيب على الكتاب وحذفوا منه العديد من النصوص.[١]
ونظراً للطعون التي وجهت للبخاري من قبل فقهاء الرجال قام ابن حجر بوضع مقدمة للدفاع عنه أطلق عليها(هدى الساري).
ومثل هذا النقد للبخاري والدفاع من قبل ابن حجر إنما يكشف لنا أن مسألة الأخذ والرد والقبول والرفض في أطروحات التراث كانت مسألة طبيعية ومقبولة لدى علماء السلف.
إلا أن الأمر يختلف عند الوهابيين فهم يريدون القضاء على الرأي الآخر بالكلية حتى لا يبقى سوى الرأي الذي يخدم مذهبهم ويصورهم كجهة شرعية تنطق باسم الإسلام.
ونبذ الوهابيون كتب العقائد لدى أهل السنة، خاصة كتب الأشعري، وقاموا بتسليط الأضواء على كتاب «العقيدة الواسطية» لابن تيمية وكتاب «لمعة الاعتقاد» لابن قدامة المقدسي الحنبلي وكتاب «التوحيد» لإمامهم محمد بن عبد الوهاب وغيرها من الكتب التي وضعها أئمة الوهابية.
وعلى رأس الكتب التراثية التي شككوا فيها :
- مروج الذهب للمسعودي.
- تاريخ اليعقوبي.
- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
- تاريخ الطبري.
- إحياء علوم الدين للغزالي ,,
- الإمامة والسياسة لابن قتيبة.
بالإضافة إلى كتب التفسيرعدا تفسير أين كثير.
ومنهج التشكيك عندهم يقوم على أساس الطعن في عقيدة المؤلف ثم في محتويات الكتاب.
أما كتب ابن تيمية فتعد من المصادر المعصومة لديهم ونصوصها هى القول الفصل.
ويلاحظ أن حملة التشكيك الوهابية إنما تتجه بكل ثقلها نحو كتب التاريخ وذلك لكونها تحوي الكثير من الروايات والوقائع التي تعري الكثير من الرموز وتكشف العديد من الحقائق التي سوف تقود بالتالي إلى تعريتهم.
ولم يكن منهج التشكيك هذا ينحصر في دائرة التراث وإنما تعداه إلى الحاضر حيث هوجم وشكك في الكثير من الرموز والكتابات الإسلامية المعاصرة.
ووجد الوهابيون في واحد من كتب التراث ضالتهم المنشودة وآداتهم المفقودة وهو كتاب:
«العواصم من القواصم» لأبي بكر بن العربي فعكفوا على تحقيقيه بعد أن حذفوا النصف الأول منه الذي يناقش فيه القضايا العقلية والكلامية وأبقوا على الجزء الثاني المتعلق بخلافات الصحابة وانطلقوا يروجونه في كل مكان ويثنون عليه ويرغبون المسلمين في قراءته واعتبروه ركيزة لمن يريد أن يؤسس فكرة وعقيدة صحيحة تجاه الصحابة.
وكتاب العواصم من القواصم هذا يعتبر أن الخوض في الخلافات التي وقعت بين الصحابة من القواصم المهلكة وان السكوت عنها من العواصم المنجية.
خصوم النهج
ومن بين الكتب التي ركز عليها الوهابيون كتاب نهج البلاغة.
تارة يشككون في نسبته للأمام علي.
وتارة يشككون في رواياته وأسانيده.
وموقفهم هذا هو امتداد لمواقف أئمتهم من تلاميذ ابن تيمية وغيرهم الذين شككوا فيه ونسبوه للشريف الرضي.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قلت هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي ولا أسانيد لذلك وبعضها باطل وفيه حق ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها ولكن أين المنصف، وقيل بل جمع أخيه الشريف الرضي.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية عن الشريف المرتضى: ويقال إنه هو الذي وضع كتاب نهج البلاغة.
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الطاهر ذي المناقب
كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين.
وله ديوان شعر كبير وإذا وصف الطيف أجاد فيه واستعمله في كثير من المواضع، وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هل هو جمعه؟ أم جمع أخيه الرضي؟ وقد قيل إنه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم.
وقال أبو الوفا الحلبي الطرابلسي في الكشف الحثيث: علي بن الحسين الحسيني الشريف المرتضى الرافضي المتكلم المعتزلي صاحب التصانيف، قال الذهبي: هو المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة وله مشاركة قوية في العلوم ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر ومن بعدهم، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات أكثر، من له معرفة بنفس القرشيين ونفس غيرهم من بعدهم من المتأخرين جزم بان الكتاب أكثره باطل.
