وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                

Search form

إرسال الی صدیق
دقة الوصف في نهج البلاغة والتقسيمات العدديّة

ان أكثر الشاكين في ( النهج ) لم يركنوا الى مقياس علمي خلا العاطفة والأغراض ولم يكونوا احرارا متجردين عن كل شيء والا متى كانت دقة التخيل ، واجادة الوصف وقفا على قوم دون قوم ، أو ليس الشعر العربي مملوء بدقة الوصف واستكماله ثم أليس لقرشي شهد تنزيل القرآن ، وصحب أفصح العرب منذ نعومة أظفاره ، وكتب له الوحي ، وسمع ما يفجره الله تعالى على لسانه من ينابيع الحكمة ، أليس لهذا القرشي ميزة عن سائر الناس [١].

وبقي شيء آخر : لقائل أن يقول : هب أن العرب تفننوا في صفات ما ألفوه كالخيل والابل ، بل وحتى النملة والجرادة ، ولكن أنى لواحد منهم أن يصف الطاوس ، وبلادهم لم تعرف هذا النوع من الأطيار .

وقد وصفه بهذه الصفة التي بلغت الغاية في الدقة حتى يقول في الخطبة : « أحيلك على معاينة » يشير بذلك الى حاله في سفاده ، ورؤية ذلك إنما تكون لمن تكثر عنده ، ويطول مكثها لديه ، وقد ذكر هذا الاشكال ابن أبي الحديد ، وأجاب عنه بقوله : « لم يشاهد أمير المؤمنين عليه السّلام الطواويس بالمدينة بل بالكوفة ، وكانت يومئذ تجبى لها ثمرات كل شيء ، وتأتي اليه هدايا الملوك من الآفاق ، ورؤية المسافدة مع الذكر والانثى غير مستبعدة » [٢].
قال شيخنا الهادي عطر الله مرقده بعد أن ذكر هذا الاعتراض : « وهذا كله من الجهل بمقام أمير المؤمنين وفضله ومبلغه من العلم » [٣].
أما استعمال الألفاظ الاصطلاحية التي عرفت في علوم الحكمة بعد تعريب كتب اليونان والفرس الادبية والحكمية ، فاترك الجواب هنا للعلامة الاستاذ الشيخ محمد جواد مغنية ففيه كفاية .
قال حفظه الله : « ان في القرآن قضايا علمية وفلسفية وتشريعية لم تعرفها العرب في عهد النبي ولا قبله ، وقد استدل علماء الكلام ، وفلاسفة المسلمين بالآيات القرآنية ، والاحاديث النبوية في كثير من الموضوعات الفلسفية التي تكلموا عنها ، فهل هذه الآيات والاحاديث منحولة مدسوسة وهل من الضروري اذا اتفق قول مع قول ان يكون أحدهما مصدرا للآخر ، وقد أثبت علماء الغرب والشرق من غير المسلمين بأن القرآن والسنة هما المصدر الأول للحضارة الاسلامية وعلومها وفلسفتها ، وكلنا يعلم أن عليا هو صنو الرسول وتلميذه ونجيه ، وشريك القرآن ، بل هو القرآن الناطق ، وما بين الدفتين القرآن الصامت .
والغريب أن هؤلاء المنكرين لا يستكثرون على ابن خلدون الكلام في علم الاجتماع قبل ان يعرفه روسو[٤] ومنتسكيو [٥] وان يقولوا عن علومه ومعارفه : « انها تدفق فجائي ، وحدس باطني ، واختمار لا شعوري » يستكثرون على باب مدينة العلم ان يصف الطاوس ، وان يقول : الله ايّن الأين فلا يقال له : أين وكيّف الكيف فلا يقال له : كيف وان يصف الباري تعالى بصفات تليق بجلاله ، وهو اعرف الناس به بعد الرسول .
هذا الى ان الامام تكلم عن أشياء لا يعرفها اليونان ولا غير اليونان » [٦] .
وأمّا استعمال التقسيمات العددية في شرح المسائل ، وبيان الفضائل والرذائل ، فالحديث النبوي ، وكلمات الصحابة ، وكلام العرب مفعم بذلك ، فأي فرق بين قول علي عليه السّلام : « الاستغفار على ستة معان . . . إلخ » [٧]