وقال ابن حزم في الملل والنحل كما نقل عنه صاحب الوافي في الوفيات: ومن قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً أن القران مبدل زيد فيه ونقص منه، حاشى علي بن الحسين بن موسى، وكان إمامياً فيه تظاهر بالاعتزال ومع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول وكفر من قاله، وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسي وأبو القاسم الرازي، وقد اختلف في كتاب نهج البلاغة هل هو وضعه أو وضع أخيه الرضى، وحكى عنه ابن برهان النحوي إنه سمعه ووجهه إلى الحائط يعاتب نفسه ويقول أبو بكر وعمر وليا واسترحما فرحما فأنا أقول ارتدا بعد أن أسلما، قال فقمت وخرجت فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه، وكان ابن برهان قد دخل عليه في مرضه الذي مات فيه رحمه الله تعالى.
ومثل هذه الأقوال هى التي اعتمد عليها الوهابيون في هجمتهم على نهج البلاغة.
ونهج البلاغة شأنه عندهم شأن الكتب الأخرى التي تخالف مذهبهم والتي يحذرون المسلمين منها بل يرون وجوب إتلافها والتخلص منها سيراً مع نصوص أئمتهم المتطرفة.
من هذه النصوص :
قال المروزي: قلت لأحمد بن حنبل: استعرت كتابا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه.؟
قال: نعم.
قال أبو عبد الله (ابن حنبل):أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول الله (ص)، وأقبلوا على الكلام.
وقال: أخبرني محمد بن أحمد بن واصل المقري قال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرأي.؟
فرفع صوته، وقال: لا يثبت شئ من الرأي عليكم بالقرآن والحديث والآثار.
وقال إسحاق بن منصور: سمعت أبا عبد الله يقول: لا يعجبني شئ من وضع الكتب، من وضع شيئا من الكتب فهو مبتدع.
قال ابن القيم معلقاً: مسألة وضع الكتب: فيها تفصيل، ليس هذا موضعه وإنما كره أحمد ذلك، ومنع منه لما فيه من الاشتغال به والإعراض عن القرآن والسنة والذب عنهما، وأما كتب إبطال الآراء، والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس، وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة بحسب اقتضاء الحال والله أعلم.
والمقصود أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف، وإتلاف آنية الخمر، فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمان فيها، كما لا ضمان في كسر أواني الخمر وشق زقاقها.[٢]
الحملة الوهابية
ومنذ قيام الحرب العراقية الإيرانية وسقوط نظام صدام حسين والحرب الوهابية على الشيعة مستمرة دون توقف.
وطوال تلك الفترة صدرت العديد من المنشورات التي تطعن في الشيعة وعقائدهم ومصادرهم وعلى رأسها نهج البلاغة.
وهذه المنشورات لا تخرج عن كونها منشورات نقلية لا ترقى لمستوى الكتابات المنهجية الموضوعية ولغتها لغة عدائية تحريضية.
إلا أنه قد صدرت مؤخراً نسخة من نهج البلاغة أشرف عليها أحد كبار المحققين المصريين وهو عبد السلام هارون وكتب مقدمتها التي أثنى فيها على جهد المحقق داعياً له بدوام التوفيق ومتابعة السير في تلك السبل.[٣]
وكتب على غلاف هذه النسخة ما يلي: نسخة جديدة محققة وموثقة تحوي ما ثبت نسبته للإمام علي بن أبي طالب من خطب ورسائل وحكم.
وهو من تحقيق الدكتور: صبري إبراهيم السيد الأستاذ بجامعتي عين شمس بالقاهرة وجامعة قطر.
يقول هارون في مقدمته: كنا إلى الأمس القريب في ريبتين منه: أولاها: من هو صانع هذا الكتاب ,,؟
أهو الشريف الرضي، أم هو أخوه المرتضى.؟
والأخرى: مدى صحة هذا الحشد الهائل من الخطب والرسائل والحكم.
أو بعبارة أدق: ما مدى توثيق هذا الكم الضخم ونسبته إلى الإمام علي كرم الله وجهه.؟
ومن ذا الذي يقضي في هذه المسائل.؟
فإن كثيرين من علماء القرن السادس الهجري يزعمون أن معظم هذه النصوص لا يصح إسنادها إلى الخليفة الإمام، وإنما هو من صناعة قوم من فصحاء الشيعة، صنعوه ليزيدوا الناس يقيناً بما عرفوه من فصاحة الإمام واقتداره.
وقد استطاع الدكتور صبري أن يحقق نسبة الكتاب إلى الشريف الرضي بما لا يدع مجالاً للشك ثم تمكن من تحقيق نسبة النصوص في هذا الكتاب بمختلف ضروبها من خطب ورسائل وحكم إلى أصحابها.
طرح المحقق في تمهيده السؤال التالي: من هو مؤلف نهج البلاغة.؟
وأجاب بقوله: نسبة جمع هذا الكتاب إلى الشريف الرضي هو ما يشيع بين جمهور المتأدبين قديماً وحديثاً، غير أن هذا الأمر قد دار حوله الجدل، فيرى بعض العلماء أن الذي جمع نهج البلاغة ليس أبا الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي الشيعي المعروف بالشريف الرضي (٤٠٦هـ) وإنما هو أخوه أبو القاسم علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (٤٣٦هـ).
ثم استعرض أقوال السابقين وبعض المعاصرين وقدم العديد من الأدلة التي تؤكد في منظوره أن نهج البلاغة من تأليف الشريف الرضي.
ولخص أسباب الشك في نهج البلاغة فيما يلي:
- إن في الكتاب من التعريض بصحابة رسول الله ما لا يصح أن يسلم صدوره عن مثل الإمام علي، كما نراه في ثنايا الكتاب من سباب معاوية وطلحة والزبير وعمرو بن العاص.
- إن فيه من السجع والتنميق اللفظي وآثار الصنعة ما لم يعهده عصر علي ولا عرفه.
- إن فيه من دقة الوصف واستفراغ صفات الموصوف وإحكام الفكرة وبلوغ النهاية في التدقيق، وكل ذلك لم يلتفت إليه علماء الصدر الأول ولا أدباؤه وشعراؤه.
- إن فيه بعض الألفاظ الاصطلاحية التي عرفت في علوم الحكمة من بعد كالأين والكيف ونحوهما، وكذلك استعمال الطريقة العددية في شرح المسائل وفي تقسيمات الفضائل والرذائل، والكلام على الأضداد والطبائع والعد والحدود والصفات والموصوفات.
- إن في عبارات الكتاب ما يشم منه ريح ادعاء صاحبه علم الغيب وهذا أمر يجل عن مثله مقام علي.
- إن في خطبه مقاطع طويلة وقصيرة تروى على وجهين مختلفين يتفقان في المعنى ولكن يختلفان في اللفظ.
- إن الكتب الأدبية والتاريخية التي ظهرت قبل الشريف الرضي تخلو من كثير مما في نهج البلاغة.
- إن الكلام في النهج يطول إلى حد لم يؤلف في هذا الوقت وذلك كما في عهد الأشتر.
- إن ما في الكتاب من خطب كثيرة ورسائل متعددة قد اختلقه الشريف الرضي لأغراض ذهبية شيعية
- إن الشريف الرضي لم يذكر في صدر كتابه المصادر التي رجع إليها أو الشيوخ الذين نقل عنهم.
وقد تبنى المحقق لغة الخصومة التي تقوم على عقل الماضي وهو يتسائل: إذا كان هناك مبرر للصدام بمعاوية وطلحة وعمرو بن العاص من قبل الإمام علي، فما هو المبرر الذي يجعله يصطد بأبي بكر وعمر وقد كانت حسب تقديره علاقته بهما أوثق ما تكون، يعرف فضلهم ويحفظ لهم قدرهم، مستحضراً بعض الشواهد من العقد الفريد لابن عبد ربه وإعجاز القرآن للباقلاني.
ثم يقول: وإذا كان بعض هؤلاء ممن ينتسبون إلى مذهب الشيعة قد وصل به الأمر إلى الكذب على الله تعالى والخوض في آياته، أفلا يتصور بعد هذا أن يكون البعض قد خاض أيضاً في خطب علي فضم إليها ما ليس له.؟
وسيراً مع منهج الخصومة استخدم المحقق كثيراً تعبير نسبوا إليه – أي للإمام – العديد من الخطب والحكم.
يقول: نسبوا إليه الخطبة رقم واحد كلها في حين لم يثبت بالفعل سوى فقرة تبدأ من أول الخطبة وتنتهي بقوله: ولا وقت معدود.
ونسبوا إليه الخطبة رقم ٨،١٨، ٣٢، ٤٦، ٦١، ٦٤، ٩٠، ١٤٧، ١٥٢،١٦٣، ١٧٩،٢٢٥، ٢٢٨.