وقول الرسول عليه السّلام : ( ستة أشياء حسنة ولكنها من ستة أحسن ، العدل حسن وهو من الامراء أحسن ، والصبر حسن وهو من الفقراء أحسن ، والورع حسن وهو من العلماء أحسن ، والسخاء حسن وهو من الأغنياء أحسن ، والتوبة حسنة وهي من الشباب أحسن ، والحياء حسن وهو من النساء أحسن ، وأمير لا عدل له كغمام لا غيث له ، وفقير لا صبر له كمصباح لا ضوء له ، وعالم لا ورع له كشجرة لا ثمرة لها ، وغني لا سخاء له كمكان لا نبت له وشاب لا توبة له كنهر لا ماء فيه ، وامرأة لا حياء لها كطعام لا ملح له ) [٨] .
وقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : « ثلاث كفارات ، وثلاث درجات ، وثلاث منجيات ، وثلاث مهلكات ، فأمّا الكفارات : فإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصّلوات بعد الصلوات ، ونقل الاقدام إلى الجمعات . وأمّا الدّرجات : فاطعام الطعام وافشاء السلام ، والصلاة في الليل والناس نيام ، وأما المنجيات : فالعدل في الغضب والرضا ، والقصد في الغنا والفقر ، وخشية الله في السر والعلانية . وأما المهلكات : فشح مطاع وهوىّ متبع وإعجاب المرأ بنفسه » [٩].
وقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : ( معشر المسلمين اياكم والزنا فان فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، فأما التي في الدنيا فانه يذهب البهاء ، ويورث للفقر ، وينقص العمر ، وأما التي في الآخرة فانه يوجب سخط العرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ) [١٠].
وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : ( اخلاء ابن آدم ثلاثة : واحد يتبعه إلى قبض روحه ، والثاني إلى قبره ، والثالث إلى محشره ، فالذي يتبعه إلى قبض روحه فماله ، والذي يتبعه الى قبره فأهله ، والذي يتبعه الى محشره فعمله ) [١١].
وعن عبد الرحمن بن عوف قال : انه دخل على ابي بكر الصديق رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مهتما فقال له عبد الرحمن في جملة كلام له : إنّك لا تأسى على شيء من الدنيا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أجل اني لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت اني تركتهن ، وثلاث تركتهن ووددت اني فعلتهن ، وثلاث وددت اني سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عنهن .
فأمّا الثلاث التي وددت أني تركتهن ، فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ، ووددت اني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي واني قتلته سريحا ، أو خليته نجيحا [١٢] .

وأما اللاتي تركتهن : فوددت اني يوم اتيت بالاشعث بن قيس أسيرا كنت ضربت عنقه ، فإنّه تخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه ، ووددت اني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذى القصة ، فان ظفر المسلمون ظفروا وان هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد ، ووددت اني اذ وجهت خالد الى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق ، فكنت قد بسطت يدي كليهما في سبيل الله ، ومدّ يديه .
ووددت اني سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لمن هذا الامر فلا ينازعه أحد ، ووددت اني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ووددت اني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة فان في نفسي منهما شيئا .
اخرجه ابو عبيد « في الأموال » ص : ١٣١ والطبري في تاريخه ٤ ص : ٥٢ ، وابن قتيبة في « الامامة والسياسة » ١ : ١٨ ، والمسعودى في « مروج الذهب » ١ : ٤١٤ ، وابن عبد ربه في « العقد الفريد » ٢ : ٢٥٤ [١٣].
وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : « النساء ثلاث ، فهينة لينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ، ولا تعين العيش على أهلها ، واخرى وعاء للولد واخرى غل قمل يضعه الله في عنق من يشاء ويكفه عمن يشاء .
والرجال ثلاثة ، رجل ذو رأي وعقل ، ورجل إذا حزبه امرأتى ذا رأي فاستشاره ، ورجل حائر بائر ، ولا يأتمر رشدا ، ولا يطيع مرشدا » [١٤].
ذكر ذلك ابن قتيبة في كتاب ( غريب الحديث ) [١٥].
ولو أردنا أن نجمع الشواهد من هذا القبيل من المأثورات عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والأئمة والصحابة لجاء كتاب برأسه ، وبحسبك أن تطلع على كتابي ( الخصال ) و ( المواعظ العددية ) لترى الكثير من ذلك ، وزد على ذلك إن المرويات في ( نهج البلاغة ) من هذا النوع هو من المتواتر عن أمير المؤمنين عليه السّلام إجماعا ، مثل قوله عليه السّلام : « الناس ثلاثة » وقوله : « الايمان على أربع دعائم » كما ستراه واضحا في مباحث هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .

--------------------------------------------------------------

[١] . مقدمة الاستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد لنهج البلاغة  

[٢] . الشرح م ٢ ، ٤٨٤ ط ، الحلبي .

[٣] . مدارك نهج البلاغة ص ، ٣٩ .

[٤] . جان جاك روسو : ولد في جنيف سنة ( ١٧١٢ ) م من كبار الكتاب في علم الاجتماع الافرنسيين . ومن مشاهير الدعاة الى الثورة الاجتماعية توفي سنة ( ١٧٧٨ ) .

[٥] . مونتسكيو : مؤلف افرنسي له « اصول النواميس والشرائع » ولد سنة ( ١٦٧٩ ) وتوفي سنة ( ١٧٥٥ ) م .

[٦] . فضائل الامام علي ص ، ٧٣ .

[٧] . نهج البلاغة ٣ ، ١٥٢ .

[٨] . الارشاد للديلمي ص : ٢٣٣ .

[٩] . حلية الاولياء : ج ٦ ص ٢٦١ والسبرات : جمع سبرة وهي الغداة الباردة .

[١٠] . الخصال ج ١ ، ١٤١ .

[١١] . الترغيب والترهيب ٤ ، ١٧١ ، مجمع الزوائد ١٠ ، ٢٥١ .

[١٢] . الفجاءة : رجل من بني سليم اسمه اياس بن عبد الله قدم على ابي بكر وطلب اليه ان يعطيه سلاحا ، وأن يحمله ، فلبى طلبه فخرج يستعرض الناس مسلمهم وكافرهم ، يأخذ أموالهم ، ويقتل من امتنع منهم ، وأعانه رجل من بني الشريد يقال له : نجبة بن ابي الميثاء ، فلما بلغ ابا بكر خبره ، كتب الى طريفة بن حاجز يأمره بالمسير اليه ليقتله أو يأسره ، فسار طريقة بمن معه من المسلمين ، فلما التقى الناس كانت بينهم الرميا بالنبل فقتل نجبة بن ابي الميثاء ، واستسلم الفجاءة ، فأخذه طريقة الى ابي بكر فلما وصلا اليه أمر أبو بكر طريفة ان يأخذه الى البقيع فيحرقه هناك فخرج به طريقة الى  ، ووددت اني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - يريد عمر أو أبا عبيدة - فكان أحدهما أميرا وكنت وزيرا .مصلى المدينة وجمع له حطبا كثيرا واضرم به نارا ، ثم رماه به مقموطا ، انظر تفصيل ذلك في « تاريخ الطبري » ٣ ، ٢٣٤ « وتاريخ ابن كثير » ٦ ، ٣١٩ وغيرهما .

[١٣] . انظر الغدير ٧ ، ١٧٠ ولشيخنا الأميني تعليق لطيف جدا على هذا التسعة ليس هذا موضع ذكره فراجعه .

[١٤] . قال ابن قتيبة : البائر الهالك ، والأصل في قوله غل قمل انهم كانوا يغلون بالقدو عليه الشعر فيقمل الرجل ، ولا يأتمر رشدا أى لا يأتي برشد من ذات نفسه ، يقال لمن فعل الشيء بلا مشاورة : قد ائتمر ، وبئس ما ائتمر ، وبئس ما ائتمرت لنفسك .

[١٥] . انظر شرح ابن ابي الحديد م ٣ ، ١٣٧ .

****************************