ونسبوا إليه الحكمة رقم ٢٣، ٣٩،٨٠، ٩٨، ١٠٥، ١١٣،، ١٢٣، ١٣٢،١٣٩، ١٤٠، ١٤١، ١٤٣، ١٤٤، ١٤٦،١٥٩، ١٦٠، ١٦٥، ١٧٢، ٢٢٧، ٢٤٠، ٢٨٦، ٢٧٨، ٢٧٦، ٢٨٠، ٢٨٢، ٢٨٥، ٣١٣، ٣٣٢، ٣٤٢، ٣٦٠، ٣٧٤، ٣٧٦، ٣٨٥، ٣٨٩، ٤٠٠، ٤٢٠، ٤٣٢، ٤٣٤، ٤٥٤، ٤٦٠، ٤٦٦، ٣٧٤، ٣٨٥، ٤٣٢.
وهكذا لم يبق على شئ من نصوص النهج والعديد من الخطب في نهجه لا تتجاوز السطرأو السطرين أو الثلاثة.
ثم يقول: وأما عن ادعاءه - أي الرضي- علم الغيب فإذا كان البعض يقول إن النبي (ص) أخبر بوحي من ربه وأن ابن عمه لا ينطق إلا بخبر رسول الله، فإن النبي لم يخبر مثلاً عن أمر الزنوج وثورتهم مثلا جاء في نهج البلاغة الخطبة رقم ١٠٢، ١٢٨، على ما يشير إلى ذلك الرضي نفسه.
وهل من الضروري إذا أخبر النبي عن ربه بأي حدث يحدث أن يفعل علي مثله.؟
والأمر عندي أن ذلك لا يخرج عن محاولتهم إثبات الوصية له، وأنه إذا كان محمداً هو الرسول فإن علياً هو الولي.
ويقول: وأما عن نسبة رواية بعض نصوص النهج- كما حدث في الخطبة الشقشقية- إلى رواة ثقة مثل ابن عباس وغيره، فغير خاف على القارئ أن غلاة الشيعة كانوا يختارون علماً أو راوية كابن عباس ينسبون إليه ما يتلقون من أحاديث مكذوبة على النبي وغيره، مثلما فعلوا في إسنادهم الحديث المشهور والذي لا يخلوا أي كتاب من كتب الشيعة منه الذي يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقد أكد كثير من علماء الحديث أن الحديث مكذوب.[٤]
وفي منشور صغير تحت عنوان: قراءة في نهج البلاغة، حاول صاحبه ضرب الشيعة بالنهج وإقامة الحجة عليهم من خلال نصوصه.
وهو يهدف إلى استثمار النصوص التي زكي فيها الإمام بعض الصحابة أو خواصهم، ومن كتاب له إلى معاوية في إثبات صحة فكرة عدالة الصحابة التي يتبناها أهل السنة وإضفاء المشروعية على فكرة الشورى والخلفاء الثلاثة وحتى على معاوية.
وعلى الرغم من الإجابة الواضحة للإمام لمن قال له: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ؟ بقوله: ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلم من ذي علم أي من رسول الله (ص).
نجد الوهابي صاحب المنشور يقول: ومع هذا كله نجد من ينسب إلى علي والأئمة أنهم يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم ويعلمون ما في الأنفس وما تخفي الصدور. الخ
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يحاول الوهابيون التشكيك في نهج البلاغة.؟
والجواب هو أن نهج البلاغة يعد في مقدمة الكتب التراثية التي تشكل إزعاجا كبيرا للوهابيين وقد اضطروا إلى التنازل عن موقفهم منه وقرروا القيام بتحقيقه وتهذيبه.
وبعد هذا كله يكن القول أن دوافع الحرب على نهج البلاغة على مستوى الماضي والحاضر هى دوافع عقدية مذهبية.
والخلاف الدائر حول نصوصه هو نفس الخلاف الدائر حول النصوص المتعلقة بأهل البيت في مصادر أهل السنة مثل النص الذي أشار إليه محقق النهج: أنا مدينة العلم.
إلا أن ما يمكن قوله هو أنه رغم هذه الحرب بقى نهج البلاغة طوال هذه القرون وحسبما ذكر المحقق في مقدمته: ولقد حظيت مأثورات الإمام علي بالكثير من الجهود سواء من القدماء أو المحدثين، فتوفروا على جمعها وتدوينها.